الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بهدوء ...مصر قبل 1952

رياض حسن محرم

2018 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


بعد هذا العمر الذى أفنيته فى موقف محدد لا يقبل المراجعة أو المناقشة حول أوضاع مصر فى العهد الملكى أو البائد، ها أنا ذا أعيد فتح هذا الملف المغلق أو المسكوت عنه لبعض المراجعة حول تلك الحقبة التى حددنا موقفا مانعا وقطعيا منها طوال مراحل العمر المديدة المنقضية، أعرف أنه توجد فئة "لم أتمكن من قياسها" تحنّ بشدة الى ذلك العهد وتصقه بيوتوبيا حقيقية على أرض مصر، وكان ظنى هو أن هذه الرؤية غالبا مبنية على موقف طبفى من ثورة يوليو وما تلاها من مواقف وأحداث، أو تطلعا الى إعادة طبقة الباشوات والأرستقراطية المصرية المرفهة والحقد على طبقة الفلاحين والعمال والبوابين والسعاة وغيرهم الذين رفعوا رأسهم وتطاولوا على أسيادهم، أسباب كثيرة ومتنوعة ولكن لا داعى للعجلة ودعنا نعيد فتح الملف بهدوء.
بداية لا يمكن الدفاع عن التفاوت الطبقى العميق والحاد بين الأغنياء والفقراء فى مرحلة ما قبل 1952، وإنقسام المجتمع المصري إلى طبقتين منفصلتين تماما، كانت الطبقة الأولى قليلة العدد (نصف فى المائة) تتكون من الإقطاعيين وكبار الملاك والرأسمالية الزراعية وقلة من كبار الموظفين، وسيطرت هذه الطبقة على معظم الثروات المتاحة، بينما تكونت الطبقة الثانية من الأغلبية الساحقة التي ضمت الفلاحين، والعمال، والحرفيين وصغار البرجوازيين وأشباههم ( 99.5 %) والذين كانوا من المعدمين أو يتمتعون بحقوق ملكية هامشية جدا، ودخول منخفضة، بينما يعنون من الفقر الشديد وتمتلإ جسومهم بمختلف الأمراض المتوطنة والسارية وتبلغ نسبة الأمية بينهم ما يزيد على ال 90% ويعيش أغلبهم فى قرى طينية أو أحزمة الفقر حول المدن بلا مياه شرب نقية أو صرف صحى أو أى مظهر للمدنية الحديثة، كان الفلاحون "أصحاب الجلابيب الزرقاء" أغلبيتهم العظمى من الحفاة، وكان ذلك وحده كافيا للقيام بثورة ضد أسيادهم من الطغاة المستبدين الذين كانوا يملكون الحق فى ظلمهم وسجنهم وتعذيبهم "بل أن بعض الإقطاعيين كانوا يملكون سجونا خاصة بهم وجلاوزة لتنفيذ قانونهم الخاص"، وأدت الأزمات الاقتصادية إلى حدوث هزات اجتماعية فأضرب عمال الحكومة عن العمل، وأضرب المدرسون، وأضرب رجال الشرطة، وظهرت القلاقل في الريف، وكانت الأزمات تحيط بالحكومات المتعاقبة ولا تجد لها مخرجا، وهو ما يدل على عدم قدرة أطر النظام السياسي على استيعاب ما يواجهه من أزمات.
من الناحية السياسية قبل ثورة يوليو فقد مرت مصر بظروف عصيبة وغير طبيعية، فمن إحتلال يرسخ بأقدامه على صدور المصريين الى مؤامرات القصر مع الإحتلال وأحزاب الأقلية والإخوان المسلمين ضد الديموقراطية وإحترام الدستور، يضاف الى ذلك تزوير الإنتخابات من فبل أحزاب القصر والرجعية، مرورا بعدم الإستقرار السياسى والتغيير المستمر للوزارات، وزاد الطين بلّه ما حدث للفلسطينيين وهزيمة الجيش المصرى "ومعه الجيوش العربية المتدخلة" فى فلسطين، والصراع بين الأحزاب وتحول حزب الوفد من خندق الديموقراطية والدفاع عن الدستور الى ممثل لكبار الملاك الزراعيين بينما نمت شريحة تميل أكثر الى اليسار بين صفوفه، وإنتهت تلك الحقبة نهاية كارثية تمثلت فى حريق القاهرة، علينا أن نتأمل الأوضاع في مصر قبل يوليو 1952 حيث أن السنوات بين عامي 1950 و1952 شهدت تساقط النظام القديم وكان ملكيا ليبراليا تحت الاحتلال فقد سقطت مصداقية النظام الحزبي عبر تحالف أحزاب الأقلية مع القصر حينا والاحتلال حينا آخر لإبعاد حزب الوفد عن الحكم، و برزت في مصر مشكلتان، المشكلة الوطنية وكان الهدف منها الخلاص من الاحتلال ، والمشكلة الاجتماعية وقد فشل النظام الحزبي في حل المشكلتين معا، فقد جرت مفاوضات عديدة مع الإنجليز للجلاء ولكنها لم تؤد إلى نتيجة مما دفع مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء آنذاك إلى أن يعلن إلغاء معاهدة 1936 التي وقعها مع الإنجليز بنفسه، وبدأت المقاومة المسلحة للإنجليز في منطقة القناة، وفي المشكلة الاجتماعية كانت هناك ممانعة طبيعية من كبار الملاك الزراعيين للإصلاح الاجتماعي، وهناك ثلاثة مشاريع قدمت قبل 1952 للإصلاح الزراعي ورفضت جميعا في مجلسي النواب والشيوخ لان أعضاء المجلسين كانوا من كبار الملاك، غير انه في تلك الفترة كان هناك مشروع وطنيا للتغيير الاجتماعي قد بدأ يتبلور شاركت فيه مختلف القوى السياسية والوطنية.
كات تلك الصورة هى الأكثر تعبيرا عن واقع الحال قبل عام 1952 بوجه عام، لكن الجانب الآخر من الصورة لا يمكن إغفاله أو المكابرة فى إنكاره، فبشهادة المنظمات المالية الكبرى فى العالم فقد كانت مصر حينذاك تضع إحدى قدميها إقتصاديا فى مربع العالم الأول " أوروبا والولايات المتحدة"، ويسبق إقتصادها ومتوسط دخل الفرد كوريا الجنوبية ناهيك عن الصين والهند وغيرها من البلدان، ورغم حالة الكساد وانهيار الاقتصاديات العالميه في اوروبا بعد الحرب، بدأت الدول الأوروبية في تلقي المعونات الامريكيه فيما سمي مشروع مارشال لمساعدة تلك الدول في اعادة بناء اقتصادها في الوقت الذي لم تحتاج فيه مصر هذه الخطه، فقد خرجت مصر من الحرب باقتصاد أكثر تعافيا، وكان الجنيه المصري الورقي يعادل جنيه ذهب + قرشين صاغ ومن الطريف في هذا الامر انه في عهد الملك فاروق حاول ان يكون قبض الموظفين بالجنيه الذهب بدلا من الجنيه الورقى فقاموا بعمل اضراب كي لا يخسروا القرشين صاغ، ومهما كان من آراء ونظريات جاهزة فإننا لايمكن أن ننكر انطلاق النهضة الاقتصادية والثقافية والتعليمية، فمصر في تلك الحقبة انتجت أفضل العلماء وكبار رجال الأدب والفكر والتعليم، ففى مجال الفنون كانت صناعة السينما عملاقة وسابقة فى كل شيئ، يبقى أننا ما نزال نستمتع حتى الآن بأفلام تلك المرحلة ونعتبر أن فنانيها يعيشون فى وجداننا، فى تلك الأيام إنتشرت دور السينما لتصل الى القرى، أعلم أنه كان بالأسكندرية وحدها حوالى 65 دار للسينما، حاليا يوجد بها حوالى 15 دار بعد أن كادت تنقرض فى عهد الرئيس المؤمن، وبالنسبة للعمارة فنحن نباهى بتلك العمائر والفلل والقصور المتبقية من ذلك العهد فى طرزها وأناقتها وينتابنا حزن وهلع كلما هدم أحد هذه الآثار، وما زالت القاهرة الخديوية أيقونة ذلك العصر الباقية.
لن أمارى كثيرا بأن عمالقة الأدب واللغة والتعبير هم أبناء ذلك العصر، ويبقى طه حسين والعقاد وأحمد أمين وأمين الخولى وبنت الشاطئ والمازنى والمنفلوطى وشوقى وحافظ والبارودى وبيرم وغيرهم وغيرهم الكثير الذى يصعب إحصاؤه ولا يجود الزمان بمثله، أيضا الحامولى وسيد درويش وعبد الوهاب وأم كلثوم والستباطى وغيرهم عمالقة الفن والغناء حتى الآن، فى كل مجالات الحياة تجد من هم صناعة حصرية لأيام الفن الجميل والأدب والأخلاق والذوق، فد تحاججنى بأن عدد السكان كان قليلا، وهى كلمة حق لكن لا تنفى عن ذلك الزمن أصالته ورونقه وجماله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القرشين صاغ
محمد البدري ( 2018 / 4 / 24 - 18:42 )
خرجت مظاهرات تحاشيا من خسارة القرشين صاغ إذا دفعت الاجور بالذهب، فمتي ستكتب لتفسير ما جري وادي الي الصمت والموات عندما اخفض الجنية الذي كان = جنية ذهب + قرشين صاغ مرات عديدة في ظل نظام يوليو الممتد الي الان؟

اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران