الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعاون والصراع بين البلاشفة والنسويات

سومة ماريك

2018 / 3 / 22
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا



ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو


سومة ماريك (مواليد 1962) أستاذة مشاركة في التاريخ، في RKSM Vivekananda Vidyabhavan غربي البنغال، وأستاذة زائرة سابقة في كلية الدراسات النسائية في جامعة جادافبور. نشرت العديد من الدراسات حول الماركسية والثورة الروسية، والنساء الشيوعيات وحول المشاعية في الهند. وهي مناضلة في حركات تحرر النساء وللحقوق الجندرية لأكثر من ثلاثة عقود.

تفاوتت المحاولات الماركسية لإدماج مسألة الجندر في إطار الصراع الطبقي ضمن الحركة الثورية الروسية. غالبا ما أعاقت الاختزالية الطبقية البلاشفة، لكن التنافس مع النسويات الليبراليات، وكذلك الظروف الموضوعية للعديد من النساء اللواتي دخلن القوى العاملة، أدت إلى حصول تغييرات. وتولت المناضلات زمام المبادرة في ذلك. شهدت ثورة عام 1917 درجة كبيرة من مشاركة النساء. وتولت العاملات القيادة في المراحل الأولى من ثورة فبراير، على الرغم من أن ذلك بقي بشكل عام غير معترف به من قبل التيار المهيمن (من ضمنه اليسار المهيمن) خلال التأريخ للثورة. في الوقت عينه، مضت جندرة الممارسة الطبقية إلى جانب إثارة قضايا طبقية ضد النسوية غير المتباينة خاصة لأن الحركة النسوية دعمت الحرب والحكومة البرجوازية المؤقتة.

الماركسية الكلاسيكية وتحرر النساء

لم يكن الجندر تصنيفا مفاهيميا استخدمه الاشتراكيون الديمقراطيون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. لذا من الممكن والضروري أن نشير إلى عيوب في التفكير الماركسي خلال تلك الفترة، لا سيما عندما نشير إلى الدوغمائية “الماركسية” التي تستشهد بلينين أو انجلز من أجل الوقوف بوجه نضالات النساء من أجل المساواة. ولكن من الضروري اليوم أيضا، في الذكرى المئوية للثورة الروسية، أن نتجاوز التعالي الأكاديمي والهجمات الليبرالية اليمينية؛ ومن المهم أن ننظر إلى الانجازات الملموسة للجناح اليساري في الماركسية فيما يتعلق بمسألة تحرر النساء، مع إشارة خاصة إلى البلاشفة.

على العكس من العديد من منافسيها في الحركة الاشتراكية، بدأت الماركسية بالاعتقاد بأن تحرر الطبقة العاملة هو فعل الطبقة العاملة نفسها. وقد كرر ماركس وانجلز هذا المبدأ الأساسي، وكذلك فعل الورثة السياسيون المباشرون (Marik 2008; Draper 1971). في الوقت عينه، كان مفهوم ماركس للبروليتاريا كطبقة عالمية يعني أن تحرر البروليتاريا يجب أن يشمل ثورة اجتماعية وفتح إمكانات تحرر جميع الشعوب المضطهدة والمستغلة.

إن مبدأ التحرر الذاتي للطبقة العاملة يعني أن الماركسيين رفضوا الطريقين الرئيسيين للاشتراكية/الشيوعية: الوعظ التنويري للمجتمع بأكمله على أمل تحويل الناس، وبناء منظمة تآمرية تسعى إلى تنفيذ ثورة الأقلية. في حين من الواضح أن ذلك هو تبسيط، إلا أنه قريب بما يكفي من الواقع. حتى عصبة الحق- المنظمة الاشتراكية التي انضم إليها ماركس وانجلز- كان لها هذان الاتجاهان. وتم توثيق الجدل الداخلي داخل العصبة بين ويلهيلم ويتيلينغ وكرايغ اللذان يؤيدان الثورة الفورية من جهة، وشابير وشركاؤه الذين يؤيدون العمل الدعائي فقط من جهة أخرى (Forder et al 1970). أراد ماركس وانجلز بناء حزب من العمال الثوريين. لكن الطبقة العاملة في المجتمع الرأسمالي غالبا مجزأة ومنقسمة. انطلاقا من ذلك، شدد لينين على الحاجة إلى توحيد وتركيز وعي العمال المتقدمين المستقطبين من النضال ودمجهم مع المعرفة النظرية. وقد أوضحت الدراسة الضخمة التي أجراها لارس ليه (2008)، والمناقشات حولها(1) أنه كان مقبولا على نطاق واسع بين الماركسيين حتى قبل لينين أن الرسالة الاشتراكية والحركة المنظمة يجب أن تكون موحدة. في كتاب ما العمل؟ كان ذلك أحد الأهداف الأساسية للينين.

ومع ذلك، يتوجب علينا أن ندرك أن ليه ذهب إلى حدود قصوى أخرى في سياق سخريته من أن كتاب ما العمل؟ يمثل جوهر اللينينية، وأنه كان مجرد رواية. لا يمكن تقديم حجج تفصيلية هنا، لكن لينين أدخل ممارسة سياسية ومؤسساتية لم تكن متطابقة مع الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا (Marik 2017). من خلال العمل ضمن خصوصية السياق الروسي، حيث كان هناك افتقار تام للحقوق الديمقراطية وحتى الحد الأدنى من الحريات المدنية، شدد لينين على ضرورة وجود حزب سري يضم “ثوريين محترفين” عمال يمكن أن يتفرغوا بالكامل للعمل الحزبي، بطريقة لم يطبقها الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا. لكن ذلك كان قضية تكتيكية مهمة. العنصر الأساسي كان مزيجا من فكرة لينين حول المركزية ودفاعه عن الثوري المحترف. جادل لينين بأن التجارب المتنوعة للنضال الطبقي يجب أن تكون ممركزة في الحزب الثوري. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعمال، بحسب لينين، وليس فقط مثقفي الطبقة الوسطى فهم الاشتراكية من خلال تجاربهم في الاستغلال والنضال. ولكن لينين اعتقد أن الوعي الطبقي المتواصل للعمال المتقدمين يمكن أن يتحقق في شكل الحزب الطليعي إذا تم التخفيف من حمله اليومي في المصنع. فالثوري المحترف قد يكون في كثير من الأحيان عاملا انتقل من المصنع إلى العمل السياسي بدوام كامل.

ولأن الطبقة العاملة مجزأة، وهي حقيقة أدركها لينين مبكرا، كان من المنطقي تنظيم العناصر الأكثر وعيا بالسياسة بشكل منفصل. ولكن هذا يميل إلى استبعاد النساء، اللواتي يُنظَر إليهن في كثير من الأحيان كعناصر متخلفة. تكمن المشكلة في عدم الاعتراف، على الأقل في السنوات الأولى، بأن النساء أتين إلى الحركة الاشتراكية، أو إلى الحركات النقابية المنظمة، ليس فقط بسبب التخلف، بل بسبب العبء المزدوج الذي يتعرضن له (Marik 2004: 13–50). فبرنامج الحزب، الذي صاغه بشكل رئيسي بليخانوف ولينين واعتمده المؤتمر الثاني عام 1903، لم يتضمن حتى مطلب تحقيق المساواة في الأجور لقاء العمل المتساوي (1903: Second Ordinary Congress 1978: 3–9).

ومع ذلك، إذا انتقلنا إلى عام 1917، كان عدد أعضاء البلاشفة عشية الثورة حوالي 24 ألف عضو، من بينهم حوالي 2500 امرأة. وأظهرت دراسة مفصلة أجرتها بربارة إيفانز كليمنتس (1997: 32) أنه في حين كان 62،1 بالمئة من الأعضاء الرجال من العمال والفلاحين إلى الحزب، كانت نسبة 36،8 بالمئة من النساء عاملات وفلاحات. هناك أسباب لهذه الفجوة. كان معدل عمر زواج العاملة من الطبقة العاملة الروسية 18 سنة وتصبح أما بعد فترة وجيزة. ونادرا ما كان الرجال مستعدين للقيام بالمهام المنزلية ورعاية الأطفال… ومن دون تعليم الحزب لتعزيز العمل الذي تقوم به النساء أو تنظيمها بشكل منفصل، فإن المساواة الرسمية للرفاق/ات في الحزب لا يمكن أن تمحو انعدام المساواة الحقيقية في المجال الخاص. غالبا ما أتت العاملات المنضويات في الحزب من أسر حيث يمكن لأفراد الأسرة الآخرين رعاية الأطفال (على سبيل المثال، حالة ألكسندرا كولونتاي) أو حيث يمكنهن اتخاذ قرار بعدم الانجاب (كما هو حالة ناديا كروبسكايا). في الغالب، لا تستطيع النساء من الطبقة العاملة أن تتمتع بهذه الشروط، بالإضافة إلى أن الحظر الاجتماعي الروسي ضد النساء اللواتي يشاركن في العمل السياسي المحصور بالذكور حيث كانت النساء من الطبقة العاملة والأسر الفلاحية يتعرضن لتشدد كبير، على العكس من أولئك اللواتي يتحدرن من الأوساط الأكثر ثراء. فعلى الرغم من ذلك، أن يتحدر ما يزيد عن 36 بالمئة من النساء المنتميات للحزب من الأوساط العمالية والفلاحية هو أمر جدير بالملاحظة.

لماذا انتسبن إلى الحزب؟ أولا، في ظل الظروف الخانقة لروسيا القيصرية فإن حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي، وبغض النظر عن أوجه القصور فيه، وفر مساواة أكبر بكثير للنساء. ثانيا، لم تر الماركسية أن مساواة النساء هي مجرد مساواة قانونية. إنما أصروا على أن تحرر النساء والثورة الاشتراكية مترابطان بشكل متكامل، وهذا ما دفع بالعديد من النساء إلى الانتساب للحزب الثوري.

وأظهر نضال النساء داخل الحزب مدى نضاليتهن فضلا عن الحدود التي واجهنها. ومع تزايد حجم الحزب من وقت ثورة عام 1905، أنشئت لجان المدينة (ولجان المناطق في المدن الكبرى). وكان أمناء هذه اللجان من المتفرغين في الحزب، بالإضافة إلى أميني سر أو ثلاثة في كل لجنة يؤدون مهام مختلفة. كانت أعمال الدعاية (كتابة البيانات، والكتيبات والمجلات…) والتي كانت من مهام أمناء السر من الذكور. في حين كانت النساء اللواتي أصبحن أمينات سر تقنيات، يتولن ضمان سير العمل للجنة، وإرسال التقارير إلى اللجنة المركزية… يمكننا الإشارة إلى حالة إيلينا ستاسوفا، التي كانت أمينة سر تقنية في بطرسبورغ لعدة سنوات. حيث تظهر مراسلاتها مع لينين أخبارا تنظيمية تم تبادلها. من ناحية أخرى، نلاحظ وجود تقارير أو نزاعات سياسية في مراسلاته مع أمناء سر رجال مثل رادين…

هذه البنية القاعدية انعكست على قيادة الحزب. وفي كانت فيه كروبسكايا أمينة السر الفعلية لصحيفة إيسكرا، ثم لاحقا لتكتل البلاشفة. ولكن بصرف النظر عن الاستثناء الجزئي لكولونتاي، مالت عملية صناعة القرار السياسي إلى التركز في أيدي الرجال.

البرنامج والتأملات النظرية

كما أظهر لارس ليه (2008) تأثر الاشتراكيون الديمقراطيون الروس كثيرا بالألمان. ولكن بما خص مسألة النساء، بقي هناك فجوة لفترة طويلة. كان الألمان يدركون أن النساء يواجهن أعباء إضافية؛ وقد وضعوا برنامجا منفصلا لهن عام 1896. وقد نجحوا نجاحا كبيرا في تنظيم العاملات في تنظيمات خاصة بهن (Marik 2003: 169–223). طالب برنامج حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الصادر عام 1903 بوقف تشغيل النساء في القطاعات الضارة بصحتهن، وفتح دور الحضانة في المصانع التي تشغل النساء، وإقرار إجازة الأمومة المدفوعة.. (1903: Second Ordinary Congress 1978: 7). تشير هذه المطالب إلى إسقاطات تجاه النساء بأنهن “ضعيفات” بـ“حاجة للحماية”. لكن على أي حال، كان حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي جادا في تنفيذ هذا البرنامج الذي يعكس بشكل جزئي تركيزه على القضية الطبقية والجندرية. وأظهرت إضرابات عامي 1905- 1907 أن مطالبات النساء كانت تظهر بانتظام. وعلاوة على ذلك، يجب على المرء أن يتذكر أن القضايا المتعلقة بالأمومة ودور الحضانة مهمة وترتبط ارتباطا جوهريا بحق النساء بالعمل.

صدر أول كتيب حول العاملات عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي باسم المرأة العاملة (رابوتنيستا) عام 1901، الذي اعتبرته مويرا دونالد (1982: 129–60) أنه كان من إعداد كروبسكايا. يظهر الكتيب العاملات “متخلفات”، ولكنه يدعو إلى عمل الحزب فيما بينهن. في حين كانت إليزابيث أ. وود (1997: 29) نقدية في تقييمها واعتبرت أن كروبسكايا وصفت العاملات قبل كل شيء بأنهن عبء على انخراط أزواجهن في العمل السياسي. مع ذلك، حتى الملخص الذي قدمته يسمح بتفسير مختلف إلى حد ما. اعتبرت كروبسكايا أنه إذا أبقيت النساء خارج العملية السياسية، سيتم خسارة نصف الطبقة العاملة، وأن هذا الإقصاء سيكون السبب بأن تشكل النساء عائقا لمشاركة الرجال في السياسة. بالإضافة إلى ذلك، ناقش وصف كروبسكايا للعاملات القضايا الملموسة التي يواجهنها، من بينها العنف بحق النساء، وعدم المساواة في الأجور، وسوء التغذية، والتحرش من مراقبي العمال/ات…

بعد ثورة عام 1905، حاولت النسويات النضال من أجل حقوق النساء. التقت العديد منهن عام 1908 لتنظيم مؤتمر نساء عموم روسيا. في الواقع كان المؤتمر بقيادة نساء الحزب الدستوري الديمقراطي (نسويات ليبراليات)، فضلا عن النسويات المنتميات إلى الانتلجنسيا الراديكالية. عددت وود وجود خمس منظمات نسوية ناشطة عام 1905 (على الرغم من أنها استعمال المصطلح الذي استعملته النساء الروسيات، منظمات حقوق النساء). ومن بينها: الاتحاد النسائي والجمعية الخيرية التعاونية ورابطة الحقوق المتساوية للنساء (التي غالبا ما يشار إليها باسم رابطة النساء)، والحزب النسائي التقدمي والنادي السياسي النسائي (Wood 1997). وقد حضر العديد من أعضائها المؤتمر، وسينشطن لاحقا عام 1917 كذلك. كانت ردة فعل كولونتاي، اليسارية المنشفية في ذلك الوقت، بأن طلبت دعم الحزب لتنظيم العاملات للذهاب للمؤتمر. لقي المؤتمر النسائي دعما قويا في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي (Ruthchild 2010: 102–45). شارك 1053 شخصا في فعاليات المؤتمر. شارك فيه فقط 4 عاملات. في الواقع، هذا الرقم يستند إلى استطلاع أجري في وقت متأخر، وقتها كان العديد من العاملات قد غادرن القاعة.

ومع ذلك، تظهر الإحصاءات المتوفرة غياب تام للفلاحات، في حين تألف القسم الأكبر من الحضور من الانتلجنسيا. سعت كولونتاي إلى الحصول على موافقة الحزب الموحد آنذاك لتنظيم المشاركة في المؤتمر. فعارضت لجنة بطرسبرغ الحزبية طلبها لتنظيم العاملات والذهاب إلى المؤتمر النسوي. ومع ذلك، نجحت في الحصول على موافقة اللجنة المركزية. كانت نساء القاعدة أكثر دعما، وقد أدى دعم عمال/ات قطاع النسيج، في نهاية الأمر، إلى موافقة المكتب المركزي لنقابات العمال في سانت بطرسبرغ. وعقدت العاملات أكثر من 50 اجتماع تحضيري. ومن المثير للاهتمام، في تلك الفترة من تاريخ روسيا، عدم وجود مشكلة مع بعض المطالب الاقتصادية التي أثارتها الطبقة العاملة والاشتراكيات. نشأ الخلاف الحقيقي حول المطالب السياسية. اعتبرت النسويات الراديكاليات أن الاقتراع المحدود سيكون خطوة نحو الاقتراع العام، في حين اعتبرت كولونتاي ورفيقاتها أن الاقتراع المحدود ستستخدمه البرجوازية بوجه المطالب الديمقراطية للطبقة العاملة (Ruthchild 2010: 129–30).

عام 1909، نشرت كولونتاي كتابها “الأساس الاجتماعي لمسألة المرأة”. وقد كتبته ردا على المؤتمر النسائي، وكانت نقدية تجاههن، ولكنها كانت على استعداد للمشاركة معهن في النقاش. صدر هذا الكتاب بعد المؤتمر، وكان لديه الكثير من النقاط المثيرة للاهتمام. وشددت فيه على الطابع القمعي للعائلة وشككت في رأي حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي السائد بأنه مجرد مشاركة النساء في العمل الانتاجي من شأنه أن يغيّر في ظروفها. في الوقت عينه، شدد تحليلها على أن الدولة المعاصرة يجب أن تحمي الزيجات “الشرعية” والعائلة، ولطالما بقيت الدولة كما هي يكون التحرر الحقيقي للنساء مستحيلا (Clements 1979: 57–59).

وقالت كولونتاي إن التحرر الحقيقي للنساء يمكن أن تحصل في مجتمع تكون فيه مسؤوليات الأمهات ورعاية الأطفال مسؤولية جماعية للمجتمع. ولذلك، فإن تعريفها للاشتراكية نفسها يرى المجتمع والسياسية من خلال عدسة مجندرة.

مع النسويات الليبراليات، كان لكولونتاي اختلافين واضحين. أولا، كانت النسويات الليبراليات تطالب بحق النساء بالتصويت على غرار الرجال، الحق كان مرتبطا بملكية الأرض. غير أن كولونتاي رأت البروليتاريات يسرن إلى جانب البروليتاريين ضد النظام القيصري والبرجوازي. ثانيا، رفضت بعض النسويات الليبراليات المطالب الحمائية (الحضانة وإجازة الأمومة…) لأنها تتعارض مع المطالبة بالمساواة. من ناحية أخرى، اعتبرت كولونتاي أن مثل هذه التدابير الخاصة ضرورية لتحقيق المساواة غير المتساوية، منذ كان مفروضا على النساء تولي مثل هذه الواجبات- وليس بحسب طبيعة المرأة، إنما بسبب البنية الاجتماعية. ومع ذلك، يبدو أن النسويات قرأوا حججها وعارضوها إلى حد أكبر بكثير من رفاقها الاشتراكيين الديمقراطيين (Ruthchild 2010: 142–43; Clements 1979: 56–81).

تنظيم النساء

بدءا من ثورة العام 1905 ازداد بشكل نسبي عدد النساء اللواتي انضممن إلى الحزب. أدى ذلك إلى تغير وجه الحزب لأول مرة. كانت النسويات يحاولن إنشاء نقابات عمالية للنساء. فأُجبِر الماركسيون على التحول بجدية أكبر تجاه النساء من الطبقة العاملة. عندما تم انتخاب عدد قليل من النساء كممثلات عن لجنة شيدلوفسكي، التي شكلتها الحكومة القيصرية للتحقيق في مأساة يوم الأحد الدامي (2)، رفضت الحكومة مشاركتهن فيها. وقد أدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات من العاملات. حيث شارك في إيفانوفو-فوزنسينسك حوالي 11 ألف امرأة بإضراب كبير.

لعبت كولونتاي دورا هاما في هذه الفترة. وبعد أن شاركت في الاجتماع الافتتاحي لاتحاد النساء عام 1905، وقد روعتها الاشتراكيات الداعمات للنسويات الليبراليات (Clements 1979: 44–45). وقد انتقدت أي فكرة نسوية تدعو لتجاوز الحدود الطبقية، وتمت مهاجمتها استجابة من النسويات الليبراليات. ومع ذلك، بعد المشاركة في اجتماع النساء الاشتراكيات في ألمانيا، كانت مقتنعة تماما بأنه داخل الطبقة العاملة، هناك حاجة لبذل جهد خاص بين النساء. لكن رفاقها في الحزب اتهموها بإظهار تعاطفها مع النسوية، التي اعتقدوا أنها ضارة (Marik 2009: 3550–55). حتى من بين النساء، عارضت البلشفية فيرا سلوتسكايا، كولونتاي. ولكن خلال عامي 1911- 1912، وفي وقت كان النضال بين العمال ينتعش من جديد، بدأ البلاشفة بتنظيم النساء. وكانت البلشفيات يتولين قيادة ذلك. وعندما أطلقت نشرة البرافدا، كانت تتضمن أحيانا مقالات خاصة بالنساء. بعد ذلك، وبمبادرة من البلشفيات أطلقت مجلة المرأة العاملة.

وقد زُعم أحيانا أن هذه المبادرة جاءت من لينين (Cliff 1987)، ولكن ذلك جرى معاكسته (Marik 1999: 765–66). فقد جاءت المبادرة من كروبسكايا وإنيسا أرماند وآنا أليزاروفا وكونكورديا سامويلوفا، وغيرهن. وقد سميت المجلة رابوتنيستا. وفي رسالته لشقيقته الكبرى إليزاروفا، كتب لينين أن كروبسكايا ستكتب لها حول ورقة نسائية مقترحة. وقد أدى هذا إلى افتراض أن لينين هو الشخص الذي أخذ زمام المبادرة (Cliff 1987: 101). في الواقع، لم يكتب لينين سوى رسالة واحدة إلى أرماند يطلب منها العمل في المجلة، وأخرى إلى أخته إليزاروفا (Lenin 1964: 143; Elizarova 1923: 63). وقد دفعت كلمة “نحن” في رسالة من كروبسكايا الكتّاب إلى افتراض أنها كانت تشير فيها إلى نفسها ولينين. ويظهر رالف كارتر إلوود نسخة من الرسالة في أرشيف أوكرانا موقعة من أرماند إلى جانب كروبسكايا. تشير رسائل أرماند وكروبسكايا إلى أنهما كانتا تفكران بجدية حول الإصدار الورقي، وفي وقت جاء جزء الأموال من أصدقاء أرماند الأغنياء والجزء الآخر من العاملين في هيئة التحرير العاملة من داخل روسيا (Elwood 1992: 118).

بين كروبسكايا وأرماند كان هناك اختلاف واضح في الفهم. كانت أرماند نسوية، كما يظهر كاتب سيرتها إلوود. في حين لم تكن كروبسكايا أو سامويلوفا كذلك. ولكنهن عملن معا لجمع الأموال للمجلة، وحدها اللجنة المركزية البلشفية أعطت موافقتها الرسمية. بحث مقال كروبسكايا في العدد الأول حول كيفية تعبئة النساء “المتخلفات”. وعلى العكس من ذلك، أبرز مقال أرماند أن النضال من أجل الاشتراكية سيتعزز إذا تم دعم نضال النساء من أجل الحقوق. جمعت مجلة رابوتنيستا المقالات التي كتبتها المحررات- لا سيما كروبسكايا وأرماند، والتي ناقشت وضع العاملات و”العبء المزدوج” (من الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال بالإضافة إلى العمل المأجور) بالإضافة إلى مكانهن في النضال الطبقي- إلى جانب بعض التقارير القصيرة. من الممكن وجود مبالغة في الاختلافات بين المحررات. لذا دعونا نلاحظ أن المجلة (التي صدر لها سبعة أعداد عام 1914) تميل إلى التستر على الإساءات التي قد تواجهها العاملات من العمال، على الرغم من أنهن يدركن أن مواقف الرجال تجاه النساء بحاجة إلى التغيير. كان لدى إليزاروفا، التي تم اختيارها بشكل رئيسي بسبب خبرتها الطويلة كثورية محترفة، وجهة نظر مختلفة. لقد تم القبض على غالبية المحررات الداخليات قبل صدور العدد الأول. أصدرت إليزاروفا العديد من الأعداد، لكنها كانت غالبا ما تتعارض مع المحررات من الخارج. إصرارها على الوصول إلى “النساء الأقل وعيا” كان يعني أن تميل إلى حذف المقالات النظرية والتجريدية المرسلة من أرماند أو كروبسكايا أو لودميلا ستال لصالح نشر القصص والقصائد والرسائل من العاملات. أكثر من ذلك، مثل كوديلي، كانت مستعدة للتعاون مع المناشفة، وأرادت أن تشارك كولونتاي في الكتابة، في حين عارضتها كل من أرماند وكروبسكايا وسامويلوفا (Turton 2007: 69–70).

في أواخر العام 1914، اقتربت بعض النساء من البلاشفة. وقد لاحظت اثنتان من مؤلفات الدراسة الرئيسية، حول النساء في الثورة الروسية، أن البلاشفة استجابوا بشكل إيجابي لمساعدتهن على تحسين مهاراتهن التعليمية والتنظيمية، على الرغم من أن بعض البلاشفة بدوا متشككين من قدرة النساء على التنظيم والتخلص من خضوعهن التقليدي (McDermid and Hillyar 1999: 134–35).

وحتى العام 1917، انقسم البلاشفة، وقد جاء المقال الوحيد بشأن قضايا النساء من قبل بلشفي ذكر عام 1917 هو ن. غليبوف. وادعى أنه على العكس من النساء البرجوازيات، فإنه ليس لدى البروليتاريات أي مطالب متميزة عن الرجال. ولكن سلوتسكايا وكولونتاي، كلتاهما في الحزب البلشفي عام 1917، ناضلتا من أجل قيام لجان منفصلة للنساء داخل الحزب. في حين تم رفض طلب التنظيم الأتونومي، اعتبرت مسألة تنظيم النساء عملا مهما. وأعيد إحياء رابوتنيستا.

إذا انتقلنا إلى مستوى العمل على صعيد القاعدة، فإننا نجد تطورات معقدة. عام 1905، خلال الثورة الأولى، ظهرت مطالب تنادي بالحصول على الحد الأدنى للأجور. ولكن كان الميل هو المطالبة بالحد الأدنى للأجور للنساء ومن ثم للرجال. حتى في عام 1917، عندما تمكنت النقابات العمالية من الحصول على الحد الأدنى للأجور، حصل الرجال على خمسة روبل في حين حصلت النساء على أربعة فقط في بتروغراد. شهد إضرابان فقط في موسكو رفع مطلب الأجر المتساوي للنساء والرجال (Smith 1994: 141–68).

النساء في التكتل/الحزب البلشفي

لأسباب تكتيكية فقط، حاول البلاشفة والمناشفة على حد سواء تنسيب النساء في السنوات التي تلت عام 1905 نتيجة لتزايد عدد العاملات. ولكن الوثائق محدودة، ولا سيما حول المناشفة. ومع ذلك، وعلى الرغم من ندرة المصادر المنشورة يجب الكتابة عن البلشفيات، فقط لإزالة الانطباع السائد بأن النساء اللواتي شاركن في مختلف المنظمات الاشتراكية ينحدرن فقط من الطبقات الوسطى أو العليا، وخاصة من الانتلجنسيا. حتى النساء اللواتي ينتمين إلى الفئة الأخيرة- بمن فيهم الناشطين والطلاب الذين لعبوا أدوارا تنظيمية مهمة- غالبا ما تم تجاهلهم في الروايات المهيمنة.

كانت نينا أغادزانوفا واحدة أولئك النساء. انضمت إلى البلاشفة عام 1907 كطالبة في وقت بدأت فيه الثورة الأولى بالتراجع ظل انجذابها إلى الراديكالية قائما. عام 1914، أصبحت عضوة في كل من لجنة فيبورغ ولجنة المدينة الحزبية. اعتقلت ونفيت إلى سييبريا، وهربت وعادت إلى بتروغراد عام 1916، وعملت تحت اسم مستعار. وبالتعاون مع صديقتها ماريا فيدرينا، شاركت في تنظيم إضرابات ومظاهرات لعمال الصلب والترامواي. وانتخبت عن منطقة فيبورغ في سوفيات بتروغراد. تابعت أغادزانوفا التنظيم والمشاركة في النضالات بانتظام حتى اندلاع ثورة أكتوبر.

إيلينا غيلروفا، انتسبت إلى البلاشفة عام 1915. وتوجهت للعمل كممرضة على الجبهة الروسية- التركية، حيث عملت أيضا كمحرضة للبلاشفة بين الجنود، وعلى الرغم من أنها لم تكن قد أصبحت عضوة في الحزب، إلى أن انضمت رسميا إلى الحزب البلشفي في شهر أيار/مايو عام 1917.

جاءت بترونيليا زينشينكو من خلفية اجتماعية مختلفة جدا. ولدت في عائلة فلاحية فقيرة. ودخلت سوق العمل في سن الثامنة. كان لديها مجموعة واسعة من الخبرة في العمل، وفي عام 1917، عملت في القاعدة البحرية كرونتشاد لخياطة الثياب العسكرية للجنود. عام 1917، انضمت إلى البلاشفة وانتخبت كمندوبة في سوفيات كرونشتاد. كانت قادرة على التحدث بثلاث لغات. وكانت محرضة فعالة. في ثورة أكتوبر قامت بدور هام في الحفاظ على على الاتصال بين كرونشتاد والعاصمة (McDermid and Hillyar 1999: 72–74).

انضمت عاملة النسيج، أليكسيفا، إلى البلاشفة عام 1909. وقد بدأت بالعمل السياسي عام 1912، وعملت في مصنع للفولاذ. وشملت أنشطتها جمع الأموال وتوزيع المنشورات والمشاركة في الإضرابات. وتظهر المقاربات الذكورية لكتاب سوفيات، الذين اعتبروا أن دورها الأقصى في حياتها المهنية عام 1917 تجسد في المراقبة وتقديم الشاي خلال اجتماع ناقش ثورة أكتوبر. وتغاضوا عن حقيقة أنها شاركت بنشاط في منظمات الطبقات العاملة طيلة أيام السنة (McDermid and Hillyar 1999: 74).

كما انضمت أناستازيا ديفياتاكينا إلى البلاشفة عام 1904، وكانت ناشطة منذ اللحظات الأولى في شباط/فبراير، حيث نظمت وقادت مظاهرة للعاملات وزوجات الجنود خلال اليوم العالمي للمرأة. ثم انتخبت في السوفييت المحلي، ولعبت دورا مهما في إنشاء اتحاد الجنديات (زوجات الجنود). خلال شهر أكتوبر، كانت في معهد سمولني، لضمان استمرار الاتصال للمعهد مع العاصمة بأكملها.

وأخيرا، كان هناك العديد من النساء اللواتي انضممن إلى البلاشفة عام 1917. واحدة منهن كانت ليزا بيلايفا، التي عملت في بتروغراد منذ بداية الحرب واتصلت بالبلاشفة من خلال شقيقها. وانضمت إلى الحزب عام 1917، وشاركت في إنشاء حركة الشباب.

ثورة فبراير، النساء والبلاشفة

على الرغم من أن القوى العاملة كانت تتشكل من 43 بالمئة من النساء عام 1917، إلا أن النقص بالوعي الجندري بين الرجال، الذين كانوا يرأسون معظم النقابات، سبب قلة الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة بالنساء. وتم تفسير انتشار الفقر ونقص التعليم وضعف مهاراتهن في العمل بأنه يوجد “تخلف” بين النساء. لكنها لم تكن حالة طبيعية. إنما على العكس، تم فرضه من الهرمية الاجتماعية. ومن المثير للاهتمام أننا نجد عندما تكون التحركات عفوية، تثير النساء مسألة الاعتداء/التحرش الجنسي بشكل منتظم، كما حصل خلال الإضرابات التي قادتها النساء عامي 1912 و1913 في موسكو. ولكن فقط عام 1917، أخذ البلاشفة هذا الأمر على محمل الجد.

أغلب الكتب التي تتحدث عن ثورة 1917 تذكر النساء مرتين: بداية ثورة فبراير، والكتيبة النسائية التي كان يفترض فيها الدفاع عن مقر الحكومة المؤقتة حلال انتفاضة أكتوبر. ولكن النساء كن أكثر نشاطية من هذه الكتابات المتحيزة للغاية (والمتكررة في الكثير من الأحيان. وقد لعب المؤرخون/ات المتأثرون/ات بالنسوية الكثير من أجل استعادة دور النساء (Stites 1978; Bobroff 1974; McDermid and Hillyar 1999; Clements 1979; Goldberg Ruthchild 2010). وإذا ابتعدنا عن الروايات التقليدية والتي تركز فقط على دور العمال، ستحدث تغييرات كبيرة في تصورنا للثورة. عندما نتخلص من فكرة أن الثورة انقلاب أقلية وننظر إلى تفاعل الجماهير العمالية، يصبح مهما النظر إلى دور النساء والرجال على حد سواء. حصل ذلك، بسبب تنامي دور النساء من الطبقة العاملة الذي لم يقتصر على البلاشفة فقط، إنما شمل المناشفة الذين حاولوا الوصول إليهن عام 1914 من خلال المجلات (مثل رابوتنيستا وGolos Rabotnitsy) المخصصتين لهن بشكل حصري (McDermid and Hillyar 1999: 141).

مع استمرار الحرب، نما حراك الطبقة العاملة. فبدءا من النصف الثاني لعام 1915 تزايدت الإضرابات. وأصابت الأزمة الغذائية وتدني الأجور والتضخم العاملات وزوجات الجنود بشدة كبيرة، وأدى ذلك إلى تزايد في الوعي السياسي. فقد أدرك ذلك الزعيم البلشفي والعامل في صناعة الفولاذ، ألكسندر شليابنيكوف (1982: 118)، رغم أنه استمر بافتراض أن تصرفات النساء كانت غير سياسية. وشهدت الإضرابات مشاركة واسعة النطاق من جانب العاملات في القطاع الصناعي اللواتي لم يعانين من تراجع في أجورهن وفي ظروفهن المعيشية فقط، إنما أيضا من عدم الاحترام من مراقبي العمال وأصحاب العمل، فضلا عن التحرش الجنسي بذريعة تفتيشهن من قبل مراقبي المصانع. لكن المناضلين اليساريين والسلطات القيصرية استمروا في رسم خط فاصل بين “أعمال الشغب”- التي افترضوا أنها كل ما كانت تستطيع النساء فعله- والنضالات الثورية. شهدت الفترة الممتدة بين كانون الأول/ديسمبر 1916 وكانون الثاني/يناير 1917، تزايدا في النضالية بين العاملات في مختلف أنواع الصناعات. في مصانع الذخيرة، ازداد عدد العاملات بسبب ظروف الحرب، رغم أنهن كن يشكلن أقلية فيها. في شهر كانون الأول/ديسمبر 1916، تحركت العديد منهن، لأن رواتبهن كانت أقل بكثير من رواتب الرجال. في شهر كانون الثاني/يناير 1917، قادت النساء في مصانع النسيج إضرابا لمدة خمسة أيام (Hasegawa 1981: 201–03).

سبق إضرابات يوم المرأة العالمي لعام 1917 التي أطاحق بالقيصرية إضرابا في مصانع النسيج (أغلب عماله من النساء) عندما حاول صاحب مصنع في بتروغراد زيادة دوام العمل من 12 ساعة إلى 13 ساعة. انصاعت بعض النساء بحسب الطريقة التقليدية وكن مستعدات لمسايرة الإدارة، لكن الأغلبية رفضت ذلك وأرغمت الإدارة على سحب قرارها (McDermid and Hillyar 1999: 146–47). كما حصلت كذلك إضرابات بين عمال مصانع الفولاذ. لكنهم تمسكوا بشكل أساسي بالمطالب الاقتصادية. وقد كان العبء المزدوج الذي واجهته النساء بالتحديد هو العمل لساعات طويلة في المصنع، ومحاولة إطعام عائلاتهن- الأمر الذي دفعهن باتجاه النضالية “السياسية”. أكثر من ذلك، بقي غير معترف به في الكثير من الأحيان أن العديد من الأسر كانت تعيلها النساء خلال الحرب. وهذا ما جعل من أجور النساء - بعيدا عن اعتبارها “أجورا تكميلية”- ضرورية لاستمرار الأسرة، وبالتالي أصبحت عاملا مهما وراء تسييسهن.

لذلك، كانت العاملات أول من خرج إلى الشوارع وحثثن الآخرين على الانضمام إليهن يوم 23 شباط/فبراير 1917. وتدل الشعارات التي رفعتها العاملات على أنهن لم يكن يخضن معركة اقتصادية صرفة. ومن بينها: “تسقط الحرب”، و”تسقط الأسعار المرتفعة” و”الخبز للعمال”. ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن النساء لم يبدأن ببساطة بـ”أعمال شغب”. إنما هدفن إلى إقناع العمال من المصانع الأخرى، من النساء والرجال على حد سواء، بالإضراب عن العمل. وقد استخدمن العنف للقيام بذلك، وقد شمل ذلك رمي كرات الثلج والجليد على النوافذ. وإذا كان ينظر إلى ذلك على أنه دليل على “اللاعقلانية”، فإن وقف الإضراب بعنف هو أيضا غير عقلاني. من الواضح أن الرجال الذين انضموا إليهن فعلوا ذلك لأنهم شعروا أيضا باضطهاد الطبقة العاملة التي تجاوزت كل الحدود التي يمكن التسامح معها. إذا كان الأمر كذلك، فإن المرء بحاجة إلى رؤية النساء أيضا كجزء من الطليعة، بدلا من اعتبارهن مجرد “شرارة” أشعلت النار في البلاد.

ولكن، كما تبين مذكرات قادة البلاشفة الذكور، إنهم لم يدفعوا النساء إلى أقصى درجة من النضالية. ففي حين كان البلاشفة يسعون إلى مستوى أعلى من النضالية، إلا أنهم كانوا يخططون لعرض قوة كبير يوم 1 أيار/مايو. وعلى الرغم من التنامي الهائل للنساء من الطبقة العاملة، فقد تم تجاهلهن. في الواقع، كان عدد قليل من عضوات الحزب اللواتي أقنعن قادة البلاشفة الذكور المترددين لبذل مجهود في أحياء الطبقة العاملة بمدينة فيبورغ من خلال عقد اجتماع حول مواضيع مرتبطة بالحرب والتضخم. هؤلاء النساء، اللواتي تعاونّ مع نساء من اللجنة المشتركة بين المناطق، كن جزءا من حلقة أسسها البلاشفة في بتروغراد اعترافا بالأهمية المتزايدة للعاملات في الحركة العمالية خلال الحرب.

في 22 شباط ناشد كايوروف، العامل في مصنع الفولاذ والقيادي البارز في فيبورغ، النساء بعد الإضراب اليوم التالي. فغضب عندما اكتشف أنهن تجاهلن طلبه. فقام بوصف النساء بأنهن عاطفيات وغير عقلانيات وغير منضبطات. ومع ذلك، كما رأينا، لم تظهر عقلانيتهن في سياق العصر، إنما تم حشدهن من يساريات، من بينهن نيننا أغادزانوفا وماريا فيدرينا، اللواتي نظمن اجتماعات جماهيرية للعاملات وزوجات الجنود، والإضرابات في مكان العمل والمظاهرات الجماهيرية، والبحث عن الأسلحة لتسليح الجماهير، وكذلك العمل على إطلاق سراح السجناء السياسيين وإنشاء لجان لتولي مهمة الإسعافات الأولية. كما شاركت أخريات مثل أنستازيا ديفياتكينا، وبعض النساء من منظمة Mezhraionka، مجموعة يسارية بقيادة يورينييف في روسيا والمرتبطة بتروتسكي، ولوناشارسكي وعدد آخر في المنفى (Lilina et al 1967: 318–19). ولكن أظهرت البيانات التي دعت إلى الإضراب العام اسمي خلية البلاشفة في فيبورغ وMezhraionka. وهذا يشير إلى أن الجمع بين عنصري الطبقة والجندر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار (McDermid and Hillyar 1999: 152). كان عمال/ات النسيج الأكثر نضالية خلال الأيام الخمسة الأولى من ثورة فبراير، كما أشارت إحدى المصادر السوفياتية الأولى (McDermid and Hillyar 1999: 153). قادت النساء المظاهرات وواجهن الجنود. وقادت البلشفية كروغلوفا عمال/ات مصنعها؛ وواجهن جنود فوج منطقة نوفوتشركاسك وبعض القوزاق. وعندما قال أحد الضباط للمتظاهرات: “تقودكن بابا “عجوز شمطاء”، فردت عليه كروغلوفا “لست بابا، إنما أخت وزوجة الجنود الذين هم على الجبهة" (Ruthchild 2010: 221). وقد وضع الجنود والقوزاق أسلحتهم على الأرض. فقد قاومت الأحكام الجندرية المسبقة، وتسببت إشارتهن لروابط القرابة مع الجنود برفض إطلاقهم النار عليهن.

ومع ذلك، فعندما تم انتخاب المندوبين إلى السوفييتات، كانت النساء أقل عددا. فقد هيمن الرجال المهرة على انتخابات سوفييت بتروغراد ومن ثم بدأت لجان المصانع بالظهور بعد فترة قصيرة. وقد حصل ذلك حتى في المصانع التي شكلت فيها النساء أغلبية واضحة من القوى العاملة فيها. ولذلك سببان رئيسيان: استمرار مسؤولية النساء عن الأعباء الأسرية وخاصة مع استمرار النقص في المواد، وغياب ثقة بعض النساء بأنفسهن، إلى جانب مدى قدرتهن على الاستمرار بسياسات “واعية”.

تنظيم النساء بعد فبراير 1917: جندرة الوعي الطبقي

منذ القرن التاسع عشر، كان للراديكالية الروسية تيارا نسويا. لقد شهدت ثورة 1905، ظهور منظمات تدافع عن حقوق النساء من مختلف الأنواع. بعض النسويات مثل آنا كالامانوفيتش، كن على صلة بالاشتراكيين. وأخريات، مثل آنا ميليوكوفا، كن على صلة بالليبراليين. وخلال المؤتمر التأسيسي للحزب الدستوري الديمقراطي، ناقشت لصالح إقرار بند ضمن برنامج الحزب ينص على حق النساء بالتصويت. وقد جرى نقاش حاد، حيث عارضها زوجها، مؤرخ الحزب وزعيمه المستقبلي، بافيل ميليوكوف (Ruthchild 2010: 65). وقد نظم مؤتمر نساء عموم روسيا الأول، حيث ناقشت فيه كولونتاي، وحضرته بشكل رئيسي الليبراليات. وفي وقت جرى تبني العديد من المواقف، كان النضال من أجل الحق بالاقتراع هو البند الرئيسي. لكن الموقف المسيطر، بقيادة النساء من الحزب الدستوري الديمقراطي، دعا إلى اقتراع محدود، الأمر الذي أدى إلى انسحاب الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

كره الليبراليون أي فكرة تمتّ إلى الثورة بصلة، وأيدوا تشكيل حكومة مؤقتة. وقد وافق الاشتراكيون المعتدلون (المناشفة)، والاشتراكيون الثوريون، والأحزاب الاشتراكية الشعبية على تشكيل تلك الحكومة، حيث أنه بحسب تصورهم، كانت الثورة ثورة برجوازية ديمقراطية يجب أن تقودها البرجوازية.

بدأت هذه الحكومة المؤقتة العمل على مشروع انتخابات الجمعية التأسيسية. وقد أزالت القيود عن اليهود والعديد من الأعمال الأخرى. ومع ذلك، عندما أعلنت الحكومة عن برنامجها في 3 آذار/مارس، لم يكن هناك أي إشارة إلى حق النساء بالتصويت.

وأكد ألكسندر كيرنسكي، الوزير الاشتراكي الوحيد في الحكومة المؤقتة، في 11 آذار/مارس، أن يجب انتظار قرار الجمعية التأسيسية بما خص حق النساء بالتصويت، لذلك كان يجب القيام بتغيير كبير على الفور. وردا على ذلك، نظمة رابطة النساء مظاهرة ضخمة للنساء في بتروغراد. وفي وقت وعدت النساء بإقرار الحق بـ”الاقتراع العام”، لكن كان هناك رفض لإدراج نص صريح يشمل كل النساء بهذا الحق. سارت المظاهرة التي ضمت حوالي 40 ألف شخصا، من الشارع الرئيسي في برتوغراد نيفسكي بروسبكت وصولا إلى قصر توريد، الذي كان مقرا لكل من الحكومة وسوفييت عمال وجنود بتروغراد. عند اللقاء ضغطوا على السوفييت، حيث وعد قادته بعد بعض الضغط بدعم حقوق النساء. قبل الأمير لفوف، رئيس الحكومة المؤقتة مطلبهم بالتصويت بعد لقاء وفد بقيادة الثورية المخضرمة فيرا فيغنر، التي كان قد أفرج عنها قبل وقت قصير من السجن. ومع ذلك، لم يتم إضفاء الطابع الرسمي على الحق بالتصويت إلا في شهر تموز/يوليو (Ruthchild 2010: 223–29).

خلال مظاهرة 19 آذار/مارس رفضت النسويات السماح لألكسندرا كولونتاي التحدث. في الواقع، عندما حاولت أن تلقي خطابا، تم إبعادها عن درج قصر توريد من قبل بعض النساء. هذا الأمر يستحق تذكره عندما تتم إدانة الاشتراكيين لأنهم واجهوا لوحدهم النسويات (البرجوازيات والليبراليات). ومع ذلك، فإن نجاح هذه المظاهرة التي شارك فيها عدد لا يستهان به من العمال، ربما لعبت دورا في إقناع القادة الاشتراكيين بقيمة ما تقوله رفيقاتهم.

خلال عام 1917، أدى العمل الدؤوب للبلشفيات إلى انضمام عشرات الآلاف من العاملات إلى الحزب، وانخراطهن في الحركة النقابية، وإضفاء طابعا جندريا في النضال من أجل الاشتراكية. فور تشكيل الحكومة المؤقتة في عهد الأمير لفوف، عقد تحالف المناشفة والاشتراكيين الثوريين الذي كان يهيمن على الطبقة العاملة هدنة طبقية.

كان على البلشفيات العمل على مستويين لكسر ذلك. وعلى الرغم من أن كلا من الحكومة المؤقتة والقيادة لسوفيات بتروغراد قد أدركتا أن التضخم ونقص الغذاء لهما بالغ الأثر، إلا أنهما لم تفعلا شيئا تجاههما. ما دامت الحرب مستمرة، لا يمكن حل هذه المشاكل، ولكن الحكومة البرجوازية المؤقتة لم تفعل شيئا لوضع حد للحرب ولم يمض المناشفة والاشتراكيون الثوريون أبعد من الحكومة المؤقتة. إلا أن النساء بدأن برفع أصواتهن. فبدأت زوجات الجنود بالاحتجاج على عدم حصول أي تحسن. يوم 11 نيسان/ابريل، خرجت هؤلاء النساء بمظاهرة حاشدة إلى قصر توريد، حيث مقر السوفيات، وأظهرن أنهن يثقن بالسوفيات بدلا من الحكومة المؤقتة. لكن الزعيم المنشفي دان، وباسم السوفيات، وبخهن على المطالبة بالمال في وقت كانت الخزينة فارغة. كما رفض دان السماح لكولونتاي، العضوة في السوفيات، التحدث إلى النساء. على الرغم من ذلك، تحدثت كولونتاي، ولو بشكل غير رسمي، وحثتهن على انتخاب مندوبات إلى السوفيات.

من هذه النقطة، لعبت البلشفيات دورا رئيسيا بين الجنديات. الإضراب الأول الذي خرق “السلام المدني” نفذته عاملات الغسيل الذي شمل ما يقارب 40 ألف عاملة، اللواتي طالبن بثماني ساعات عمل في اليوم وبالحد الأدنى للأجور. كن منظمات في النقابات وتقودهن بلشفيات مثل غونشاروفا، ونوفي كوندراتييفا وساخاروفا. حصلت المضربات على انتصار جزئي بعد شهر. عندذاك، سقطت الحكومة المؤقتة الأولى، وبشكل أساسي بسبب أهداف الحرب (التوسعية) وبعض قادة المنشفية والاشتراكيين الثوريين من السوفيات دخلوا في حكومة مؤقتة مع أعضاء سابقين من الدوما(3) عزموا على مواصلة المجهود الحربي. بالنسبة إلى هذه الحكومة، كان عمل المغاسل من الأمور المربكة التي تهدد خططهم للبلاد. كان تنظيم غرف الغسيل أمرا صعبا، لأنها كانت مشتتة في جميع أنحاء المدينة، بدلا من العمل في مكان كبير أو حتى متوسط الحجم. ونقلت الصحافة البلشفية أخبار الإضراب بشكل مستمر، وكانت ترى فيه نموذجا واضحا للنضالية. كل هذا يشير إلى تحول واقعي في موقف البلاشفة من العاملات. حيث ستشارك النساء في النضالات العمالية في قطاعات أخرى أيضا. كن يطالبن بشكل خاص برفع الأجور، وتحسين ظروف العمل (خاصة الصحية منها)، ومساعدات الأمومة، وإلغاء عمل الأطفال. وعبرن عن غضبهن الشديد من التحرش الجنسي الذي كن يتعرضن له في مكان العمل، وطالبن بوضع حد لعمليات التفتيش الجسدية (Figes 1996: 368).

عندما عاد لينين من المنفى، كانت كولونتاي أول المؤيدين له داخل الحزب البلشفي. تجدر الإشارة إلى أن لينين كان في البداية من الأقلية على مستوى القيادة في الحزب، سواء لناحية أفكاره حول استراتيجية الثورة أو حتى مسألة الوحدة مع المناشفة. عندما عاد، كان البلاشفة وسط نقاشات مع المناشفة لإعادة توحيد الحزب. وكانت كولونتاي من أوائل المطالبين/ات بإنشاء لجان خاصة بالنساء.

مقاومة إنشاء لجان منفصلة للنساء

وافق البلاشفة على شكل من أشكال العمل المنفصل بين النساء لأسباب عملية. حيث كان خصومهم في الحركة الاشتراكية مثل المناشفة والاشتراكيين الثوريين يجندون بشكل سريع، في حين كان البلاشفة وبإصرارهم على حصول المنتسبين/ات على الحد الأدنى من التكوين السياسي قبل الانتساب إلى الحزب، متأخرين عنهما. لذلك اعتبروا العمل المنفصل بين النساء ضروريا لتطوير الحزب البلشفي. ولكن كان هناك مقاومة كبيرة للعمل الخاص، خاصة فيما يتعلق بالبنية التنظيمية المنفصلة الخاصة بالنساء. أصرت القائدات البلشفيات مثل كروبسكايا وكولونتالي وسامويلوفا وستال وسلوتسكايا على أن هذا النقاء النظري سيعوق الصراع الطبقي من ناحيتين: الأولى، لأنه لا يعترف بأن النساء قوة يحسب حسابها والبناء على نضاليتهن مسألة حيوية؛ الثانية، على الرغم من نضاليتهن، كانت العاملات متخلفات- من حيث الوعي السياسي والخبرة التنظيمية- بالمقارنة مع الرجال. من بين هؤلاء المناضلات كانت كولونتاي أبرزهن بكل تأكيد. لكنها لم تكن معزولة ووحيدة كما تميل بعض السير الذاتية الباكرة (Farnsworth 1980; Porter 1980).

وقد شددت الدراسات الحديثة التي أجرتها العديد من الكاتبات مثل (McDermid and Hillyar 1999; Clements 1997; Turton 2007) على أن مجموعة كبيرة من النساء عملت بشكل مشترك في ذلك الوقت. وقدمت فيرا سلوتسكايا اقتراحات مماثلة حتى قبل عودة كولونتاي إلى روسيا. ولكن لا يمكن إنكار وجود خوف بلشفي من الحركة النسوية/الانفصالية (نُظِر إلى الاثنتين على أنهما متطابقتان). إذا بدلا من إنشاء مكتب للنساء، وافق الحزب على إعادة إحياء مجلة رابوتنيستا والعمل بين النساء من خلال المجلة. ومع ذلك، أظهرت مظاهرة 19 آذار/مارس أن العالم لن ينتظر إذا لم يتدخل البلاشفة، وربما شكل ذلك دافعا. أعطت مناضلة وعاملة في قطاع الترامواي اسمها روديونوفا رواتب ثلاثة أيام للبدء بتشغيل الصحيفة، حصل ذلك وسط اجتماع جمع 800 روبل. من هذه النقطة، أصر المحررون/ات على أن تعمل في الصحيفة، وعلى أن تتولى مهاما محددة فيها، والكتابة في نهاية الأمر. من خلال هذا المسار أصبحت عضوة في الحزب.

قدمت سامويلوفا جلسات تكوينية بين النساء. وتحولت كروبسكايا بعد عودتها بقليل إلى روسيا للعمل في قطاعي التعليم والشباب في منطقة الطبقة العاملة في بتروغراد (فيبورغ). ويعتقد كاتب سيرتها ر. ماكنيل (1973: 73) أن ذلك كان بسبب شعورها أن فكرة لينين الداعية إلى قيام ثورة اشتراكية كان مشكوكا بها. وقد استند هذا إلى فهمٍ للاستراتيجية البلشفية يعتبرها مؤامرة من أجل الانقلاب. في الواقع التكوين السياسي أمر ضروري، إذا كانت الثورة في الواقع تعني التحرر الذاتي للطبقة العاملة.

لعبت رابوتنيستا، بغض النظر عن الآراء الفردية لأعضائها، دورا حيويا في إظهار الوعي الطبقي. من ناحية، تحدت المجلة الأفكار النمطية عن النساء. ومن ناحية أخرى، أظهرت المقالات والتقارير أن العمال والعاملات لم يكن لديهم/ن نفس المطالب وأنهم/ن لم يواجهوا/ن أشكالا مماثلة من الاستغلال. أدرك البلاشفة أن المواقف الأبوية لم تكن تقسم الطبقة فحسب، إنما أيضا تستخدم أيضا من العمال ضد النساء باسم احتياجات الأسرة، على الرغم من إعالة النساء للعديد من العائلات. لذلك، مع مرور سنة، أصبح الجندر مسألة يجب تناولها بشكل عابر للطبقات وليس تجاه العاملات فقط. وقد ناضل البلاشفة لتمثيل النساء في لجان المصانع، ومن ضمن ذلك إقناع الرجال بالتصويت للنساء. ومنذ حزيران/يونيو صدرت دعوات من ممثلي العمال بحماية وظائف الرجال على حساب النساء، على افتراض أن أجور النساء إضافية في حين أن الرجال هم المعيلين الرئيسيين. وقد خاض البلاشفة ونقابة عمال الفولاذ هذه المعركة بشكل مشترك، ولكنهم شددوا على الوحدة الطبقية بدلا من المساواة الجندرية (McDermid and Hillyar 1999: 168).

أدركت العاملات المشاكل التي يواجهنها. وكتبت تسفيتسوكوفا، العاملة في صناعة الدباغة، أنه إذا لم تأخذ الاشتراكية أصواتنا بعين الاعتبار، فإنها ستخلق مجتمعا ذات مواقف سلبية تجاه النساء. وأشارت امرأة أخرى، إيلينا، التي كتبت في تكاش (مجلة نقابة عمال/ات النسيج) إلى أنه يمكن للعمال حضور الاجتماعات أو التنزه بعد العمل، في حين يتوجب على النساء الكدح في المنزل، وربطت في مقالها الكلمة الروسية “بارششينا” مع كلمة الكدح التي تعني عمل الأقنان (Smith 1986: 155–73).

بعد انتفاضة تموز/يوليو (4)، تعرض الحزب البلشفي لهجوم. حيث تم التشهير بلينين واتهم بقبض الذهب الألماني. فكان عليه الاختباء. واعتقل تروتكسي وعدد آخر. وأغلقت صحيفة البرافدا. فاعتمد الحزب لبعض الوقت على مجلة رابوتنيستا.

بعد انتفاضة تموز/يوليو جاءت الهزيمة العسكرية، ثم محاولة الجنرال كورنيلوف الانقلاب. وقد نتج عن ذلك ازدياد الاستياء الشعبي من الحكومة المؤقتة، حيث اندمج كل من المناشفة والاشتراكيين الثوريين بالكامل في الحكومة؛ التي أصبح يترأسها الآن كيرينسكي، بدلا من الأمير لفوف. ونتيجة لذلك، زاد الدعم الذي ناله البلاشفة، ومن ضمنه من قبل العاملات. ناضلت النساء إلى جانب الرجال لصد قوى الجنرال، وبناء الحواجز وتنظيم المساعدات الطبية عن طريق الأخوات الحمر (McDermid and Hillyar 1999: 179).

كان موقف النسويات الليبراليات معاكسا تماما، فقد دعمن الحرب. اعتبر جزء منهن أن الانضمام إلى الجيش والقتال من أجل الحرب هو مسألة أساسية للمساواة. ولكن أدى ذلك إلى زيادة الهوة بين البرجوازيات (أو الانتلجنسيا) وكتلة الطبقة العاملة، والبرجوازية الصغيرة والفلاحات اللواتي يردن إنهاء الحرب. وقدمت ماريا بوخاريفا، الوطنية الملتزمة والتي خدمت كجندية في الحرب، طلبا إلى الحكومة المؤقتة لإنشاء وحدات عسكرية للنساء في أيار/مايو عام 1917. فتلقى هذا الطلب الدعم الفوري بشكل أساسي من نساء الطبقة العليا. لم تكن بوخاريفا نفسها ترى ذلك كطريقة أخرى للدفاع عن قضايا النساء، على العكس من العديد من النسويات. وجرى تشكيل كتيبة نسائية. حاولت النسويات مثل أولغا نيشافا وأريادنا تيركوفا البناء على مبادرة بوخاريفا عبر تقديم اقتراح لرئيس الوزراء يقضي بوضع النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و45 سنة في خدمة الدولة، بهدف الحلول مكان الرجال الذين يمكن أن يصبحوا متاحين للتجنيد العسكري. ومن بين 3000 جندي تمركزوا في قصر الشتاء في بتروغراد لحماية الحكومة المؤقتة، كان هناك 200 امرأة من كتيبة النساء. بحلول ذلك الوقت، أصبحت الحكومة معزولة تماما بحيث لم تعد حائزة على ثقة كبيرة. وفي بلد أضعفته الحرب، كانت نساء الطبقة العاملة تحتقر هذه الكتيبة وتعاديها. مع ذلك، فإن الاتهامات بارتكاب الاغتصاب الجماعي لأعضاء كتيبة الموت شكك فيها المؤرخون مثل Stites، على الرغم من أن ثلاث نساء قيل إنهن تعرضن للاعتداء الجنسي (Shukman 1988: 36).

تحدي الصور النمطية

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917، نظمت كولونتاي وسامويلوفا اجتماعا للعاملات لمناقشة انتخابات الجمعية التأسيسية، حيث شارك فيه 500 مندوبة انتخبهن أكثر من 80 ألف امرأة في 70 اجتماع تحضيري. وهكذا مع اندلاع انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر أقيم نظام جديد، حيث كان هناك أيضا اعتراف بالبنية المستقلة للنساء ليس بالمعنى الانفصالي إنما لأنها ضرورة ملحة. في نفس الوقت، لم يتخذ البلاشفة موقفا يعتبر النساء غير قادرات على القتال. إنما على العكس من ذلك، شددوا على سؤال يدور حول من أجل أي طبقة وأي هدف يجب أن تناضل النساء. بينما كان عددهن قليلا، كان عدد النساء المسلحات في الجيش الأحمر أكبر بكثير من عدد النساء اللواتي هن في صفوف الثورة المضادة. لعبت سلوتسكايا دورا رئيسيا في تنظيم الهجوم في منطقة بتروغراد في موسكو، كما فعلت ل.ر. منزينسكايا ود.أ. لازوركينا في حي المدينة الأولى، وأ. كروغلوفا في منطقة أوختا. وكانت العاملات الشابات من الحزب مثل ليزا بيلايفا وإيفجينيا جير من أعضاء الجيش الأحمر. وكانت سائقة الترامواي، روديونوفا، التي خبأت 42 بندقية وأسلحة أخرى في مستودعها بعد انتفاضة تموز/يوليو، مسؤولة عن التأكد من أن حمولة عربتي ترامواي من الرشاشات قد انطلقتا لاقتحام قصر الشتاء (McDermid and Hillyar 1999: 185–86). هذا من شأنه أن يشكل أساسا لانتساب العدد الكبير من النساء اللواتي انضممن إلى الجيش الأحمر بين عامي 1918-1920. خلال الفترة الممتدة بين عامي 1917 و1920 تم تحدي الصور النمطية، وحتى ولو بأعداد قليلة، فقد لعبت النساء دورا بارزا في الثورة.

على الرغم من أن دراسة الأحداث التي تلت عام 1917 تقع خارج نطاق بحثنا هذا، إلا أننا نحتاج إلى التأكيد على أن السنوات الأولى من الثورة الروسية قد شهدت خطوات كبيرة إلى الأمام. لم ينعكس ذلك فقط على صعيد القوانين، إنما أيضا على صعيد الممارسة العملية التي جرت فيها محاولات التصدي لصالح حقوق النساء، ومسألة المساواة الموضوعية، ومسألة الأقليات الجنسانية… على الرغم من الحرب الأهلية وفي مواجهة الصعوبات الهائلة. ومع ذلك، لم يكن هذا المسار سهلا في أي مرحلة من مراحله. فقد أجرت غولدمان ووود تقييما مختلفا للسنوات الأولى، لكنهما تتفقان على أنه في نهاية الـ 1920ات حصل تراجع واضح بالنسبة للنساء. سيكون خطأ إذا تم اعتبار البلشفية غير مكترثة لموضوع الجندر، أو افتراض أن الدعم البلشفي لقضايا النساء كان مجرد وسيلة انتهازية. فقد نشبت صراعات حادة في الـ 1920ات، حيث برزت مسألة حقوق النساء. يتضح ذلك عندما ننظر إلى محاولة تحويل مجتمعات دول آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة، وقانون الأسرة الجديد والمناقشات المتعلقة به، والقضايا المتعلقة بالفلاحين والأراضي خلال المناقشات المتعلقة بالسياسات الاقتصادية الجديدة، أو مسألة المساواة الجندرية في الحزب. كذلك، من الضروري النظر إلى صعود البيروقراطية الجديدة، وتلمس المسألة الجندرية كأحد المجالات التي حصل فيها التراجع باكرا. (Marik 2008: 419–27, 487–88; Goldman 1993: 337).

--

نشر المقال بالانكليزية في مجلة Economic & Political Weekly في المجلد 52 العدد 44، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2017. وأعيد نشره في موقع Historical Materialism.

لقراءة المزيد حول الموضوع: كولونتاي والبلاشفة وتحرر النساء: قراءة نقدية- الكاتبة: جاكلين هينين (تاريخ النشر باللغة الفرنسية عام 1978، وبالعربية تشرين الأول/أكتوبر 2017)

الجنس والثورة الروسية- للكاتب بيتر دروكر (تاريخ نشره بالانكليزية وبالعربية آذار/مارس 2018)

روسيا 1917: الجندر، الطبقة والبلاشفة للكاتبة: ساندرا بلودوورث (تاريخ نشره بالانكليزية شتاء العام 2017، وبالعربية آذار/مارس 2018)

الهوامش:

(1): See, for example, Blackledge (2010).

(2): في 9 كانون الثاني/يناير عام 1905، حسب الروزنامة الروسية (22 كانون الثاني/يناير بحسب التقويم الغريغوري)، أطلق النار على المتظاهرين العزل من الطبقة العاملة من الحرس القيصري بينما كانوا يسيرون بمظاهرة باتجاه قصر الشتاء لتقديم عريضة للقيصر. تعرضت التظاهرة التي ضمت حوالي 50 ألف شخص لإطلاق نار متكرر، وتراوح عدد الشهداء بين 1000 قتيل وجريح إلى 4000 قتيل. الأحد الدامي، كما سمي لاحقا، حول صورة القيصرية في روسيا، وأدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية في جميع أنحاء البلاد. وقد انطلقت ثورة 1905 عقب مجزرة الأحد الدامي، وقد شهدت بحلول صيف العام 1906 إعدام ما يقارب 15 ألف عامل وفلاح ونفي أكثر من 45 ألف شخص (Sablinsky 1976; Ascher 2004; Trotsky 1971; Harcave 1964).

(3): يمثل الدوما مجلس النواب المنتخب وقد أنشئ بعد ثورة 1905، والذي استمر من العام 1906 وصولا إلى العام 1917.

(4): شهدت انتفاضة 4 تموز/يوليو نصف انتفاضة على عكس نصيحة البلاشفة، والتي استمروا بدعمها لأنهم شعروا أن التخلي عن العمال والجنود سيكون خطأ كبيرا. انتهت بمزيج من الخسارة والتراجع.

References:

Ascher, Abraham (2004): The Revolution of 1905: A Short History, Stanford: Stanford University Press.

Blackledge, Paul (2010): “Symposium on Lars Lih’s Lenin Rediscovered,” Historical Materialism, Vol 18, No 3, pp 25–174.

Bobroff, Anne (1974): “The Bolsheviks and Working Women 1905–1920,” Soviet Studies, Vol 26, No 4, October, pp 540–67.

Clements, B Evans (1979): Bolshevik Feminist: The Life of Aleksandra Kollontai, Bloomington and London: Indiana University Press.

— (1997): Bolshevik Women, Cambridge: Cambridge University Press.

Cliff, Tony (1987): Class Struggle and Women’s Liberation, London: Bookmarks.

Donald, M (1982): “Bolshevik Activity amongst the Working Women of Petrograd in 1917,” International Review of Social History, Vol 27, No 2, pp 129–60.

Draper, H (1971): “The Principle of Self-Emancipation in Marx and Engels,” Socialist Register, R Miliband and J Saville (eds), London: Merlin, pp 81–109.

Elizarova, A (1923): “Zhurnal ‘Rabotnitsa’ 1914 g,” Iz epokhi ‘Zvezdy’ i ‘Pravdy’, 1911–1914, M S Olminskii (ed), Vol 3, Moscow: Gosudarstvennoe izdatel’stvo, p 63.

Elwood, R C (1992): Inessa Armand: Revolutionary and Feminist, Cambridge: Cambridge University Press.

Farnsworth, B (1980): Aleksandra Kollontai: Socialism, Feminism and the Bolshevik Revolution, Stanford, California: Stanford University Press.

Figes, O (1996): A People’s Tragedy: The Russian Revolution, 1890–1924, London: Jonathan Cape.

Forder, H et al (eds) (1970): Der Bunde der Kommunisten: Dokumente und Materialen, 1836–49, Berlin: Dietz Verlag.

Goldman, W Z (1993). Women, the State, and Revolution, Cambridge: Cambridge University Press.

Harcave, Sidney (1964): First Blood: The Russian Revolution of 1905, New York: The Macmillan Company.

Hasegawa, Tsuyoshi (1981): The February Revolution: Petrograd, 1917, Seattle: University of Washington Press.

Lenin, V I (1964): Polnoe Sobranie Sochinenii, Vol 48, Moscow: Institut Marksizma-Leninizma pri T︠S︡K KPSS.

Lih, L T (2008): Lenin Rediscovered: What Is to Be Done? In Context, Chicago: Haymarket.

Lilina, L I et al (1967): Geroi Oktiabria: biografii aktivnykh uchastnikov podgotovki i provedeniia Oktiabrskogo vooruzhennogo vosstaniia v Petrograde, Vol 1, Lenizdat: Leningrad.

Marik, Soma (1999): “Bolshevikbad O Narimukti, 1903–1917: Proyoger Aloke Tattver Punarvichar” [Bolshevism and women’s emancipation, 1903–1917: Re-evaluation of theory in the light of practice], G Chattopadhyay (ed), Itihas Anusandhan-13, G Chattopadhyay (ed), Kolkata: Firma KLM Pvt Ltd, pp 761–77.

— (2003): “German Socialism and Women’s Liberation,” Women in History, A Chanda, M Sarkar and K Chattopadhyay (eds), Kolkata: Progressive Publishers, pp 169–223.

— (2004): “Gendering the Revolutionary Party: The Bolshevik Practice and Challenges before the Marxists in the 21st Century,” Perspectives on Socialism, B Chatterjee and K Chattopadhyay (eds), Kolkata: Progressive Publishers.

— (2008): Reinterrogating the Classical Marxist Discourses of Revolutionary Democracy, Delhi: Aakar.

— (2009): “Women in the Russian Revolution,” International Encyclopedia of Revolution and Protest, Immanuel Ness (ed), Vol VII, MA: Wiley-Blackwell, pp 3550­–55.

— (2017): “Lenin O Ki Korite Hoibe? Biplabi Dol Gothoner Itihas Ki ebong Ki Noy,” Radical, forthcoming.

1903: Second Ordinary Congress of the Russian Social-Democratic Labour Party (1978): Trans B Pearce, London: New Park Publication.

McDermid, J and A Hillyar (1999): Midwives of the Revolution: Female Bolsheviks and Women Workers in 1917, London: UCL Press.

McNeal, R H (1973): Bride of the Revolution: Krupskaia and Lenin, London: Victor Gollancz.

Porter, Cathy (1980): Alexandra Kollontai: A Bio­graphy, London: Virago.

Ruthchild, Rochelle Goldberg (2010): Equality & Revolution: Women’s Rights in the Russian Empire, 1905–1917, Pittsburgh: University of Pittsburgh Press.

Sablinksy, Walter (1976): The Road to Bloody Sunday: Father Gapon and the St Petersburg Massacre of 1905, Princeton: Princeton University Press.

Shlyapnikov, A G (1982): On the Eve of 1917, New York: Allison and Busby.

Shukman, H (ed) (1988): The Blackwell Encyclopaedia of the Russian Revolution, Oxford: Blackwell.

Smith, S A (1986): Red Petrograd, Cambridge: Cambridge University Press.

— (1994): “Class and Gender: Women’s Strikes in St Petersburg, 1895–1917, and in Shanghai, 1895–1927,” Social History, Vol 19, No 2, May, pp 141–68.

Stites, R (1978): The Women’s Liberation Movement in Russia: Feminism, Nihilism and Bolshevism 1860–1930, Princeton, NJ: Princeton University Press.

Turton, Katy (2007): Forgotten Lives: The Role of Lenin’s Sisters in the Russian Revolution, 1864–1937, Basingstoke: Palgrave McMillan.

Trotsky, Leon (1971): 1905, Harmondsworth: Penguin.

Wood, Elizabeth A (1997): The Baba and the Comrade: Gender and Politics in Revolutionary Russia, Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو