الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعرفة عند أرسطو

عامر عبد زيد

2018 / 5 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حياته ونشأته : مع أرسطو تبلغ الفلسفة أوجها والتي سطعت من خلالها أنوار الفلسفة الحقة، من حيث قيمة المعرفة والتاريخية والتأثيرية من حيث جهازها المفهومي ومقولاتها التي حددت أطر الفكر الفلسفي، فقد لعب أرسطو بهذا دورا بنّاء في مضمار الفكر اليوناني.
تدريسه : كانت الدروس في اللوقيون مقسمة إلى دروس صباحية وأخرى مسائية يتناول فيها في الغالب المنطق، والإلهيات والطبيعيات إلى جانب المواضيع الفلسفية العامة كالبرغة والسياسة.
اما أعماله: فهي تقع في قسمين هما : المحاورات والمواعظ، والمباحث أو المقالات العلمية.
أما فلسفته: فقد رسمت لنفسها طريقا مستقلا عن عالم المثل الأفلاطونية، وتشبثت بعالم الواقع والحس وتنظر إلى الطبيعة نظرة علمية مدققة تسير فيها بمقتضى ما يمليه المنطق من تدرج وتسلس واستدلال. وعلى العموم فقد جاءت فلسفته لتحد من غلو وشطط نزعة أفلاطون المثالية، من خلال تأكيدها على شروط المعرفة الحقة والسماح بتصور موضوعي ومعقول الحقائق لا سيما الأخلاقية منها.
المعرفة : نجد كذلك عند أرسطو (384 ق.م. – 322 ق.م.) حثّاً على الشك بالقدر الذي يحفز على تلمس سبيل اليقين، حيث يقول في ذلك (إن الذين يقومون ببحث علمي من غير أن يسبقوه بشك يزاولونه، يشبهون الذين يسيرون على غير هدى فلا يعرفون الاتجاه الذي ينبغي أن يسلكوه).
ومن هنا نجزم بأن المنطق الأرسطي كان إنجازا رائعا في زمانه لأنه حارب الخرافات ودفع الناس نحو الاعتماد على العقل، فقد أدرج المنطق ضمن تصنيفه للعلوم، ولعل السبب في عدم اعتباره علما من العلوم هو أن موضوعه أوسع من أي علم منها لأنه يدرس التفكير الذي يستخدم فيها جميعا، بل يدرس التفكير الذي لا يدخل نطاق العلم، كالتفكير الشائع عند جمهور الناس والذي يستخدم البلاغة. فقد عد المنطق مقدمة للعلوم تساعد على التفكير السليم( ) ويمكن القول إن النزعة العقلانية لا تزال إلى يومنا هذا ذات أهمية لا يستهان بها إذا علمنا بان كثير من الشعوب لا تزال تعيش في جهل وخرافة. وان العلاج الابتدائي لها هو إن يشجع فيها روح التفكير المنطقي والنظر في الأمور بمنظار العقل. ان النزعة العقلانية لا تضر التفكير إلا في الشعوب التي نمى فيها العلم وتطورت فيها الحضارة إذ هي بذلك تعرقل فيه النظر التجريبي الواقعي. إن الشعوب الجاهلة هي بحاجة إلى النزعة العقلانية أولا وذلك بمثابة التمهيد لنمو النزعة العلمية الحديثة فيها.
شغف أرسطو بالمعرفة أن انشغل انشغالا شديدا بالبحث في وسائل المعرفة الإنسانية، ومدى ما يمكن أن نصل إليه من خلال هذه الوسائل، ولما وجد أن غالبية الناس يعتقدون أن حواسهم هي وسيلتهم في المعرفة بدأ بحثه في طبيعة الحواس ووجد أن طبيعتها تؤكد قصورها ومحدوديتها. ومن ثم بحث فيما يمكن أن يؤديه العقل ووجد نفسه أنه قادر على أن يحلل ما تعطيه الحواس ويبني منه ما يسمى بالمعرفة الإنسانية فالإنسان هو العقل ويستدل ويقيس أساسا وليس هو فقط ما يستقرئ- إن الإنسان هو القادر وحده على تنظيم مشاهداته والاستفادة منها من تكوين بناء متكامل للمعرفة عن هذا العالم من خلال قدراته العقلية الفذة. ولعل ذلك هو ما جعل أرسطو يركز اهتمامه على دراسة العقل وإمكاناته المعرفية من جانب ومحاولته من جانب أخر وضع القوانين اللازمة لضبط التفكير العقلي حتى لا يبتعد العقل على المجال المعرفي الصحيح ،وهذا كان تأسيس أرسطو للمنطق وفصله عن بقية العلوم كما كان بحثه في نظرية المعرفة. إلا أن أرسطو لم يفصل دراسة المعرفة من حيث هدفها وقيمتها عن كل من الميتافيزيقيا والمنطق لجعلها علما نظريا خالصا فقد ظلت نظرية المعرفة عنده مختلطة بالمنطق وكانت قيمة العلم وطرق تحصيله يشكلان سويا موضوع دراسة واحدة.
وعلى هذا الأساس فقد وضع أرسطو بعد ذلك ثلاثة مبادئ عقلية منطقية اعتقد العقل الكلاسيكي بثباتها وإطلاقيتها وعدم قابليتها للشك والتغير، وهي كالآتي:
المبدأ الأول: مبدأ الهوية: وهو يعني أن كل شيء هو مساو لنفسه في أية لحظة (أ=أ) ويعني هذا المبدأ أن الشيء يبقى هو هو لا يتغير ولا يتبدل وان طرأت عليه تغيرات داخلية، فمثلا عندما أبحث عن القلم فان القلم الذي ابحث عنه والقلم الذي سأجده هو هو، ويعبر عن هذا المبدأ رياضيا ب أ=أ، كما ان هذا المبدأ هناك من يسميه بمبدأ الذاتية
المبدأ الثاني: مبدأ عدم التناقض: يعني أن النقيضين لا يجتمعان في نفس الشيء، أي أن الشيء إما أن يكون”أ” أو “لاأ” ولا يمكن أن يكون معا .كان تقول عن الشيء إنه موجود وغير موجود في نفس الوقت، فأما أن يكون الشيء موجودا أو غير موجود، ويعتبر مبدأ عدم التناقض الركيزة الأساسية في منطق أرسطو، أو العقل الأرسطي.
المبدأ الثالث: المبدأ الثالث المرفوع وهو يعني أن الشيء إما أن يكون “أ” أو “لاأ” ولا ثالث لهما، أي أن إمكانية الوسط تستبعد، لذلك يسمى أيضا بمبدأ الوسط المستبعد.ويعني هذا المبدأ من الضروري ان يكون للشيء صفة ما أو نقضها، كأن تقول مثلا إن التلميذ قد نجح في الامتحان ،أو رسب ،وليست هناك حالة ثالثة لان الحالة الثالثة مرفوعة بالاختيار (النجاح او السقوط) وهذا المبدأ هناك من يسميه بالوسط الممتنع أو الوسط المستبعد.

المبدأ الرابع: مبدأ العلية: وهذا هو المبدأ الذي اختلف فيه الدارسون، فهناك من ينسبه إلى العقل الأرسطي، وهناك من استبعد هذا ويقصد بهذا المبدأ أنَّ لكل شيء سببًا، أو لكل معلول علة والعلة ماهي إلا الشرط اللازم لحدوث أمر ما، وعموما يحدد أرسطو أربعة علل للشيء وهي:

أـ العلة المادية
ب ـ العلة الصورية
ج ـ العلة الفاعلة
د ـ العلة الغائية
ويمكن أن نفصل ما أجملناه في هذه السطور :
أولا : موقفه من الإدراك الحسي: قد وقف موقف نقدي شاك بالحس فالحس بنظره يعطينا المادة إتماما للمعرفة، لكنه يعطينا إياها معلومات مفككه لا صلة بينها. ولابد من تدخل العقل لتنظيم هذه المعلومات وربطها بعضها بعضها ببعض. واستخلاص ما يمكن منها ( )
يفرد أرسطو مكانه خاصة لفكرة الحس ويعيرها كبير الاهتمام، فهي الخطوة الأولى التي يلج عن طريقها الكائن الحي إلى معرفة محيطه وهي نافذة على العالم الخارجي من خلال ما تزوده به الحواس من معطيات، وما تسمح به امكانية الملاحظة الملاحظة والتجربة. لذلك كانت الحواس آليات ضرورة للقيام بأية معرفة، ولعل في تعريف أرسطو للنفس على أنها كمال أول لجسم ذي حياة بالقوة، يفيد أن وظائف الحس المختلفة لها طابعها الفيزيولوجي الذي يتبع الجسم والذي تبعث فيه النفس الحياة الكاملة.
ومن هنا فانه يأخذ الإحساس على معنيين فهناك إحساس بالقوة وإحساس بالفعل وكذلك أيضا في المحسوس منه ما هو بالقوة، ومنه ما هو بالفعل ( )
عمل الإحساس هو نزع مادة الصورة التي تقبل انطباعها على القوة الحاسة، أما كيف حدث الإدراك الحسي؟ فهنا نلاحظ أن ارسطو يميز بين القوة والفعل في الحاسة بين الاستعداد وتحوله إلى وجود بالفعل، ثم انه يفرق بين الحس والمحسوس فهما منفصلان كما في ذات مدركة مع موضوع معين ،فان الإحساس هو ما يتولد في النفس من خلال توسط وتدخل البدن بفعل عمل الأعضاء الهية اما انواع المحسوس فهي منها فيدرك بذاته وهي نوعان منها ما يدرك بالعرض، فمن النوعين اللذين يدركان بذاتهما تجد كالعين للبصر أما الثاني فيعمهما جميعا أي لا تكون له حاسة خاصة به بصفة ليس فيه وتلحق به عرضا مثل قولنا عن إنسان إنه بطل وقد عبّر عن هذه الأنواع الثلاث من الإدراك الحسي، نوعان يدركان بالذات ونوع بالعرض، أما النوعان الأولان احدهما هو المحسوس الخاص بكل حاسة والآخر يعمها جميعا واعني بالمحسوس الخاص مثل البصر حاسًّا اللون، أما اللمس فموضوعاته

ثانيا : موقفه من الحس الباطن :وهي المرتبة الثانية في الإدراك الحسي وهي مرتبة تحاول الجمع بين المدركات من الحواس الخمسة، وهي تشمل الحس المشترك والتخيل.
أما الحس المشترك :هو ما يصاحب إحساسنا بالشيء عن طريق عدة متوسطات فيجعلنا ندرك بوضوح محسوسات كالحركة، الشكل، المقدار، العدد، وغيرها لذلك فوظيفة الحس هي التركيب بين محسوسات متعددة متجزئة، ويقول ارسطو :"أما إذا أدركنا محسوساً واحدا بعدة متوسطات مثل (اللون و المتوسط هو الهواء و الماء، لان كليهما مشفان) فيكفي أن يكون عندنا عضو واحد للحس مركب من أحد هذين المتوسطين كي ندرك المحسوس بطريق المتوسطين "( )
فالحس المشترك هو ما يكون من طور فوق الحواس الخمسة الظاهرة وهو بمثابة حسن دخلي للنفس و هو طور أرقى من الحس الظاهر، وسط بين الحس الخارجي وما يتبعه من درجات في الإحساس والإدراك، ويمكن تلخيص دوره في :
1. التمييز بين المحسوسات.
2. الوعي بالإدراك أو إدراك الإدراك.
3. إدراك المحسوسات.
التخيل :هو كما يذكره ارسطو أنه :"" ليس إلا قوة أو حالة نحكم بها، ونستطيع أن نكون على صواب أو خطأ و الأمر كذلك في الإحساس و الظن و العلم و التعقل "( )
ويفهم من هذا أن التخيل هو قوة او ملكة مثل سائر الموجودة في النفس بمعنى ملكة أو جزء من أجزاء النفس عن طريقها يكون الحكم على الأشياء ،ميحتمل أن يكون هذا الحكم صحيحا أو خاطئا أو مثلما هو الشأن في حالات الأحكام الناتجة عن الإحساس الظن العلم أو التعقل.
اما العلاقة بين التخيل والإحساس والاعتقاد فان تلك العلاقة تبين ان من جهة أهمية الحس للتخيل وأهمية هذا الأخير للاعتقاد مع مراعاة الفارق أو التمييز الذي يضعه بينها أرسطو، وهذا لعدة أسباب منها :
1- ليس شرطا أن تكون المحسوسات وهي موضوعات للتخيل مائلة أمامه بينما يكون ذلك ضروري في حالة الحس.
2- الخطأ غالبا ما يكون في حالة التخيل و ليس في حالة الحس.
3- التخيل ليس دائم الحضور بينما الإحساس كذلك. ( )

ثالثا : موقفه من العقل :
تثير مسالة العقل جدلا وسط الباحثين في فكر أرسطو ومنها إن كان العقل مفارقا أم لا ؟ وقد اختلف الباحثون في الإجابة على هذا السؤاال ومرد اختلافهم إلى أنّ أرسطو كان قد اتبع طريقة منهجية في استعراض الآراء السابقون وتحليلها ونقدها، لهذا يستعرض موقف أنكساغوراس وفكرته عن العقل اذي يرى في العقل وفكرة الامتزاج، ويعلق هنا أرسطو بان جزء النفس الذي يفكر هو الذي يسمى عقلا و هو الجزء الأكمل والشرف في النفس لعلو مرتبته، ومرد هذه المكان عند أرسطو ؛ فإن خاصية التفكير هي التي تمنح للنفس قيمة، إذا صح أن تكون النفس وعاء للصور ،فإن هذا الأمر يصدق أكثر على النفس العاقلة وليس على كل نفس بأجزائها المادية والحاسة، وهذا وفقا لقول أرسطو :(ولذلك قد أصاب من زعم بأن النفس مكان الصور ،على أن هذا لا يصدق على النفس بكليتها، بل على النفس العاقلة، ولا يصدق على الصور بالفعل ،بل على الصور بالقوة)( )
يمكن اجمال موقف ارسطو من العقل :
إلى الإقرار بعقل بالقوة كاستعداد أو وعاء لتقبل الصورة المعقولة أو في ترجمة الحسيات إلى معقولات وهو شرط لازم لقيام هذه المعرفة، مع التأكيد على فعل حصول المعقولات أو التعقل حتى يصير العقل عقلا بالفعل وهو نوع من الإقرار بشرطية التجريد في حصول المعرفة وارتقائها من الحسي إلى العقلي أي أن العقل ينتزع الصور الكلية الكامنة في الموجودات المادية. ( )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س