الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سنوات الدم والدمار في إلماين وأذرار نسيذي يذير

الطيب آيت حمودة

2018 / 3 / 24
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني



استجابت منطقة [ إلماين وسيذي يذير ] مبكرا لنداء الثورة ، فقد انخرطت نخبة طلائعية من أبنائها في العمل الثوري ، وأصبح سكانها يُميزون بين جبهة التحرير FLN، و جيش المصاليين MNA، ففي خريف 1955 حل بها فوج معتبر من جيش التحرير الوطني كان في استقبالهم المناضل (سعيدي محمود) و(مريجي بهلول) ، وقع اجتماع كبير في (لوطا اسقفان) نشطه المناضل [ سي حميمي أوفاضل ] تمت التعبئة و زوّد الجنود ب 14بندقية صيد من أهالي القرية كعربون انخراط فعلي في الثورة ، بعد القسم على المصحف الشريف . وغدت المنطقة معقلا كبيرا لاستقطاب الثوار ، بدليل أن العقيد عميروش زارها في مهمة في الشهر الأخير من 1955 .

°°°نشاط ثوري معتبر .
بُعد الجهة عن مراكز التواجد العسكري الفرنسي في (بني ورثلان) و(عراسة ) و (بني حافظ ) و (لافاييت ) زاد من حيوية الجهة ، فقد أصبحت ( قرية سيذي يذير) مركزا للتعبئة و التنظيم والعبور ، فقد مرت بها المناضلة [ مليكة قايد] ، وانخرط عشرات شبابها في الفعل الثوري منهم ( الصديق أوبراهم) و (خياري يدريس ) .... .....
نشاط الجهة الثوري وتكثيف العمليات الحربية ضد فرنسا وأعوانها و تخريب المنشآت الحيوية خلق جوا من القلق لدى عساكر فرنسا وأحسوا بأن هذه المنطقة خارجة عن السيطرة ، لذا قرروا وضعها تحت المراقبة مع الفحص الدوري لأراضيها فقد بدأت القوات الفرنسية تراقب المكان مثل حصارها ( لقرية ثاوريرت) المقابلة في الأيام الأخيرة لسنة 1955 .
إن النشاط الثوري لهذه الجهة جعلت منها محل شبهة ، لذا حرص عساكر فرنسا وقيادتها السياسية رسم خطط لتركيع الجهة و ضبط سكانها بمختلف الأساليب .

°°° عملية الأمل … الأمل في السيطرة .

أجتمع قادة الشر العسكري وخططوا ... فولّدوا خطة حربية ضد الثوار الجزائريين في منطقة القبائل الصغرى كلها أملا في استرجاع السيطرة عليها ، أعطوا لها تسمية الأمل l’operation Esperance)
فكان المجرمان العنصريان ( موريس بابون )[1] و ( روبير لاكوست [2] ) قد منحا الضوء الأخضر لتنفيذ هذه الخطة الجهنمية بقيادة الجنرال دوفور général Dufourt [3] التي استهدفت السكان العزل في قرى ومشاتي جهات وادي بوسلام ، وإلماين وقرى بني عباس ،و الكانطينا (جعافرة الحالية ) .... والتي غرضها ترحيل الثوار المجاهدين لما أحدثوه من مخاطر على السيادة الفرنسية بتخريب وسائل الإتصال ،واغتيال الخونة ، و إقامة الكمائن ، وهو ما جعل هذه الجهات خارج السيطرة الفرنسية ومرتعا خصبا للنشاط الثوري المتمرد ، وكأنها مناطق محررة عبر عنها ( تظاهر جيش التحرير في إلماين ، ومرور كتيبة من مجاهدي الأوراس بقرية بسيذي يذير[4] ) .

ولاسترجاع الجهة لبيت الطاعة بالقضاء على الذين هم خارج القانون الفرنسي ومعاقبة المتعاونين معهم ، جندت فرنسا أرمادا حربية باسم ( عملية الأمل ) قوامها عشرة آلاف من العساكر المدججين بالأسلحة المتطورة مصدرها قوات الحلف الأطلسي ، وكان الطيران فيها يمثل رأس حربة في هجومها البربري فالطائرات T6 المعروفة عندنا ب (ثاموشارث ثاوراغث ) والطائرات المقنبلة الأمريكية طراز B26 ، والحوامات العادية و الكبيرة ، و السيارات من نوع الجيب JEEP والجمسي GMC هي الوسائل الأكثر إستعمالا في جهتنا خلال هذه الحقبة المليئة بالدم والدمار .

°°°بدايات الدم و الدمار ....

دشن المعمرون فعلهم بقنبلة [ قرية إلماين EL MAIN] في 12 ماي 1956 راح ضحيته 70 شهيدا من المدنيين بسقوط ديارهم ، هذا الفعل جعل أهالي الجهة يبدعون في التصدي بحفر الخنادق في كل مكان ، داخل المنازل ، وفي محيط القرى و ضيعاتها القريبة ، لحماية الأنفس من الهجمات المباغتة للطيران الهمجي الفرنسي .
وتلتها قنبلةٌ أخرى لقرية ( سيذي يذير SIDI I-dir-) في 28 جوان 1956 . كانت مسبوقة بحصار جهنمي للقرية بعد الإنزال الجوي بالحوامات ، مارسه جيش المرتزقة من (الفيلق الفرنسي الثامن ) المشكل من عساكرمرتزقة يهود و سينغال وأوربيين من مختلفي الجنسيات ، وهو ما رفع وتيرة التأهب عند الساكنة ، فالنساء والأطفال اختبأوا في المغارات اتقاء شر القنابل وضربات الطائرات الصفراء ، والرجال غالبهم هاجر القرية باتجاه الوادي ، ومن بقي منهم في القرية أهلكته وأفنته قوى الشر الفرنسي فقد أعدموا 12 فردا منهم نساء ، وجرحوا ستة اشخاص ( فقاموسهم الحربي يجعل من كل سكان القرية عدو يجب قتله ) .
عاشت المنطقة ظاهرة (الكر والفر) بين المناضلين وعساكر فرنسا قرابة الشهرين ، وممّا خفف وطأ تقدم مزيد من عساكر فرنسا للجهة اشتباك قوات جيش التحرير بقيادة (الحسن أوشملاخ ) بالجيش الفرنسي الزاحف عند قنطرة ) ايث وامعوش( وهو ما أعاقهم عن التقدم نحو قرانا ، و نجا الكثير من الفارين من الموت المحتوم .

°°°الطيارة الصفرا ..... حبسي ما تضربيش .

هذه الطائرة الشبح ، الطائرة المفزعة التي لم يسلم منها الإنسان والحيوان ، عندما تطل على قريتنا غيلة بصوتها الأزيزي المرعب تتوقف أنفاس الناس ، ويلوذون بالفرار باتجاه الخنادق اتقاء شرّها ، وفي أثناء الفرار تحصد الأرواح حصدا بقنابل الروكيت والرشاشات ذات العيار الكبير .
هذه الطائرة ذات المرونة و المناورة العجيبة هي من صنع أمريكي فيما قبل الحرب الكونية الثانية ،إسمهما الصناعي T6 وبأنواع مختلفة، ولوّنت باللون الأصفر تمييزا للرؤية ومنعا للتصادم مع غيرها ، لعبت دورا حاسما في الحرب ضد دول المحور لما تمتاز به من خصوصية ، اقتناها الفرنسيون بعد تطوير تصنيعها ، واستخدموها واسعا في حربهم ضد الجزائريين ، وأسقط ثوارنا في جهتنا أربع منها ،اثنتان أثناء معارك أذرارأومازة وإمرجيين.

°°°طيلة فترة الحصار الطويلة اعتاد الناس حياة الإختباء في الخنادق المظلمة نهارا ، والعودة إلى بيوتهم ليلا ، فقد انقلبت الحياة كلية ، فكثير من الفلاحين قاموا بجني محاصلهم الزراعية ليلا بسبب قوة تركيز الطيران الحربي الفرنسي على ضرب كل شيء يتحرك على البسيطة ، لكن يوم الخميس 28 جوان 1956 كان يوما مشهودا بجُرمه ، فقد تم قنبلة قريتنا بالطائرات الكبيرة B26 الأمريكية ،مدعومة بالطائرات الصفراء والمروحيات ، و أصيبت أهداف مدنية وأُسقطت دور وأزهقت أرواح ، فتحولت القرية إلى نار ودخان متصاعد يحجب المكان ، ففي بضع ساعات تم إسقاط 36 قنبلة كبيرة راح ضحيتها 27 من سكان القرية ، و83 جريحا وهُدمت 88 دارا [5] ، فبعض الأسر أبيدت إبادة شبه كاملة ، كأسرة ( داعو لحلو) 7شهداء ، وأسرة( صهلال ) 5 شهداء ، وأسرة (زميط مولود) 5 شهداء ... رحمهم الله جميعا ، ولم تتوقف القنبلة ولم تهدأ قوى الشر إلا بعد إقامة ثكنة بإلماين وأخرى بسيذي يذير ، لينتقل الخطر من السماء للأرض ، فقد هيمن عساكر القبطان لورا Le Capitaine Georges Laurent وقوته البرية المتخصصة المعروفة ب الفوج الرابع من التنانين ، السرب الرابع .
ème régiment de dragons, 4ème escadron4

°°°الطيران الحربي الفرنسي في إطار تنفيذه ل(عملية الأمل ) لم تكن قريتنا وحدها المستهدفة ، فقد تكررت الأفعال التدميرية في كل القبائل الصغرى الواقعة على ضفاف وادي بوسلام فيما بين بني عيدل وبني ورثلان وبني عباس ، وجهات جعافرة وبوندة و أولاد خليفة و بوفنزار و تفرق وعشابو،....... فقد كان الهدف الإستعماري واضحا منذ بدايته وهو إعادة هيمنته على الجهة بعد أن عُدّت محررة ، وعبروا عن ذلك رمزيا بإعادة غرس العلم الفرنسي مجددا على أديم ترابها ، و كرروا خططا أخطر وأوسع [ كعملية المنظار operation jumelles. ] ، غير أن إرادة الثورة العاصفة اقتلعت جذورها وجذور الخائنين ، فالثورات علمتنا أن الهزيمة في معركة هي سبيل للإنتصار في الحروب الكبري.

الإحالات والمراجع __________________________________

الإحالات :

[1] موريس بابون Maurice Papon من غلاة الإدارة الفرنسية كان واليا على قسنطية في 1956 ، وصاحب سجل دموي عندما كان محافظا للشرطة في باريس فهو الآمر باغتيال الجزائريين ورمي بعضهم بنهر السين خلال مظاهرات 17 أكتوبر 1961 .
[2] روبير لا كوست Robert Lacoste وزير الجزائر في عهد حكومة فليكس قايار 1957 يشغل منصب شبيه بمنصب الحاكم العام للجزائر .
[3] الجنرال دوفور جنرال القوات الفرنسية العاملة في الشرق الجزائري منفذ عملية الأمل ، يشرف على قواعد عسكرية و مطارات للطيران الحربي في باتنة وقسنطينة ويعد مطار عين ارنات قرب سطيف هو مصدر انطلاق الطائرات المقنبلة والطائرات الصفراء والمروحيات التي استهدفت مناطق الماين وسيذي يذير في 1956. [4] الكتيبة تتشكل من مجموع 110 جندي ، وحسب شهادات الفاعلين فإن الكتيبة التي تظاهرت في ساحة إلماين قبل يومين من قصف القرية كانت بحضور شخصيات بارزة كريم بلقاسم ، العقيد عميروش ، وعيسى حميطوش البونداوي .[5] حسب شهادة جودي أتومي DJOUDI ATOUMI المنشورة في مجلة الإكسبريسيون بالفرنسية .

المراجع
أ‌) مذكرات بن براهم براهيم ، ناحية سيذي يذير من الحركة الإصلاحية إلى الثورة التحريرية لخير عبد الله .
ب‌) العدد الثالث لمجلة المجاهد سنة 1956 .
ت‌) شهادة المجاهد DJOUDI ATOUMI








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص