الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرةُ الشِّيح

عبد السلام أديب

2018 / 4 / 16
الادب والفن


حضرت حفل تكريم الشاعر السوري العظيم عبد الرحمان الابراهيم المنظم من طرف أصدقاء الشاعر ببروكسيل ببلجيكا مساء يوم الجمعة 13أبريل 2018، وحيث تم منح الشاعر، المقيم حاليا في كوخ بسوريا والذي فقد بيته بعد أن تم دمار منزله بالقنابل اليومية، جائزة الحوار الفلسفي للشعر، وقد تسلم الجائزة ابنه عبيدة الابراهيم الذي يدرس بفرنسا. وخلال حضوري هذا قمت بتقديم شهادة في حق الشاعر وقصائده وخاصة قصيدته الجميلة ذاكرة الشيح كما يلي:

https://www.youtube.com/watch?v=CiaLhDXe_F8

أيها الحفل الكريم! أيها الشاعر السوري العظيم عبد الرحمان الابراهيم! انعمتم مساء بكل خير. إن لي عظيم الشرف أن أتلفظ ببعض الكلمات في حق شاعر سوري عظيم يعيش منذ ثمانية سنوات هو واسرته تحت القصف والقنابل اليومية التي دمرت منزله وافقدته كل مصدر للرزق ورغم كل ذلك ظلت ملكة الشعر تتفجر على يديه معبرة عن واقعه الأليم. إن علاقتي بالأستاذ الشاعر عبد الرحمان الابراهيم ليست طويلة ورغم ذلك اشعر كما لو أنني أعرفه منذ سنوات طويلة من خلال أحاديثي الودية معه في مجموعة الحوار الفلسفي ومن خلال انكبابي على قراءة أشعاره بنهم. علاقتي المباشرة بالشاعر ابتدأت إذن في شهر يناير الماضي عندما توصلت لأول مرة بقصيدته "ذاكرة الشيح" في المجموعة الرقمية بالواتساب "حوار فلسفي" والتي يرجع الفضل في تأسيسها الى صديقنا وأخونا العزيز عبد الاله طراد.

استمعت إذن إلى القصيدة الجميلة "ذاكرة الشيح" بالصوت والصورة حيث كان يلقيها الشاعر بصوته الجهوري المتميز والمغنى بين الفينة والفينة، مما أثار في جسدي قشعريرة، لما تختزنه كلمات الشاعر من تيارات لغوية متناقضة متنافرة متفلسفة تارة، تصعد بي برائحة الشيح الى عنان السماء فأتساءل بمرارة عن الحزن واليأس الكامن في بعض زوايا هذه الكلمات، ثم أجد نفسي من خلال بعض ابيات القصيدة أخرج من غرفة لكي أدخل أخرى، ثم أخترق أروقة متعددة بعضها طويل وأخرى أقصر وحيث تتناوب علي فضاءات متعددة يختلقها الشاعر بأسلوبه المتميز، وحيث تتلون احاسيسي بتغير تلك الفضاءات.

لقد كانت تدهشني مسحة الحزن لما تتثيره في عبارة ذاكرة الشيح فتختلط علي في بعض الأحيان الازمان التي يحاول أن يرمز إليها الشاعر حتى أخال نفسي أنني أعيش في زمن "أبو العلاء المعري" وأستوعب مغزى عبارته الشهيرة "هذا ما جناه علي ابي وانا لم اجنه على احد" وما ترمز اليه من رفض لواقع الدمار المترتب عن ما جنته ايادي الشيوخ حكام العالمين اللذان يسميان "مجازا" بالعربي والإسلامي وحيث يصبح حصاد الشيح أو ذاكرة الشيح كحصاد الريح أو ذاكرة الريح، الى تلك الدرجة التي يرفض فيها الشاعر الاستمرار على نفس ما سار عليه الآباء والاجداد، لولا كمية الحب المنبعثة من جمال الطبيعة الخلابة التي تعيد انتاج نفسها بشكل أزلي وجاذبية العلاقات الحميمية للأسر والعشائر المتوارثة منذ غابر الأزمان والتي تشكل منبع تجدد الحياة الاجتماعية اليومية.

جمالية قصائد الشاعر عبد الرحمان الابراهيم وما تتركه في النفس من آثار عميقة لا يضاهيها سوى صعوبة التغلغل الى رمزيتها اللغوية وقضاياها المتعددة وصورها الشعرية الجميلة والمتناقضة والمتداخلة في علاقات جدلية لا نهائية. لا زلت أتذكر يوم أن اعتذر لنا الشاعر عبد الرحمان الابراهيم في مجموعة "الحوار الفلسفي" عن احتمال عدم تقديمه لأي مادة فلسفية في المجموعة سوى أشعاره. الا ان الجميع الذين استمعوا لقصائد الشاعر ورأوا في ذاتها، عمقا فلسفيا ووجوديا رائعا فتهافتوا على محاولة تفسيرها وفهمها والاستمتاع بها إلى درجة أن قرروا منحه جائزة الحوار الفلسفي للشعر وعلى الترحيب به كعضو دائم في الحوار الفلسفي. لقد كان تدخل الصديق والاخ عبد الاله طراد حاسما في اتخاذ قرار تنظيم أمسية لقراءة أشعار شاعرنا العظيم بمدينة بروكسيل ببلجيكا يوم 13 أبريل 2018.

لعل موهبة الشاعر عبد الرحمان الابراهيم الشعرية، لم تسقط عليه من السماء ، بل نراها قد نمت معه منذ نعومة أظفاره لكونها تحمل في ذاكرتها جينات الحضارة الآشورية والسومرية والتمازج الحضاري العربي والفارسي واليوناني والروماني كما تغذيها ذاكرة الشاعر الواسعة والخصبة، واستيعابه الدقيق للتاريخ الحديث المليء بالصراعات والنكسات والعجرفة الاستعمارية والصهيونية والامبريالية والاستبداد الرجعي المحلي. كما توجت هذه الملكة الشعرية الفريدة من نوعها الحرب العدوانية الطبقية الداخلية والخارجية الجارية حاليا، على الأقل منذ سنة 2011، فالشاعر إذن هو ابن بيئته بامتياز، وقد استطاع بواسطة شعره ان يعبر بشكل مرموز ومعقد تارة وبشكل واضح تارة أخرى عن معاناة الانسان السوري في مواجهة الطغيان ماضيا وحاضرا من خلال معاناته الشخصية.

إن للشاعر عبد الرحمان الابراهيم أصدقاء كثر داخل الحوار الفلسفي وخارجه، فباسمي إذن وباسم كافة أعضاء الحوار الفلسفي وخاصة أصدقاء الشاعر بمدينة بروكسيل ببلجيكا نهدي هذا الحفل الكريم للشاعر الذي يعيش حاليا في خيمة تحت وخز البرد وحرارة الشمس بعدما دمر القصف اليومي منزله بالكامل وبدون عمل أو مرتب دوري، لقد استدعينا ابن الشاعر عبيدة الابراهيم الذي يدرس بفرنسا لكي يحيي معنا هذا الحفل التكريمي لوالده ولكي يتسلم في نهاية الحفل جائزة الحوار الفلسفي للشعر.

https://www.youtube.com/watch?v=SWLvBHNZEMk&feature=youtu.be

ذاكرةُ الشِّيح

الشاعر السوري المتميز عبد الرحمان الإبراهيم


للشّيح باديةٌ ..
يبلِّلها الهوى العذريُّ من شفةٍ ..
مناهلها غزيراتُ السرابِ .
للشيح ذاكرةٌ ..
توشِّيها الغزالةُ بالشَّجنْ
وترتِّقُ الظمآنَ منها بالمدامع ..
كلَّما جفَّتْ بباب شرودها ..
مقلُ السَّحابِ .
للشيح رائحةٌ ..
يهجّيها القطا عبقاً ..
لكلِّ نُسَيمةٍ تأتيه من صوب الحنينْ
والشيحُ مكتبةُ الحزينْ
يقريكَ صمتاً غامضاً
كوضوح زهر البيلسانْ
والصمتُ سدٌّ من زجاجٍ ..
لا يُريكَ الماءَ في نهر الكلامْ
للشيح تاريخٌ ..
تدوَّنَ في أنوف النّوقِ ..
منذ حنينها لمضاربٍ
حملتْ إليها , من مهبَّات الهوى ,
دمعَ العناقيدِ العذابِ .
من صدر( سرجلا ) ..
من النَّهدِ المزَّغبِ بالنّدى
والمختبي خجلاً ..
بشعر الدالياتِ المؤمناتِ بدين أنسامِ الروابي .
من ثغر عشتارَ المقطَّرِ ..
في عتيقات ( الخوابي ) .
والسَّاريتِ إلى خيام كؤوسهمْ
من كلِّ دربٍ حالمٍ
نبتتْ بعسجد رمله , كالعشب , أهدابُ القمرْ
وبَدَتْ به بلعاسةٌ / أرختْ ضفائرَ حلمها / كمعفَّرٍ بالشوق ..
لاح لظبيةٍ من بين أجفان الغيابِ .
للشيح شيحٌ ..
في أديم الرّوح .. ينمو, كلّما أمطارُ عينيها ..
اسْتراحتْ , في اليباب , على يبابي .
أَوْ كلَّما شتلتْ أناملُ طيفها
حبقَ المعاني ..
عند قارعة السطورِ ..
وعند أبواب القصائدِ ..
في كتابي .
للشيح ليلٌ مُدْمِنٌ
ليلٌ تقدَّسَ ..
بعدما ألفاه يسقي عتْمَه صرفاً ..
من الكحل المعتَّقِ في جفون العامريةْ
للشيح طقسُ قصيدةٍ ..
شبَّتْ على سحب البخور ..
الصاعداتِ لوجه عشتارٍ ..
من الجَّمر المبلّل بالمواجدِ ..
والّذي عاشتْ , على بلعاسه ,
أشواقُ مَبْخَرَةٍ .. يعودُ ترابُها
لرفاةِ نهدٍ , كان صعباً .. شاهقَ الأثوابِ ..
تعبدُه الملوكُ البابليةْ !!
للشيح حَدْسٌ .. يرتدي أهدابَ قبَّرةٍ ..
يوطِّنُها الهجيرُ بظلِّه
من قبل ما ابْتُكِرَتْ مكاحلُ ( نينوى )
ومدامعٌ .. بزجاجها ماانفكَ ينتحبُ الغرامْ
كانت تراقبه القوافي ..
وهو يخلعُ حزنَه
ويلبِّسُ الأغصانَ أزهاراً تبالغُ في السعادةِ ..
قبلما وصلتْ رسائلُ كحلها بيمامتينِ ..
وقبلما طافتْ / بموطئ نعلها /
بكرُ النسائمِ .. حافيةْ
للوهلة الأولى ..
يفضُّ الشيحُ مهجَتَه ..
على أعتاب كفّيها ..
يلوذُ بلوعة الحنَّاءِ ..
يدخلُ في أناملها ..
ويعثرُ في العروق السَّاهداتِ ..
على دماءِ قصيدةٍ مذبوحةٍ
فيسيلُ من عينيه ( قصرُ الحيرِ ) ..
آخرُ ذكرياتِ العشقِ ..
في كبد الخلافةْ
الشيحُ تصعقُه حقيقةُ معصمٍ
فلاتُ مخمله تهبُ الجَّمالَ المستحيلَ ..
إلى الخرافةْ
الشيح يشهقُ ..
حين صادفَ مهجتي بين الأساورِ ..
تشتري , بدمي المؤجَّلِ , غفوةً بوريدها ,
بين الحنان وبين رقرقة السُّلافةْ
هي لفتةٌ , وتطايرتْ جفلى ..
فراشاتُ العطورِ النّائماتِ بشعرها
لتشيع بين لواعجي ..
وذوائب الشيح المعذَّب ..
نكهة (الزّبّاء) بالغار الذي ما انفك يعبدُ كبرياءَ الله ..
في أبواب تدمرْ .
هي بسمةٌ ..
وتواثَبَتْ لـ ( هشام ) في عينيَّ ألفُ كتيبةٍ
مدَّتْ صهيلَ الخيلِ سجَّاداً ..
لموكب كحلها
فترجَّلتْ من نور عينيها..
/ تبادرُ ليلَ مملكتي / قناديلُ الجَّلالةْ
وتدفَّقَ الشيحُ المؤجَّجُ من جراحي ..
فارشاً في دربها
تاريخَ أوردتي .. بساطاً أحمرا
والشيحُ يطلعُ من ضلوعي ..
فاتحاً لعبورها , في القلب , أبوابَ ( الرصافةْ )
وصحا على إيقاعِ همستها ..
جميعُ النّائمين كدمعةٍ يقظى
توارتْ خلفَ أحداق الحجارةْ
تمشي .. وتتبعُ في دمي
سيفاً رصافيّاً ..
تراودُ شوقَه بقصيدةٍ
وتُرَهِّفُ الحدَّ القتيلَ ..
بكلِّ ما ملكتْ مفاتنُ كحلها
لتصيرَ ما بيني وبين قطوفها / في ذمَّةِ الله / المسافةْ
بفناءِ قصرٍ شاحبٍ
كعيون روما ..
لم تزلْ هذي الشّبابيكُ التي في وجهه
تتقبَّلُ الصّلواتِ أنساماً ..
من الشيح المولَّه .. من شذى القيصومِ ..
من حزن الخزامى
قلبي وظلُّ بنانها ..
يتنادمان على عناقيد النّقوشِ ..
المفعماتِ بألف ألفِ حكايةٍ
لا زال يحفظُ طعمَ كرمتها ..
ترابُ ( الأندرينْ )
وصبوتُ لمّا كادَ مرمرُها
يقطِّرُ نفسَه راحاً ..
على فردوس راحتها ..
وهمَّتْ بالمنى شفتي ..
وكاد القلبُ يغتبقُ ..
لو لم أجدْ جدّي هشاماً ..
بين عينيها .. يصلّي ركعتين ..
وحوله , في الكحل , حشدٌ من رفات الأنبياءْ
أفديكَ قلباً ..
كم أذبتُ , بشمع عشتارٍ , شغافهْ ؟!
يا سيّدي
يا شيخ مملكة الخرابِ ..
وإنّني لا زلتُ أخشى ..
من خرابكَ أنْ تُعافى !!!
أجفلتُ حلماً , كان يملأكَ ابتهاجاً ..
وهو يركضُ في عروقكَ ..
يجتني , لحبيبتي , صورَ القصائدِ ..
مثلَ آلاتِ الصحافةْ
أجفلتُه , وتركتُه للشيح .. عرياناً ..
يعيش على الضّنى
ويعبُّ من نهد السّراب لوافحاً
لتظلّ تعبدُ نهدَ ( عزَّةَ ) ، في الهوى العذريّ ..

نيرانُ ( الحسافةْ ) .
الغدفة في 22 / 8 / 2009 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق