الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب يضع شرق الفرات في البازار

محمود جديد

2018 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ترامب يضع شرق الفرات في البازار
بقلم : محمود جديد
يجمع الكثير من المراقبين السياسيين والمحللين على أنّ الإدارة الأمريكية الراهنة لا تمتلك سياسة محدّدة واضحة تجاه الملف السوري ، ويعود هذا التقييم إلى طرح ترامب لآراء ومواقف متغيرة، ومتناقضة حول المسألة الواحدة في فترة زمنية قصيرة .. وفي الأسبوع الماضي استقرّ على فكرة الانسحاب السريع من شرق الفرات ، وتوكيلها لتحالف عربي تابع له على رأسه السعودية، مع محاولة جرّ مصر أيضاً، الدولة العربية التي تمتلك الجيش الأقوى في الوطن العربي إلى هذا التحالف ، فما هي الأسباب والدوافع :
- محاولة الإسراع في معالجة بعض التناقضات مع أوردغان قبل أن تترسّخ علاقته مع الروس أكثر فأكثر في الاقتصاد والسياسة والتسلّح ، وثمّ الاعتماد على الدور التركي المهم في سورية ، والاستقواء به في مواجهة التحالف الروسي - السوري - الإيراني وإنجازاته الأخيرة في الميدان ، والمحتملة في المستقبل القريب باتجاهات جديدة ..
- إيجاد حلّ لمعضلة ترامب في محاولته كسب الودّ التركي والكردي في وقت واحد والمزعزع الآن ، وهذا الأمر مرفوض تركيّاً بشكل مطلق ولا يقبل المساومة ، بحيث لا يشكّل الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات تخلّياً فاضحاً عن بسط الحماية على قوات سورية الديمقراطية هناك، والغدر بهم ، و في الوقت نفسه ، إزالة الوسواس التركي من إمكانية تحول الوكالة الكردية إلى دولة أو فيدرالية في خاصرة تركيّا ، وعلى جوار التواجد الكردي في الداخل التركي ..
- تعريب الصراع بشكل مباشر أكثر فأكثر، مع إبقاء الأوضاع السورية متفجّرة إلى أمد طويل ، وبؤرة استنزاف لخصوم أمريكا في سورية ، الثلاثي : روسيا - إيران - حزب الله، ومحرقة للعناصر الشاردة من الإرهابيين الخارجين عن السيطرة والتحكّم والتشغيل ..
- الإسراع في إنقاذ القوات الأمريكية من احتمال مواجهتها بشكل مباشر بكفاح مسلّح بقوى شعبية من سورية، وإيران، وحزب الله، ومنظمات شيعية عراقية مجاورة لشرق الفرات ، وهذا الاحتمال أصبح وارداً بدرجة كبيرة بعد العدوان الثلاثي الصاروخي الأخير على سورية ، وهجوم الكيان الإسرائيلي الصاروخي على مطار التيفور شرق حمص .. وعند حدوث هذه المواجهة سينقلب السحر على الساحر، بحيث يصبح الاستنزاف معكوساً باتجاه التواجد الأمريكي في سورية ... وهذا الموضوع حسّاس في الداخل الأمريكي ، ومرفوض شعبيّاً ، وفي أوساط الجنرالات الأمريكان ، ومكلف مادّياً ..كما أنّ توقيته مؤذٍ للحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة في تشرين أول / نوڤمبر / القادم ، ممّا يؤثّر على الأغلبية الجمهورية الراهنة المريحة لترامب في الكونغرس ..
- وفي حال تعذّر انجرار العربان إلى الفخّ الترامبي ، سيكون الطلب الأمريكي الملحّ من البقرة الخليجية السمينة الحلوب دفع فاتورة استمرار التواجد الأمريكي في سورية ذا
( مشروعية ) يصعب على حكام الخليج التهرّب منها... وعندئذ قد يتمّ إرضاء أوردغان في منبج ، وربّما يطلق يده أيضاً في عين العرب ( كوباني )، ورأس العين، لصنع حزام أمني تركي داخل الأراضي السورية يقطع الطريق على أيّة انعكاسات سلبية على الداخل التركي عند استمرار نفوذ وسيطرة قوات سورية الديمقراطية شرق الفرات ..
_ وعلى كلّ حال ، فإنّ محاولة تعريب الصراع في سورية بشكل مباشر كبديل عن الدور الخليجي الخفي ، والمكشوف ، والمفضوح ليس متاحاً بالسهولة والبساطة التي يرغب بها ترامب ، لأنّ القيادة المصرية العسكرية سترفض محاولة جرّه واستنزافه في سورية ، وبشكل مخالف لعقيدته القتالية والاستراتيجية التي يعتبر فيها سوريا وجيشها ، والمحافظة عليهما وعلى وحدتهما جزءاً من أمنه القومي ، كما أنّ المواقف القومية التاريخية بين البلدين ، ورفض الشعب المصري بقوة أيّ انجرار مصري إلى المستنقع السوري الملتهب ، والمتاعب الأمنية الداخلية المصريّة كلّها عوامل تعرقل أي دور مصري في سورية وفق الوصفة الترامبية .. كما أنّ الغرق السعودي في اليمن ودخول عامه الرابع ، وتنامي القوّة الصاروخية لأنصار الله ولحلفائه ، وعجز الجيوش الخليجية الأخرى عن القيام بهذه المهمة ، واستمرار الخلافات فيما بينها كلّها تجعل احتمال تعريب الصراع على المكشوف وبشكل مباشر أمراً صعب المنال والتجسيد العملي ... ويصبح استمرار التواجد الأمريكي شرق الفرات وبتمويل خليجي هو الأكثر احتمالاً ، وفي الوقت نفسه ، يصبح الطريق المتاح لمنع التصعيد ضد التواجد الأمريكي في سورية هو ترطيب الأجواء بين أمريكا وروسيا، والمحافظة على علاقة طيبة مع مخرجات الانتخابات العراقية القريبة لضبط الحدود العراقية - السورية بشكل قوي ...
وأخيراً ، إنّ من نكد الدنيا أن نجد سورية نهباً للتدخلات الخارجية التي تتحكّم بمصيرها وبثرواتها ، بعد أن تشتّت شعبها في الداخل والخارج بين نازح ولاجئ ومهاجر ، وحمل بعضهم السلاح على بعض ، وبعد هذا الحجم الهائل من الضحايا والدمار والخراب و في ظلّ انحطاط عربي ليس له مثيل في عصرنا الراهن، وهذا الواقع المأساوي يتطلّب من كلّ الوطنيين الأحرار مزيداً من التلاحم والتكاتف ورصّ الصفوف ، والانضواء في جبهة وطنية ديمقراطية عريضة ، ودفع الأمور على طريق إيجاد حلّ سياسي وفقاً لقرارات مجلس الأمن المعنية بالملف السوري ، وخاصة القرار 2254 بما يضمن كرامة جميع مٓن يؤمن به ويعمل من أجله ، ويضع سورية على طريق التغيير الوطني الديمقراطي الشامل القادر على تحصين القطر العربي السوري من الإرهاب والتدخّل الخارجي ، وفسح المجال للشعب السوري كي يعبّر عن إرادته الحرّة واختيار النظام الذي يريد بعيداً عن أيّ استبداد أو فساد ...
في : 19 / 4 / 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف