الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأديان وحرية السؤال والتفكير

محمود يوسف بكير

2018 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما يتكلم الاخوة المتدينون فإنهم يتكلمون عادة بطريقة فوقية ومفرداتهم دائما مبطنة بالوعيد والتخويف لكل من يخالفهم الرأي باعتبار ان الحقيقة حكرا لهم وحدهم لأن الآخر دائما على باطل. وهنا فإنني أقول إن الحقيقة ليست بالضرورة رأيك أو رأي خصمك، إنها قد تكون شيئا آخر تماما.
فمثلا عندما تقول إنها تحبني أنا، ويقول خصمك إنها تحبه هو، قد تكون الحقيقة أنها لا تبالي بكما بالمرة لأنها تحب شخصا آخر وهي فقط تظهر لكما المودة من باب الادب والاحترام لمشاعركما. ولو أن أيا منكما سألها عن حقيقة مشاعرها بعيدا عن العواطف والإيحاءات لعرفتما الحقيقة التي نكرهها أحيانا ونتجنب السؤال والبحث عنها حفظا لكبريائنا أو حماية لأوهام إلفناها وارتحنا اليها.
وعلى مستوى الأديان والأخوة المتدينين نجد أنهم يمقتون السؤال والشك والتفكير النقدي فلا يجوز لك أن تسأل عن شيء في الدين قد يبدو لك غير منطقي أو عبثي لأنك بهذا تدخل دائرة الكفر والهلاك.
يا سيدي أنا أسألك كي أفهم واقتنع، فما هي جدوى الإيمان الكاذب دون اقتناع، إننا لا نزيد عدد المؤمنين بهذه المنهجية البائسة بل إننا نزيد عدد المنافقين.
منذ أشهر قليلة شاهت حلقة من برنامج (Hard Talk )الذي تبثه قناة ال BBC الإنجليزية وكان ضيف الحلقة الروائي المعروف دان براون مؤلف دافنتشي كود والتي تحولت إلى فيلم شهير. دار حوار الحلقة حول روايته الجديدة Origin أو الأصل. والخط الأساسي للرواية يدور حول هذه الجملة والتي لن أترجمها إلى العربية حتى لا نغضب أحد وهيscience? survive Will God وليسامحني القراء لو أن الكلمات الإنجليزية جاءت في المقال معكوسة كما يحدث أحيانا عند أضافة المقال الى موقع الحوار.
في البرنامج المذكور تذكر دان براون واقعة حدثت له وهو بعد شاب صغير بأحد الكنائس بأمريكا حينما تحدث القس عن قصة خلق آدم كما وردت في الإنجيل فما كان من براون إلا أن سأله: ولكن مدرس العلوم في المدرسة يقول إن آدم وليد عملية تطور طويلة بحسب نظرية دارون فمن أصدق؟ فأجابه القس بأن الأولاد المؤدبين لا يسألون هذه الأسئلة!!
من بعدها بدأ براون عملية بحث كبيرة عن الحقيقة والديانة المسيحية ولماذا يكره القساوسة الأسئلة التي تثير الشكوك حول قناعات دينية راسخة منذ مئات السنين رغم عدم تماشيها مع المنطق وطريقة عمل العقل العلمي.
تذكرت أيضا مدرس الدين في مدرستي بالقاهرة عندما حكى لنا قصة النبي موسى مع العبد الصالح المسمى بالخضر. وكما نعرف جميعا فقد سأله موسى أكثر من مرة عما كان يقوم به من أفعال شاذة ومخيفة، وكان الخضر يستاء من هذه الأسئلة بشكل غريب. وعلى ما أتذكر فقد كان من ضمن ما فعله الخضر عندما دخل قرية بها أطفال يلعبون أن أخذ طفلا صغيرا وذبحه. ولما سأله موسى لماذا ذبحته؟ أجاب الخضر بأن ابواه مؤمنان وأنه خاف أن يقتلهما الطفل عندما يكبر.
وعندما سألت المدرس بشيء من الشغف: كيف كان الخضر متيقنا بأن الطفل سيقوم بهذه المهمة الإجرامية بالفعل عندما يكبر وهل كان يعلم الغيب؟ وماذا كان رد فعل والدي الطفل على هذه المأساة؟ وهل يمكن أن يقبل أي أبوين أن يذبح طفلهما بواسطة أي شخص بدعوى أن طفلهما كان سيقتلهما عنما يكبر؟ نهرني المدرس على هذه الأسئلة السخيفة وطلب مني الجلوس.
ولازلت حتى الان أبحث عن إجابة لأسلتي القديمة. والأهم من كل هذا ما هي الحكمة أو الرسالة الإيمانية التي أراد الله أن يبعثها إلينا من محنة ابوين وهما يران طفلهما مذبوحا دون أن يعلما السبب؟
ليس الغرض من المقال رواية قصة الخضر ولكن الغرض منه السؤال عن سبب رفض المتدينون ورجال الدين لحق السؤال من أجل استبيان الحقيقة. لأنه من غير المتصور أن يؤدي السؤال الى تقويض بنيان أي دين. انا أرى العكس تماما حيث نشأنا في المجتمع الأكاديمي على أن طرح الأسئلة هو السبيل الوحيد لتقدم العلوم وانه لا قداسة لأي نظرية أو رأي.
وكان اينشتاين يقول أن ما جعله يتوصل لنظرية النسبية التي قلبت علم الفيزياء رأسا على عقب هو ملكة حب الاستطلاع لديه والتي كانت تجعله يسأل نفسه أسئلة كثيرة قادته الى اكتشافات مذهلة في علم الضوء وكيف تؤثر الجاذبية على الفضاء والزمن.
وكما ذكرت مرارا في مقالات سابقة فإن الأسئلة والمنهجية النقدية في فلسفة العلوم تؤدي دائما إلى اكتشاف الاخطاء في النظريات القائمة ومن ثم تصويبها وتقدمها الى الامام بشكل دائم. وهذه المنهجية مناقضة تماما لمنهجية الفكر الديني حيث كل شيء مقدس ولا مجال للتشكيك فيه وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، ومن تمنطق فقد تزندق. ولذلك تقف الأديان محلك سر ويستحيل تحركها إلا إلى الخلف ولعل في هذا تفسير لما نعانيه من التطرف الديني سواء المسيحي أو الإسلامي أو اليهودي أو الهندوسي ...الخ
فلندع الناس تسأل بحرية ولنشجعهم على اتباع منهجية البحث العلمي في حياتهم اليومية القائمة على السؤال والنقد والعقلانية والمنطق السليم. الإيمان القائم على التخويف من السؤال واتباع المنطق لا يؤسس إلا للتخلف والاستبداد والفساد، ولا مكان للتعايش السلمي بين العقلية العلمية والعقلية الخرافية التي تسعى لاستنباط حلول لمشاكل الحاضر والمستقبل من ماض بعيد حقق رسالته في زمنه لأنه تغلب أيضا على ماض سبقه.
ليس لدينا مشكلة مع أي من الأديان سوى مطالبة رجالها لنا بإلغاء الجزء المنطقي في عقلنا والا نسأل حتى نكون مؤمنين أفاضل.
لن نتقدم أبدا إلا على أنقاض الفكر الماضوي الذي انقضت صلاحيته وحق السؤال هو الذي سيقضي على الخرافات وينقي الأديان من إرث ثقيل من الاساطير والكثير من التفسيرات البشرية البالية التي اكتسبت قداسة لا تستحقها. حرية السؤال ستفتح الأذهان المغلقة وتقضي على التطرف والإرهاب.
حماية حق السؤال ستقضي على الاستبداد والفساد والظلم الذي تعاني منه المجتمعات المتخلفة، كفالة حق السؤال هي الخطوة الأولى لتحقيق الحوكمة الجيدة والشفافية والعدالة الاجتماعية والتقدم.
عندما نتحدث عن حقوق الإنسان نذكر دائما حق الحياة وحق الحرية وحق الاعتقاد ...الخ
أما آن الأوان أن نضيف إلى هذه الحقوق حق السؤال؟

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقيقه
على سالم ( 2018 / 5 / 4 - 16:20 )
شكرا استاذ محمود لكتابه هذا المقال الهام , الدوله الدينيه سرطان خبيث ينخر فى عقول البسطاء والسذج والدهماء , انظر الان الى مصر وشعبها الفاقد للااهليه ولاوزن له ولا اعتبار ولااحترام , هذا بسبب ان المصريين مصابون بحاله من الشيزوفرانيا والجهل والتخبط والخوف من المقدس والرئيس الاهطل الفاسد الكاذب السادى الذى يطبل له له شيوخ الاسلام فى مقابل المعلوم سعيد جدا , كل هذه العوامل انتجت لنا عقل جمعى سطحى مشوه وساذج وطفولى وتافه وهوائى وغير مؤثر وفاعل , لدرجه ان بلطجيه الداخليه مثل الكلاب المسعوره تقبض على الناس وتسجنهم بدون تهم محدده بل ويتم تعذيبهم وقتلهم ولااحد يعلم شئ عنهم والناس تفر منهم مثل الفئران المذعوره , هذا بسبب ان الدين والمنظومه المقدسه والاعلام الداعر وعصابه الرئيس ورجال الاعمال الحراميه ومجرمين الازهر والسلفيه الداعشيه اصابت العقول بالشلل التام والتخبط والجهل والجبن والرعب , العالم يستعجب على ما يحدث فى مصر من كوارث داميه ومصائب


2 - أستاذ علي سالم
محمود يوسف بكير ( 2018 / 5 / 4 - 19:45 )
أشكرك على تشخيصك المختصر لمشاكلنا في مصر وهو تطبيق عملي للفكرة الاساسية في المقال. إنكار حق السؤال على الناس بل ومعاقبتهم عليه إبتداء من التربية الدينية و اتنهاءا بالنظام السياسي أدى إلى ضياع أمة واستشراء الفساد والظلم واليأس والخوف. تحياتي


3 - الأستاذ محمود يوسف بكير
Abdulahad Paulos ( 2018 / 5 / 5 - 05:21 )
مقارنتك بين ما حصل لدان براون في صغره مع قس لا تخدم الفكرة التي تريد إظهارها لأن ذلك القس خالف تعاليم دينه حيث قال المسيح:

(إنجيل يوحنا 5: 39) فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي.
(إنجيل يوحنا 5: 40) وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ.

في حين أن القرآن يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ-;- وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (المائدة 101)

الفرق يمكن بين دين يطالب بالبحث وآخر يمنع.


4 - استاذ بوليس
احمد علي ( 2018 / 5 / 5 - 11:40 )
استاذ بوليس
الاسلام بدا بكلمة اقرا
وهناك مءات الاحاديث التي تحض على العلم
اما ايتك
1 لو رجعت لسبب النزول ستجد انها نزلت عن المسلمين الذين يسالون النبي اسءلة غيبية غبسة
مثل لماذا جنة الله كبيرة
وهكذا اسءلة ليست لها فاءدة
2 ايضا ان تبد لكم تسءكم
اي اسءلة لن ياتي منها الا الشر والسوء

اما الكتاب المقدس
هل تنفي ان بوليس طلب من تلاميذه في اكثر من مرة ان لا يسالوا
2 وهل تنفي انه في المسيحيك هناك حكمة الله السرية
3 وابحاث لاهوتية اعلى من عقل البشر لا يمكن فهمها
بل الثالوث نفسه
لا يمكن فهمه لان عير المخدود لا يمكن فهمه من المخدود يااي


5 - سبب النزول استاذ عبد الاخد
احمد علي ( 2018 / 5 / 5 - 11:45 )
قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لاتسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم
تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم )
سبب النزول أن بعض الصحابة كانوا يسألون النبي يارسول الله أين أبي؟
وأبوه مشرك وقد مات فيقول أبوك في النار.
فيستاء الرجل.
لذلك أنزل الله تعالى:(لاتسألوا عن أشياء)وهي مصير المشركين أما أمور الدين فقال الله عنها(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون) وفقنا الله وإياكم في نصرة دينه وكتابه وسنة نبيه.
والسلام عليكم.
فنعم يحرم السءال عن امرر واضح انها لن تحلب لك الا السوء فانت تعلم اجابتها وتعلم انها راح تسبب لك مصاءب وشرور
فاذن السءال حلال وعادي بشرط ان لا يكون عن امور بادي لك بشكل واضح انها راح تسبب الشر والسوء
ملاحظة
الايات التي قلتها في الكتاب المقدس تدتوا للبحث لكي تصبح مسيحي
ماذا عن البحث بعد ذلك ؟؟ وماذا عن البخث خارج محيط تاليه المسيح ؟؟ او التشكيك به


6 - تنهار الاديان عند شيوع السؤال والمعرفة
سامى لبيب ( 2018 / 5 / 5 - 17:28 )
تحياتى حبيبنا محمود يوسف بكير
تنهار الاديان عندما يُفتح المجال للسؤال , فالدين مبنى على حجب السؤال والمعرفة ليحل التسليم بديلا .. انظر إلى خطية آدم فهى جزاء أنه حاول معرفة الخير والشر.. أنظر إلى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ !
السؤال يعنى حراك العقل والتفكير وهذا يعنى إنهيار منظومة الخرافة والسذاجة .


7 - لا سؤال، لا نهضة
علاء احمد زكي ( 2020 / 1 / 13 - 11:21 )
حق السؤال ليس ضروريا ليقضي على الخرافات وينقي الأديان من إرث ثقيل من الاساطير فحسب

السؤال سيُظهر ما هو زائف تماما ومن الاساس، و-الله- لا يمكن منطقيا ان يقلقه او يضيره كشف الزيف

الاديان شوهت -الله- وازدرته فهي التي اظهرته كطاغية عبثي سايكوباثي

المتدين حر في الالتصاق بدينه وعدم التفكير الحر الموضوعي باستخدام دماغه بل بدماغ القبيلة
ولكن لا وصاية قدسية له على اي شخص اخر ما عدا نفسه

لكن لا يقضة ولا نهضة بدون سؤال

تحياتي