الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه عَورتكم، فتأملوا عن حق خلعِ الحجاب

إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ

2018 / 5 / 4
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


إنفعلت.
وكان مداد قلمي قد جف.
يرفض أن يتحرك. يرفض أن يكتب. مكتئب. من حروب تأكل أوطاننا. من وجعٍ طال أنينه.
ثم إنفعلت. من جديد.
فتحرك قلمي.

ناشطة حقوقية من بلد عربي. معروفة. يشهد لها القاصي والداني بعملها الحقوقي. بِمهنيتها وإنسانيتها.
شابه. في العشرينات من عمرها.
كانت تلبس الحجاب.
في بلد عربي.
ثم زحزح الربيع العربي جداراً في داخلها.
هَّده في الواقع.
جعلها تدرك أن القهر أنواع، وأشده القهر المجتمعي الذي يلتحف بالدين غِطاءا. يبدأ كما الإسلام السياسي بالمرأة أولاً.
أدركت أن إرتداءها الحجاب لم يكن في الواقع قراراً حراً.
كيف يكون قراراً حراً وهي ارتدته وهي في التاسعة من عمرها؟
أدركت أن كل ما يقال عن حرية الإختيار في لبس الحجاب يتبخر في الهواء فقاعاً عند فتح موضوع حقها في خلع الحجاب إختياراً.
وأدركت أن الحجاب يخنقها.
يخنقها.
لإنها ببساطة ليست عورة.
والحجاب يُصر عليها أنها عورة.

ثم سُجن زوجها.
الشابة العشرينية تحولت إلى لبوة. وهي لبوة قبل وبعد سجن زوجها.
في الواقع بدأ تواصلنا معاً خلال حملتها لإخراج زوجها من السجن.
خلال تلك الفترة كما خلال فترة الربيع العربي الأولى كانت صاحبتنا نموذجاً للشجاعة والمحبة. نموذجاً لإنسان يؤمن بالتغيير السلمي في مجتمعه.
ناضلت بلاهوادة، لبوة قوية لا تخاف، حتى جعلت قضية زوجها تصل إلى المنابر الحقوقية الأممية. إلى أن خرج.
وبعد ان خرج اضطرت إلى الخروج من البلد مع زوجها وابنهما. تهرب من وطن تحبه لكنه يقمعها.
وواصلت عملها ونشاطها الحقوقي.

بعد خروجها عادت إليها فكرة خلع الحجاب.
ليست فكرة. بل هي إحتياج. تريد حريتها، وحريتها في أن تكون كما هي. كما هي. بشعرها. فليس في الشعر ما يعيب. ليس في الجمال ما يخجل. وشعرها يصرخ باحثاً عن الهواء.

لايريد أن يُكفن بإسم رؤية ذكورية قالوا لها إنها دينية.

الله، عزيزاتي، لاعلاقة له بالحجاب.
هو تفسير ديني ذكوري، يروج له المجتمع ويصر عليه. يخاف من المرأة إذا فكرت لنفسها بشكل مستقل. يخاف منها كثيراً.
فكما أن أنظمتنا السياسية تخاف من المستقلين والمستقلات المدافعين/ات عن انظمة ديمقراطية تؤمن بالمواطنة المتساوية، فإن مجتمعاتنا ومؤسساتنا الدينية تخاف أيضاً ممن يفكر بشكل نقدي مستقل.

تعرف جيداً ان الفكر الحر النقدي سيخلل من هياكلها وسيطرتها على المجتمع.
فمن يفكر لنفسه حراً، سُيدرك أن الكثير من القواعد الدينية والتقاليد والموروثات المجتمعية، هدُفها في الواقع خلق قطيعٍ من بشر لايُفكر، يَقمعُ الإنسان جوهرا وروحا، ثم يسلبه حقه في الاختيار.

فتحت صاحبتنا الموضوع مع أهلها في البلد.
قامت الدنيا. رفضوا.
أما زوجها، الناشط الحقوقي فقد قال لي في زيارةٍ معلقاً، "هو قرارها، وهي من تقرر."
احَترمته يومها.
رجل يدرك أن زوجته إنسانة مستقلة حرة.
هكذا ظننت.
وتراجعت صاحبتنا. لم يكن الوقت مناسباً حينها.

ثم مرت الشهور، و أكثر من سنة، إلى أن جاء يوم وقررت.
قبل شهرين تحديداً.
قررت.
وخلعت الحجاب.
تركت شعرها يتنفس اخيراً.
وهي تنفست الصعداء.
قالت لي "غريبٌ كيف يؤثر الحجاب على سلوكنا." كأنها كانت مُكّفنة وهي حية، ثم مزقت شرنقتها لتتمدد أجنحُتها ملونة وهي تحلق إلى السماء.

زوجها الحقوقي نسي كل أحاديث حقوق الإنسان. ياخيبتي.
بالنسبة له طالما كان قرارها فرضية، فهو قادر على ان كريماً باريحيته. لكن عندما تحولت الفرضية إلى قرار وواقع، إنكشف المستور، نزع الغطاء عن وجه. غَضب. غضبه كان قوياً. ثم ضربها.
زوج "حقوقي" يضرب زوجته، لينظم للإسف الشديد إلى قطيع من حقوقيين يتشدقون بالحقوق طالما لاتمس زوجاتهم وبناتهم. ويضربون زوجاتهم ايضاً. ياللخزى.
ثم بدأ يروج عنها الإشاعات.
يالله كيف يمكن للإنسان ان يتبدل.
ورمى بعرض الحائط كل هرطقاته عن حقوق الإنسان.

عائلتها انقلبت عليها.
أقرب الناس إليها إنهال عليها شتيمة.
قالوا إنها كفرت. قالوا إنها أصبحت ملحدة. وغيرهم قال ما هو أعظم.

وحدها.
تقف وحدها.
تواجه الطوفان.

صاحبتنا لم تتغير. تظل هي هي. هي الناشطة الحقوقية، اللبوة المدافعة عن قضايا مجتمعها. تظل هي هي. إلإنسانه الخيرة.
كل ما تغير فيها أن شعرها يتنفس حراً دون غطاء رأس.
لكنهم لايرون ذلك.
اهلها، زوجها، وكل من انتقدها على وسائل التواصل الإجتماعي لايرون ذلك.
يعتبرون انها انتهكت حكما من احكام الله.

هل لاحظتم النفاق المجتمعي المتأصل فيهم وفينا؟

يقولون للمرأة إن إرتداء الحجاب هو "حريتها الشخصية". يروجون له لديها بالقول "حريتك في حجابك". ثم يقنعونها ان العفة في الحجاب. وبغض النظر عن كيفية تعريفكن للعفة، ولمن يستخدم عقله قليلاً، ليست هناك علاقة إرتباط بين الأمرين.

في المقابل فإن كل الاحاديث عن حرية الإختيار تتبخر في الهواء فقاعاً لحظة ان تقرر المرأة ان تمارس حريتها في خلع الحجاب. حينها تتحول العفيفة بقدرة قادر إلى مخطئة مجرمة انتهكت ما يسمونه احكام الله.
احكام الله مرة واحدة؟
لم يكن الحجاب يوماً حكماً من احكام الله.
هو الإسلام السياسي والتفسير الأصولي الديني المتطرف او الوسطي الأزهري هو الذي حول قطعة قماش منذ نهاية السبعينات إلى "حكمٍ لله".

والغريب اننا لا نعي كم التناقض والنفاق في مواقفنا.
مادام الحجاب حرية شخصية، إذن يحق لها أن تخلعه، اليس كذلك؟
لكن المسألة ليست كذلك.
الحجاب هو وسمٌ للإسلام السياسي، يسعى به من خلاله تطويع المرأة ومعه المجتمع، وتمكن من الترويج له ولفكره الشمولي، ذاك الذي لايعترف بحرية العقيدة او الحرية الشخصية.
ولأنه لايعترف بهما، فإن حرية نزع الحجاب مرفوضة، مرفوضة، مرفوضة.
ولذا فإن أول ما يفعله عندما يتحكم في مجتمع ما، هو أن يفرض حجابه على المرأة ومعه المجتمع.

لكن صاحبتنا تقف قوية.
وحدها تواجه الطوفان.
وهي ليست وحدها.
فكم فتاة، وشخصية نسائية، وناشطات حقوقية، في مصر، في اليمن، في الكويت، ...كم منهن نزعن الحجاب في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ الربيع العربي؟
كثيرات فعلن ذلك.
كثيرات.

زحزح الربيع العربي جداراً في أنفسن.
هَّده في الواقع.
أدركن أن القهر أنواع، وأشده القهر المجتمعي الذي يلتحف بالدين غِطاءا.
ولذا خلعن الحجاب.

وتنفسن الصعداء.
وعندما مزقن شرنقتهن، مزقن معها الإسطورة.
تلك التي صدقها المجتمع.
وحلقت معهن اجنحتهن ملونة في السماء.

اما ردة فعل المجتمع المنافق الغاضبة، فلم تكشف سوى عورته هو.
عورته المخزية.
هذه عورتكم. فكرية. دينية. مجتمعية. منافقة.
منافقة حتى النخاح.
فتأملوا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعترضتها شرطة الأخلاق.. امرأة تفقد وعيها وتنهار خارج محطة مت


.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب




.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة


.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات




.. المحتجة إلهام ريدان