الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ الصدمة وسقوط الانسانية في متاهات الحروب

ضحى عبدالرؤوف المل

2018 / 3 / 19
الادب والفن



تطور التاريخ الحديث والمعاصر في اوروبا بعد الحرب العالمية، واتخذ طابع التطور منهجا استمراريا دون تباطؤ في الحركة التصاعدية نحو الخروج من الأزمات بعد التأثر من مبدأ الصدمة وسقوط الانسانية في متاهات الحرب العالمية، والخطوات الحاسمة التي كانت من شأنها انهاء هذه الحرب بعد التوترات التي طالت الرؤوس، وأوقعت الكثير من الضحايا المؤرشفة بعدسات مصوري الحروب " كفرانز ادامز" وغيره. وما كان لاوروبا الحديثة ان تتطور ما لم تسقط الانسانية فيها في آتون الحرب، ونيرانها التي حصدت مساحات فكرية وانسانية وطبيعية. خسرت من خلالها اوروبا ادمغة قوية الى جانب الصراعات التي هددت السلام، وجعلتنا حتى الان نبحث عنه في ظل الثورات القائمة. ذلك أن الشعوب منذ القديم لم تكن ترعى الاهداف الانسانية في تطورها ونموها مهما كانت النتائج او العواقب الوخيمة التي من شأنها وضع الانسان في الدرك الأسفل من اهتمامات الدول التي قامت فيها الحروب او تلك التي كانت الملعب الأساسي للسياسة التي اكلت الأخضر واليابس، وادت فيما بعد الى التطور بنسبة عالية ان صح القول ، بصرف النظر عن الحركات النازية والنضال المستشرس في ظل الصراعات التي حددت المصير، واستطاعات تغيير الحدود التاريخية ان لم اقل السياسات واولياتها في وضع الاسس الحديثة التي تخلفنا عنها عربيا وتخطتها اوروبا لتصبح في مصافي الدول القوية .
صراعات طبقية سياسية جرفت في ذلك الوقت بسيولها كل قديم ووضعت الاسس النهضوية لقيام مجتمعات جديدة نتجت من مبدأ الصدمة هذا ، وفسحت المجال أمام القضايا الاجتماعية. لتبرز كواحدة من العناصر السياسية التي من شأنها تقوية الاهداف الشعبية المساعدة في ترسيخ القاعدة الجماهيرية التي تتيح للسياسة اثبات وجودها والخروج من الافكار السياسية التي كانت سائدة انذاك. لنشهد على ولادة تاريخ جديد متزين بمنظور تتعايش فيه كل الفروع المتناحرة، وان باحتفاظ ضمني بالمسببات التي ادت الى ذلك او الصحوة القوية، والبحث في مسألة التوسع العالمي الذي نشهده حاليا بعد بروز عدة صراعات شبيهة بالصراعات التاريخية التي كانت قائمة، وجعلت من اوروبا الحديثة قارة يصعب منافستها في ظل كل هذا التخلف التاريخي او الحضاري او الانساني الذي اصابنا. وجعلنا بحاجة لمبدأ الصدمة لكن دون الوقوع في خسارات انسانية نفتقد بعدها القدرة على بناء الانسان .
تغيرت مسارات الامور بعد الحرب العالمية، وتركت للانسانية جروحات لا يمكن الشفاء منها تاريخيا . لأن كل ما من شأنه ان يؤرخ لفترة سوداء هي بمثابة تفجير، لحدث مخالف لعهود الانسانية التي عكست المعايير، وجعلت من الدول التي كانت على الخط التصاعدي في هبوط حاد بعد ان كانت تؤجج الحروب، وتفتح ابواب الفتوحات او الاحتلالات. هذا عدا الاصابات التي جعلت من الانسان ينزف، ويتمزق ويتشتت ويصبح بهوية ضاعت فيها اخلاقيات الانسان، واصبحت اخلاقيات بشرية تميل الى العنف والاقتتال والتعدي على الحقوق، وجعل التاريخ يحفل بالمعارك التي تدين الانسان، وتجعله تحت مبدأ الصدمة يعيد بناء المجتمعات الانسانية التي ما زالت تفتقد للسلام. فهل ما زلنا نحمل بذرة الحروب العالمية التي قامت؟ وكيف تمت تسوية النزاعات بعد زمن حافل بالهتليرية ذات الطابع المأساوي الذي اسقط الانسانية واوقعها في فخ الحروب المتواصلة التي قضت على السلام؟. ومن هم صناع الحروب وماذا ارادو من مبدأ الصدمة ؟.
يبدو أن احداث الحرب العالمية جعلتنا نفقد الوعي ، وبالتالي لا نستطيع تقييم الاحداث كما ينبغي . لاننا ما زلنا بحاجة لمبدأ الصدمة بعد الوقوع في عدة حروب لم نستفق منها . اذ ما زلنا في ظاهرة اجتماعية تنحدر نحو الانقسامات التي تتخذ عدة هويات ابرزها المذهبي والعقائدي والرأسمالي والارستقراطي والاشتراكي ، وما الى ذلك من مسميات ولدت بعد الحرب العالمية بشكل كبير، ومن الضروري ان تقوم حضارة عالمية من شأنها رفع المستوى الانساني باحترامه للثقافات المشتركة دون الولوج الى خلافات تدخلنا في حروب تقضي على الانسانية اكثر واكثر، وتجعلنا في تخلف مستمر لم يحدث في التاريخ من قبل . فهل من زمن هتليري جديد بات خارج سيطرة البشرية التي فقدت انسانيتها في ثورات الربيع التي ادت الى مزيد من الانقسامات على الصعيد الانساني .
متى تصبح العلاقات الانسانية الجزئية علاقات دول كاملة تجمع الانسانية في عالم تلغي البشرية فيه عقائدها السابقة ؟ سؤال هو بحد ذاته يشكل مبدأ الصدمة لنا . اذ نفتقد للمنطق العالمي تاريخيا ، وما يسمى بثمرة جهود هتلر في التوسع العالمي هو اخفاق ناتج عن ديكتاتورية العلاقات السياسية، والانظمة التي تقوم على اسس لا تقدم للانسان سوى المزيد من الانهيارات التي جعلتنا نبحث عن التوالف العالمي بين الانسان والانسان، وخصوصية الفرد في شؤونه العامة والخاصة. خاصة المتعلقة بالكرامة والحقوق والتمثيل المتوافق بشكل اساسي مع الفهم العام لقيمة الانسانية .
لنتقاسم حقيقة سقوط الانسانية في متاهات الحروب علينا ان نلغي الكثير من المفاهيم التاريخية التي من شأنها وضعنا في ثقوب سوداء تتطلب منا الكثير من الجهد للخروج منها فيما بعد . اذ تستحق العقلانية الحياتية ادراك مساوىء الحروب وسلبياتها التي تمزق الانسان والطبيعة من حوله بل ! وتقضي على الاهداف الانسانية بشكل عام.
بلبلة صادمة اوقعتنا تحت تأثيرات القيم المستحدثة من الحروب المؤثرة على الافكار والثقافات، وبالتالي على النتاج الفني والادبي، وبرؤية تفتقر الى التوجيه الابداعي الذاتي الناجم عن اعادة الانسان الى طبيعة مساره بعد الحروب التي تلقاها عبر الازمنة ، وما زال يقبع تحت ويلاتها، كما يحدث الان والذي يجعل من الانسان متنافر مع طبيعته الاصلية التي خلق عليها وهي حب الخير والسلام ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق