الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين سينما الشرق والغرب

علي فايز الحج

2018 / 4 / 24
الادب والفن


بين سينما الشرق والغرب
لطالما لعبت السينما دوراً كبيرا في بلورة الثقافة العامة للأمم والحضارات , وقد تحولت السينما منذ الحرب العالمية الثانية الى الاداة الرئيسية في تحويل الرأي العام نحو الاتجاهات التي ارادتها السلطات, ففي الحرب العالمية الثانية كان للسينما الامريكية دوراً عظيما في تجييش المجتمع الامريكي وتوحيده خلف الحكومة والجيش في الحروب التي خاضتها خارج الحدود بالإضافة الى دور المنتجين في تقديم الافلام التي تخدم الدعاية العسكرية خاصة بعد القنبلة النووية على اليابان .
في الغرب وبشكل عام كانت دور السينما تقدم للجمهور الغربي الانتاجات التي تعزز ثقة المواطن الغربي بحكومات بلاده وتبتعد قدر الامكان عن النقد اللاذع لها في مرحلة مابعد الاستعمار خاصة, ففي فرنسا على سبيل المثال كانت الأفلام التي تعتبر الفرنسيين قتلة ومجرمين في حرب الجزائر من أكثر الافلام الخاسرة إنتاجياً لكونها قد خرجت عن التقليد المألوف في مسايرة الاعلام عامة والسينما خاصة لسياسات الحكومات , وفي الولايات المتحدة الامريكية كانت الافلام التي تظهر الجندي الامريكي والشرطي الامريكي بمظهر المدافع عن حقوق الضعفاء والمضطهدين هي الاكثر انتاجا ومبيعا , بالطبع تختلف الولايات المتحدة عن باقي دول الغرب في مساحة الحرية للسينما ففي اوروبا التي لم تتعافى بعد من التاريخ الاستعماري لم يكن مقبولاً ذلك النوع من النقد السينمائي الذي يلغي فترة التوسع الكولنيالي تلك حيث ماتزال العديد من الفئات المثقفة على إيمانها بأن ماكان يفعله الجنود البريطانيون في الهند على سبيل المثال ليس احتلالاً بل حقاً الهيا منحه الله لهم لنقل الحضارة والتمدن , أما في الولايات المتحدة الاكثر انفتاحا وتقبلا للحرية النقدية كان للأفلام التي انتقدت حرب فيتنام جمهورها.
في المشرق اختلفت الامور فالشرق الذي استعمر لعقود لم تستطع الآلة الاعلامية فيه تحقيق اختراق على الصعيد الانتاجي والفني حتى الى مابعد الاستقلال واقتصرت تلك المحاولات السينمائية على بث الروح القومية والوطنية في النفوس الشعبية , ومن الملاحظ في السينما الشرقية تناول القضايا السياسية حتى بالنسبة للدول التي لا تتكلم اللغة ذاتها فالسينما العربية احتفت بالنضال الآسيوي ضد المستعمر الانكليزي والامريكي لاحقاً بدون التطرق الى القضايا الاجتماعية بل على العكس اعتبرت تلك الدول أن الحديث عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتي من الطبيعي لدول ما بعد التحرر والاستقلال أن تعاني منها كالبطالة والفقر وسوء توزيع الثروات والتخلف والامية والجهل والمرض نوعاً من التشكيك بدولة الاستقلال وسعياً لعودة الاحتلال اليها . هذا الهامش الضيق و للا موجود غالباً أفقد السينما الشرقية جمهورها ولم تستطع استيعاب التطور التكنلوجي الذي وصلت اليه السينما الغربية الا متأخرة جداُ مما حدا بالجمهور الشرقي التوجه الى السينما الغربية وهذا الاختراق جعل من السينما الغربية أداة اخرى لسياسة العولمة التي ارادت الدول الغربية تطبيع العالم بها .
من خلال السينما استطاعت الآلة الاعلامية الغربية مأسسة ثقافة شرقية بطابع غربي مستفيدة من التطور التكنلوجي على مستوى الكم والكيف وسرعة الاتصالات والنقل وبالتالي تمكنت الدول الغربية من خلال السينما خلق مجتمعات مسيرة تستطيع السيطرة على صناعة التفكير فيها وتوجيه الرأي العام باتجاهات محددة سلفاً .
لو أخذنا على سبيل المثال سلسلة افلام الحركة الامريكية (Action) وخاصة تلك التي تتناول مجموعة من الابطال الخارقين الذين يقومون بإنقاذ الكوكب والمجرة ضد أي غريب يريد السيطرة واستعباد البشر والهيمنة على الكوكب الوحيد الذي يحتوي على الحياة في المجرة , من خلال هذه الافلام خلقت الاداة الاعلامية الغربية احساساً في اللاشعور عند بقية أمم العالم بالضعف والحاجة الى القوة العظمى في العالم وبأن هذه القوة هي وحدها التي تستطيع التغلب على أي غريب يريد السوء به وأن على تلك الشعوب والامم محاباة تلك القوة للبقاء الى جانب الاقوى أو الى جانب الطرف المنتصر وهذا نوع من التسليم المبدئي بالهزيمة .
الرد الشرقي على مثل هذه الافلام كان مملاً سيئاً بعيداً كل البعد عن الاحترافية المهنية , فالتفوق التكنلوجي الواضح للسينما الغربية جعلت من تلك الافلام أضحوكة , فهي لم تقم برد سينمائي احترافي بل على العكس صورت الغرب على أنه هو الخطر على الكوكب وبأن الرغبة في السيطرة هي التي ستقود العالم الى الخراب وبان الابطال الحقيقين هم الشعوب المناضلة في مواجهتهم ( سينما المقاومة ) أي ذات الحجة التي تستخدمها تلك الدول في تكميم أفواه شعوبها وإبعادهم عن التطور العالمي للحضارة والفكر وبالتالي منحت تلك المحاولات مزيداً من الشهرة للسينما الغربية في الوقت التي كانت تحاربها .
اليابان هي الدولة الوحيدة في المشرق التي خرجت عن دائرة السيطرة ولم تنقد مع جمهور المنقادين الى العولمة الغربية بدليل التعاطي السينمائي مع ظاهرة الفضائيين ففي حين تصور لنا السينما الغربية جميع القادمين من الفضاء الخارجي كغزاة (MARS ATTACK) (AVENGERS) وغيرها من الافلام والدور المنوط بالقوة الامريكية الغربية لإنقاذ البشرية من خلال الابطال الخارقين , تصور لنا السينما اليابانية الفضائيين كأصدقاء قادمين للمساعدة خاصة من خلال برامجهم المخصصة للأطفال والتي تصور الفضائي صديقاً يحل مشاكل هذا الطفل أو ذاك الرجل أو تلك المرأة وبالتالي أخرجت الصورة السينمائية من دائرة العنف ودخلت دائرة الحياة . هذا التضاد الذي انفردت به السينما اليابانية دون غيرها يعود الى كون الدولة اليابانية قد تصالحت مع ماضيها الاستعماري ولم تعد ثقافة التوسع هي ثقافة المجتمع بل ثقافة الحياة ومساعدة الاخرين وهي الثقافة نفسها التي من خلال السينما تريد اليابان الانتشار عالميا , في حين نرى أن الغرب لم ينجح بتجاوز عقدة الرجل الابيض المتفوق والذي عليه تقع مسؤولية نشر الحضارة الى شعوب العالم حتى لو اضطر الى استعبادهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه