الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب التي لا تنتهي !

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية




يذهب بنا الاعتتقاد مباشرة، إثر تصريحات روحاني، بإعلان نهاية الحرب في سوريا، الى أننا امام يالطا جديدة، وأن الاطراف الدولية قد سلّمت أخيراً بنتائج حرب الآخرين ضد السوريين، وأن المنتصر يتوّج اليوم نفسه ذي ملك غير محدود في أرض ليست له، وعلى شعب اقتلع من بيته في غفلة من زمنٍ تسيّد فيه الصمت المطبق على الجريمة المنظمة في سوريا منذ سبع سنوات. فهل كان روحاني يدرك تماماً ما يرمي إليه ؟ أم أنه يُشاطر ترامب رمي الحصى لاختبار ردود الفعل، وتأكيد الوجود على المسرح الدولي، في ظل تنامي تعقيدات المشهد السوري؟
تبدو قمة أنقرة، وكأنها ترسم خواتيم الحالة السورية ونهايات المعارك، التي تخوضها أطراف التدخل والتأثير في مسارات الحرب، كلٌ وفقاً لسياساته وأهدافه. لم تكن تلك- بأية حال - هي حرب السوريين، ولم تصعد قراهم إليها، ولكنها جرتهم إليها بالقوة، فأصبحوا أداتها وحطبها، ووحدم من يتذوقون ويلاتها، ويتحملون نتائجها وأعباءها. ثم تأتي المبادرات لتلعب دوراً رئيساً في تحديد المصائر، وتمنح أطرافاً دولية أو أخرى حقوقاً غير مشروعة في رسم صورة المستقبل، عنوة، دون مشاركة السوريين، ورغماً عن إرادتهم بالتغيير.
الحرب مستعرة، وثمة فصل جديد في إذكاء الحرائق، تشهده الساحة السورية، وتنتقل فيها الخرائب من منطقة الى أخرى. وتتجدد فيها الأهداف والغايات، ويتم التوافق فيها على قواعد وأسس الانجاز والانتقال الى مرحلة تالية. هذا ما شهدناه، منذ أن بدأت روسيا حربها ضد السوريين قبل مايقارب من أعوام ثلاثة، لم تُخف فيها أهدافها، واستخدامها مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها حق النقض في مجلس الأمن، فتمكنت من تحقيق تغييرات حاسمة على الأرض، ترافقت مع جهود ديبلوماسية وسياسية كبيرة، على المستويين الإقليمي والدولي، ولعل من أهمها هو خفض مستوى تفرد إيران العسكري، لصالح التدخل الروسي، واستمالة الطرف التركي، الذي يعاني من خلل في العلاقة مع الناتو، والولايات المتحدة، بشان الملفين الكردي والسوري. وترافق ذلك مع مساعٍ حثيثة لتعطيل مفاوضات جنيف، وتسويق ادعاءتها بمحاربة القوى الارهابية في سوريا، بما فيها المعارضة. والتي كانت كانت هدفاً رئيساً في معظم عملياتها العسكرية المبكرة.
أيا تكن الظروف الدولية، فإن قمة أنقرة جاءت بعد ان تمكنت أطرافها من تفكيك أهم القوى المسلحة على الأرض، وحصر ما تبقى منها في مناطق محدودة، خاضعة للسيطرة والمراقبة، وهي – بصورة أو بأخرى- ستكون أمام نتيجتين لا ثالث لهما: إما القضاء عليها عسكرياً، أو احتوائها وتفتيتها. فقد تمكنت إيران وروسيا، بعملياتهما المباشرة، أو من خلال دعم عمليات النظام السوري، الى تحجيم ومن ثم إنهاء دور الفصائل المسلحة، كما تمكنت تركيا، من هزيمة حزب العمال الكردستاني، وطرده خارج أهم قواعده في الشمال السوري: عفرين. ونجحت في خفض مستوى التهديد الذي كان يتربص بأمنها القومي.
وفي الواقع، فإن ما حدث في الغوطة، ترى فيه روسيا وإيران ونظام الاسد نجاحاً لحملاتها العسكرية، والتي تزامنت مع حصار التجويع والتركيع، المستمر منذ ست سنوات. وقد ساعدت سياسات الفصائل العسكرية المناوئة للأسد، على الدفع بالوصول الى تلك النتائج الكارثية على المدنيين السوريين، وعلى تمكين الاطراف الاحتلالية من بسط سيطرتها على المناطق التي يتم تفريغها من المقاتلين والسكان والعمران على حدّ سواء.
دون النظر الى أسباب التغول الروسي الإيراني في سوريا، فإن النتائج التي تمثلت بالتدمير المهول، وفي إضعاف جميع قوى المعارضة السورية الى درجة صفر في التأثير والمبادرة السياسية، فإنها قادت الى محاولة انتزاع شرعية حيازة الملف السوري، بكل أبعاده، وهذا ما يعمق التجاذبات المتواترة المستمرة، في العلاقات الدولية، بين الأطراف المتدخلة مباشرة في الشان السوري. وترى موسكو أنها قادرة اليوم، على فرض المسار السياسي الذي تختاره، للحل في سوريا، خاصة في ظل توافق وتنسيق مع تركيا في المقام الأول، وتفهم إيراني لطبيعة التوافقات الجديدة التي من شانها أن تمنح إيران دوراً أساسياً في أية مفاوضات تستهدف تسوية الملف السوري لاحقاً، في مواجهة المواقف الاوروبية والأمريكية التي تسعى للحد من الدور الإيراني في المنطقة، مع استبعاد أي دور للأطراف العربية الداعمة للثورة السورية.
في المحصلة، تستغل اطراف قمة أنقرة، كل الظروف السياسية والعسكرية والأمنية المتاحة لها في المنطقة، نتيجة لهيمنتها، وتعمل معاً لتقاسم النتائج، وفي رسم حدود المنافع والمصالح، آخذة في الاعتبار، أن المنطقة أصبحت واعدة بالنسبة لجميع الأطراف بما فيها فرنسا وبريطانيا إضافة الى الولايات المتحدة، وأن تفاهماتها البينية سوف تفرض أمراً واقعاً، لا يحول دون الاعتراف بمصالح الآخرين، حتى وإن تعارضت معها. ولذلك فإن أنقرة وموسكو وطهران، حددت ملامح المرحلة القادمة، بإنهاء تواجد أي فصيل عسكري، والتعاون معاً لانجاز خطة سلام تقوم على مخرجات أستانا وسوتشي، ووضع خريطة للقطاف الامني والاقتصادي معا، عبر مشاريع إعادة الإعمار، وإعادة المهجرين الى مناطق الحماية الجديدة، وإعادة تدوير المشكلات والتهديدات المتصلة بكل طرف، بما يحقق حضوراً مؤثراً في المنطقة..خطط قد لا تبدو ممكنة بعيداً عن المشاركة الأمريكية.
في الولايات المتحدث، تبدو قمة أنقرة، وكأنها محاولة للتحلل من القبضة الأمريكية، والتي تشهد غموضاً استراتيجياً في لحظة " الفراغ " السياسي القائم، وفي العلاقة الغير مستقرة بين مؤسسات الإدارة الأمريكية، والتعثر في المواقف، وفي الصراع الخفي بين تياراتها، بشان الوضع في سوريا، وفي الموقف من تنامي الدور الروسي، الذي بات يُنظر إليه بمثابة اختبار روسي لاستعادة الحرب الباردة، بما يمنح موسكو دوراً أكثر فاعلية بعد ربع قرن على سقوط الاتحاد السوفييتي، وكأن الحالة السورية كانت ضرورة لذلك.
لم تكن الحرب هي غاية السوريين، انتفاضتهم ضد الاستبداد، وسوف تبقى، ما بقي الطاغية، وما بقيت يد العدالة بعيدة عن محاكمة مجرمي الحرب. وإعلان روحاني الباهت عن انتهائها، ليس سوى تأكيد على مواصلة الاستفراد في الحرب على السوريين، قتلهم وتدمير بلدانهم، بوحشية لم يُعرف لها مثيلاً، في ظل صمت دولي، هو أقرب الى الشراكة، منه الى التغاضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE