الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(سورة)قريش..لاهوت التجارة وتجارة اللاهوت!.(3)

ماجد الشمري

2018 / 3 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كانت مكة هدفاً للحج السنوي ، وفي نفس الان سوقاً و نادياً موسمياً للحجيج و التجار و الشعراء و الانبياء الفاشلون . و هنا يظهر الامتزاج و التعاضد بين الاقتصاد و الثقافة و بين التجارة و الدين . فقد جمعت مكة كونها مكاناً للحج و مركزاً للتسوق في جزيرة العرب . فالحج الموسمي في الاشهر الحرم ، و التحريم الدائم للكعبة - البيت العتيق للأله- كلاهما معاً اديا لأنتعاش التجارة و ديمومة الطقس السنوي لشعائر الحج ( ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلاً من ربكم) - البقرة. كان المكيون ، و ضمن مكة ، و اثناء موسم الحج يتاجرون في عرفة و منى - و هذا مانلمسه اليوم في موسم الحج و مردوده المالي الملياري من الحج - الدولاري!- فأصبحت لمكة أسواقاً مضافة للاسواق القديمة : عكاظ ، و ذو المجاز ، و مجنة ، و هي الاسواق الشهيرة و القريبة من اطراف مكة . و كانت الاسواق تقام قبل الحج ، و هي اسواق قريش و قبائل العرب التي يتاجرون بها ، ثم تبدأ مناسك الحج من طواف و تلبية ، تبدأ بعرفة و تنتهي بمنى ، و الطواف و التلبية في البداية ، ثم ذبح الهدي في منى في النهاية . و كان زمزم هو مشرب الحاج- السقاية لعبد مناف- و كانت قريش تتاجر مع من يأتي في المواسم - الاشهر الحرم- الى مكة و أسواقها . و كانت قريش هم الحمس لدينهم و الالف لبيتهم الحرام ، يقومون بتقديم الخدمات كاملة لمن يحضر من الحجيج ، كالرفادة ، و السقاية ، و في سورة التوبة تجد أشارة لذلك ( اجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن امن بالله و اليوم الاخر)- بخس الخدمات ما لم تتوج بالايمان!- وقد توارثت البيوتات المكية - القرشية على تقديم تلك الخدمات - و منها بني مر الغوث بن مر و اولاده من بعده ، و توارث بني عدوان الافاضة من مزدلفة ، اما قصي بن كلاب فقد نظم الرفادة ، و فرض على فريش أمولاً خصصت لأطعام الحجيج في منى ، و كان محمد يحضر مواسم الاسواق - وخاصة في عكاظ - و الحج للترويج لدينه الجديد بين القبائل الوافدة مثل : بني حنيفة ، و كلب ، و عامر ، و الاوس و الخزرج. و كانت الكعبة مقدسة رغم الاوثان المنصوبة في داخلها. و قد احاطت قريش كعبتها بقبائل الحمس التي تصاهرت و تحالفت معها لكي تصبح مكة و ضواحيها بقعة امنة و ارض سلام و تجارة و دين . و قد وردت اشارة ايضاً لذلك في سورة العنكبوت بهذا الخصوص اولم يروا انا جعلنا حرماً امناً و يتخطف الناس من حولهم) . و هي سياسة قرشية برغماتية ذكية، خدمت تجارتها حتى تتوسع و تزدهر ، و بمباركة كعبتها المحرمة، و أوثان القبائل . و هذا النهج اتبعته قريش - كما نعتقد - بعد محاولة أبرهة الحبشي الفاشلة لتدمير كعبتهم - اذا ماثبتت حملة ابرهة كواقعة تاريخية حدثت فعلاً !- لتعزيز قوتها، و رفع سمعتها بين القبائل كنفوذ ديني و اقتصادي و قبلي . و هنا اصبح لقريش دوراً و مكانة رفيعة اقتصادياً - و هو الاهم - و دينياً -وهو المهم-و سياسياً . حيث كانت السدانة و السقاية و الرفادة لابي طالب ثم تخلى عنها لاخيه العباس بعد ما عجز عن توفير المال لتغطية نفقات الحاج . كان الارتباط التجاري - الديني القريشي يشبه كثيراً ما كان يجري في اليونان من علاقة بين زيارة المعابد، و اقامة الاسواق ، و الفعاليات الرياضية . فمكة مدينة تجارية - دينية بلا خلاف . و كان للثروة التجارية المكية دوراً فاعلاً في الاوضاع الاجتماعية و الثقافية ، اضافة للدور الاقتصادي الحاسم و المؤثر في الجماعات القبلية المتواجدة في مكة و ضواحيها. أما عن تجارة قريش و البضائع التي كانوا يتاجرون بها فهي: التوبل ، والطيب ، والبخور ، و الذهب ، و الفضة ، و العبيد . و لكونها تقع على مفترق الطرق التجارية عبر جزيرة العرب - طرق الشمال و الجنوب- و الشرق و الغرب . و قد سن هاشم الأيلاف كعرف و عهد لقريش مع القبائل . و كان اغلب الملأ المكي ، و ابرز وجهاء و اعيان قريش هم في طليعة التجار ك : عبدالله بن ربيعة المخزومي ، العباس بن عبد المطلب، أبو بكر بن قحافة ، عبدالله بن جدعان ، ابو سفيان بن حرب ، ابو أحيحة سعيد بن العاص ، الوليد بن المغيرة، وخديجة بنت خويلد ومحمد نفسه لاحقا،الخ . و كان الايلاف عبارة عن مجموعة الاتفاقات المبرمة بين هاشم - قريش ، و بين القبائل و التي حصلت قريش بموجبها على حق تمثيل تلك ، القبائل بأن تقوم بجمع بضائعهم و هي في طريقها الى الشام ، و لترد بعد العودة أثمان تلك البضائع مع الارباح . و كان الايلاف يعني ايضاً تأمين قريش لمرور قوافلها عبر القبائل على طريقها التجاري بصفقاتها التجارية معهم، او دفع مال لقاء الحراسة و الحماية ، و غيرها من اشكال الايلاف التي لم نعرفها. و هكذا كان الايلاف الفيصل و العهد و التعاهد بين قريش و القبائل هو الذي مكن المكيين ، و بفضل هذه الرحلات- رحلة الشتاء التي يجلبون فيها البضائع من الجنوب ، كالعطور و البخور ، و غيرها من منتجات اليمن ، ليبيعوها في مكة و اسواقها في المنطقة، و رحلة الصيف الى الشمال حيث الشام ، و بأخذهم لما تبقى من بضاعتهم اضافة للجلود و الملابس و الفضة و غيرها. ليعودوا من ثم محملين بالحبوب و الدقيق . و هذه هي ماهية الايلاف التي وردت في سورة قريش ، رحلة الشتاء و الصيف هما مصدر و أسباب حياتهم و تأمين طعامهم بعد الجوع، و امنهم من الخوف كما ركزت عليه السورة بتكثيف المضمون ، و لكن ما نفهمه من نص (السورة ) غير كاف لتوضيح سردية الرواية التاريخية و حقيقتها ، و ما فهمه المفسرون لا يختلف عما فهمناه نحن من خلال القراءة للنص الديني لا التاريخي الفعلي ! أما حقيقة و موضوعية الوقائع و الاحداث بشكل موثق و دقيق و مؤكد ، او ماكان يدور في ذهن محمد عندما تلى تلك السورة ، فلا نعرف شيئاً عن ذلك اكثر مما اوردته كتب السير و التفسير و التاريخ . و ما نفترضه من قراءة يعتمد كلياً على النص ( القرأن ) كوثيقة تاريخية - ادبية - دينية، و مانسج حوله و عنه من رواية او احداث شبه مؤسطرة أستلهمت المخيلة و الرؤى و الايمان أكثر مما اعتمدت على الوقائع التاريخية الفعلية ! . فأيلاف القريشيين و رحلاتهم الموسمية السنوية الدائمة من خلال تجارتهم المكوكية المباركة ذات المردود الوفير من المال و الطعام و أمن سكنهم و سلامهم و أمانهم في بطن هذا الوادي القفر . فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ، و بينهم كعبة القداسة ، لهم و لكل القبائل هذا المن و العطاء السخي من قبل الاله المكي لشعبه أو قبيلته القريشية - كما كان يهوة لشعبه المختار !- و الذي ميزهم عن باقي سكان شبه الجزيرة . كل هذا الخير و الرزق يحتاج مقابلاً ، رداً لجميل الرب ، رداً للدين ، نوعاً من المبادلة بين المادي و الروحي ، تبادل و صفقة تجارية بين الدنيوي و الماورائي !. فلقاء نعمة الاقتصاد التجاري المنقذ للمكيين ، و الممنوح و المبارك من رب مكة لدرء الجوع عن قبيلته المحبوبة قريش يجب ان يدفعوا الدين بما يقابل ، و ما انعم عليهم من فيض في الرزق . و رمزية الشكر و الامتنان و العبادة ، و لان الله لا يأكل و لا يشرب ، و لا يحتاج لشيء مادي فهو الغني عن العالمين ، فما يحتاجه او يريده حقاً هو التقدير و الاستحسان و الولاء و التقديس و الطاعة . اي بمعنى واحد هو الايمان به و عبادته ، و التعبير العبدي عن الشكر و الامتنان ، فهو لايرغب بغير ان يعبد من خلال الصلاة و الدعاء و المناجاة و الخشوع و الطواف حول بيته كل عام - ركن الحج المشرع- ممارسة روحية التبجيل و تعظيم الذات الالهية - هو المتكبر !- لما وقره لهم من خير و بسط في العيش ، جعل منهم سادة العرب ، فليعبدوا رب العرب سيد الالهة جميعاً ! و رب التجارة اولى بعبادة التجار ، و كما تاجرت قريش بالسلع فيجب ان تتاجر مع الله بالعبادة ، و لأن الدين يمول التجارة فيجب ان تمول التجارة الدين و كان الله طبعا لايحب المنكرين فكل حبه للشاكرين فلتكن قريش من الشاكرين!!
....................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست