الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
النص ذاتا وموضوعا وهوية
احسان طالب
2018 / 5 / 14الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الأمم تاريخ عبر الزمان وعبر الأمكنة ، تفاعل البشر مع الطبيعة بكل موجوداتها ، وما أثاروه من إشكالات وما عمّروه من فكر وبنيان وعلم ، من الخطأ الفادح محاكمة الأمة ـ الشعب ، المجتمع ـ عبر نص ـ مجموعة نصوص ـ فقيمة النص الحقيقية في الوظائف التي أرادها أهله لها ، فالنصوص لا تفعل فعلها بذاتها ولو بقيت ملايين السنين طي الصحف ، تفعيل الوظيفة المحددة من قبل أوصياء وانعكاس فعول توظيف النص في سردية الحياة المصبوغة بهوية ما ـ أو عدة هويات ، متباينة هوما يتركه النص في التاريخ .
عندما حاول مسلمون أوائل في القرن الثاني الهجري البنيان على العقل باعتباره أداة الفهم والحكم والقياس ومعيار الخطأ والصواب ـ بدلالة الطبيعة والمنطق ـ لم تنجح المحاولة ، ولم تفشل بذات الوقت ، فغاب أثرها الأكثر شيوعا وبقيت سرديتها الفاعلة ، في الربع الرابع من القرن الخامس الهجري كان الغزالي أبو حامد (450 هـ - 505 هـ ) من أشهر وأبرز أعلام ذلك الزمان وامتد أثره إلى يومنا الحالي ، متخطيا جل وربما كل ما سواه من علماء وأفذاذ علماء المسلمين وكانت له فلسفة خاصة جدا تعلي مكانة النص فوق العقل بل وتنحيه حتى في العلوم الطبيعية ، فالشريعة كافية وافية شاملة صالحة لكل زمان ومكان وكفى الله المؤمنين شر القتال ، ولم يستطع ابن رشد (520 هـ- 595 هـ) إعادة التعقل لما كان عليه وجادل الغزالي أبو حامد ، بيد أن الساسة والسادة والنخبة والقادة وجدوا في فكر وتعاليم أبو حامد ملاذا ومرتعا لرعاية وسوق العامة بتعاليم ومنطق الغزالي وليس بما يهواه ويعلمه ويعقله ابن رشد ،
سبب المقارنة هو أن كل من أبو الوليد وأبو حامد هما في الأصل من علماء الشريعة مارسا القضاء والفتوى والتأليف في التفسير والفقه ـ علوم الشريعة ـ استنادا إلى ذات النص ، وكلاهما ضليع ـ مع تفاوت بيّن ـ بالفلسفة وعلم الكلام والمنطق ـ غير أن المناهج والمذاهب التي أقاموا عليها مدارسهم وفكرهم ورؤيتهم لخير وفلاح ونجاح أبناء أمتهم متباينة أشد التباين
لقد انتصر وساد منهج ومنطق ومدرسة ورؤية الغزالي العالم الإسلامي وحتى العربي ، فحجّم العقل وقيّد وغل بعلوم الشريعة ، فما كان تاليا إلا أن حُجم النص وقُيد وقصر على الموروث والمفهوم لحد الشبع والانتهاء
النص ليس هوية ، بالانتماء هو الهوية ، وتلك الأخيرة هي بحد ذاتها وعي وإدراك مخصوص ، عندما يخترق الفكر المنصوص جدار الوعي ويتحكم بأدوات الإدراك يستقر في العقل الباطن ويفعل فعله تلقائيا ، فالمحرّض والدافع على الفعل وردات الفعل ، كما القاعدة – المعلومات أساسية Database – أو المخبر الذي تعالج فيه القضايا ثم تصدر حكما أو قرار بفعل أو عمل ، إنما هي تلك المدركات المستقرة في الوعي ، المكونة لطبقة اللاوعي في عقل الفرد ، وليست أبدا تلك المقولات المنصوصة بل معاني وتفاسيرها ودلالاتها الشائعة والسائدة والمستقرة بحدود متعالية في العقل والحس الجمعي المتداخل تلقائيا مع جزئه الفردي والواحدي .
النص في جوهره انعكاس لمجمل الأفكار والقيم والعادات والتقاليد والمقولات ، التي يكون مجملها شعبا ما أو أمة ما ، بذلك الفهم يمكن للشعوب والأمم التخلص من وهم كينونة ذات " نص " فشعوب الاتحاد السوفياتي السابق تخلصت من فكرة وقيم ديكتاتورية البروليتارية، والأمة الألمانية تخلصت من أيديولوجية النازية ، والأمم الأوروبية تخلصت من هيمنة الأيديولوجيا الدينية السياسية . وكلها بالأساس نصوص حملت درجات من القداسة والتنزيه ،
فنصوصنا هي ذاتنا التي تفرز مواضيعنا لتعود وتشكل ذواتنا الحاضرة الآن .
تقييد وتحجيم وقصر العقل يُنتج تلقائيا تقزيم النص وتحديد وظائفه بدلالة محسومة منتهية . ما يعني رجعية وتعصبا واحساسا بالنقص تجاه الآخر ، أو تعالياً عليه ، فتتمظهر رغبة بتغيير المختلف أو إقصائه . لأن التفكير وحتى التعقل محاصر بدلالات منتهية تحجبه عن التفكير بآفاق جديدة ، وتمنع محاولات العقل لقبول نص مختلف أو حتى الخوض بموضوعات مغايرة للذات المتشكلة أساسا من موضوع ـ نص ـ سابق لا يحق للعقل مناقشته أو تفحصه بل عليه كشف فضائله فحسب . فوظائف العقل تحديدا هي ضمن وحول وعن الموضوع الملتبس بالذات ، بفعل الهوية ـ وهكذا تصبح العلاقة بين ذاتنا الكائنة حاضرا ، والموضوع المنشئ لها علاقة وجودية ، فالدفاع عن الأخير ينحاز تلقائيا للدفاع عن الأول ، فوجود الحاضر مرتبط حيويا بوجود السالف وحضوره كمضارع مركزي .
تقمص الأمة لهوية نصية بذاتها يخرجها عن ماهيتها ، ويحشرها في حدود دلالات وفهوم هي بحد ذاتها جزء ماهوي من الهوية لا يستقيم إقصاؤه لبقية مكونات كينونة الذات ،
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الجمعية الوطنية الفرنسية تدين -مذبحة- 17 أكتوبر 1961 بحق جزا
.. سامي الطاهري: الاتحاد العام للشغل أصبح مستهدفا من قبل السلطا
.. الجزائر تعين قنصلين جديدين في الدار البيضاء ووجدة
.. لبنان: هل بدأ العد العكسي للحرب مع إسرائيل؟ • فرانس 24 / FRA
.. هجوم بسكين يثير حالة من الذعر في قطارات لندن | #منصات