الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصاصات سيلوسية 14 : إشارات مسيّانية من عهد الآباء والأنبياء

سيلوس العراقي

2018 / 4 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الحاقًا بالقصاصة السيلوسية 12 : ظاهرة المسيّا
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=593656

الايمان بمستقبل مسيّاني يمكن اعتباره كـ "صمّام أمان"، يأمل منه الشعب محرِرًا من أوضاع تعيسة وبائسة، محررًا جبارًا يقودهم أو يعيدهم الى أرضهم وأرض آبائهم ويُحيل الظلمات التي يعيشون فيها الى أنوار، وأحزانهم الى أفراح.
فما كان في البداية أمرًا أو أملاً عاطفيًا شعبيًا، بسبب الظروف القاسية تحوّل الى إيمان شعبي وشيئًا فشيئًا أصبح (عقيدة) ثيولوجية، تمسّك فيها الناس العاديين والأتقياء مثلما العديد من الرابيين. وأخذت المسيّانية مكانًا لها في الأحاديث الحارّة في البيوت والعائلات اليهودية، في السيناغوغات، بين الرابيين، في المدارس والأكاديميات اليهودية، وفي صلوات الليتورجيا مثلما في مواعظ السبت، وكُتبت فيها الليجندات والقصائد والأناشيد والأشعار ومنها الصوفية. كلها كانت تعبّر عن صرخات الشعب من أجل منقذٍ محرِّر. وتم اللجوء الى تفسيرات للكتب المقدسة على ضوء فكرة الفداء أو الاصلاح أو المسيانية.
أعطت المسيّانية (بمختلف مظاهرها وتفسيراتها) لاسرائيل الروح التفاؤلية كحَلٍ لمشاكله في التطور والمصير، وعلى ضوئها شرحوا (و/ أو) رأوا العالم كمنظومة أو نظام (عالمي) أخلاقي بقيادة إلهية، فحين يمرّ (الشعب) بظروفٍ قاسية مظلمة يلجأ الى الأمل بمستقبلٍ أكثر إنارة وأكثر مثالية للشعب وللبشرية.
هكذا ثقة وأملٍ عاليين بالمستقبل ساعدتهم في الحفاظ على وجودهم بالرغم من ضعفهم وقلة عددهم، وساعدتهم على الحفاظ على تاريخهم في مسيرتهم مع الذي عقدَ معهم عهدًا، صعودًا ونزولاً، تقدمًا وتراجعًا وتوقفًا وسكونًا أليمًا، كما جعلهم بنفس الوقت أن يحافظوا على ايمانهم الحيّ بالحيّ، باصرار.
بعض الاشارات المسيّانية من عصر الآباء : ـ
ان بدايات الفكرة المسيانيّة ومتى بدأت وكيف تطورت فهي مسألة غامضة الى حد كبير.
البعض نسَبَ البدايات الى طقوس وعبادات شرقية قديمة. والبعض نسبها الى جذور عبرانية.
البعض من الثيولوجيين والكتاب، مسيحيين ويهود، يعودون بأصل المسيّانية الى بدايات اليهودية :ـ
أولا ـ يشيرون الى الوعد الالهي الى أبراهام، بأنّ ذريته ستكون (بركة شاملة)، بركة للجنس البشري. ومنذ عصر الآباء بدأ الصراع يبزغ في الايحاء نحو مستقبل قويّ، غزيرٍ بالخير وبالاستقرار.
ثانيًا ـ ثم في الصراع بين يعقوب وعيسو في رحم أمهما ـ رفقة أو ربيكا، وهزيمة عيسو الأخلاقية في تخليه عن البكورية ثم فقدانه للبركة، هذه البركة ليعقوب "اسرائيل" تعهّدت ورَعَت وغذّت الفكرة بل عزّزت الايمان بأن اسرائيل سوف يتنافس مع الشعوب وفي النهاية سينتصر.
ثالثا ـ في المرحلة الموسوية (عدد 24) تم رؤية الوحي الى بلعام بأنه يشير الى سيادة وتفوّق اسرائيل على خصومهم وأعدائهم "في الأزمنة الأخيرة".
رابعا ـ تتويج داؤد بن يسّى ملكًا في اورشليم وضع حجر الزاوية للعنصر الرئيسي للمسيّانية. خاصة أن الوعد لداؤد بأن عرشه سيكون مستمرًا في ذريته. ذريته التي ستكون في صراعٍ وجودي لقرونٍ مع قوى عديدة حاولت أو قاربت من إبادتها. إنّ في شخصية داؤد ترسّخت صورة المخلص القائد. مع أن مُلكه (المبارك) وابنه داما لأقل من قرن من الزمان. ومع مرور الزمن بقي الزمن الداؤدي (الذهبي) كفكرة مثالية (في الخيال الجمعي) تناقض حال الشعب الصعب جدًا في حاضره لقرون عدة.

بعض الاشارات من حقبة الانبياء :
المرحلة الملكية الداؤدية ـ السولومونية مثلت صورة الخلاص وبداية تحقق الأمل بنسبة كبيرة. وفي المرحلة اللاحقة لها المسماة بالمرحلة النبوية أو مرحلة الأنبياء ستأخذ سمة مرحلة إعادة زرع الأمل والدفاع عن فكرة اصلاح اسرائيل التي حملها الأنبياء في زمن اتسم بالظروف السياسية والاجتماعية البائسة وانحطاط الأمل وازدياء اليأس، نرى الأنبياء يدعون الى العدالة والحق والاصلاح الاجتماعي والعودة الى نبع الارث الايماني، ونلحظ بدايات للايمان الاسكاتولوجي، الوعد بمستقبل مثالي.
يمكن أن نعتبر هذه المرحلة بشكلها العام : بداية لفكر "المستقبل الطوباوي" ـ اليوتوبيا ـ العالم المثالي، متناسبًا مع فكرة الله الأساسية بالاختيار: اختياره لاسرائيل، واعطاءه التوراه لشعبه لتكون دستورًا ومسؤولية على الشعب العمل به لغرض الاصلاح وبناء العالم المثالي.
بكلّ تأكيد لم يكن هذا هو همّ الأنبياء لوحدهم، حين نأخذ دورهم ومهمتهم بنظر الاعتبار:ـ في كونهم الناطقين بلسان الشعب وآمال الشعب وبنفس الوقت الناطقين بلسان إله اسرائيل، اذّا باعتبارهم الناطقين : بلسان إله اسرائيل وبلسان (الغالبية من) شعب اسرائيل، فصوتهم يمثل أمل إله اسرائيل وأمل غالبية شعبه.
لذلك ترى في كتابات الأنبياء وتسمع في صوتهم بُعدين (نبرتين) اثنين : الواقع ـ المستقبل
التعنيف والتأنيب والتحريض (الواقع)،
والدعوة الى العودة الى الأسس للاصلاح وتحقيق المثالية (المستقبل).
انهم كانوا يتحلّون بأمرين : الصراخ والتحريض على الواقع، مع التفاؤل لأن هناك مستقبل.
ففي خضمّ الخطابات اللاذعة للأنبياء في واقع الأشرار والشرّ الذي يحيط بالشعب واستنكارهم لممارسات الظلم وانعدام العدالة والحق والفساد الاجتماعي والسياسي والديني في الحياة اليومية والعامة، تبرز في خضمّ كلّ الشرور هذه ، كلمات وأقوال مليئة بجواهر متألقة بالنور، وبالتحديد جواهر منيرة تبشّر بالفداء ـ الاصلاح، كلمات تشير الى زمن (سيأتي) مختلفٌ تمامًا.
زمن الفداء ـ الغد ـ سيكون عجائبيًا لكنه أكيدًا. فهذا اشعيا في 11: 16 وميخا في 7: 15 مثلا ينشران الأمل بالخروج (الموسوي) كنموذج.
لكن ما هو واضح بأنه سيكون أكثر دموية وسيكون (بل يتوجب أن يكون) أكثر صراعًا وكفاحًا بين اسرائيل وبين الشعوب التي تضطهده،
وفي النهاية، حين تحين الأزمنة، والأيام الاخيرة، كما يصورها زكريا 14: 12 وحزقييل 38 ، 39 .
وحزقييل يسمي في زمن الفداء، بالتحديد (جوج) وأرض ماجوج بشكلٍ خاصٍ على رأس أعداء اسرائيل. ويظهر جوج كآخر عدو يظهر في 38:18 . وأن المسيّا لن يشترك في هذه الحروب، لأن الربّ إله اسرائيل سيقضي على الأعداء بوسائله.

لا بد لنا من الاشارة الى عنصرٍ مهمٍ ، عنصر جوهريّ (مادي ومرئي) للاصلاح والفداء وهو:
عودة اسرائيل المشتت الى وطنه، هذا العنصر الجوهري، يبتهج به الأنبياء مقدمًا. فهذا اشعيا في أسلوب شعري ّ يلمّح ويشير الى النفخ في القرون (الشوفار) التي ستجمع الشعب، الصورة التي تم استخدامها في التصورات (اللاحقة) للايذان ببدء الزمن المسياني، وارتبطت أيضًا بالقيامة.
اعادة تشكيل دولة اسرائيل على أرض اسرائيل تمثل شفاءًا من خرقٍ قديمٍ حصل في انقسام المملكة الواحدة والتشتت لمملكة الشمال ولمملكة الجنوب فيما بعدها. اذن إعادة اسرائيل الى مملكة موحّدة كان جزءًا من كرازة الأنبياء الرئيسيين.
التصوير (أو الصورة اليوتوبية) الطوباوي الزاخر بالازدهار والفخامة والسلام للأرض يتكرّر في الكرازات النبوية.
السموّ الروحي لاسرائيل بحسب ما هو منصوص عليه في العديد من كلمات الوحي المشرقة والمليئة بالأمان والعدل والسلام والحياة بملئها، لا سيما لدى النبي اشعيا، تبثّ الصورة المثالية النقية والعالمية. فاشعيا 2: 1 ـ 4 يتنبأ بعالمٍ عادل ومنزوع السلاح تمامًا. لكن لا تذكر بأن اسرائيل سوف يسيطر ماديًا أو يسيطر على العالم.
إن الطموح القومي كما يعبّر عنه الأنبياء، هو امتلاك اسرائيل السلطة السيادية في دولته، متحرّرًا من مضايقات وإزعاجات الأجانب.
أما الحال في الداخل، فان الدولة ستكون مباركة باستقرار سياسي وكمال روحيّ. لأن الله وشريعته ستكون مقبولة من قبل كلّ الشعب.
والتأثير الذي سيمارسه اسرائيل على العالم هو التأثير الروحي والأخلاقي، وأن إله اسرائيل سيكون معروفًا ومعبودًا من قبل العالم.
وسيحجّ الى اورشليم سنويًا الكثير من سكان العالم، من غير اليهود، في عيد المظال(؟).
والأمر المركزي في القيادة الروحية لاسرائيل أنه سيشعّ من صهيون كلّ تأثير سليم وصحّي. فاشعيا النبي يرى صهيون كعاصمة روحية للعالم، وسيشتهر بسبب الحق والقداسة التي سيشعها ويبثها. صهيون سيكون حجر الزاوية في الأسس المتينة للديانة العالمية. سيكون خاليًا من الارهاب والعنف، منيعًا أخلاقيًا. لأنها ستكون حقبة جديدة.
كما أن المصيرالقاسي الذي ستلقاه الأمم، لدى النبي زكريا والنبي حزقييل، سيصيب الأشرار فقط منهم، من دون استثناء اليهود غير المستحقين. وستعيش البشرية في أخوة شاملة وقوية.
إن أصالة وفرادة رؤية الأنبياء الطوباوية (يوتوبيا) يمكن ملاحظتها ازدواجيًا، في وجهين : قومية ـ سياسية، وعالمية ـ أخلاقية، لكنهما مجدولان في جديلة أو ضفيرة واحدة.
اذن المصير والمستقبل، كافة عناصره عناصر انسانية. فالأنبياء دعوا وكرزوا : السلام، الاستقامة، التوحيد، الأخوّة. والمستقبل هذا لا يتضمن السعادة والقداسة لشعب الله المختار فقط، لكن أيضًا الكمال والهناء لكلّ البشرية.
أخيرًا ألا يبدو أن أحلام وأمال وعناصر المستقبل مثلما رآها الانبياء قد أنارت ببعض من أنوارها، العناصر الاساسية لمباديء الفكر الفلسفي الانساني؟ للثورة الفرنسية؟ لماركس وللفكر الماركسي؟ للفكر الاشتراكي؟ للوائح حقوق الانسان المعاصرة وغيرهم؟
ليس من غرابة والحال هذه، أن نرى أن غالب المفكرين والفلاسفة الانسانيين، هم من أحفاد اولئك الأنبياء، والذين تتلمذوا من دون شك بطريقة أو بأخرى ونهلوا من فكر وأحلام ورؤى أنبياء اسرائيل وتعليمهم في شأن مستقبل العالم الأكثر انسانية !!
بينما بعض الكتاب الذين يدّعون العلمانية والماركسية يعتبرون أن العهد القديم اليهودي والهه أشرار !!
كما يدّعون بأن العهد القديم يمثل قمة العنصرية والعدائية والكراهية والنبذ والقسوة على الآخر!! كما يرى بعضهم أن اشكالية المسيحية هو احتواء الكتاب المقدس على العهدالقديم الممثل لكل العنصرية والبشاعة تجاه الآخر !! ويضيف بأنه لا يخلو سطر من العهد القديم الا وينضح بكل قميء وهمجي !!
انها مجرد شذرات من كاتب يحارب اليهودية وارثها الانساني النبيل الذي نهلت منه المسيحية ونهل واستلهم أغلب مفكري العالم وفلاسفته من كتابات انبياء (العهد القديم) ومن رؤاهم الانسانية لبناء عالم انساني جديد.

والى قصاصة سيلوسية لاحقة، تحية وسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ العزيز سيلوس العراقي
nasha ( 2018 / 4 / 2 - 01:19 )
المعتقد ألا لحادي هو أحد أسوأ المعتقدات السائدة في العالم.
المعتقد الألحادي يؤدي إلى القنوط والياس في هذه الحياة ويشجع على ترسيخ فكرة عبثية الحياة وفقدان معنى الوجود وينزع الأمل والرجاء والمحبة والتضحية والتي هي العوامل الرئيسية في تعزيز غريزة البقاء واساس للتمتع بحياةسعيدة.
الامل والرجاء والمحبة هي انتصار لحياة أفضل في هذا العالم وانتصار على الموت المحتوم.
المسيا هو الأمل والرجاء لتحقيق السعادة الإنسانية وهو الطريق الوحيد للانتصار على الموت والألم .
في هذه الأيام نحتفل ونمارس هذا المعتقد الجميل الذي يجدد الأمل والرجاء والمحبة في مستقبل النفس البشريةبعد الموت الجسدي ويحقق السعادة في الحياة المادية التي نعيشها مؤقتا على هذه الأرض.
القيامة هي انتصار للحياة على الموت وسيادة السعادة والامل والمحبة والتضحية والعدالة على الجنس البشري.
كل عام والبشرية باجمعها بكل حب وخير وسلام
تحياتي


2 - الاخ ناشا
سيلوس العراقي ( 2018 / 4 / 2 - 10:54 )
كل عام وانت بخير
وشكرا لمرورك وتعليقك
نعم أخ ناشا
ان العالم بحاجة الى تغيير وتحوّل من ثقافة الياس والبؤس والفقر والضياع والكراهية والعنصرية الى ثقاقة الحياة والازدهار والتطوير والانفتاح لتعم السعادة والحب والاخوة بين البشر وتتوقف الحروب واستعباد الشعوب الضعيفة لبناء عالم يليق بالجنس البشري
مع تحياتي

اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط