الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(سورة)قريش..لاهوت التجارة وتجارة اللاهوت!.(7-الاخير)

ماجد الشمري

2018 / 4 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان الدين الذي جاء به الله-محمد هو عبارة عن كولاج توفيقي بين التجارة والعبادة،لذا فهو مادي-تعبدي متداخل بين الدنيوي وبين النشاط النفسي-الروحي.دين تجاري بأمتياز وبمعنى الكلمة.فهو كسب للحياة الدنيا وتمتع بلذاتها،وايضا ظفر بالآخرة العامرة بالجنان والحور وما تشتهيه الانفس التي قاست وذاقت مرارة وشح البيئة الصحراوية،والمدونة القرانية تحفل بالكثير من المفردات الاقتصادية-التجارية الواضحة والدقيقة في دلالاتها المنعكسة من الواقع المعيش.ومع كل الانذارات والتحذيرات الالهية لم يستجب اثرياء قريش ونخبتها من الملأ المكي لدعوة محمد،ولم يخيفهم الوعيد،ولم يتخلوا عن قناعاتهم وعبادتهم الموروثة.فتجار قريش ووجهائها،وحتى عامتهم وعبيدهم كانوا دنيويين(علمانيين)ماديين اكثر بكثير من ان يهتموا بقضايا الروح والماورائيات.فوقفوا ضد العقيدة الجديدة حرصا على مصالحهم الآنية الملموسة،وديمومة ازدهارهم التجاري من جانب،واعتمادهم على التجارة الروحية الموجهة للنفوس(زيارة الحجيج)من جانب آخر.فقريش-المكيون لم يكونوا متزمتين في ايمانهم الديني،واهتمامهم بأربابهم القديمة عبارة عن عادات طقسية وشعائر متجذرة وموروثة،ولم تكن عقيدتهم ضادقة خالصة كأيمان عميق.بل كانت متسامحة وعملية وناعمة،ومرتبطة بنمط حياتهم واعمالهم،فهم لم يرفعوامن شأن آلهتهم الحجرية الا لكونها مصدرا لنشاطهم الاقتصادي،وعنوانا لمركزيتهم كقبيلة ومدينة مقدسة ومهابة.تدر عليهم دخلا من تجارة واسواق،وتفرض ايضا احترامهم بين القبائل كسدنة وحمس واهل الكعبة-الحرم،وحماتها والساهرون على تقديم الخدمات لحجاج المواسم والاسواق.فتدمير هذه الاوثان-جوهر دعوة محمد-تعني بالنسبة اليهم:خرابهم الاقتصادي،وكساد السلع،واستهلاك للاموال والمدخرات،وضمور او الغاء لمكانتهم كقبيلة سيدة وسائدة،وموت لمدينتهم-مكة المقدسة-وهلاك لسكانها.وهذا تصور كارثي مرعب لمصيرهم.فقريش كانت تجمع بين تجارتها المكية والدولية،وبين دين وتعبد القبائل في كعبتهم-قطبهم المركز،وفي نفس الوقت كان المكييون متساهلون بعقديتهم وانفتاحهم وقبولهم النسبي للطاريء والوافد من ثقافات واديان عابرة ومقيمة لاتهدد هيمنتهم التجارية-الدينية.وذلك التدين السطجي والايمان الظاهري الشعبي الهش،كان يتعامل مع الهرطقات والمروق الفردي الغريب الذي يخرج عن اجماعهم وارثهم الثقافي-الديني-القبلي بنوع من التمثل والتأمل وغض الطرف والاستيعاب والقبول الجزئي،ومنها دعوة محمد-المنتهكة لجوهر عبادتهم-.ولكن عندما يشكل هذا الدخيل البدعي تهديدا لمصالحهم وتقاليدهم وسيادتهم،ويعرض مكانتهم للخطر،فالويل ثم الويل لمصدر هذا التهديد حتى ولو كان ابن القبيلة ومن اشرف انسابها.اذن كان صراعهم مع محمد عندما توتر،وارتفعت حدة تشنجه،هو صراع اقتصادي-سياسي بتجل ديني-تعبدي.فقريش كانت تخشى الطرد من مكة اذا ما امتدت دعوة محمد وانتشرت بين القبائل تحت لواء هذا الدين.هذا التبني والتسليم لمحمد ودينه هو نهاية ودمار لمكة اقتصاديا ودينيا وقبليا.افول تجارة القوافل الموسمية،وانحلال وسقوط الكعبة كمحج وقبلة لكل العرب.كانت قريش تعترف بأن ازدهار مكة وشبعها وسلامها وامنها هي نعم وخيرات من رب محمد وربهم،ولكن بوسطاء وشفعاء-غرانيقهم العلى-والتي كانت شفاعتها ترتجى كما صرح محمد بقرآنه-سورة النجم(الآيات الشيطانية)!-عكس ما اعلنه محمد ب(سورة قريش)انها من عند الله الاوحد مباشرة،وليس هناك من دور او قيمة لاوثان قومه او وساطتهم.اما التهديد بالعقاب الفوري الدنيوي،والعقاب الآخروي الحسابي فكان يثير هزئهم وسخريتهم في البداية،ثم ليتحول الى مثير ومهيج لقلقهم لاحقا عندما صعد نجم محمد وتمكن،وعندما اصبح الوعيد جديا،كان عليهم الخيار بين الخضوع لدين محمد التوحيدي والتسليم به كنبي رسمي من عند الله،او البقاء على اشراكهم وكفرهم وعقيدتهم الوثنية ومعها الذبح!.وبالرغم من مثابرة وحماس محمد الجاد في الترويج والتبشير بعقيدته الجديدة-القديمة المخالفة لعبادة عشيرته واسلافه(الكافرون)وايضا سعيه للتكيف والتآلف وحتى المساومة والتوفيق الانتهازي بين دينه ودين قريش(الآيات الشيطانية)و(الكافرون)وغيرها،الا انه عجز عن تحقيق قاعدة عريضة من الاتباع والمريدين تجذر دعوته-بذرته الضعيفة،ناهيك عن القبول الكلي-وفشل تبشيره وسط قبيلته المجيدة-قريش-وبين المكيين،فقد كان حصيلته بائسة فقيرة لم تحصد وعلى مدى ثلاثة عشر عاما سوى العشرات الثمانية!.وهذا بمعيار النجاح في تغلغل الافكار الدينية الخارجة والمحدثة والمهرطقة على ماهو قار وقديم ومستقر من ثقافات واديان،بمثابة فشل ذريع ونفق مغلق لمصير دعوته.ولوكانت الاعوام العشرة الاخيرة المتبقية من حياة محمد انتهت وهو في مكة ولم يغادرها،لكانت حاله حال من سبقه من متحنثين واشباه انبياء ورافضين،ولاصبح دينه مجرد ذكرى غابرة او رواية تروى عن انبياء اندثرت اخبارهم بلا اثر لااكثر.فقد قابلته قريش وعشيرته هاشم واهله بني المطلب وغالبية المكيين بالصدود والنفور والاعراض عن بدعته،التي كانت تهدف لاحداث انقلاب في بنية المعتقدات والاعراف والقيم المتوارثة داخل المجمع المكي.فقريش كانت عصية على تغيير ديتها فعارضته ورفضت كل ماجاء به من سحر وجنون وسجع الكهان!.وحتى لو آمنت قريش برسالته فلم يكن ليغير من الامر شيئا ومن سيرورة الدين الجديد،ولظلت بدعة محمد ديانة مشتقة وفرعية محلية،او طائفة اقلوية لاتتجاوز ام القرى وما حولها كبقية الشذرات والكيانات وزمر الدعاة والمصلحين والمتنبئين والكهان واصحاب الافكار الدينية الغريبة الذين سبقوه،ومثل الاقليات اليهودية في يثرب،والنصارى في نجران وغيرها من مناطق تجمع لاديان وعقائد شتى.فنبي اعزل مترهبن معتكف ينطق بأقوال مسجوعة،وتبشير مسيحاني-قيامي يعتمد الخطاب الشفاهي الوعظي النبوئي،وايمان غامض مخالف لما هو سائد لاولن ينجح او ينتصر!.ولكن نبي مسلح يخرج من صومعة التبتل والتسبيح ويخلع مسوح الرهبانية الزاهدة،ليرتدي درع المحارب،ويضع لامة الحرب ويحمل سيفا هو فقط من ينتصر،ويفتح الافاق ويحول الهلاوس الى واقع!.هذا ما ادركه محمد بفطنةو وذكاء،ووعاه كدرس في النبوة الفعالة عندما تكون نبوة مسلحة ومحاربة لانبوة فاشلة تعتمد الكلمة والجدل المسالم.فكانت هجرته الى يثرب هو حبل الانقاذ لانتصار دينه،والدرب المضيء لدعوته،والمنعطف الكبير للصيرورة المحمدية الظافرة،وصعود الرسالة المقاتلة لتنتشر وتعم وتتوسع بعد السيطرة على الجزيرة نحو الفتح-الغزو الخارجي وتدمير الامبراطوريات القديمة شرقا وغربا.فمحمد مكة:التاجر،هاوي النبوة، الحنيفي المقلد،المتسامح والمسالم والداعي بالحسنى والتحاور،انقلب من النقيض الى النقيض،واصبح محمد يثرب:النبي المسلح الصارم،الغازي ،الناهب للقوافل والقبائل،المستحل لاموال ونساء ودماء اليهود بحمامات دم وابادة في الهواء الطلق،بعد ان خلع مسوح الرهبانية وجبة التجارة،ولبس حديد مارس-الحديد ذو البأس الشديد!-وانتهك الاشهر الحرم-ففيها قتل وقتال!-.محمد الفعال هذا قضى على ثالوث قريش:التجارة-الحج-القبيلة،فقام بمحاصرة القوافل التجارية ونهبها،وغزا مكة وحطم اصنامها المعبودة،وفكك القبلية بالهوية الجديدة المستحدثة:مؤمنون-كافرون وليس هناك من بين بين!.وبدلا من تجارة القوافل والاسواق واقتصاد التجارة والسوق، حل اقتصاد السلب والنهب والغزو والغنيمة،وتصفية الخصوم السياسيين والاخر المختلف في عقيدته.هذا الخيار العملي الفاعل،والممارسة العسكرية العنفية كانت الاجراء المثمر للنهضة الدينية والقومية الذي سلكه محمد واثبت نجاعته وجدواه في تحقيق الانتشار والامتداد للمشروع الطموح خارج تخوم الجزيرة. وهنا توارت التجارة ردحا من الزمن في معمعة الغزو وفتوح البلدان،حيث تحولت القبائل وانصهرت في جيوش جرارة،وسال لعابها وجذبها اقتصاد الغنيمة والسلب لثروات الشعوب.ولكن التجارة عادت من جديد بعد تأسيس واستقرار الامبراطورية الجديدة المترامية الاطراف،فكان التجار العرب يحملون مع بضاعهم سلعتهم الروحية المنتصرة لبيعها لشعوب اقاصي الارض.وها نحن اولاء اليوم نشاهد مكة الحديثة المتعجرفة المتباهية بلا قريش-القبيلة التي ذابت وطواها التاريخ،لتحل مكانها عشيرة واسرة نجدية محاربة استحوذت بسيوفها وايديولوجيتها الدينية المتطرفة على الثروة والحج من خلال سلطة قروسطية مستبدة بحكم ثيو-ملكي عضوض متوارث!-مكة التي اصبحت درة المملكة،وبأيلاف حديث تباركه منظمة التجارة العالمية!.أيلاف مغاير ومتطور ومختلف عن الآيلاف القرشي البائس،بشبكة من التبعية والمصالح المركبة بين التجارة والدين،ايلاف كوني متغول تقوده امبريالية متوحشة،تضبطه متحكمة بأيقاع العالم ودوزنة عزفها القطبي الاوحد!.فليعبدوا(ملك)هذا البيت و(ربه)المالي المعولم!.هذا مارست عنده سفينة الدين المحمدي:تدين تجاري ومتاجرة دينية.ملايين الحجاج ينفقون ملياراتهم في مكة.يقلدون بتكرار كاريكاتيري ماكان حجيج مكة يفعلوه ايام مجد قريش ومواسم حجها:طواف دائري حول المكعب الحرام ك(حمر الدوار)الهائجة،ويقبلون حجرا نيزكيا اسود،ويهرولون بلا شعور بين الصفا والمروة،ويرمون الشيطان الرجيم بالحصى والاحجار!.لينتهي الكرنفال الهستيري في الاسواق للتبضع بالسلع المقدسة ليتركوا دولارتهم في بنك الوادي عائدين الى بلدانهم مطمئني النفوس بتحقيق ركن مهم من دينهم يضمن لهم الجنة !.ليفوز تجار مكة واميرها ب(الحجدولار)كما فازوا بمليارات ال(بترودولار) اولئك هم الفائزون!.عهد ابدي بين لاهوت يتاجر وتجارة متدينة!.فهل من شك او سؤال عن مابين الدين والتجارة من اتصال؟!.....
..................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماجد الشمري
نصير الاديب العلي ( 2018 / 4 / 23 - 17:04 )
مقالة هادئة ناقدة حتي درجة كسر العظم باسلوب راقي عسى ان يفهمك اتباع البدو ولكن
سيتهمونك اما انك مسيحي او ملحد
هذا كل من ينتقد اسلامهم
الى المزيد

اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح