الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة جنوبا، بين الماضي والمستقبل

فؤاد سلامة

2018 / 3 / 31
المجتمع المدني


بما أن معركة المعارضة هي معركة أفكار قبل أن تكون معركة مقاعد، ينبغي على قوى المعارضة أن تخوض هذه المعركة بكامل عدتها الفكرية، تحليلا وتفكيكا للوقائع والمواقف والآراء، وهذه المقالة تندرج في إطار هذه المهمة.
بعد انتهاء مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية لا بد من جردة حساب، لكشف بعض ما جرى علنا، وبعض ما كان يجري خلف الستار.
عدة أسباب منعت الحزب الشيوعي، جنوبا، من التعاطي بإيجابية مع مجموعات المعارضة الأخرى، وبالأخص مع تحالف وطني (المجتمع المدني) ، في دائرة الجنوب الثالثة (النبطية-بنت جبيل-حاصبيا-مرجعيون). نعدد فيما يلي تلك الأسباب، كما نراها:

1- المنطقة تعتبر معقلا تاريخيا للحزب، لا تحبذ قيادته التقليدية بروز قوى اعتراضية جديدة فيها، تشكل منافسا جديا للحزب في حال نموها في أرض خصبة للنمو، وحيث لم يستطع الشيوعي بعد تراجعه الكبير، إعادة التوسع فيها منذ هيمنة الثنائي الشيعي عليها.

2- الحجة التي سيقت لرفض التعاون مع قوى تحالف وطني، وهي وجود حزب سبعة داخلها، حجة ترتكز على شائعات، وعلى تصنيف حزب سبعة كحزب يميني-برجوازي، وهذه ليست أكثر من مجرد ذريعة، فالشيوعي سبق وتعاون ويتعاون مع قوى برجوازية في السلطة وليس في المعارضة.

3- الشيوعي سلك مسلكا إقصائيا تجاه قوى وشخصيات يسارية مستقلة، وتجاه حملة "الجنوب يستطيع" التي تجمع يساريين من منابت وأهواء مختلفة، وتجاه أحد كوادر الحراك المدني، وأخيرا تجاه مجموعة "مواطنون ومواطنات" (اليسارية). فعل الشيوعي كل ذلك رغم قبوله النظري بمبدأ الحوار والتلاقي مع هذه القوى في البداية، وحواره معها لفترة أشهر.

4- تبين بعد فترة طويلة من المفاوضات التي جرت بين كافة قوى المعارضة، أن الشيوعي كان يحاور ويغدق الوعود على المرشحين، فرادى وجماعات، ثم ينقض الاتفاقات الشفوية، يقطع ثم يعيد الوصل، يتقدم ثم يتراجع، يفعل كل ذلك محكوما بصراع مراكز القوى داخله، وبرغبة بالاستئثار والتحكم والهيمنة في الوسط المعارض.

بدأت اتصالات مع الحزب الشيوعي قبل 6 شهور من نهاية مهلة تسجيل اللوائح، من خلال حملة "الجنوب يستطيع" التي تشكلت بهمة شباب وصبايا متحمسين، قدموا من العاصمة، لتهيئة ارضية لتوحيد قوى الاعتراض في المنطقة. وقد حصلت عدة لقاءات واعدة، في النبطية بادئ الأمر.

تم الاتفاق على صياغة برنامج تفاهمات سياسية مشتركة تستثني قوى السلطة ومرشحيها، وقد توجت تلك التفاهمات بلقاء موسع في صالة لافيتا، حضره كل المعارضين بدعوة من الحزب الشيوعي، وتمثلت فيه مجموعات لها خلفيات سلطوية. ثم بدأت المناورات والشروط ومحاولات إقصاء بعض اليسار غير الشيوعي. وأما مرشحو تحالف وطني فتم تجاهلهم واستبعادهم بالكامل لانضواءهم تحت مظلة سياسية غير يسارية.

استمر الأخذ والرد ووضع الفيتوات ثم سحبها، ووعد مرشحين بإدخالهم ثم سحبهم، وإطلاق بالونات اختبار، والثابت كان تجاهل بل واستبعاد مرشحي تحالف وطني، في الوقت الذي كان الشيوعي يفاوض فيه بعض مرشحي السلطة.
قبل أيام من انتهاء مهلة اللوائح، فوجىء الشيوعي بتشكيل لائحة "معارضة" لم تخرج من تحت كمه، بل تم رميها في وجهه، وذلك بعد ان جرى الاتفاق على هذه اللائحة في أروقة السلطة، وليس في كواليس الحزب الشيوعي، حيث كان يزدحم طالبو الود والرضى، ومن بينهم بعض مرشحي هذه اللائحة.

كانت تلك صفعة للشيوعي أفقدته توازنه وأحرجت كل حلفائه، وبدا ان مطبخ تحضير اللائحة اليسارية العتيدة ينهار على طباخي الماكينة الشيوعية البيروقراطية.
قامت لجنة التنسيق المحلية ل"تحالف وطني" بتوجيه رسائل لليساريين، حزبيين ومستقلين، لإنقاذ الموقف وإعادة توحيد المعارضة مع استبعاد كل المرشحين على هامش السلطة او على صلة بها.

أصرت قيادة الشيوعي على رفض تشكيل لائحة تجمع تحالف اليسار وتحالف وطني. الذريعة المعلنة تخفي رفضا للسماح لقوة معارضة حديثة بالدخول على الساحة الجنوبية، بل والعمل على إقصائها وتهميشها، ظنا بأن ذلك سيحجب هذه القوة الصاعدة عن الجمهور الجنوبي الذي ليس على تماس معها، ولا اختلاط بممثليها القادمين من الحراك المدني الذي برز في بيروت.

من صُدِم بموقف الشيوعي وأساليبه، لا يعرف حقيقة هذا الحزب، أو كان يأمل بتغيير في عقليته وأساليبه، بحكم وجود قيادة جديدة على رأسه منذ فترة.
لقد شكلت تلك الجولة من الصراع حول الشيوعي وداخله، محطة مهمة في كشف عقم الحزب الشيوعي، والمدى الذي بلغه التصلب والتخشب في الخطاب وفي العقليات داخل جهاز الحزب ومراكز القرار فيه.

أصدقاء الشيوعي وبعض حلفائه يتكلمون عن وفاة الحزب الشيوعي، وعن عدم رغبتهم بالمشاركة في جنازة دفنه، بل وضرورة تركه يتخبط في همومه دون مضاعفة أحزانه. هل ذلك حقا ما يتمناه مريدو الخير للحزب الشيوعي؟
باعتقادي أن الحزب الشيوعي هو حزب ينتمي للماضي، وقد تأكد ذلك في كل بلدان العالم. ما بقي من الشيوعي هو ذكريات، وأمجاد، وحنين، وحسرات، وأرشيفات على الرفوف.

المستقبل للقوى الجديدة التي تتشكل بصعوبات كبيرة من رحم الحراك المدني وعلى هوامشه، عبر تجارب ومخاضات عسيرة، عبر تشققات وصراعات، عبر حوارات ولقاءات وجهود مضنية، قوى تلتقي ثم تفترق، ثم تتلاقى من جديد، تندمج ثم تتفكك، ثم تنهض من جديد، تتلمس الطرقات الوعرة وتطرق الأبواب الموصدة، تحاول دمج افكار وتفكيك مقولات، تنهل من الماضي ومن الحاضر، من اليسار ومن اليمين..

باختصار، إنها قوى تتشكل ثم تتفكك، ثم تتشكل من جديد، مستفيدة من الدروس والعبر، من النجاحات والخيبات، محاولة شق طريق نحو المستقبل، في وقت يتشبث فيه اليسار عموما بماض مضى ولا أمل بأن يعود..
وجود 5 لوائح للمعارضة في دائرة الجنوب الثالثة، على غرار وجود 8 لوائح للمعارضة في دائرة بيروت الثانية، يعني أن المعركة الانتخابية لم تعد تخاض من قبل المعارضة بهدف تحقيق خرق مهم في لائحة السلطة، وإنما بهدف تحديد أحجام القوى المتنافسة، وذلك بعد أن يئست تلك القوى من إمكانية تشكيل لائحة موحدة للمعارضة.

بالنسبة لقوى الاعتراض الجديدة غير الدائرة في فلك السلطة والأحزاب التقليدية، يبدو مشروعا تأكيد حضور قوى التغيير المتفلتة من سطوة أحزاب الطبقة السياسية، ومن اسر الخطاب اليساري الفاقد للقدرة على التجديد.
أصبح من الضروري الخروج من حالة الأفق المغلق الذي ما انفك اليسار يزيد من استعصاء فتحه أمام القوى الحية للمجتمع بهدف جعله موجها نحو المستقبل لا نحو الماضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا


.. اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة الرشوة




.. هل ستطبق دول أوروبية نموذج ترحيل طالبي اللجوء؟ | الأخبار


.. تقرير أممي يبرئ -الأونروا- ويدحض ادعاءات حكومة نتنياهو




.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟