الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيل مخضرم.

عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.

([email protected])

2018 / 4 / 16
الادب والفن


استيقظ باكرا على غير عادته يوم العطلة.اتجه نحو المطبخ.كانت وردة تعد طعام الفطور. .بدون تحية صباحية قال:هل أعددتِ فنجان قهوة ياوردة.؟أريد مقاومة الأرق.
-استغربت .ورغم ذلك غادرت الفراش مبكرا؟وأي هم منعك من الرقاد.
-أجاب إلهام .
تغيرت ملامح وجهها .امتلأت وجنتها بغضب غير مسبوق.
-عن أي الهام تتحدث؟
-استرسل في الحديث؛غير مبال بتوترها الشديد.
كانت نقرة على زر الذاكرة .مرت الأشرطة واحدة بعد الأخرى.
نعيش اللحظة في المكان؛ والذهن في زمن أخر.نصول ونجول بين أوكار الذكريات.بالحلوة نبتسم وبالمرة نتجهم وتتغير قسمات الوجوه. الإنسان في بعض الأحيان يجول العالم جالسا فوق مقعد.أو مسترخي على أريكة السرير.يتسلق الجبال.يجوب الشوارع في القرى والمدن.يعيد شريط الذاكرة إلى الوراء.يستحضر الوجوه وملامحها المتعددة.يستعرض اللحظات الموشومة بمسامر على جدرانها.
-ألم نتفق على مسح الماضي؛ ونسيان أوجاعه؛ لنبدأ فصل جديد من رواية الحياة؟اعتقدت إن جلدك أصيل لايفقد ألوانه رغم تكرار وكثرة عدد مرات الغسل..
ألغاز الحياة واهنة التفكيك؛الأمر يتطلب بعض الذكاء والرزانة في اتخاذ القرار .الكلمات تقبل التأويل.وتأخذ أكثر من معنى.لغة الأدب مجاز واستعارات .سجع وبلاغة أحيانا حسب صياغة الكلام؛ وموضوع الحديث؛ تجعل من الأبيض أسودا وعكس المعادلة. عليك فهم لغة الأدباء.
تختمر الأفكار في الذاكرة .مثل حبة في باطن الأرض.أو جنين في رحم الأم.تنمو وتكبر. وقد تمتد أشهر و سنوات.لتأتي بعض مخاض عسير في ليلة أو نهار.يئن الكاتب من أوجاع مخاضها.يتعذب ويقاسي قبل حلول لحظة الطلق.ويضع الكلمات بين السطور.في مهد الأوراق والصفحات.ويرضعها حليب المطالعة وحسن الأسلوب ويلبسه أجمل التعبير من ثياب الإفادة والحكمة في الكلام.ينسى الألم.ويعيش فرحة عارمة؛يراها من عيون المولود وهو يكبر سطرا ثم فقرة ليصبح صفحة في رمشة العين.والإلهام حبيبتي ألم الوضع.
ابتسمت بلطفها المعهود.وقالت ماأصعب لغة الأدباء.
-إنها كلمات من أعماق الذاكرة.تسقط قطرات مثل المطر.وبرود طقس الذاكرة يحولها أحيانا إلى ركام من الثلج.تكسي الطبيعة بياضا .لأدري هل فرح أم حداد.
تبدد هم وردة.عاد الصفاء إلى ذهنها.وشرعت في دندنة أغنياتها المفضلة.وتغسل الصحون.وتعد الفناجين.لم تعد تهتم بكلام زوجها الغازي.مادام أن الهام ليست امرأة منافسة.
انزوى الغازي في ركن الغرفة.جاعلا من مائدة الطعام منضدة.مادام دخله الهزيل.وبيته المتواضع لايسمحان لإعداد مكتب في المستوى المطلوب.
-ماجدو المكاتب الفاخرة ؛في غياب أفكار مفيدة .وعقول نيرة؟
ماقيمة المظاهر في فراغ الجواهر.؟ماقيمة البذلة الأنيقة حول عقل عاقر؟الألباب كنه الأشياء. لاتحكم على الجوزة من قشرتها.
لكن الحاجة أم الاختراع.يجب تحدي الصعاب لتحقيق الهدف.هل ننتظر وفرة المكاتب لتدوين أوجاعنا معانتنا والتعبير عن أفكارنا؟
تنتابني أحيانا نوبات غريبة.لا أعرف مصدرها. تغمرني رغبة جامحة للكتابة. حقا أعشقها بكل جوارحي.تستغربون ماذا يقول هذا المجنون؟إنها تخاريف أرذل العمر.الكتابة لاتقبل التعقيد.ينبغي أن نعبر عن ذواتنا عن مواقفنا بلغة بسيطة.والاهم هو التواصل.لإبلاغ رسائل.مغزاها محدد.والمراد منها مقصود.ومنطق اللامنطق لايفيد المنطق في شيء.
الكتابة موقف بغض النظر عن الجهة المناصرة.لكل واحد منا هدف وغاية يسعى للوصول إليها.عبر محطات يستحيل تحديدها قبل الرحلة.


الكتابة تناديني تبحث عني في كل مكان .تعشقني حد الجنون.
تهاتفني ليلا أو نهارا.أليس هذا إلهاما ياوردة.
أطلق العنان للقلم مثل فرس جامح .يقفز في كل الاتجاهات.
-سألته وردة أتريد فنجان قهوة؟
ظل الغازي منهمكا في قلب الصفحات.يخطط السطور .يختار العبارات.وينتقي الكلمات.
وضعت الفنجان فوق مكتبه العجيب.شكرها واسترسل في الكتابة.
نظرت إلى ظهر الصفحة.عنوان غريب. هل للذاكرة أعماق.؟
بل لها أعماق الأعماق.ولب الألباب.وفي قعرها تترسب جواهر الأفكار.ونفائس الذكريات.
الجامعة زمن الفوران.يكبر الحماس والفتوة.يشعر الطالب بالقوة وضخامة الذات.يسمع شعارات بدلالة كثيفة.ويزيد لهب العاطفة.ويغيب الوعي العقلي.أمام فيضان الحماس.وتغرق شخصية الطالب في أوحال يصعب الخروج منها.ولايستقيظ من التنويم المغناطيسي مهما كان نوع التجاذب. لايشعربالخطأ حتى يفقد عقدا من العمر.ويبدأ زمن الإحباط.ويصل إلى فترة الخمود .وتتحول جمرات الشباب إلى فخر ورماد.بعد القوة والعاطفة.في مرحلة النضج ينهار الاندفاع ويزداد العقل قوة.أليست الحكمة دائما مقرونة بالشيوخ؟
-بسرعة البرق عادت الذاكرة إلى التسعينات من القرن الماضي.
كان اللقاء بكلية العلوم . قالت بعد تبادل النظرات بمقصف الكلية.من قسمات وجهك أنت أما زيغي من الأطلس المتوسط.
-وهل لأهل الأطلس سمات مميزة؟
قالت:حمرة الوجوه.وسواد العيون.
-ابتسم الغازي وأجاب بمزاح تحرش ظاهر يارفيقة.
ضحكت حتى برزت نوا جدها.
ماإسمك؟أنا الغازي بن علي.وأنتِ؟
أنا سعاد.من حاضرة زيان.
تشرفت بمعرفتك.ياقلعة فزاز المنيعة.
وانأ أيضا.
مار أيك يارفيقة في هذا النقاش الذي هو أرضية الحلقية.
-بهدوء ظاهر أجابت:لأفقه في السياسة شيئا.أنا طالبة جديدة.لم أستوعب بعد خبايا الساحة الجامعية.وطلبة الشعب العلمية ليس لديهم وقتا للنضال.
النضال في الجينات .يجري في الدم لبعضنا.كل من يملك ضميرا حيا؛وحسا إنسانيا.لن يقبل الظلم والطغيان.فالمشاعر والأحاسيس إنسانية.بعيدا عن الشعب والتخصصات.
-لأدري معنى الأدب؟و الفائدة من تلقينه في الكليات؟
إن أول درس تعلمناه؛ يفيد بأن الأدب تعبير عن المعانات.والأدب ترجمة أهوال الذات في صيغ بديعة.الكاتب مثل الخياط.يرصع الكلمات بأزرار من ذهب.والكثير منا يجدها على مقاسه دون أخذ مقاييس الهندام.والبعض يرتدي أزياء الغير من أثواب معاناة الآخرين.في أغنية حزينة.في بيت شعري يصف وضع نفسي مميز.ومن طيات أٌقوال الأدباء نجد مايشابه أفكارنا.وينطبق مع أزمات نعيشها.
كم من كلام مرصع يزين جدران دواتنا.على شرفات أحلامنا.أوهامنا.واقع نحياه كأفراد وجماعات.
-ماأكثر ثرثرة الأدباء.قالتها بغضب مصنوع.
-محياك يكذب حقيقة أعماقك.الأدباء يقرؤون القسمات.يفهمون سمات الوجوه.
غادر الغازي المجمع مودعا سعاد. إلى الغد سنأتي ولن نخلف الموعد.
أظن أنك ذاهب إلى مقهى الجامعة.أراك دائما هناك.
نعم أنت عرافة تحسب الخطوات.
ضحكت وقالت سألتحق بك لإتمام النقاش.
-رمقها بنصف العين ؛وهي تراقب خطواته السريعة دون أن يلتفت إلى الوراء.قصد مقهى الجامعة.طلب القهوة من النادلة.وضعت كأس حليب فوق طاولة المقهى.
سألها أتعريفين نيلسون مانديلا ؟
بلى ونعم المناضل. فيدوم المعتقلون السياسيين.


-أنت أكثر منه شهرة في مناهضة الميز العنصري.
-مظاهر الحيرة بادية في نظرتها.لم أفهم وضح من فضلك؟
- المرة الثالثة التي أطلب القهوة السوداء وأحصل منك على الحليب الأبيض.
أعتذر أستاذ. أنت شخص متميز تصنع الفكاهة من أبسط الأشياء.بدل الصراخ والعويل كما يفعل بعضهم.وصلت الرسالة بدعابة.فنعم التواصل.
باغته عمر من الرصيف المقابل.بنداء مزعج.
لماذا هذا الغياب لقد بحث عنك في كل مكان؟
لقد غبت فعلا عن الزيتون.كنت مع بعض الأصدقاء في كلية الحقوق بتولال.
أنسيت ذكرى اغتيال الرفيق؟
ياعمرلاينبغي الحزن على اغتيال أخ أو رفيق.
علينا أن نلبس الحداد جميعا حزنا على جامعتنا المنكوبة.كانت مشتلا للعلم.منبعا للعلماء.بستانا ينتج ثمار طيبة من البحث في الثقافة والفكر.والآن أضحت مقبرة للعقل والعقلانية.
-يتصارعون كالذباب على جلد "الشكوة"بينما اللبن في أجوافها.لمن حلبوا البقرة وامتصوا الضرع.
قال عمر بنبرة غضب.ألست رفيقا؟
أنا طالب يبحث عن العلم.يرفض التطرف بأشكاله.ينبذ التزمت بألوانه.
النضال ليس سيجارة رديئة.ليس شعرا أشعث.والملابس المتسخة.وليس في أعواد الند واللحى المسدلة.
النضال هو محاربة أشرس الأعداء الذي هو الجهل.وإعدام أقبح امرأة في المجتمع تعرف بين أهلها بالأمية.
حفرة واحدة يتخندق في عمقها الطلبة وبدون الوحدة لابمكن الخروج منها.تجمع كل الأدران.وفي تفرقة الثيران نصرة الأسد. التخريب الجامعي.المخططات الطبقية التصفوية التي تستهدف حق أبناء الشعب في التعليم.و لنتوحد في هذا الإطار.؟



الحق في التعليم؛ والمنحة بدون قيد أو شرط هو الحد الأدنى والأرضية العامة وعليها ينبغي أن نتوحد.ألم تقل ياعمر عندما أخذنا أول منحة.بأن منحة الطالب محنة؟
-كفى لايجب على الطالب أن يكون منبها يشحن للصراخ في وقت محدد.بسياسة فرق تسود انتصر الرومان على الامازيغ قديما.وبالتفرقة أكلت الثيران.وبالشتات تكسرت عصيان أبناء المهلب بن أبي صفرة.ولقد انتهت لعبة التيوس والخرفان والكل في مذابح الأعداء لافرق بين الجدي والحمل.والاتحاد قوة.
غادر عمر المقهى بصمت.أما الغازي فقد انزوى في الجزء العلوي للمقهى.يتصفح جريدة الأفق.انغمس في أجواف سطورها.وغاص في أعماق فقرتها.
-نادته سعاد استيقظ من السبات.ناديت بصراخ ولا حياة لمن تنادي.
أحيانا نتيه بين مسالك أدغال المطالعة. بغيضات المكتبات نبحث عن كنوز لأجداد بين المخطوطات.نرتوي من عيون الكتب مثل ظمآن في الفيافي . يقعد صدفة على حافة جدول عذب فياض.كان يخايله من بعيد سرابا.نقضم الأفكار بين الأوراق وسطور الفقرات؛مثل عنزة بين مروج الربيع.لايمل القارئ مهما التهم من الكتب.بطن العلم لايشبع كبطن الطعام.فالأول لايعرف التخمة.ألم يقل أحد الشعراء الأمازيغ:" إلَّ العلم ن لكتاب يلي لعلم وعدّيس".
وهل الرمل يشبع من الماء؟
توقف الغازي عن الكلام ليرتشف من فنجان قهوته.
نطقت سعاد بعد صمت طويل؛ وإصغاء فريد.
-أنا معجبة بتواضعك.ببساطتك وثقافتك.وأكره فلسفتك.
الآن نحن في بداية الطريق.
كيف؟
قالت أحلام مستغانمي في رواية "الأسود يليق بك ".
رغم أنه لايليق بك أنتِ.الإعجاب هو التوأم الوسيم للحب.
التلميح والتلويح بداية موفقة؛ نحو القفص الثنائي الحروف.من البذرة نصل إلى الشاتلة.أما الشجرة فهي النهاية المحتومة لبداية كل نواة في التراب.
-عن أي بداية تتحدث أيها الفيلسوف العجيب.كهذا ردت سعاد بتوتر شديد.
ياأنسة.الغموض هو الوجه الحقيقي للوضوح.فالأصل هو الأول والثاني فرع منه.المبهمات أم الواضحات.وبين ثنايا الضباب تبزغ شمس النهار.ومن فجوات الغيوم يلمع نور القمر.
-ضحكت من أعماقها. أنتَ تحفة نادرة.
-التحف من الماضي وشواهد على حضاراته.وحقائق مفرحة ومفجعة من خزائنه.لولا التحف لكان الماضي مجهولا.نخشى العودة إليه.وبفضل التاريخ أًضحت الأزمنة الغابرة مجد الأمم.
-لم تمهله سعاد لإتمام الحديث.
-لا افهم لماذا لغتك فلسفية.؟

تكررين الفلسفة.هل تدرين معناها.؟
أفدنا من فضلك.معرفة الأشياء خير من جهلها.
الفلسفة ليست كلام غامض. وعبارات مبهمة كما تظن العامة من الناس.بل أم العلوم وجوهر العقل.ومنهج قويم للبحث عن الحقيقة.بالفلسفة نصنع لوجودنا معنى على وجه الكرة الأرضية.الوجود البيولوجي لايكفي.إنسانية الإنسان في عقله وعواطفه .والوجود الفعلي للبشرية تتلخص في إدراك حدود استعمالات كل واحد منهما.مجال العواطف بارز والعقل هو المحتوى يتحكم في العاطفة. وبالعكس يقترب الإنسان من الحيوان.وتعود البشرية إلى البداية حيث الفطرة هي الإنسان.وما أحوجنا إلى إعادة التوازن إلى كافات ميزان الوجود بين المادة والروح وبالتالي بين العاطفة والعقل.
بالفلسفة نواجه دعاة الإلحاد.نقارع منكر الأديان.وبها نبرر العلمانية في الفكر والدين.
الفلسفة عقلنة العلاقات في المجتمع كما تحددها فطرة الطبيعة وغريزة الوجود. وهذا ماتدعو إليه جميع الأديان.
الفلسفة هي العقل والعقلانية.منطقة السلوك الإنساني.وكونية الأخلاق.العقائد تهدف لضبط وتنظيم المجتمعات للتقليل من أنانية الأفراد .وهذا لب الفلسفة .فهي تكمل الأديان ولا تتناقض مع مبادئها.الفلسفة نور المجتمع.تضئ أركانه الدامسة.لكن خفافيش الظلام أطفاؤوا الفوانيس لتعم الحلكة بيتنا. لايتقنون اللعبة إلا في الغياهب الحالكة.يكرهون الأضواء.لأنها تزعجهم وتفضح نذالة أخلاقهم.اشتد السواد وعمت القتامة واقعنا .وأصبحوا لايدركون أين يضعون الخطوات.سقط البعض.والأغلبية كادت.من السياسات الاستراتيجية التي تلجأ إليها الانظمة الخائفة على مصيرها المحتوم إقصاء الفلسفة.ونشر الفكر اللخرافي بدلا عنها.لوضع عقول الاجيال في ثلاجة الاستلاب.ويغمرها صقيع الانانية .وجليد الخوف.وثلوج الوجل. يخشون العقلانية.لأنها زلزال يهدد أركان بنيانهم الغير المرصوص.يعدمون معاقل المنطق.يدكون مخازن العلمانية.يضيقون دائرة العقل والتاريخ.يفسحون ميادين الاسطورة .وحقول المثالية.مااقبح مسعاهم.
فكروا في وضع مصباح خافت في دربهم.فجاءت رياح عاتية أسقطت فتيله في أول ليلة.فقالوا علينا بإجلاء الغيوم.لنستفيد من ضوء النجوم.رغم أن القمر هوا لوحيد المنير في سماء بلدتنا.ألم يقل أحد الشعراء الأمازيغ:
"وَخّا عْدان إثران أسيد ُورتكين**إراتن وايور مقار إيْ أفردي".



-كفى .لقد تأخرت .والحي الجامعي بعيد.وحديثك شيق إلى فرصة أخرى.قالت سعاد.
أتريدين الذهاب لوحدك؟
-سأخرج إلى المعاركة سأجد مرافقين.
سَأُرافقك .ولن أتركك نعجة طائشة عن القطيع في واد الذئاب.لن أتركك حمامة بعيدة عن السرب؛في غابة النسور.
واتجه الغازي رفقة سعاد نحو الحي الجامعي.
بمدخل "باب كبيش"صادفا مع سعيد.
أهلا وسهلا أستاذ الغازي.
كيف حالك ياأستاذ سعيد.
بزفرة طويلة أجاب :
الوضع لايطاق أحس بالكلية كأننا في ساحة الوغى.
لم أعد أشعر بالأمان في هذه المدينة.
قلته لعمر. لكن مع الأسف لازال يعمل ببطارية العاطفة.والمستقبل القريب سيكون أول العابرين إلى الضفة المعاكسة. مثل ثوب سيفقد لونه المزيف بعد أول عملية غسل.لأنه ببساطة؛يرى الوقائع والأحداث بمنظار العاطفة.
والمواقف النابعة من صلبها سرعان ماتنهار أمام العقلانية.
-ذات يوم كان في المكتبة يتصفح كتابا ناذرا.
وجده بصدفة بجذاذات لائحة الكتب الموجودة بالخزانة.
-جاءت سعاد مرتبكة.بحثت عنك في الساحة.أين كنت؟
-كنت في المدرج.
-لم تحضر المواجهة؟
أجابها الغازي بهدوئه المعهود.أنا طالب.لست محاربا.أحضرا لمحاضرات؛في المدرجات.وليس المواجهات في الساحات.في محفظتي أقلام وكتب.ولست مجرما لأحمل الخناجر والمز ابر.
أتممت سعاد الحديث.لقد أصيب سعيد.إصابة بليغة في الرأس.استقبل حجرة طائشة في عينه اليسرى.
-لم يحضر في الساحة.كان في قاعة الخرائط.بعد سمع الصراخ.كان أول من خرج فأصيب.
سقط سعيد أرضا.جاءته "سطافيت" عوض سيارة إسعاف.
واستقبله الجلاد في الكوميسارية بدل الطبيب المسعف.
الدم يكفي.برهان على المشاركة كزعيم محارب في الميدان.يلفقون التهم.يحرقون الأخضر واليابس.يقتلون الضفادع بدل الجرذان.
-كم من نحلة هلكت جراء مبيد لمحاربة الجراد.والأخيار يتم التضحية بدمهم لبقاء ودوام الأشرار.
-في انتظار نتائج امتحان أخر السنة .لكسر الروتين اتجه معية سعاد إلى حمرية.تجولا قليلا.
-أحست سعاد بتعب شديد جراء إرهاق الامتحانات.
قصدا "مقهى الأبطال". يسميها سعيد مختبر التجارب العاطفية.لست ادري أي أبطال يقصد من أختار اسمها.
واجتهادا من سعيد دائما فهم أبطال العشق والولهان.مادام أن فضاءها يضم ثنائيات في أجواء رومانسية.
والغازي يعتبرها متجرا لبيع الأحلام.غالبا ماتكون الأنثى زبونا لتاجر نصاب ومحتال.
جلسا معا في ركن جهة النافذة.للتخفيف من روائح السجائر التي تلوث أجواء المقهى.
سألته سعاد نحن في أخر السنة وستحصل على الإجازة.هل تغادر الإسماعيلية؟
لن أستطيع مغادرتها.أي حياة للسمكة خارج مياه البحر.
في الحقيقة أنا أيضا ربما لن أحتمل فراقك.
وأضافت اسم والدتي ايطو. لم تخبرني عن إسم والدتك ؟
اسم الوالدة يوظف في السحر .ساحبك بدون شعوذة.قالها بمزاح ممزوج بضحكة خفيفة.
صمت الغازي صمتة غريبة.مآبك لم أتعهد منك هذا الصمت.؟
هل الوردة فوق غصنها مثل وردة المزهرية.الأولى تستمد الحنان من جذرها.والثانية قضمت من أصلها لتفترش تربة قاسية من غير أهلها.ويظهر الذبول من جنباتها.
كم من وردة بيضاء على صخر أسود.وجمالها البهي يخفف من خشونة الجلمود النكداء.
الأم بستان الحنان .وحديقة المودة.ومنبع الحياة.
وبفقدانها يصبح المرء أرض جدباء.في أزمنة القحط والجفاف.
-إذن أنت يتيم الأم.قالتها بعيون دامعة.
-حرك الغازي رأسه دون أن يتكلم.وتغرغرت عيناه بالدموع.
-عانقته سعاد.لاتحزن أخي على فراقها.فمنذ اليوم فأنا أختك وأمك .
ولتغيير الموضوع سألته ثانية.لماذا سموك الغازي.اسم غريب؟
الغازي اسم متداول في القرون الماضية تيما بالغزو والجهاد.عندما كانت المغاربة يغزون الأندلس.ينتصرون ويحكمون الأمم.وأشهر اسم يعود لأحد الأولياء الصالحين المدفون بالقرب من مدينة الريصاني .
وكان جدي السادس يسمى بالغازي.وعند خروجي إلي الحياة في ذلك اليوم البارد من أيام دجنبر القارة.
قال جدي اسميه الغازي.تيمن بالسلف.
الأجداد والآباء يرون الاستمرارية في تكرار أسماء السلف في جيل الأحفاد.
أما أنا همي الوحيد هو غزو قلاع الجهل وحصون الأمية.وإبادة أعداء الأمة من الحسد والكراهية وجميع المسلكيات القبيحة في المجتمع.
سألته عن الفشل .
لدينا غايات نطمح الوصول إليها.وعثرات الطريق تحدد نوعية المسار.وجغرافية الواقع تحدد نوع وعدد الخطوات.ونسبة النجاح يحكمها الزمان والمكان.والفشل هو البدرة الصالحة للنجاح شريطة اختيار التربة والتوقيت.
في مقصف الكلية سألته أمال صديقة سعاد.ماموقفك من الحياد؟
التموقع ضروري.الحياد عدم الوعي بكنه الذات.إن جهل تفاصيل الواقع الحقيقي لذواتنا يؤدي حتما إلى الإصابة بأمراض خطيرة. مثل الاستلاب؛الاستقطاب السلبي؛التسلق ؛الانعزال؛أو التهميش.ومن الأفراد يصل العدوى إلى المجتمع.وما أحقر شعب مستلب ينشغل بالتفاهة.يتيه في أدغال الدوغمائية. ونجود الانحراف.والانتماء هو الإدراك والوعي بالمقاربة العلمية.والتميز العقلاني .لفهم الحاضر. والوعي بهذا المنظور هو إدراك الذات.وموقعها .ثم حقيقتها في أحضان واقع غني بالمتناقضات.
قصد رفقة عمر معرضا للكتب .بعد أخذ منحة الدورة .
اشترى الغازي كتبا بقيمة المنحة.استغرب عمر .وقال ماهذا التبذيريارفيق؟ لاتملك إلا سروال واحد ورغم ذلك تشتري الكتب.
-ابتسم الغازي وقال:درن الثياب يزيله الغسل بالصابون.ووسخ العقول نقضي علية بالعلم والمطالعة.
-قال لي جدي رحمه الله لقد ذهب أحد أجدادنا إلى سوق" أبو عام" بسجلماسة لشراء التمر.وأثناء تجوله في السوق قصد باعة الكتب ؛فوجد كتبا ناذرة ولقلة دراهم جيبه.باع البرنس لشرائها.ونعم السلف.شعارهم العلم قبل الخبز.
-محطة أخرى بزغت على شاشة الذاكرة.كانت أمسية يوم الأربعاء من شهر مايو 1992م.حمل المظلة متجها نحو الكلية.أمطار غزيرة بعد عاصفة رعدية بحي الزيتون دون الأحياء الأخرى من الإسماعيلية.غادر بيته بتجزئة بادو.اقترب من كلية العلوم .سمع نداءا بصوت رقيق من تحت شجرة.
Camarade.camarade.
التفت جانبا ورمق وردة مبللة مثل حجلة.وهي ترتعد من البرد الناتج عن عاصفة رعدية مصحوبة ببرد كثيف.
-سألها الغازي مابك ياوردة.أش الحالة؟
-لقد باغتتني العاصفة وأنا قادمة من الحي.إنها أيام غادرة شمس حارة بالثانية.وزوابع غيث وبرد بعد أقل من ساعة.
-أريد الذهاب لتغيير ملابسي أريد مظلتك من فضلك؟
-سوف أذهب معك ليس لدي دراسة هذا المساء.أريد استعارة كتاب من المكتبة.ولكن أمام حالتك سأؤجل الأمر إلى الغد.
شكرا camaradeقالتها بخجل وحياء غريب.
وفي طريق من خجلها الشديد تعثرت خطوتها.كادت أن تقع أرضا لعدة مرات.وصلا إلى "باب كبيش".
شكرت وردة الغازي بتلعثم شديد.لقد وصلت إلى الدرب.وأعتذر لقد تركت شغلك من أجلي.
-هذا واجب ياوردة.
عاد الغازي وقصد مقهى الرشيدية .مجمع الأصدقاء المدمنين على متابعة البطولة الاسبانية والايطالية.الليغا والكاتشيو.
-قالت له سعاد :تبالغ في شرب القهوة.انها تسبب الأرق ومرض النرفزة.ورغم ذلك أنت هادئ جدا .لم أفهم شيئا.؟
ابتسم الغازي قائلا:فوق سطح فنجان القهوة أتأمل وجهكِ كل صباح.
على مرآة القلب أتمعن في قسماتك و ملامحك.تظهر واضحة في سقف حجرتي وأنا في السرير ممدود.وأحيانا تحجبها عني ضباب التشاؤم.
ماأشبه مزاج الإنسان بحالة الجو. تصفو السماء. وتشع الأنوار.تنير كنه رسالة الذات.وتغمرنا السعادة والفرح.نلهو ببشاشة كأطفال صغار.وأحيانا تتلبد السماء بالغيوم.ويهدر الرعد ويقصف البرق.ويعمنا غضب عارم وتظهر رواسب الحيوان في الإنسان.
مرت الأحداث بسرعة فائقة مثل مشاهد فلم أو حلقات مسلسل.لقطة بلقطة تستعرضها شاشة الذاكرة.
كانت أمسية باردة .من ليالي رمضان .بعد صلاة التراويح قصد مقهى الأرز بمدينة أزرو.في أخر ساعات القرن الماضي.
وضع السبابة فوق الخد والإبهام على الذقن .سأكتب إليها رسالة القرن.لتكون وثيقة تاريخية للأجيال القادمة .تحمل إليهم وسائل اتصال عتيقة في قرنهم.وفعالة في قرننا.
أخذ الورقة واختار أجمل الأقلام.وضع العنوان وانتقى العبارات وصمم للفقرات.
رسالة من القرن إلى القرن.
31/12/1999مقهى الأرز مدينة أزرو.على الساعة العاشرة ليلا.
بسم الله الرحمان الرحيم.
إلى الصديقة الحميمة سعاد.
من صديقك الغازي.
بسم الإنسانية وقيمها التاريخية السرمدية.
باسم العقل السراج المنير الذي يضئ حلكة الظلام القاتمة.
باسم المنطق البدر الذي يبدد الغياهب في عتمة الدجى الدامسة.
باسم الصداقة النخلة الشامخة الموجهة للقوافل في الفيافي القاحلة.
إلى الصديقة الغالية قلعة فزاز الأبية.
أكتب إليكِ هذه السطور بحبر من الدموع.وبقلم من الألم.على أوراق من الشوق .
اخترقت سهامها جدران القلب لينفجر بركانا من الأحاسيس.وينزف دم الحسرة والألم جراء قسوة البطالة والبعد عن الأحبة.ومشاعر غريبة من خصائص القرن المحتضر.
على حافة القرن الجاري؛وقفت البشرية فوق كوكبها.غدا سيحل قرنا جديدا.ونودع القرن الحالي.
في الأيام القادمة تتوصلين بهذه الرسالة.بعد أن استغرقت قرنا من الزمن.
أكيد نحن جيل محظوظ.عاش قرنين مختلفين؛ إلى حد التناقض.قرن الرسائل المعطرة.والبطائق البريدية.وقرن الهواتف وغيرها .
ودعنا قرن الطفولة والشباب.لنغوص في أعماق قرن الكهولة والأبوة.وان طال العمر سنصبح أجداد بين الأحفاد. سنعيش في قرن لايشبه القرون السابقة وربما اللاحقة.دشنته اتصالات المغرب بشعار عالم جديد يناديكم.قرن سيطرة الإعلام.أكيد سنودع مابقي من الإنسانية.سنفقد المودة بين الأقارب والمجتمعات. لست خبيرا في علم الاستراتيجيات ولكن حقائق المستقبل بوادرها في تربة الحاضر تظهر.
قرن سوف تختفي فيه الكتب.وتغيب المطالعة بين الأجيال.قرن إبادة الرسائل والأظرفة.وأسلوبها المعمق والمعبر بصدق عن الأحاسيس.وحقيقة المشاعر. يصبح فيه الإنسان عبدا مطيعا للشاشات.نجلس في المنازل ونشاهد العالم يمر أمامنا عبر الأنوار.سنعيش قرنا نستنشق أشياء غير الأوكسجين.ترتبط فيه حياتنا بعادات وأفكار جديدة.ستتبدل الأحوال وتتغير الأجيال .الأول منسجم في الفضاء والخيال ومرتبك ومبعثر الخطوات في الواقع .والجيل المخضرم سيعيش بين أمرين أحلاهما مر.إما الانعزال أو الانصهار.

وفي الأخير يودعك قلمي وليس قلبي متمنيا لكي أجمل اللحظات. راجيا من العالي القدير أن يجعل من القرن القادم محطة وقنطرة عبور نجتاز من خلالها من ضفة البطالة إلى ضفة الشغل.
صديقك الوفي الغازي بنعلي.
حررت الرسالة بازرو31/12/1999م على الساعة الحادية عشر ليلا.
مرت السنين لم يتوصل الغازي بجواب عن رسالته ولا ينتظر.ويعرف مسبقا ذلك.لان سعاد لا تعشق الرسائل.-يتذكر يوم ودعها بالشارع المقابل لكلية العلوم. وهي تضع رجلها على درجة حافلة "صقر الأطلس".أيام الجامعة.
لاتبخلي عني برسائلك.سأشتاق إليك.
-مع الأسف ربما لن أستطيع كتابتها أكره الأوراق والأقلام أيام العطل.أجابت سعاد على طلب الغازي.
-كان لقاءا عابرا وبالصدفة على قنطرة أم الربيع بحاضرة زيان.
-رمقته بعيون يابسة وخدود ذابلة. وبابتسامة متعبة صافحته أهلا أخي الغازي كيف الحال والأحول.
-مابك ياسعاد.أنتِ مريضة؟
-بآهة طويلة قالت :لقد نخرت البطالة أجسادنا.امتصت العظام.وغيرت من السحنات.وشوهت القسمات.معذرة لقد حان وقت انطلاق الحافلة.أريد السفر إلى تطوان لاجتياز مبارة التعليم.إلى لقاء قريب.
غادرت وقطرات دمع حارة متدحرجة فوق خدها الذابل.
ودعا أخي الغازي.لقد قسينا من طول مدة البطالة.أصبح اليأس يسيطر على أعصابنا.وأضحت الكآبة تغزو ملامح وجوهنا.مثل رمل زاحف على واحات خضراء مهددة بالتصحر.
-عليكِ بأقراص الأمل .الدواء الفعال لعلة اليأس.بالتوفيق أختي سعاد.
مرت الأيام اشتغل الغازي بأحد الشركات الصناعية الكبرى بالدار البيضاء.
انقطع سلك التواصل بينه وزملاء الجامعة.تغيرت الوسائل انتشرت الهواتف بدل الرسائل.
-اتجه سعيد نحو مدينة أكاد ير.حسب بعض المعارف
وعمر نجح في مبارة ضباط الشرطة.وانقلب مثل ميزان الجزار في لحظة واحدة.نسي تدخلاته أيام الجامعة وتوزيع تهم الخيانة على الرفاق.ومباشرة بعد الإجازة اجتاز مبارة الشرطة ليتخرج ضابطا يتجسس على رفاق الأمس سبحان مبدل الأحوال. ألم يقل الغازي يوما سيكون عمر أول من يلتحق بضفة الخيانة.
أما وردة فقد اشتغلت في التعليم.
وذات مرة التقى بمقهى "لاشوب" أحد رفاق الكلية.وأخبره بأن سعاد تزوجت عسكريا.غيرت رقم هاتفها.القناة الوحيدة التي تربطها بالرفاق والزملاء من الطلبة.
.زوجها يريد فصلها عن الماضي بكل حمولاته العاطفية والزمالة الجامعية.
-قال لها يوما عليكِ نسيان الماضي. وأيام العزوبة.
إذن فقد الغازي أختا يرتاح لحديثها كثيرا. المجتمع المغربي لايعترف بصداقة بريئة بين رجل وامرأة خارج علاقة الزواج.
-تشتت الرفاق بعد طول البطالة وفرقت بينهما السبل. كل يبحث عن لقمة العيش العمر يمضي سنة بعد أخري مثل حبات السبحة في يد ناسك عابد.
-أصبح الغازي يلج "السيبير" أكثر من المكتبة.تبدلت الأحوال وتغيرت الظروف.العقد الأول من القرن الجديد حمل مستجدات علمية وتكنولولوجية في ميدان التواصل.
-اكتشف الفضاء الأزرق في البداية عن طريق الزملاء في العمل.تحفظ وفضل عدم التسرع .لأنه من النوع الذي لاينخرط بسهولة في كل جديد.
-مرت سنوات أدمن على ولوج هذه الصفحة.اختار حسابا بسم مستعار."أبو وسيم".
اختار هذا الاسم قبل أن يتزوج وينجب الأطفال.
سألته وردة ذات مرة أيام خطوبتهما.خلال جلسة رومانسية بعيون نهر أم الربيع.
-هل تتذكر مظلة الزخات الرعدية بحي الزيتون.
-ابسم الغازي كنت خجولة وكادت رجلك تتعثر من شدة الحياء.
نعم كنت في تلك اللحظة أحس بأننا زوج تحت سقف واحد.
-قلتها في نفسكِ وقالت الملائكة أمين.
-انتشلتك بين مخالب العنوسة اليوم كما صنت جسدك من المطر بمظلتي ذلك الزمن.
ضحكت وقالت حتى النهر يغني لحبنا.
الطبيعة تحس بالعشاق.تشاركهم جنون الحب والصبابة.
الحب أسمى المشاعر يجعل الإنسان يشعر بالكينونة والوجود.ويغدق عليه غيثا من التفاؤل تبدد غيوم الكآبة على قمة الأذهان. وتنبت بذور التفاؤل ورودا وأزهارا تنذر بقدوم ربيع السعادة الأبدية
-إذا أنجبنا أطفالا.هل لديك أسماء تريدها لأبنائك؟
-أتعرفين أن أسمي المستعار منذ الجامعة هو أبو وسيم., أحيانا أبو رانيا حسب السياق.
وحسابي في الفايسبوك أيضا بنفس العنوان.
الاسم ياوردة ينبغي أن يكون مجردا من الحمولات التاريخية والعقائدية والثقافية.ويستمد مضمونه من الطبيعة وجمالها وأوصافها.
الوسامة تعني التفاؤل.و مغزى الحياة ليس المظهر فقط وإنما تتجاوز جمال الوجوه .وتناسق القسمات لتعبر عن قيم وشيم إنسانية نبيلة.وهذه المرجعية المجردة من الغايات قاعدة وأساس اختيار أسماء أولادنا حسب منظورنا.
-حاول الغازي انتقاء أصدقائه الفايسبوكيين.كما يختار أصدقاءه الحقيقيين.نخبة من الزملاء المميزين.وأخرى من أصدقاء الماضي البعيد والقريب.ولا يقبل دعوة فايسبوكية إلا من المعارف السابقة.
عاد من العمل.فتح حسابه الفايسبوكي.وجد دعوة صدقة باسم أم أيمن.
استجاب لهذه الدعوة.
ومن حساب أم أيمن جاءته تدوينة أثارت انتباهه."زهرة بيضاء على صخر أسود".
-علق الغازي على تدوينتها"وجمالها البهي يخفف من خشونة الجلمود النكداء".وشقوق بنيته الصخرية تحتضن جذورها وتمنح لها الحياة وسر الوجود".
-علقت أم أيمن "صدق الغازي حينما قال قبل عقود"نحن جيل محظوظ عاش قرنين من الزمن". و لم يقل بأننا سنفقد أسمائنا الحقيقية. ونتواصل بأخرى مستعارة.لان العلاقات انتقلت من الواقع إلى الخيال.سوف ننسى الرسائل والبطائق البريدية.وننغمس في أركان مواقع التواصل الاجتماعي بأقنعة ومساحيق.وتتغير ملامح المشاعر وقسمات الاحاسيس في الوجدان.
-فهمت أم أيمن انها تحاور الغازي.وبحروف الاهات ختمت تعليقها على تغريدة الغازي.
-تفشل الطيور احيانا في بناء أعشاشها.وعلق الغازي:
-العش على الغضن أو في نتوء الصخر أنجع من قفص ذهب.وعلقت سعاد.
-كم من فستان يظهر جميلا في رواق المتجر.وفي خزائن بيوتنا يكتسي لون القبح ونتمنى بديلا عنه من دكاكين الاثواب المستعملة.استوعب الغازي مضمون التعليق.وأجاب:
-اللغة الرمزية افصح من الخطابات المباشرة.ورسائل الالغاز اكثر تعبيرا من لوحات فنان.وضعت سعاد بصمة الاعجاب دون الاجابة على التعليق.وأجابها الغازي:
-الشتائل لاتختار تربة جذورها.وتبرز أوراقها مصفرة ولو في زمن الربيع.وبمضادات حيوية يعيد الفلاح اليخضور لأوراقها.
وعلقت أم أيمن برسم دمعة فوق الخد.مضيفة عبارة مختصرة :المعادن الاصلية لاتفقد بريقها رغم مرور السنين.والفلزات يعلوها الصدأ في بضعة أيام.حقا انت تحفة نادرة.
-للتعبير عن وضعها ؛غيرت ام أيمن صورة حسابها بالفايسبوك .بإزالة سلفي لها وابنها أيمن. ووضعت صورة معبرة. وردة ذابلة داخل مزهرية بلون رمادي باهت.وفي الاطار كتبت :الذبول بعد الانتعاش حياة في صندوق الاموات.
في صفحتها دونت عبارة مختزلة:أطلال جسد أعتقد أنه لن يذوق الهزيمة أبدا.
وعلق ابو وسيم بعد وضع علامة الاعجاب.
-في عز الطفولة ارتدينا أزياء النصر.ومزقنا أسمال الهزيمة.وفي ذروة الشباب غمرتنا سيول الانتكاسات.وتسربت إلى أعماقنا سموم الاحباطات.وعم وباء اليأس جيلنا من جميع الزوايا والأركان.حاول ترقيع الثقب لكن اتسع الخرق عن الراقع. وعلينا معالجة داء اليأس بأقراص الأمل.وأوجاع الحياة بمسكنات القدر.
-في إشارة موجهة لأبو وسيم دونت ام أيمن : ملحوظة :أعتذر لجميع الأصدقاء التواصل عبر الخاص ممنوع.
علق على تدوينتها:الخاص في قواعد الفضاء الازرق يعني الاختلاء.جيلنا يرتاد المقاهي للحديث والمناقشة بين الجنسين.و"البر توش"خط احمر ترسمه الكثير من الفتيات.وفي ثقافة الفايسبوك عند جيل اليوم الخاص في مقابل البرتوش.نحترم اختيارك أم أيمن فمخاطبة الغريب ولو عبر النت خيانة.من دخل لعبة الفضاء الأزرق عليه احترام قواعده وقانونه الداخلي.فهو فضاء عام وعلينا احترام كل رواد الفضاء من المعارف والأصدقاء.
-علقت ام ايمن :تماما أستاذي .وهل يمكن اغتيال الماضي بمسدس النسيان.
-اجاب ابو وسيم :من حاول ذلك مثل مجنون يطارد ظله بعصا.وكلما تحرك الجسد تغير موقع الظل.يكرر الهرولة وتستمر اللعبة حتى يسقط ارضا من شدة الانهاك.او مثل قط حاول قنص خيال فأروا قف فوق الجدار.
الماضي جزء من ذاتنا وطرف من شخصيتنا.فهو يافطة تلازمنا.وبر يغطي اجسادنا يحمينا من قساوة الحاضر.ويقينا من وساوس فزع المستقبل.
-وعلقت ام ايمن :كلماتك فيتامين يزرع القوة في الاجساد المنهكة .ويعيد الحيوية إلى العيون المتعبة.وشكرا لكم على هذا الدعم المتين الذي يزرع التفاؤل.ويحارب غيوم الكآبة الجاثمة على قمة الأذهان.
-علق ابو وسيم بوضع بصمة الابهام بدل الكتابة.مودعا جميع الاصدقاء في شخص أم أيمن.اغلق زر الحاسوب.وأخذ المسودة .وكتب أعلى الصفحة "جيل مخضرم"عنوان الرواية.
فاس يوم 15/04/2018.بقلم :عدي الراضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا