الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سروال حليمة

سليمان الهواري

2018 / 3 / 29
الادب والفن


سروال حليمة
***********

كان خالد يجلس على حافة السرير وكل أزرار قميصه الأبيض مفتوحة تظهر صدره الممتلئ وهو يندى من العرق بينما تتكوم حليمة غارقة في فستان زفافها في الطرف الآخر من السرير وهي واجمة لا تكاد ترفع عينيها .. لم يعد لإزار عرسها الأبيض المطرز بالنقش الفاسي الأزرق أية قيمة وهو يداس بالأقدام على الأرض بعدما انتهى الأمر إلى ما هو عليه هذه الليلة ..
والو لاشيء ..
هذا ما كان يردده خالد كل مرة ومّي خدوج تهمس له في أذنيه بينما مّي حسنة فاغرة فاها تكاد لا تفهم ما يحصل أمامها وكل استعدادات الحفل التي دامت زهاء العام توشك أن تعصف بها لحظة إخفاق لم يكن يتوقعها أحد ..

كان خالد إبنها الثاني بعد بكرها علال الذي كان فخرها أمام كل أفراد العائلة وهو أستاذ اللغة الأجنبية .. كانت لا تعرف متى أتم دراسته وصار أستاذا فعلا .. كان الكل يعرف أن علال لا يعرف للدين قبلة وهذا ماكان يحز في خاطرها وكل أقرانه من معارفهم والجيران يواظبون على أوقات المسجد كما عُرف الناس هنا ..
كان قلبها يتقطع وهي تضطر لتهييء وجبة الغذاء في عز رمضان حتى لا يغضب علال إبنها البكر الذي كان سندها حقا منذ نعومة أظافره ولا تتذكر متى عصى لها أمرا ..
- الله يرضي عليك يا ولدي .. الله يهديك
هذا كل ما كانت تستطيع أن تقوله لعلال بينما هو يكتفي بالتبسم وهو يقبل يديها ..
- غي ارضي علينا الواليدة والله تا مهديين ..
كان يجيبها وهو يرتشف ما تبقى من سيجارته السوداء وهو يرتب جاكيطته العسكرية التي كانت دائما تغطي كتفيه .. قبل أن يغادر إلى وجهة لا يعرفها إلا هو ..
كل ما يعرفونه في البيت أن السّي علال الله يرضي عليه شاب مثالي لم يسبق لأحد أن اشتكى منه منذ صغره ، وكل همه كان كتبه التي تملأ جنبات غرفته الضيقة بعد أن فاضت بها الخزنة العشوائية في سطح البيت ..
كان علال عين والديه و معينهما وهو لا يتأخر نهاية كل شهر في تسليم أبيه نصف حوالته الزهيدة تقريبا لعلها تساعد في تلبية حاجيات إخوته العشرة ..
كانت أمه تبقى كل ليلة مستيقظة حتى تسمع دقاته على الباب فتقوم مسرعة لتفتح له قبل أن تعود لفراشها .. تحاول أن تنسى كلام مقدم الحومة الذي كان قد قاله لزوجها ذات يوم أسود ..
- حضي ولدك راه غادي للحبس .. ولدك شيوعي من الإخوان المسلمين .. كافر ..
كان هذا يقض مضجعها كل ليلة ويتركها بلا نوم قبل أن تطمئن الى مجيئه ولو متأخرا ..
حدّة الكلام ترتفع في غرفة نوم خالد والحديث بدأ ينتشر ولا أحد يعرف ماذا يقع بالضبط بينما الصغار يتسللون بين الأرجل يسترقون السمع محاولين تفكيك هذا الغموض ..
كثر الموجودون في بهو البيت يتهامسون فيما يجري بينما صوت الموسيقى الشعبية يتعالى وكل المدعوين يرقصون في الخيمة التي نصبت في الزقاق الملاصق لبيت العرس .
لا أحد كان يهتم بما يحصل داخل بيت العرس والكل مستغرق في شرب كؤوس الشاي و حلويات الغريّبة و الفقّاص ، وعيون الكل على الكل قبل أن تصل لحظة الغْرامة .. بينما السّي علال كان يجلس بين أفراد الجوق الموسيقي وهم يفرغون قناني بيرة عيْشة الطويلة والنبيذ الأحمر الرّوج في صدورهم في غفلة من الجميع ..

كان الكل يتحدث عن فحولة خالد الذي غادر دراسته مبكرا ليجد نفسه يتنقل بين دكاكين حرف الصناعة التقليدية في المدينة العتيقة .. وما أن وصل سن المراهقة حتى أصبح اسمه معروفا في كل المنطقة ..
قصص خالد لا تنتهي وما أن يسقط الظلام حتى تشرع أمه في الدعاء
- الله يستر هاد الليلة و صافي ..
كان خالد غالبا ما يأتي سكرانا وهو يتأبط ذراع أي عاهرة لينطلق مهرجان المصائب و المناوشات الليلية ..
وليست كل مرة تسلم الجرة .. ليجد خالد نفسه في السجن و تبدأ حكايا البوليس والمحامين والرشوة وقفة الزيارة الأسبوعية للسجن ..
كل فتيات الحي كن تعرفن خالد ومغامراته معهن بلا عدد ..
والليلة ، وقف حمار خالد في عقبة حليمة ..
لم يستطع تأكيد رجولته التي كان يتغنى بها أمام الجميع ..
- ولدكْ عندو الثقاف أ لاللة ..
هذا ما قالته مّي خدوج ليطبق الصمت وتنطلق مناورات النساء التي لا يعرفها أحد سواهن ..
كان يجب أن تُقتل هذه الإهانة في مهدها حتى لا تنطلق الإشاعات وتبدأ في النيل من شرف العروس ..
لا أحد يعرف من تسلل خلسة ليأتي بفقيه المسجد القريب السّي عْلي الذي يعرفه أصحاب الحال أنه وحده من يستطيع إخراجهم من هذه الورطة ..
مّي خدوج تكفلت بإخراج الجميع من البيت وأقفلت باب غرفة النوم على خالد وحليمة بعد أن قرأ على رأسيهما السّي عْلي بعض بركات من القرآن الكريم ودس تحت وسادتيهما حجابا لفك الثقاف ..
صعد السّي عْلي إلى سطح المنزل لينهي طقوس تعزيماته و يحرق بعض بخور كان يحملها وشفتاه لا تهدآن لعله يطرد العفاريت الكابحة للإنتصاب في روح خالد ..
مسكينتان فعلا مّي خدوج و مّي حسنة وهما لا تفتران جيئة وذهابا في بهو المنزل وكل مرة تقترب واحدة وتضع عينيها على ثقب مفتاح غرفة النوم لعلها تنال بركات الفرج القريب ..
لا أحد في الداخل أصبح يهتم بأصوات الموسيقى العالية والضحكات المرتفعة بين حين و آخر .. فكل التركيزكان منصبا على ما يحدث في سرير خالد ..
كأنه دهر مر قبل أن تطلق مّي خدوج زغرودتها و تعلن نزول الفرج الكبير ..
كان السّي عْلي يتسلم الفتوح من مّي حسنة و هي تقبل يديه قبل أن ينسحب بينما علا الضجيج و الزغاريد في الغرفة وسروال نعيمة يتوسط السرير شاهدا على عفتها وبراءتها ..
لا أحد يعرف بالضبط كيف تمت العملية ولا ماذا حصل حتى وصل الدم إلى سروال العروس ..
ما يهم هو النتيجة فقط ..
لقد استعاد خالد رجولته الآن وآن له أن يخلد الى النوم وهو نصف سكران .. بينما نساء الجيران وقريبات حليمة كن تجهزن صينية السروال وهن تخرجن أمام باب المنزل ..
كان صوت البرّاح يرتفع معلنا عن هدية جديدة
- الله مع عمو .. عمو وهاه .. من هنا حتى للعروبية .. جا وجاب .. الله معاه .. عمو .. الفاين ريال ..
لا أحد من الرجال يهتم بمجموعة النساء المتحلقات في باب منزل العريس .. كان الجميع يعرف أنه السروال المنتظر .. و ينطلق موكب الفتيات تجبن كل دروب الحي و صينية السرول الملطخ بالأحمر تنتقل من رأس لرأس لعلها تجلب حظ الزواج لمن تعثر بها الحال .. على إيقاعات النساء المتداولة ..
- أشوفو سروالها .. أشوفو أعْدْيانها ..
- هاهو كايتسارا .. هاهو يا العزارا ..
كان على الصغار أن يستسلموا للنوم مكرهين ولا أحد تجشم عناء السؤال عنهم ..
كان الكل منشغلا بسروال حليمة ..
** سليمان الهواري / الرباط/ 28 مارس 2018 **








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا


.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية




.. -صباح العربية- يلتقي نجوم الفيلم السعودي -شباب البومب- في عر


.. فنان يرسم صورة مذيعة -صباح العربية- بالفراولة




.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان