الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الوطنية اشكالات واسئلة الحلقة الاولى

علي حسن الفواز

2006 / 3 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الحلقة الاولى
يبدو ان اشكالية التفسير المفهومي لموضوعة (الهوية العراقية) ومدى حقيقة وجودها كعنوان افتراضي في السياق الوطني والسياق الاجتماعي، ،أخذت طابعا جداليا واسعا لكنه ملتبس ازاء الكثير من المرجعيات التي تنبذ وجود هذه الموضوعة كاجراء متحقق وحضورها كظاهرة ثقافية فيها الكثير من التجريد!!
وازاء هذه الاثارة نجد ان ثمة قراءات اخرى أكثر جدة واكثر جرأة بدأت تطرح تصوراتها حول التعاطي مع( الهوية العراقية) على اساس اشكاليتها التاريخية ومعطياتها في الواقع وفي الثقافة وعلى اساس انها ايضا مجموعة هويات وليست هوية واحدة!! شاءت مجموعة معقدة من العوامل الصراعية والقهرية ان تضعها في حاضنة واحدة ..... واذا كنا نبحث في الاطار التكويني والثقافي والنفسي للمفهوم الاشكالي لهذه الهوية ،فاننا سنجد انفسنا ايضا امام تعددية قارّة في قراءة كل الاسئلة التي تستقرأ الهوية ومظاهرها في سياق مرجعيات ايديولوجية واثنية وطائفية بدأت تطرح شروطها واستحقاقاتها في ضوء التفكك البنيوي الذي تمظهرت الكثير من مؤشراته بعد زلزال ربيع 2003 وانهيار الكارزما السياسية المركزية في العراق والذي اعادنا الى الاسئلة الاولى حول العوامل القهرية التي اسهمت في صياغة هذه الهوية ،وان كانت فعلا موجودة ،ماهي الاسس ومصادر القوة التي يمكن ان نحافظ بها عليها ازاء عوامل تفكيك وتخريب داخلية وخارجية وعوامل عصابية تحاول ان تلغي جوهر التعدد في هذه الهوية ..
ان ملامح الهوية الوطنية الجامعة هي ملامح غائمة وغير واضحة ، وربما هي الاقرب الى ملامح كولاجية لوجوه وتعددات كثيرة اندمجت في الفضاء السياسي والاجتماعي وفي الجغرافيا الاجتماعية في اطار بيئات اجتماعية وسياسية (غير قهرية) وغير طاردة وذات طبائع تسمح بالشراكة والتزاوج ،والتي تحولت فيما بعد وتحت قوامع نشوء الظاهرة السياسية والعسكرية عصابية في العراق بعد 1958 الى تشكلات تفرضها البيئة الثقافية والاقتصادية والشعبية الجديدة والتي حملت معها الكثير من العوامل القهرية التي انتجتها القوى الفاعلة في ( السستم) الجديد ، اذ افرزت الظاهرة السياسية الانقلابية ،اشكالا وملامح لبيئات عصابية ، اختلطت في تركيباتها الكثير من المعايير والعقد القديمة لمفهوم السلطة والحاكمية والذي انعكس على مفهوم الهوية الوطنية وشرعنتها كواقع وسلوك وحقوق مدنية والتي وضعت امام هذه الهوية شروطا ومقاييس واحكام ذابت فيها بعض الشروط التكوينية في سياق افتراض شروط عامة اقتضتها المصالح واستحقاقات ظاهرة الدولة العسكرية!!!
ان تشكلات المكان العراقي على اساس بنيات اجتماعية واقتصادية متقاربة هو اول علامات تفكيك الاطار الرومانسي لمفهوم الهوية الوطنية ، مثلما تعدّ ظاهرة الدولة الانقلابية العسكرية علامة مهمة اخرى في سايكولوجيا هذا التفكيك........ .. فالجنوب العراقي وتحت ضغط عوامل وجودية وقهرية وعنصرية تعرض الى عوامل تفكيك بنيوية خطيرة تسببت في نشوء الهجرات الجماعية الى المدن وخاصة مدينة بغداد وتمركز اصحاب هذه الهجرات عند تخوم هذه المدن على شكل تجمعات خارج النظام المديني،أي خلو مجمعاتهم من التصميم الهندسي لشكل المدينة الذي يؤمن الخدمات الاساسية،، واشتغالهم في اعمال ومهن هامشية وذات طابع خدمي بحت مما كرسّ ظاهرة ( المستويات الاجتماعية) والفوارق الطبقية مثلما انعكست هذه المكونات الجديدة على مجتمع المدينة القديم بعاداته وتقاليده وعرّضه الى مجموعة من الانزياحات والذي اسهم فيما بعد في تفكيك ملامح البرجوازية الصغيرة في المدينة وايقاعها في العمل والمزاج ،والانفتاح على عالم وعادات هي خليط من الروح الريفية والطيبة والتي انعكست ايضا ليس على النظام المديني حسب وانما في تنمية اشكالية اكثر تمثلا للحس الوطني في اطار المكان والعمل والعلاقات الاجتماعية ونشوء تشكلات جديدة للاحزاب السياسية خاصة اليسارية وذات الطابع الديني فيما بعد !!! اذ ان الروح الثورية والاحساس بالمظلومية قد حرض الكثيرون من ابناء هذا المجتمع الجديد على الانتماء الى البيئة السياسية وغيّر الكثير من طابعها النفسي والاجتماعي والثقافي ،فضلا عن الاسهام في تكريس ظاهرة الانقسام الطبقي الكبير في الصراع السياسي، لان تشكلات الاحزاب السياسية القديمة اليسارية والقومية والبرجوازية في الاربعينات والخمسينات كانت ذات تركيب اجتماعي وثقافي معين بقطع النظر عن طبيعة الخطاب الايديولوجي الذي تتبناه ،والتي لم تفرز ظاهرة صراعية شاملة الاّ في اطر محدودة ، خاصة اذا عرفنا ان الكثيرين من اعضاء هذه الاحزاب ينتمون الى طبقات اجتماعية متباينة وان ما يجمعهم هو الفضاء الثقافي ذات الملامح الثورية الرومانسية المتأثر طبعا بالخطاب الثقافي للثورات والتحولات الكونية والفسلفات الثورية والجمالية التي بدأت تدخل الى الحياة العراقية عن طريق الترجمات او عودة بعض البعثات الثقافية من الخارج او تحت ضغط الانفتاح الاعلامي الذي بدأته بعض التوجهات السياسية والعقائدية مثلما اسهم نشوء الاذاعات في الترويخ للخطابات السياسية والدعائية المتصارعة مثل الاذاعة التي كانت تدار من برلين وتروج للالمان وبمقابلها تم انشاء اذاعة لندن التي اسست لغرض الرويج للحلفاء ، فضلا عن الاذاعة الداخلية في بغداد التي كان يشرف عليها الملك غازي شخصيا..
ان الدخول الجماعي لابناء المجتمع الجديد الى حلقات العمل والحزب والشارع والمدرسة والجامعة قد اسهم في تفكيك التركيبة البنائية للحزب السياسي التقليدي وربما كان سببا مهما في انتهاء وعزلة الكثير من الاحزاب ذات الحضور الجماهيري بعد احداث 14 /تموز/1958 وتغيّر المعادلات السياسية على الارض، فضلا عن حدوث انزياح داخل الاحزاب ذاتها وتبدّل هوياتها، والتي وجدت في بيئة المجتمع الجديد مجالا خصبا للترويج لخطابها السياسي والدعائي الذي استثمر ظواهر الفقر والحرمان في تأليب الروح وهيجانها ضد مظاهر الفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وسوء ادارة المؤسسة السياسية ، السعي الى تلبية احتياجات ابناء هذا المجتمع رغم تمترس الكثير من الشعارات خلف طروحات وافكار طنانة حول الحرية والحقوق والصراع مع قوى الامبريالية والرجعية والتي لاوجود حقيقي لها على الارض وتتجاوز الاسباب الحقيقية لصناعة ازمات الفقر والجوع والهجرات القهرية من الامكنة الامومية القديمة..ان نشوء الظاهرة الاجتماعية الجديدة ونمطها في المعيش والعلاقات الاجتماعية كان مكفولا بمحموعة من العوامل الاجتماعية والسياسية التي اصطنعت لها شكلا تساوميا وربما( ترقيعيا ) احيانا في التعاطي مع الهموم العامة وحصرها في اطار حرصت الحكومات المتعاقبة قبل تموز الى هيمنته وهو الصراع مع ظاهرة الاستعمار وانه لوحده المسؤول عن مصائب الشعب العراقي، وهذه الطروحات كانت ابرز الاسباب التي اسهمت في بقاء الحاضنة الاجتماعية الواحدة التي تغذي الوعي الشعبي العام بمواجهة عدو واحد ..ولعلي اجد ان نشوء بعض الظواهر الاجتماعية وما استدعته من تجاذبات واصطفافات جديدة وقلقة ومنها الظاهرة الحزبية ما بعد تموز 1958 وهو اول اشكال الفرز الاجتماعي الذي اسهم فيما بعد في خلق الظاهرة القمعية على نطاق واسع وبشل دموي والتي تحمل في جوهرها طابعا اثنيا وطائفيا وليس سياسيا بحتا كما يبدو للعيان!!! ولعله ذات السبب الذي ادى الى تمترس الكثير من القوى تحت عنوانين معينة وفي جغرافية اجتماعية ومكانية تؤمن الحماية لانتاج الخطاب السياسي وسوق تداوله وان ما حدث في احداث الموصل عام 1959 وكذلك في الاجداث الدامية بعد الانقلاب الدموي في 14/رمضان/1963 يؤكد هذه الحقائق التي ذهبنا اليها....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم