الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللص الفاشل

نضال الصالح

2018 / 4 / 13
الادب والفن


اللص الفاشل
في ذلك الوقت، كنا نسكن في بيت كبير خارج مدينتنا نابلس. استأجرنا البيت من عائلة رحلت إلى السعودية للعمل، فلقد كان رب الأسرة طبيبا معروفا حصل على عرض مغري للعمل في السعودية، ولحماية البيت قام بتأجيره لنا بسعر رخيص. كان البيت محاطا بحديقة كبيرة مليئة بأشجار الفواكه المختلفة ويحيط البيت سياج كثيف من الأسلاك الحادة وكان يبدو للناظر كأنه معسكر جيش محاط بالأسلاك.
في ذلك اليوم كانت والدتي في مستشفى الولادة حيث وضعت اخي الذي يصغرني بإحدى عشر عاما. وكان يسكن معنا جدتي، والدة ابي وعمتي مع ابنها. ولقد ترملت عمتي مبكرا فأحتضنها والدي مع ابنها لكي تعيش معنا ولقد بقيت معنا إلى ان كبر ابنها وتخرج من الجامعة وتوظف واستطاع ان يؤسس له ولوالدته بيتا.
كان الوقت مساءا وظللت العتمة الجوار وكنت وابن عمتي في غرفتنا نقوم بواجباتنا المدرسية حين دخل علينا والدي وسأل عن حالنا ومن ثم سأل عن جدتي، فقلت له انها نائمة في غرفتها فسأل متعجبا "إذن من هو ذلك الموجود على شرفتنا" قلت له لا أدري وفجأة ادار ظهره وتوجه نحو غرفته ورجع وفي يده مسدس وتوجه نحو الشرفة. أردنا ان نلحق به ولكنه منعنا وامرنا بالصمت. لكن شدة الرغبة لمعرفة ما يجري دفعني للتسلل خلفه من دون أن يدري.
على شرفتنا وقف رجل ملثم وبلباس قروي، وكان ينظر من خلال النافذة التي تطل على المطبخ. دخل ابي المطبخ ورفع مسدسه وأطلق النار. كانت طلقة مدوية حطمت الزجاج الذي رشق وجه اللص الذي أصيب بالهلع فقفز من الشرفة إلى الحديقة. لم يكن والدي يرغب في إصابته فلقد كان راميا جيدا ولكنه أراد إخافته. ركض اللص في الحديقة باحثا عن مهرب، خاصة وان والدي أطلق عليه عدة طلقات نارية اخرى. كان الظلام يغطي الحديقة ولكن ضوء المطبخ سمح لنا برؤيته. أصيب اللص بالهلع وفقد قدرة التوجه فتوجه مسرعا إلى السياج ولطم به وعلقت ملابسه بالأسلاك ولم يعد يستطيع التحرر منها وبقي عالقا بالسياج.
تقدم والدي منه، وضع المسدس على عنقه وسأله عن اسمه واسم قريته ولكنه بقي صامتا. سأله والدي: " هل تعرف من أنا ؟ فأجاب بالنفي وأضاف أنهم أخبروه أن البيت خاليا من السكان وأن أهل البيت قد رحلوا إلى المملكة السعودية" قال له والدي أنه يسكن الآن وعائلته في البيت وأعاد السؤال إن كان يعرف من هو، فأجاب اللص بالنفي. أخبره والدي عن اسمه وكان ذلك صاعقة على اللص دفعته لأن يرتجف وأخذ يئن ويقول:" آه يا خيبتي، ماذا فعلت؟" كان والدي معروفا فلقد كان مديرا لأكبر مدرسة ثانوية في مدينتنا وكان من عائلة كبيرة معروفة في قرى نابلس وخارجها وكان لوالدي علاقات قوية مع أهالي القرى ويقدم لهم الخدمات فلقد شكل ومجموعة من مثقفي القرى جمعية لخدمة الفلاحين ومساعدتهم في بيع محصولاتهم التي كانت تباع عن طريق تجار المدينة بأسعار بخسة وفي كثير من الأحوال مقابل ديون بالفائض. وعندما انضمت فلسطين الغربية التي لم تقع تحت الاحتلال اليهودي إلى أمارة الأردن وتكونت بذلك" المملكة الأردنية الهاشمية، ترك والدي مهنة التعليم واشترك في المعترك السياسي وأصبح نائبا في البرلمان الأردني ودامت عضويته حوالي خمسين عاما، حيث كان ينجح في كل دورة انتخابية ولقد حمل عدة حقائب وزارية.
أخذ اللص يئن ويبكي على حظه السيئ وراح يرجو والدي ان يطلق سراحه:" ارجوك يا عمي أبو نضال، أبوس يديك ورأسك، سأكون لك خادما أبد الدهر، سامحني وأطلق سراحي وانا سأعدك بأنني لن أعيدها أبدا." رد عليه والدي بأنه أساء إلى حرمة البيت والعائلة التي تسكنه ولذلك يجب أن يعاقب، ولكنه لن يعاقبه بنفسه ولن يسلمه للشرطة ولكنه سيتصل بمختار قريتهم ليأتي ويأخذه وهو يقرر نوع عقابه. عاد اللص ينوح ويبكي ويرجو والدي ان يطلق سراحه وألا يخبر المختار وألا يسبب له بذلك فضيحة. أجابه والدي بأنه من سبب الفضيحة لنفسه وعليه ان يعاقب، ثم أدار ضهره وتوجه نحو البيت وأنين ورجاء اللص يلاحقه.
لم نستطع النوم طوال الليل، فلقد كان أنين اللص وبكاءه ورجاءه يمنعنا من النوم حتى أن جدتي ذهبت ترجو والدي أن يطلق صلاحه ولكنه رفض وأخبرها أن اللص اعتدى على حرمات البيت والعائلة ويجب ان يعاقب عبرة لغيره وأنه في الصباح الباكر سيتصل بمختار القرية ويترك الأمر له.
في الصباح وقفت سيارة امام بيتنا، ترجل منها رجلان باللباس القروي، عرفت منهم مختار القرية فلقد كان يزور والدي بين الفترة والأخرى. عرفت فيما بعد ان الرجل الثاني هو اخ اللص. صافح المختار والدي وعانقه معتذرا عما حصل. ثم تقدم اخ اللص من والدي وصافحه وقبل يديه واعتذر منه على ما فعله اخوه. ذهب الرجلان بعدها مع والدي نحو موقع اللص وأطلقا سراحه من السياج وكانت ملابسه ممزقة ثم سحباه معهما إلى السيارة وأخذ الأخ يلطم ويركل أخيه ويؤنبه على فعلته ولكن والدي طلب منه أن يكف عن ذلك ويترك العقاب حتى يصلا القرية. ولقد سمعت من والدي ان المختار قد ربط اللص بشجرة في ساحة القرية حتى المساء كعقاب له على ما فعل.
لقد تحولت قصة اللص إلى مصدر للسمر في لقاءات نساء الحارة ولم يختلف الأمر بين الأولاد في الحارة وفي المدرسة، وكان الأولاد يجتمعون حولي ليسمعوا تفاصيل القصة وكنت ارويها مع إضافات من صنع خيالي لأزيد التشويق في القصة ولأعطي لنفسي دورا بطوليا ولو صغيرا لإثارة الغيرة بين الأولاد.
خرجت والدتي من المستشفى وعادت إلى البيت مع المولود الجديد وتحولت اهتماماتنا من قصة اللص إلى المولود الجديد الذي انسانا اللص وحكايته. ومرت الأيام وفي يوم جمعة وقفت امام بيتنا حافلة صغيرة مليئة بالرجال الذين نزلوا من الحافلة حاملين خروفا صغيرا ووعاء من زيت الزيتون وآخر من الزيتون. كانوا افرادا من عائلة اللص قدموا للتهنئة بالمولود الجديد وفي الحقيقة أن ذلك كان أيضا نوعا من الاعتذار على فعلة ابنهم. استقبلهم والدي ورحب بهم وشكرهم وبعد ان شربوا القهوة واكلوا الحلويات خرجوا إلى حافلتهم بعد أن ودعوا والدي وبذلك انتهت قصة اللص الفاشل ولم يعد أحد يتحدث عنه وعن قصته.
نضال الصالح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر


.. وصول نقيب الفنانين أشرف زكي لأداء واجب العزاء في الراحلة شير




.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم


.. تفاعلكم : الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحته ويتألق مع س




.. المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق يكشف عن أسباب اعتماده على ق