الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوالد ذلك الخوف الوجودي من الفناء

ثائر ابو رغيف
كاتب وشاعر

2018 / 5 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التوالد ذلك الخوف الوجودي من الفناء
ثــائــر أبــو رغيــف


كلُ ميلاد يجلبُ معهُ الألم في مُكابــدةِ لحظــات الــولادة ومن ثُم المعانــاة اليومية إبتداءً بالعقل الصغيــر المُثقـــل بالواجباتِ المنزليةِ إلى النهايــة الحتميــة الراسخة لهذا الميلاد؛ الموت.. التعفن.. السكون الآبد. ألانسـانُ كائنٌ محصورٌ بين صرختيــن؛ صرختــه هو لدى الميلاد (التي رُبـمـا كـان قــد اعــدهــا احتجاجــاً على اكراهـه على الوجــود) وصرخة الآخر (إن وجدت) لــدى موته حزناً وجوديـــاً لخســارة هذا الأنســـان او للتعبيــر عن الخــوف من الفنائيــة المتجلية بهذا الميت المطروح جانباً.
موضوع انجابُ الابناءِ امر محفور جينياً ومُشفّرٌ في برمجيات العقل اللاواعي شئنا ام ابينــا فنحن نتوالد لاننا مسكونون بهاجس الخوف من النهاية ونؤمن حسب البرمـــجــيـــة التي لاندركها بعقلنـا الواعي بأننا سنفنى إنْ لم نترك جيناتنا في ابناؤنـــا, فمحور مقالتي التي ســــأحــاول تجنيب القارئ الذي يـريـد الامر من الآخر وببساطة وبدون الجهد للمرور في التبريرات والتسويغات هو اننا نتكاثر ونـتـوالد لسبب واحـد فقط لاغيــره ومهما تعددت التــبــريــرات الا وهو الـــخـــوف الوجــودي من الموت او الفنــاء وانــنـــا (ولبرمجة مـا وضِعت فينا كما تم وضعـهـا في الاميبا ونجــم البحـر وخـروف العيـد نعتقــد بأننـا سنخدع الموت "ككائنات بشكل عام" في اجزاؤنا: أولادنا, خرافنا, دجاجنا!).
أَدّخلــتُ الاميبــا ونجم البحر في المعادلة لتوضيح حقيقـة هــامـة وهي تحييد الممارسـات الجنســية عــن موضــوع المقال فالمـمـارسـات الجنسـية قد تشمل الاستمنــاء، الشذوذ الجنسي, التقبيل وغـيـر ذلك ممــا لايترتب عليها بالضرورة حصول التناســل وكون هذه الكائنات احادية الجنس لاتحتاج لممارسة الجنس لإتمام عملية التوالد فهي تتناسل بطريقة الانقسام, وفي حالة اعلى في نـوع من انواع نجم البحر اذا اراد المخلــوق ان يتكاثر يقوم بتقسيم اذرعه مع احتفاظ الاذرع بجزء من النواة لتكوين نجم بحر جديد.
إلقاء الضوء على كائن كنجم البحر (ليس بالبدائي تماماً كاحاديات الخلية او ممن يقبعون في اعلى سلم التطور) يعطي نظرة حيادية ومنصفة عن السبب الاكثر احتمالاً للتناسل وأقصد هنا الخوف من الفناء فلا أعتقد ان نجم البحر مهتماً بكلام البقية عن عنته الجنسية, إنعدام رجولته, كونه عاقر او حتى شذوذه ولا اعتقده يكترث بوصايا الانبياء والفلاسفة وعلماء الاجتماع المتعلقة بضرورة التناســل, انــه يـفـعل مايـفعل وفقاً لبرمجة مسبقة سمها ماشئت: دي أن أي, كروموسومات او جينات وراثية لا تهم التسـمية فالعملية تبقى برمجة كاذبـة تدفع الكائن للتكاثر.
قد نبرر التوالد (كعرف اجتماعي) في المجتمعات الشرقيــة كان من لم يخلف ولدا حاله حـــال الميت او اتهام من لاولـد له بالعنّة الجنسية او حتى الشذوذ, ففي المجتمعـــات الشرقيــة يتم اضفاء بعض التوابـــل الاجتماعية للتوالد كأن يكون الانجاب امراً حتمياً تمليه الاعراف, الاديان والتقاليد ففي الفصل الاول من سفر التكوين نرى ان الرب امر آدم وحواء: فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» (سفر التكوين 1: 28)
اما بهذا الصدد أوضح الإسلام على لسان رسوله (تناكحوا تناسلوا، تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، ولو بالسقط) رواه الشافعي عن ابن عمر
وفي القرآن :{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} (الرعد) 38 تأكيد قرآني آخر على ضرورة التناسل.
قبلياً وفي الجاهلية حين كان وأد البنات سائداً حلم المهلهل ان حفيدة له ستحمل سيداً لقومه (كم من فتى مؤمـل وسيـد شـمـردل وعـدة لاتجـهـل في بطن بنت مهلهل) فعفاها عن عقوبة الوأد لا لأنسانية او شفقة ولا بعدالة اجتماعية او مساواة, فقط لانها ستكون أداة (لا أكثر ) لأنجاب رجلاً آخر يسود قومه.
أجتماعياً مازالت المرأة تحمل الحمل الاثقل في موضوع الانجاب فأن لم تنجب البتة يتم افتراضها عاقراً بدون فحوص (قد تثبت عدم اهلية الرجل) وإن أنجبت سلسلة من البنات يقوم زوجها بالتزوج عليها للحصول على ولد ذكر (كما ذكرت نحن نُخلّد في اجزاؤنا واولادنا الذكور هم من يحملون اسم العشيرة) رغم تأكيد العلم على ان كون المولود ذكر او انثى تتحكم فيه كروموسومات الاب.
التضارب الوجودي حول فكرة الخلود بالابناء وظفها فلاسفة وشعراء في طروحاتهم فنجد أبو فراس الحمدانى يقول في احى قصائده: "إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ" هنا نظرة وجودية بحتة يعبر فيها الشاعر عن ذاتيته وأناه بدون إعتبار لنسل او لسلف, اما الفيلسوف ابو العلاء المعري فيأخذ منحىً آخر حين يقارن نفسه بأبيه (مُحملاً ابيه ذنب وجوده ككائن): هذا ماجناه أبي عليّ وما جنيت على أحد
حاولت الاختصار في موضوع البحث هذا لإتاحة الفرصة للقراء للمداخلة, الاعتراض, الأفادة ورفد الموضوع بمصادر تصب في نفس منحى الفكرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن