الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعالجة الواعية للتطرف النصوص التاريخية غير قابلة للحذف !

احسان طالب

2018 / 5 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في موضوع ما شاع عن طلب حذف آيات من القرآن بحجة معادات السامية ، تبدو المسألة في غاية السذاجة والسطحية بعيدة عن التحليل الواقعي والتاريخي ، في التاريخ ما قبل الف وأربعمائة سنة ، وضع القرآن اليهود في مكانة معينة باعتبارهم أهل كتاب وذمة ، تآمر اليهود على النبي محمد في المدينة فعاقبهم عقابا شديدا مؤلما ، ولا ابحث هنا عن حيثيات الحدث بقدر ما أفتش عن السرد . عاش اليهود في بلاد المسلمين في ظروف سمحت لهم بالبقاء والاستمرار كأصحاب دين مميز ومختلف بمظاهر سلوكه وأماكن تعبده ، على ما تلك الحالة من تمييز وتباين مفارق لمفهوم المواطنة ، في أوربا سأذكر حادثتين تاريخيتين ، محاكم التفتيش في القرون الوسطى ، وكما هو معروف هي محاكم دينية بحتة معتمدة على النصوص المقدسة ، وهي موجهة قبالة المهرطقين والمبتدعين والسحر ، وكانت حجر زاوية في استئصال المسلمين واليهود من اسبانيا والبرتغال ، الحادثة الأخرى ما عرف تاريخيا بالهولوكوست التاريخ: 30 يناير 1933 – 8 مايو 1945 وهي حالة تطهير عرقي وإبادة جماعية ضد اليهود ابان حكم النازية الألمانية ،
بالعودة للحاضر القريب ننظر في فصيلين من فصائل الإرهاب المنتسب للإسلام وأقصد القاعدة وتفرعاتها وداعش وأمثالها ، لم نعرف أبدا أية وقائع قامت بها تلكما الفرقتان بأعمال ارهابية محددة ضد اليهود ، بل كان جل ارهابهم موجها نحو المسلمين والمسيحيين ، 11/9/2001.
النصوص التي طلب حذفها والموجة حسب الفهم ضد السامية ، موجودة منذ قرن وأربعمائة سنة ولم تتسبب لا بمحاكم تفتيش ولا في هولوكست أما الإرهاب المعاصر فوجه بالمقام الأول ضد المسلمين وسواهم ،
هذا يجعلنا نفكر جليا بتأثير ومفاعيل النص تحديدا ، فأمثال النصوص المتشددة بل وأكثر من التشدد متوفر في كافة الكتب المقدسة حتى في الكتب أو الرسالات غير السماوية ،
لا يصح إنكار تأثير النص ، بيد أن التحقيق يوجب النظر لجملة العوامل المؤثرة في الفعل والسلوك ، وتلك الفواعل في بناء منظومة المدرك كما الا وعي الفردي ، وكما العقل الجمعي والحس المشترك ، بمحاذاة الظرف التاريخي ، سياسيا واجتماعيا ونفسيا في المقام الأول ، وبتقديري يدخل العامل الاقتصادي بتأثيرات محددة ، تتلاشى أحيانا باعتبارها مؤثرا أو عاملا من العوامل المتهيئة لفعل الإرهاب .
هكذا تبدو المطالبة بإقصاء نصوص بعيها سطحية وساذجة ، فالعلاجات تبدأ من بناء العقل وتشييد الوعي وتهيئة الإدراك وإرساء قيم الإنسان والأخلاق في بنية عقل وتفكير الفرد والمجتمع المنعكس تلقائيا سلوكا وتفكيرا ، كما هو سائد كعادات وتقاليد وأقيسة .
العقل المبني بأساليب منطقية ، والوعي المبني بقيم أخلاقية وإنسانية ، والإدراك المهيأ للتحليل المنطقي ، والنفوس المستقرة المترفعة عن الأمراض النفسية ، كما المجتمعات المنتظمة في معترك التقدم والنهضة والحداثة ، لا تحركها النصوص تلقائيا ، ولا تتصرف فرديا دون محاكمات عقلية إدراكية ، وحتى في ردود الأفعال التلقائية تبقى مضبوطة بقيم وتقاليد راسخة في العقل الباطن . فالمعالجة النصية جزء مهم وضروري ؛ لكن التحليل الظاهراتي ـ الفينومينولوجي ـ لوقائع وحوادث وحتى مفرزات الإرهاب كظاهرة ، تستوجب فهم الحدث والواقعة التاريخية أولا دون أحكام مسبقة ، وثانيا بموضوعية وحيادية ، وثالثا بشمولية وجودية ، فتكون ظاهرة التطرف والكراهية قضية بشرية تبحث في الواقع بتجلياتها الكلية ، بدءً من الدراسة النفسية والاجتماعية والحالة الثقافية ثم الظرف السياسي ،بمحاذاة البعد الاجتماعي وتفكيك عناصر الحس المشترك والعقل الجمعي للمجتمعات ، وتأثيرات التربية ومناهج التعليم ، ومؤثرات التنمية البشرية والاقتصادية .
المسألة ليست نصا فقط ، ذلك النص عادة ما يكون مضبوطا بالمفاهيم الشائعة ، وبالتفاسير المستقرة في الثقافة العمومية والوجدان الفردي والجمعي ، كما أنه ذو صلة عميقة بالمؤسسات التاريخية والاعتبارية ـ المرجعيات بكافة أشكالها ـ فبناء معالجة التطرف على تفكيك النص فقط والشحن الديماغوجي ضد أشخاص أو فئة أو مجموعة بذاتها ليس إلا رد فعل متسرع وسطحي ، ودليل عجز عن فهم ومعالجة فكر وثقافة الإرهاب .
الفكر المتشدد والمتطرف المفضي لفكر إرهابي أصبح ظاهرة اجتماعية كامنة ، في البعض من شرائح المجتمعات العربية والإسلامية ، ولا يبدو أنه أنحسر بما فيه الكفاية بعد انحساره بالقوة من رقعة هائلة من سوريا والعراق ولبنان وغيرها من البلاد العربية ، فما فتئت العوامل المحرضة لإنتاج بيئة حاضنة وثقافة رائجة متهيئة ـ بالإمكان ـ لبروز أشكال ومظاهر وصور مختلفة لهيئات منظمة تتحرك بمنظومة عقائدية وفكرية تجير النص لصالح العقل والفعل الإرهابي ، وتظل في كل الظروف المعالجة النصية العلمية المتخصصة عنصرا هاما وضروريا في تفكيك منظومة الإرهاب والتطرف سلوكا وتفكيرا ، ولكن لا يجوز التقليل من أهمية وضرورة تفكيك الظروف المنتجة أيا كانت سياسية ونفسية واجتماعية وثقافية. من المفيد الانتباه إلى آلية التأثير الاقتصادي في مجمل البحث بموضوع الإرهاب والتطرف ،
بالرجوع إلى التحليل الظاهراتي ـ دراسة الظاهرة بالتحليل المنطقي كما هي في الواقع ، أي تفكيك عناصرها كموجود كما هو ـ أنطولوحية ـ نستطيع استظهار تأثيرات معينة تساعد على بروز قيم اجتماعية ذات تأثيرات سلوكية اجتماعية وفردية ، المجتمعات الفقيرة ليس بيئة متهيئة تلقائيا لقبول ثقافة التطرف وما يليه ، كما أن المجتمعات المرفهة أو تلك المستقرة ماديا ، ليست أيضا مستبعدة تلقائيا عن انتاج أفراد أو مجموعات منخرطة بالسلوك والتفكير المتشدد و الإرهابي ،
فالعامل الاقتصادي ليس محركا مباشرا على الإطلاق بل العامل القيمي والأخلاقي والعقل الجمعي والحس المشترك هي المحرضات الداخلية بالمقام الأول ، فأي كانت تلك العوامل متوفرة ـ قيم خيرة أو قيم شريرة ـ تفعل فعلها بصرف النظر عن المستوى الاقتصادي والاجتماعي ، وما هذا إلا بالنظر للأشخاص والمجموعات التي مارست الإرهاب المنتظم والفردي منذ الربع الرابع من القرن الماضي و العقدين الأولين من القرن الحالي .
نحن ننظر للظاهرة بمفرداتها الواعية الموجودة أمامنا ، فنشاهد أشخاص ومجموعات متفاوتة اجتماعيا واقتصاديا تلتحم حول ثقافة تكفيرية متطرفة ، ومن ثمة تنتظم بتنظيمات إرهابية ، طبعا بالتفتيش الأعمق سنجد مجموعة من العوامل تساعد وتساهم في الانقياد نحو السلوك والتفكير أيا كان توجهه ، بالتأكيد لا يصح انكار تأثير الفعل المادي في انتظام مجموعات وأفراد بهيئات إرهابية ، فلولا الرواتب والمعاشات لانفكت أعداد كبيرة عن التنظيمات الإرهابية ، مع ملاحظة أن الفرد قد يضحي بجزء وفير من مستحقاته كتضحية مبررة لفعل وعمل يظن خيريته وصوابه ، أي بدوافع وجدانية ونفسية واجتماعية . بذات السياق لا يصح انكار أهمية التنمية الشاملة والمستدامة والعادلة للمناطق المهمشة والمهملة على صعيد الخطط التنموية والاقتصادية الوطنية ، كجزء من منظومة متكاملة لمكافحة البيئة المواتية لنمو وترعرع بذور التشدد والتطرف ، المتوفرة في المورث ، والحائزة على مكانة مستقرة في الوعي الفردي والعقل الجمعي .
لمزيد من دراسة ظاهرة الإرهاب يرجى مراجعة : تفكيك أصولية التكفير
الحوار المتمدن-العدد: 4847 - 2015 / 6 / 24 - 15:42
أيضا : الإحراق فتوى تخالف النص وتحرق المجتمع معالجة فقهية أصولية
الحوار المتمدن-العدد: 4711 - 2015 / 2 / 5 - 01:11








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعتذار
احسان طالب ( 2018 / 5 / 9 - 21:02 )
أعتذر عن بعض الأخطاء الطباعية الواردة أعلاه
وغالبا ما يعود ذلك لخطأ فني في حفظ ملف الوورد للتصحيحات
مثلا معاداة وردت بالتاء المبسوطة
بعينها وردت بعيها

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد