الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعريب التعليم - مزرعة الإرهاب

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2018 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ومع ذلك فإن أكبر الآثار الإيجابية التى نشأت عن إحتكاك شعوب شمال المتوسط بمصر والمصريين فى عصر أسرة محمد على، كان هو الأثر الثقافى والاجتماعى - أى التطور القيمى للمجتمع - أكبر محرك لتطور التاريخ . ومن الطبيعى أن يكون التعليم الأجنبى فى مصر فى تلك الفترة، هو أحد أكبر الأبواب التى دخل من خلالها المصريون إلى ثقافة شعوب شمال المتوسط وقيمها المتطورة وتأثروا بها. وقد كان التعليم الأجنبى معروفاً فى مصر قبل الإحتلال البريطانى عن طريق إرساليات التبشير الكاثوليكية والبروتستانية، لكنه إزداد وتطور بزيادة عدد الأجانب فى مصر منذ بداية القرن التاسع عشر، حتى وصل عدد المدارس الأجنبية بمصر سنة 1878م إلى 152 مدرسة يتعلم بها 12247 تلميذ وتلميذة، ثم أخذ التعليم الأجنبى دفعة قوية بإحتلال إنجلترا لمصر سنة 1882م، حتى وصل عدد المدارس الأجنبية بمصر فى بدايات القرن العشرين تبعا لإحصاء سنة 1915م إلى 307 مدرسة، ثم إلى 326 مدرسة سنة 1922م بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وعودة الأجانب إلى مصر وإستئناف أنشطتهم مرة أخرى، وأخذ العدد فى الإرتفاع حتى وصل سنة 1937م إلى 411 مدرسة، إلا أن ذلك العدد أخذ فى التناقص منذ عام 1946م بسبب إلغاء الإمتيازات الأجنبية، وإستمر فى التناقص حتى بلغ سنة 1952م إلى 281 مدرسة فقط . وفى سنة 1955م أخضعت حكومة الثورة المدارس الأجنبية لإشراف وزارة المعارف، ثم وبعد العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956م تم تأميم المدارس الأجنبية كجزء من حركة تمصير المؤسسات الأجنبية فى البلاد، وفى سنة 1958م صدر قانون بتعريب المدارس الأجنبية والتعليم الخاص.
ويمكن الجزم الآن بأن التطور الثقافى الكبير الذى حققته مصر خلال عصر أسرة محمد على يعود بشكل كبير إلى هذه المدارس الأجنبية، وإلى المدرسين الأجانب الذين عملوا بها وحملوا معهم ليس فقط معارف وعلوم شمال المتوسط إلى جنوبه، ولكن أيضاً ثقافته وقيمه، فهؤلاء ومعهم زملائهم الذين عملوا بأعداد كبيرة فى المدارس التابعة لوزارة المعارف، كانوا من أكبر عوامل التطور القيمى للمجتمع المصرى.
وقد لعبت المدارس الفرنسية، والإنجليزية، والأمريكية، أكبر الأدوار فى تاريخ التعليم بمصر فى تلك الفترة، وإشتهرت منها أسماء كبيرة مثل مدارس الليسيه الفرنسية المدنية، ومدارس الراهبات، والفرير، والجزويت الدينية، وكلية فيكتوريا الإنجليزية بالإسكندرية، والمدرسة الإنجليزية بالقاهرة، والكلية الإرسالية الإنجليزية بالقاهرة، والمدرسة البريطانية بالإسكندرية، وكلية البنات الإنجليزية بالإسكندرية، ومدرسة البنين الأمريكية، ومدرسة البنات الأمريكية بالأزبكبة، وكلية البنات الأمريكية بالقاهرة، والكلية التجارية الأمريكية بالإسكندرية، ومدرسة الأمريكان الثانوية بأسيوط، وكذلك مدرسة الأمريكان الثانوية بنات، ومدرسة الأمريكان الإبتدائية بنين، والأمريكان الإبتدائية بنات، كما إنتشرت المدارس الأمريكية فى أنحاء كثيرة أخرى من القطر المصرى، مثل المنصورة، والفيوم، وبنها، والزقازيق، وطنطا، وغيرها من المدن المصرية. ولاشك أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة هى أشهر المؤسسات التعليمية الأمريكية على الإطلاق، ويعود تاريخ إنشائها إلى سنة 1920م بواسطة الإرسالية الأمريكية، لكنها فى سنة 1922م أصبحت جامعة مستقلة، وأصبح لها كيانها الخاص المستقل عن الإرسالية الأمريكية.
وكما يمكننا مقارنة الظروف التعليمية السائدة الآن بمصر بما كانت عليه تلك الظروف قبل ثورة 1952م، فى ظل سيادة التعليم الأجنبى، يمكننا الآن أيضاً - وبسهولة - مقارنة الأوضاع والأخلاق الاجتماعية بما هى عليه الآن، وبما كانت عليه قبل ثورة يوليو، فى ظل سيادة المؤثرات الاجتماعية الأجنبية الوافدة من دول شمال المتوسط الأوربية. ومرة أخرى نود أن نؤكد هنا أن تطور التاريخ هو تطور قيم، وأن لكل حضارة ولكل ثقافة قيمها، والتى يمكن أن تحتوى على عناصر إيجابية وأخرى سلبية، لكن السؤال المهم هو أى من تلك العناصر يكون هو الغالب على تلك الحضارة أوتلك الثقافة ؟ ولقد حملت شعوب شمال المتوسط المهاجرة إلى مصر معها عناصر ثقافتها وقيمها الإيجابية والسلبية على السواء إلى المجتمع المصرى والحياة المصرية، وكان من الطبيعى أن تتأثر الحياة المصرية بهذه الثقافة ككل ولكن يمكننا الآن أن نقول - وبإطمئنان - أن العناصر الإيجابية فى تلك الثقافة كانت هى الأقوى، وهى التى تأثر بها المصريون أكثر، وإن هذا هو ماقد يفسر الفارق الكبير بين أخلاقيات الأجيال التى عاشت قبل ثورة 1952م، وأخلاق الأجيال التى تعيش الآن؟
---
ماسبق هو فقرة من دراسة مصر والبحر المتوسط التى نشرتها قبل عدة سنوات أدعو فيها إلى مزيد من تغريب التعليم ، فليس فى الحضارة خصام ، كما هو الحال فى السياسة ، وكنت أعتقد أن ذلك تحصيل حاصل فعلا ، وذلك حتى الأمس القريب عندما فوجئنا بقرار سلطنة المماليك المصرية بتعريب مناهج التعليم فى مدارس اللغات التجريبية أو الرسمية ، كما أصبحت تسمى ، وهى النموذج الوسط بين التعليم الحكومى والأزهرى الفقير ، وبين مدارس اللغات الخاصة مرتفعة التكاليف ، حلم الطبقة الوسطى فى تعليم أبنائها تعليماً يضمن لهم وظيفة فى المستقبل ، والذى قررت سلطنة المماليك إعدامه ، وتحويل المصريين إلى أسياد وعبيد بحجة الحفاظ على الهوية العربية.
لم تكن الهوية العربية إلا أحد الأكاذيب الكبرى التى أستند عليها البعثيون والناصريون لمحاصرة شعوبهم داخل القرى الأيدولوجية التى سجنوهم فيها وعزلوهم عن العالم ، فساهموا بذلك فى تخلف المنطقة الحضارى وتمهيد المسرح للإسلام السياسى ، فلم تكن اللغة العربية لغة علم أبداً حتى تدرس بها العلوم ، كما لم تكن حتى لغة آداب بالمعنى الكامل للكلمة ، فكثير من مجالات الفكر والإبداع وعلوم السياسة و الكلام كان التأثيرالمباشر فيها قادما من الحضارتين الفارسية والبيزنطية السابقتين ، ولم يكن للعرب فيها إبداع أصيل ، كان ذلك هو الحال فى القرون الوسطى ، فكيف يكون الحال اليوم فى عالم تكنولوجيا المعلومات وأسواق العمل الكونية ، والتى يعتبر شرط إجادة اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية أحد شروطها الرئيسية. وبإفتراض أن ذلك كان زمناً وإنتهى فمن الغريب أن تعود هذه الدعاوى إلى الظهور مرة أخرى ، خاصة وأن شعوب الجزيرة العربية نفسها ، أصحاب الهوية العربية الأصليين ، لم تعد ترى أى حرج فى إرسال أبنائها على نطاق واسع إلى المدارس والكليات الأجنبية للحاق بركب الحضارة ، فلماذا يعود المستعربون للمزايدة بمسلسل العروبة اليوم؟
وفيما بخص الحالة المصرية فإن الأسباب تبدو سياسية بوضوح ، والتى يمكن تلخيصها فى سياسة الحصار داخل الدولة القرية التى يؤسسها النظام الحاكم فى مصر اليوم ، من خلال تجريد المصريين من حقوقهم السياسية والفكرية والإبداعية ، وحرمانهم من لعب أى دور إقليمى ، أو التفاعل مع العالم الخارجى ، وتقسيمهم إلى أسياد وعبيد ، الطبقة العسكرية وأتباعها من المدنيين، التى تملك الثروة والسلطة ، والشعب الذى لاحق له سوى المطالبة بالحماية من الإرهاب وبعض لقيمات. على ضوء هذا التصور يمكن تبرير القرار الأخير ، مزيد من تجهيل وإضعاف الطبقة الوسطى وقطع الطريق عليها فى حق المشاركة السياسية مستقبلا ، وذلك فى الوقت الذى كان يجب أن يكون العكس هو الصحيح ، أى توحيد نظام التعليم من خلال تعميم نموذج مدارس اللغات التجريبية على المدارس الحكومية ، وإلغاء التعليم الأزهرى ، لإدماج الطبقة الفقيرة أيضاً وتطوير إمكاناتها الثقافية والعلمية ، وذلك تمهيداً لأى نهضة مستقبلية ومقاومة حقيقية للإرهاب ، عملأ بالحكمة التى أصبح يعرفها كل العالم ، الإنسان أساس التقدم ، والتعليم أساس الإنسان. لم يعد فى عالم اليوم هويات ، عالم اليوم، علم ومعرفة وثروة وحقوق ومجتمع سعيد. المحتالون فقط مازالوا يتحدثون عن الهوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اولاد الزبالين
ركاش يناه ( 2018 / 5 / 5 - 20:23 )

اولاد الزبالين
_______

التعليم الزامى فى بلاد الكفار ... و يتكلف النظام التعليمى بإنفاق 6000 دولار فى المتوسط لكل طفل كل سنة ، ما يوازى مائة الف جنيه مصرى فى السنة

لذلك اذا ما لاحظت اولاد الغلابة ( الزبالين و منظفى بلاط المطارات مثلا ). فستجد ان اؤلائك الأولاد و البنات فى خلال 16. سنة من التعليم قد أصبحوا مهندسين و محاسبين و مدرسين فى مجتمعاتهم الجديدة ، و بمنحة دراسية او سلفة لمدة اربع سنين اخرى صاروا أطباء و محامين و انتشلوا أنفسهم و آبائهم من الفقر

لذلك كان املنا فى إصلاح التعليم بمصر ان نتغلب على الفقر و الجهل و المرض فى جيل او اثنين

لكن واعبثاه ، البلد محتاجة الى عرائس قاصرات للبيع للسائح الخليجى بألف دولار للموسم ، و لعمال سخرة للعمل فى مزرعة سيادة اللواء ب 20 دولار فى الشهر

بكيت سيدى عند مساعى بقزاز التعريب فى خبلانستان ( مصر سابقا )

.....


2 - الرد على تعليق صديقى ركاش رقم 1
عبدالجواد سيد ( 2018 / 5 / 5 - 20:50 )
الإستبداد السياسى سبب مصائب مصر سواء توشح بالدين أو بالقومية مصر ضاعت بين الإخوان والعسكر ولاأعتقد الخليج كان له علاقة بذلك الفشل كان قرارا مصرياً مائة بالمائة تحياتى صديقى العزيز ركاش


3 - الجيش يمتلك مدارس ومعاهد لغات للقادرين ماليا
أنور نور ( 2018 / 5 / 5 - 23:55 )
الجيش داخل في بيزنس التعليم .. كما في الصناعة والزراعة ..و .. الخ


4 - الرد على تعليق الأستاذ أنور نور رقم 2
عبدالجواد سيد ( 2018 / 5 / 6 - 00:08 )
صحيح أستاذ أنور مصر أصبحت للطبقة العسكرية وخدامهاا المدنيين. شكراً على التوضيح


5 - الرد على تعليق صديقى الأستاذ محمدالبدرى رقم 5
عبدالجواد سيد ( 2018 / 5 / 6 - 07:53 )
صديقى الأستاذ محمد لأعرف لماذا حذف ردكم ولكن كما تعلم مروركم دائما يسعدنى ويفتح آفاق أكبر للحوار رأيى المتواضع فى مشكلة مصر أو مأساتها ثابت تقريبا على الأقل فى السنوات الأخيرة مع عدم إغفال المؤثرات الخارجية بالطبع لكن قاعدة الثقافة الفلاحية المزمنة هى التى
تمكن للتعليم الأزهرى ولرجال من أمثال مجموعة يوليو من بالإستبداد بالسلطة والثروة قبل أى عامل آخر . نظرتى للتاريخ المصرى متشائمة نوعا ما وأرى أنه كان تاريخاً زراعيا فى كل عصوره بإستثناء عصر أسرة محمد على وأننا يجب أن نتتحرر منه وندخل إالى عصر فولتير وروسو. النسخة الحالية من سلطنة المماليك تعمل لحسابها وليست تابعة للشرق أو للغرب تخادع الجميع من
أجل الإحكام على العزبة المصرية ونهب خيراتها لنفسها ليس أكثر. تحياتى صديقى العزيز


6 - جهل وتجهيل
احمد محمد ( 2018 / 5 / 7 - 07:15 )
المقال نمذج للجهل التاريخي والثقافي وانعدام تام لفهم ماهية اللغة القومية وأثرها بالنسبة للتكامل الذاتي. لقد كانت العربية لغة العلوم والمصارف بينما كانت اوربا وشعوبها غارقة في الجهل والتخلف
ان للغة كيان وكينونة خاصة ولا معنى لإدراجها ضمن هذا النوع من الاستغراب والانفصام المسيء للكتاب نفسه. فانا اراك تكتب بالعربية
ثم انك مترجم الى العربية!! والمترجم عموما ناقل وليس مبدع
والابداع شيئا خاصا واللغة احد مقوماته
اليابان والصين يتعلمان وينتجون بلغتهم القومية. ليست اللغة مسئولة عن الجهل والتخلف والارهاب وما شابه ذلك.


7 - الرد على أحمد محمد تعليق رقم 7
عبدالجواد سيد ( 2018 / 5 / 7 - 08:19 )
ردك دليل على التعصب المصحوب بالجهل تلقائيا متى عرفت لغة إقتبست كل أنظمتها من الحضارات السابقة العلوم وقامت نهضتها أساسا على حركة ترجمة من العلوم القديمة وإسأل إبن رشد والفارابى وزملائهم أما المصارف فهذه نكتة النكت عرفها اليونان قديما وتطورت فى العصور الوسطى مع حركة التجارة مع المدن الإيطالية. قلنا بالتحديد حضارة اللغة العربية حضارة أدبية وليست حضارة علمية وحتى فى مضمار الحضارة الأدبية فهى حضارة ناقصة متى عرف العرب الفلسفة والمسرح والرواية وألوان الأدب الأخرى العرب ليسوا أكثر من شعراء غزو العالم بشعرهم وسييوفهم وتعلموا منه ونسبوا الحضارة لأنفسهم طبعا فى حدود العصور الوسطى أما العصور الحديثة فليس لهم فيها أى نصيب وفيما يخص أننى أكتب باللغة العربية فهى لغة الأم التى لم أختارها وفيما يخص أننى مترجم فمجهودى الترجمى هو الذى عرفنى فعلا كما هى تلك اللغة العربية متخلفة. بدون تحية

اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس