الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد العمال ولعبة -الإنتخابات-

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2018 / 5 / 1
ملف الأول من أيار عيد العمال العالمي 2018 المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي


تحتفل الطبقة العاملة العراقية، أو ما تبقى منها، بعيدها العالمي في الأول من مايو/ آيار من كل عام. أسوة بكل رفاقهم بالعالم أجمع. يشارك العمال العراقيون هذا العام مجتمعهم، كما هي العادة، في إنشغالاته، التي تنصب بالدرجة الأولى هذه المرة، على ما ستسفر عنه "الإنتخابات البرلمانية"، التي ستعقد خلال الأيام القريبة القادمة. تلك الإنتخابات التي تُشكل أرقاً وقلقاً للمعنيين وغير المعنيين على حد السواء. ومن أولى ثمار الدعاية الإنتخابية الهائجة الحالية وسابقاتها التي صممها الإحتلال، وإعتبرها جزءاً من أبرز ثمار سعيه العدواني أنها أنتجت وحققت مساهمات إضافية في سلسلة الإنقسامات، التي ضربت وتضرب المجتمع العراقي، ومددت وعمّقت حالات الكراهية والتراجع القيمي والإنتظار السلبي والوهم والنفعية الضيقة وفقدان الأمل.

من أبرز أمراض الحالة القائمة في بلادنا غياب الصدق في تسمية الأحدات والظواهر وتقدير نتاج الأفعال السياسية والإجتماعية. والمثل الساطع على هذه الحالة المشينة، أن قسماً من الأطراف السياسية مازال يتجنب حتى تسمية الإحتلال صراحة بالإحتلال، ولم تُشرح المبررات، هل هو إعتقاد فعلي أو مراوغة مؤسفة، أم لدوافع ذاتية أو لإنحراف في طريقة التفكير والمنهج، أو لدوافع أخرى.

يبدو الإنقسام الأوسع حول الموقف من الإنتخابات يقوم على الدعوة للمشاركة في الإنتخابات أو الدعوة لمقاطعتها، وبين عقد الآمال الكبيرة عليها، أو تسفيها بالمطلق. وبين هذا الموقف وذاك، يبقى جزء كبير من الناس حائرين بصدد إختيار موقع أقدامهم.

يبدو المجتمع بصفة عامة وكأنه لا يملك برامجاً أو موقفاً لمواجهة حالة القلق المشروع. وأعني بالمواجهة هنا طرح موقف متكامل البنيان ومتسق مع بنيته وأهدافه. ومما ساعد في نشوء هذه الحالة كثرة التعثرات والمراوغات وقلة الحيلة عند أطراف عديدة. وهذا حال يُقدم دفعة أو جرعة إضافية على طريق تغذية اليأس لدى شرائح واسعة، ويحرمها حتى من إمكانية قراءة آفاق مستقبل البلاد.

تشعر كل أطراف العملية السياسية الفاشلة بالخوف من مصير هيمنتهم على مصائر البلاد. ولكن شفيعهم الذي يمدهم بالثقة، هو غياب طرف وطني يحظى بالثقة ويملك القوة المادية والمعنوية المناسبتين لدحر الحالة الخائبة، التي جلبت الفقر وعدم الإستقرار والمآسي للأعداد غفيرة من أبناء الشعب. إن من أبرز مقومات الضعف الإحساس بفقدان تقدير الوزن الحقيقي الذي لا يمثله العدد فقط. وكذلك الخضوع لبعض المفاهيم التي جرى تعميمها على نطاق واسع من خلال مثقفين إرتبطت مصالحهم الأنانية الضيقة ببقاء الوضع على ما هو عليه. من بين تلك المفاهيم التي يروج لها على نطاق واسع: لا يوجد حل إلا من خلال العملية السياسية الفاشلة القائمة، الإصطفاف القائم في قمة مصادر القوة والنفوذ لا يمكن دحره أو الحد من هيمنته، لا يوجد وعي عند الشعب، الحكومة مرآة للشعب، ويرافق ذلك صب سيول من الشتائم على الشعب، كل الحلول بيد القوى الكبرى، الفقراء لا يصنعون ثورة، تجاهل كل الخبرات التاريخية لأنها فشلت بعد إنهيار جدار برلين، الإشتراكية ليست الحل الأمثل، وكأن الصراع يزول لمجرد فشل تجربة مهما كانت عظيمة، وكأن فشلها يمحو النضال ضد الإستغلال وإمتهان كرامات الشعوب وخيراتها. هذا الى جانب وجود حالات من الخوف الداخلي إتجاه طرح مواقف لا تتساوق مع الصورة الظاهرة للعالم. وفي كل الأحوال يغضون الطرف عن تصاعد الإضرابات العمالية، وإنتشار الإعتقاد بجدارة الإشتراكية العلمية بين أوساط واسعة وجديدة في كل العالم، خاصة بين الشباب. وكأن تجاهل وسائل الإعلام المهمين عليه من الطغم المالية يكفي لتغطية الصورة المتفاعلة بأكملها. في هذا المجال لا أطوف في عالم الإحلام أو الطموحات الطبقية، وإنما أجد ذلك من خلال معطيات وقائع الحياة الفعلية ونمو الإعتبار لشغيلة اليد والفكر وأفكار العدل الإجتماعي. لا يمكن إلغاء حقيقة أن كل شعب مسؤول عن تحرير نفسه بنفسه. وإن الوهن في هذا المجال عند بعض المُبرّزين على سطح الحياة هو الوريث الطبيعي لسلوك الإعتماد على الخارج.

بأسف بالغ أقول: إن الهيمنة المتوحشة واللصوصية للإرهاب المتستر بالدين أو الطائفة أو العرق في بلادنا، وبكل تجلياتها وأنماطها ولافتاتها وألوانها سعت الى حجب دور العمال، ونجحت قوى التخلف في تحطيم بقايا الصناعة الوطنية بقطاعيها العام والخاص، ولم يكن حال الزراعة أفضل. وساعد الضعف الذاتي الحقيقي في تمرير هذا الوضع، وكذلك بفعل محاولات تغيب دور العمال والفلاحين ونقاباتهم، وربما تغيب دور إحتجاجات معظم الناس، وجرى كل ذلك بإتقان. وتم عن قصد إطلاق النزعات العشارية وكل عوامل التخلف الإجتماعي والسياسي والإقتصادي. إن أسباب هذا الحال كثيرة، وربما لا حصر لها، ومنها: إن التقليعات الحالية تستخف بقدرة العمال وعموم المنتجين والكادحين في تكوين قوة فاعلة وحقيقية في العمل والتأثير السياسي. هذا على الرغم من أن أوساط واسع من المجتمع بدأت تتجه صوب المواقف اليسارية، وإن كان ذلك ليس في كل الحالات تعبيراً عن فعل أو فهم للصراع الإجتماعي، وإنما في جزء منه يعود الى طبيعة العقلية الإجتماعية التاريخية بالإنتقال الى الضد عند نشوب المشاحنات.

إن حالة اليأس من المتسترين بالدين تعمقت لدى قطاعات شعبية واسعة، ولكن هذه الحالة لم تهضم بواقعية وعناية من قبل الأوساط التي يُعول عليها، أو تدعي ذلك، حيث لم تتبني فعلاً سياسياً واضحاً يتصف أو يسعى الى الوقوف بقوة ضد الإنتهاكات الجائرة، التي تمارس ضد مصالح الفئات الإجتماعية الفقيرة والمهمشة الى درجة باتت فيها الفوراق بين الموقف ونقيضه غير واضحة المعالم.

كما المفترض بـ "اليسار" العراقي أن يوحد صفوف بقوة أو ينسق جهود أطرافه بحدود مقبولة، ويمتص الإرهاصات الجديدة التي لم يتلمسها كما ينبغي. فقد إحتدمت المنازعات غير المجدية، وإدعاء الجماهيرية، وكأن القوة الجماهيرية يمكن أن تكون مجهولة إذا ما كانت قائمة فعلاً. والتنازع حول من هو الذي يمثل رأس الرمح والقطبية الأولى، وكأن القيادة تأتي بالمطالبة أو الإدعاء، وليس بما تنطق به الحياة الفعلية.

أرى أن الموقف العمالي الصحيح من الإنتخابات النيابية القادمة يتمثل بالمعرفة الحقيقية والمعلنة بكل تفاصيلها وآلياتها وطبيعة الممسكين بمفاصيلها، ومن ثم بآفاقها. إن المشاركة في الإنتخابات أو مقاطعتها لا يُغيّر في الأمر شيئاً. لأن قوى النفوذ الفاسدة الحالية نفسها ستبقى ممسكة بقوة أكبر بكل مقاليد السلطة والممتلكات العامة، وتحوّلها الى مصادر قوة ذاتية. ليس من لا يملك القدرة على توفير سكنه ومعيشته مثل من يملك السلطة والمال عبر التسلط أو المخادنة. إن النائب التقدمي أو حتى العمالي الشريف إذا فاز بمقعد نيابي سيجد نفسه أسيراً لولي نعمته القوي واللص "التقي" أو الأفندي "المتخضر" الذي يكتنز في داخلة الكثير مما يُوجبُ المعالجةَ الصادقةَ والصارمة.

يتحقق الموقف العمالي الصحيح، كما أعتقد، من خلال التعامل مع اللعبة الإنتخابية الميؤس منها، على أنها تحرك واسع في أوساط المجتمع. تسعى الأطراف الطفيلية الى التعامل معها كجسر لمواصلة النهب ولإيهام الشعب. فالواجب المقابل يتمثل بتحويلها الى مناسبة لفضح القوى الفاسدة وللتقرب من العمال والفلاحين والفقراء وعامة الشعب لتحقيق الظفر الموثوق به. هذا الموقف يتحقق في حال خوض الإنتخابات، أو من خلال مقاطعتها أيضاً. أي من خلال التسلح بروحية التصميم على كشف كل مستور وضار بمصالح الشعب بأسره.

إن أية قوة سياسية تقدمية لكي تكون معبرة عن مبادئها العامة المعلنة، عليها أن تحافظ على إستقلالها، ولا ترهنه لمجرد القول: إننا هنا. أو للحصول على مكاسب تافهة، لا تؤدي إلا الى إفساد بعض المشاركين في اللعبة. وعلى المقاطع أو المشارك أن يجيد فهم طبيعة التحالفات أيضاً. وفي أبسط مراتب فهم التحالفات، من المفترض معرفة أنها ينبغي أن تعقد بين أطراف متكافئة، خاصة في التحالفات السياسية. إن تحالف الطرف الضعيف مع القوي، سواءً كان تصور حالة الضعف تنطلق من إدعاءات الطرف الأكبر أو الأصغر أو من الطرفين معاً، فإن ذلك التحالف يصل في نهاية المطاف الى كارثة أو مهزلة أو الإثنتين معاُ، وعلى هذا الصعيد غنية تجاربنا المحلية وكذلك تجارب أشقائنا.

إن قياس القوة مسألة مُعقدة تتطلب الى جانب الجهد النظري المجرد تمرساً في دمج العوامل والمؤشرات والنفاذ الى أعمق نقطة في أعماقها. هناك فوارق جوهرية حتى على مستوى الأفراد والظروف المحيطة بهم ونوعية مشاركاتهم. فمن الثابت أن المعارك النضالية تجلب أصحاب الإرادة القوية الى صفوف الحركة الوطنية، لأنهم يمتحنون في كل يوم ومنعطف ودون إمتياز يُذكر. وبالمقابل من الطرف الآخر تجلب المناورات السياسية غير المحفوفة بالمخاطر أصحاب المصالح بكل درجاتهم وأنواعهم. كثيراً ما يُفاخر رفاق لنا بأن وثبة كانون 1948 كان رأس نصالها الطلبة، وحينها كان عدد الطلبة الشيوعيين المنظمين حزبياً 39 طالباً فقط. من بديهيات الحياة في المعارك النضالية العادلة، يُقال: لكي يسير إنسان خلف موقفك، ينبغي أولاً أن يثق بك وبصلابتك وصدقك وإصرارك على تحقيق الأمل. وعلى النطاق الخارجي تفيد التجربة التاريخية بأن دول الهيمنة العالمية لديها خبرة كبيرة في محاولات إفساد قادة العمال والرأي العام وتحويل الإنتخابات الى أقل من لعبة شطرنج مغشوشة.

يتحقق مكسب كبير إذا وحدت كل قوة عمالية أو وطنية صفوفها الداخلية أولاً، وإذا تعلمت التواضع في التعامل مع نظرائها، وتحريم محاباة الخصوم الطبيقين، ومَنْ يعتقد أن الإشتراكية قد خابت فهو الخائب الأوحد. مادام هناك الإستغلال قائماً فالنضال ضده مشروع ولن يتوقف. ولا ينبغي أن يتحول إدعاء الإطلاع والعمق والتحضر وغيرها من المفاهيم الى معبرٍ للتخلي عن العدالة والنضال لفرضها. إن أفق بناء المجتمعات لا يأتي من خلال معركة إنتخابية واحدة، هي أقرب ملهاة مزعجة في مسيرتها، وفاقعة في ألوانها.

مادام هناك إستغلال وحياة إنتاجية فلن يتوقف النضال من أجل حياة أفضل، ويظل شغيلة الفكر واليد يشكلون قوة الحسم التي قد تنحني، ولكنها لن تنكسر.
تحية لعيد الأول من مايو/ آيار.
المجد للعمال وأحزابهم الحقيقية.
في عيد العمال تشحذ وتتجدد الهم نحو مستقبل مشرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية