الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التخلف الدينى والتنوير (2)

ميشيل نجيب
كاتب نقدى

(Michael Nagib)

2018 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أنهينا مقالنا السابق بسؤال: هل هناك أمل فى القضاء على التخلف الدينى وبدء محاولات جادة فى التعليم الحداثى والتنوير الإنسانى؟
وما هو التخلف الدينى؟

فى وجود الفكر والكهنوت الدينى القائم على فكرة قديمة قدم الإسلام نفسه ألا وهى فكرة الخلافة سيستمر صراع رجال الدين مع رجال الحكم والسلطة فى مدى قدرة كل طرف منهما فى تعميق أفكاره وثقافته فى المجتمع ومؤسساته، فرجال الدولة يحاولون إستمالة رجال الدين لتثبيت حكمهم وبقاءه لسنوات أطول بإصدار الفتاوى التى تمنع الخروج على الحاكم، وفى الوقت نفسه يستثمرون العقيدة الإسلامية بأعتبارها عقيدة جهادية تكفيرية وذلك بإثارة المشاعر الدينية ضد الآخر والحض على محاربة المفكرين والمبدعين وكل من يخرج عن الإسلام، وتشجيع الشباب على الخروج فى سبيل الله أى الجهاد فى العراق وسوريا وأفغانستان واليمن وغيرها من الدول التى تخضع للسياسة العالمية فى تشجيع عوامل التخلف فى المنطقة العربية بتشجيع الخطاب الداعى إلى التخلف الدينى أى الإنشغال بالدفاع عن الإسلام وتكفير ومحاربة كل من ينتقده أو يثور على أفكاره.

مصطلح التخلف الدينى ينبع من ماهية الدين ذاته من حيث أنه إيمان عقائدى بأساطير وهمية عاش فى ظلالها الأقدمين وتوارثها اللاحقين دون النظر فى طبيعة ومضمون وماهية تلك الأساطير والعقائد، فالتخلف ليس تخلف فكر أو ثقافة دينية بقدر ما هو تخلف خطاب المرجعيات الدينية، فالدين الإسلامى قائم على الخطاب السماعى عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد، والمسلم لا يقرأ بل تستوعب خزانته العقلية كل ما يقوله خطيب المسجد والدعاة ويقف وراءهم يردد صلواتهم التى تنتهى دائماً بالنصر على القوم الكافرين، ودوام عزة الإسلام والمسلمين والخروج فى مظاهرات غاضبة وعنيفة للدفاع عن الإساءات التى تقال ضد رسول الله ويسبون ويلعنون هؤلاء الكفار الذين تجرأوا على شخص الرسول.
إذن هنا التخلف ليس فكرياً ولا ثقافياً بل دينياً مرتبط بخطاب سماعى يتم ترجمته بلا وعى إلى كراهية وبغض فى الله وإذا أستلزم الأمر فإن تلبية دعوة الجهاد واجبة لمن يستطيع، فالدعاة وخطباء المساجد يقدمون للمسلم خطاباً نظرياً عن واجبات المسلمين تجاه دينهم والطرق والأساليب التى بها يكسبون بها رضى الله وجنته الفسيحة كما جاء بالقرآن، وتتولى الجماعات والحركات الإسلامية ترجمة هذا الخطاب عملياً بعد أن أقتنع المسلم بأن واجبه الدينى بل عليه تنفيذ الأمر الإلهى كما قال القرآن أو الرسول، بأن إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، القضية هنا ليس فيها تفكير أو إعمال العقل فى أوامر الله كما قالوا لهم فى المساجد لأن المؤمن أشترى الله نفسه وأمواله، أى القضية منتهية ما عليه إلا أن يشد رحاله إلى أقرب المحطات الداعشية والقاعدية التى تطبق عملياً ما قاله كتاب الله أو الرسول ويتم شحنه إلى مواقع الجهاد التى تحتاج إليه حتى يكون فى إمكانه السفر مباشرة بعد ذلك إلى الجنة وهذا هو الفوز العظيم.

هل أفهم من ذلك بأن التخلف هو تصديق المؤمن لنصوص تحتوى على أوامر عليه تنفيذها وإلا كان من الكافرين؟
هل يعنى ذلك تخلف الخطاب الدينى الذى يقوم بتبسيط النصوص الدينية المقدسة للسامعين، أم تخلف المتدين الذى يقول آمين على كلام الخطيب؟
أضرب أو أسوق مثالاً لمن لم تصله الفكرة فى كلامى: أخرج من المنزل مع صديقى وأقول له: أنظر إلى تلك النجوم أنظر إلى الشمس ألا ترى ضيائها ألا تشعر بسخونة أشعتها؟ يرد صديقى: نعم، وأستمر فى توجيه نظره إلى العالم من حولنا تلك الجبال والأنهار ونعمة الحياة وهذا الفضاء الواسع الذى تسبح فيه ملايين النجوم والكواكب؟ يقول: أعرف ذلك. أقول له: ألا ترى معى أن الله هو خالق هذا الكون ويعطينا الحياة ولولاه لم يكن لنا وجود الآن؟

بالطبع سيتوقف رد صديقى على مدى قدرته على أستخدام عقله أو أن يقوم بأستدعاء ما تم تخزينه فى خزينة العقل من نصوص وخطب منبرية وإعلامية، من يستخدم عقله يرفض تصديق وجود ما لا يراه ولا توجد أدلة على ذلك ويرفض تصديق أو تأويل نصوص أو كلام عن أشياء غيبية لم يراها بشر، على الجانب الآخر إذا كان صديقى ممن تشبعوا منذ طفولتهم بأن الكلام الذين يسمعونه فى الكنائس وفى المساجد قاله الله وأوحى به وأنزله على رسله وأنبيائه، فمن السهل عليه أن يصدق أى شئ ستقوله له عن الله أو الملائكة والجن والشياطين وكل شئ لا وجود له فى حيز الواقع بل كلها كلام أساطير شعبية أعتاشت عليها الآلهة وكهنة الأديان فى الحضارات القديمة.

بعبارة أخرى فالمؤمن ينظر إلى كلامى على أنه كلام جدلى سفسطائى وإن كان لا يعرف هاتين الكلمتين ولا وجود لهما فى قاموسه المعرفى ، فإنه سيقول أن كلامى هرتلة!!
لماذا إذن لا يصدقنى المؤمن فى الوقت الذى يصدق ويبصم بالعشرة على ما يسمعه من كلام الكاهن أو الخطيب أو الداعية بأن ما يقولونه مكتوب فى الكتب المقدسة وقد قاله الله خالق كل شئ وموجود فى كل مكان وأنزله على رسله؟

إذن هناك تخلف أو جهل أو نقص معرفى من نوع ما؟ سواء فى كلامى أو فى فهم المتلقى له، لأن تخلف الأديان يعتمد على تخلف مجموعة من النصوص الغيبية اللاشعورية التى تدخل وتسيطر بالقوة على عقول أتباعها، لذلك يكون من السهل الإيمان بكل أنواع القصص والأساطير الفرعونية والبابلية والأشورية والأنباطية والحميرية والأخميدية والقاعدية والداعشية، تلك الأساطير التى يصر الكثيرون على إحيائها والتمسك بها آملاً فى الوصول إلى الجنة الموعودة، أى أن المؤمن بالدين لا يفكر فى صحة أو خطأ ما يسمعه من رجال الدين لأنهم رجال الله فى نظره ولا يمكنهم الكذب أو الضحك عليهم بقصص لا وجود لها وأن هناك ثواب وعقاب وجنات ونار وجحيم.

يزهق ويتململ القارئ فى كرسيه وينفعل بقوله: إنتى عاوز تقول إيه؟ بلاش لف ودوران!!
معك حق عزيزى القارئ لأنى أخطأت وحشرت نفسى فى موضوع أحتاج إلى مئات السنين لشرحه وحتى الآن لم يصدق أحداً، وكل واحد بيسأل:
إذا كان التخلف فى الدين نفسه أو التخلف فى المتدين الذى يؤمن بكلام الدين؟
وأترككم مع هذا السؤال إلى جانب الإستفهام عن: هل هناك أمل فى القضاء على التخلف الدينى وبدء محاولات التعليم الحداثى والتنوير الإنسانى؟
( يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بدون تعليق
ميشيل نجيب ( 2018 / 5 / 20 - 08:31 )
الأستاذ/ سامى سيمو
الذى يكتب من الفيسبوك
أرجو الألتزام ويكون التعليق فى لب الموضوع لإثراء الحوار عن التخلف الدينى والتنوير.
شكراً.


2 - مراحل تنويرية - تقييم عام للمشروع التنويري
أنور نور ( 2018 / 5 / 20 - 09:09 )
تنوير 3
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=525917

تنوير 4
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=563833


3 - لا وجود للمراحل
ميشيل نجيب ( 2018 / 5 / 20 - 14:00 )
الأستاذ/ أنور نور
تحية طيبة,
التنوير بدأ فى عهد محمد على وأفشلته القوى العظمى لخوفها من تعاظم قوته فى منطقة الشرق الأوسط والتأثير السلبى على مصالحهم فى المنطقة، لذلك لا وجود لمشروع تنويرى بعد محمد على إلا مجرد محاولات فردية غلب عليها طابع تقليد النموذج الأوربى.
وفى المقال القادم سأتكلم عن هذا الموضوع.
شكراً لك على مجهودك .


4 - الأخ نجيب - 3 بل توجد مراحل للتنوير . دون نتيجة
الرفيق صلعم البرجوازي ( 2018 / 5 / 20 - 23:37 )
الدول العظمي لم تقف ضد التنوير في عهد محمد علي . بل كانت ضد طموحاته التوسعية الامبراطورية
والدليل انهم فتحوا باب البعثات العلمية لمصر . وأحدث المخترعات عندهم كانت تنتقل لمصر في نفس العام
والتنويريون الاوائل منذ عهد محمد علي وحتي قرب نهاية القرن العشرين . تراجعوا ليس بضغوط من الدول العظمي وانما بضغوط محلية عقائدية - ولافتقارهم للصلابة والجدية - .. وأبرز التنويرين الرواد كانوا أزهريين
والتنوير تطور منذ عصر رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والافغاني .. فأخذ نقلة أبعد علي يد قاسم امين وأحمد لطفي السيد , اسماعيل مظهر, الشيخ علي عبد الرازق وطه حسين , وشبلي شميل وسلامة موسي , وفرح أنطون - ولعل أعظمهم : اسماعيل مظهر
تلك كانت المرحلة الثانية
وبظهور الانترنت بعد عام 2000 فأعطي حرية غير مسبوقة . وبانتشار الصحف الالكترونية . حدثت قفزة كبيرة
فكانت المرحلة الثالثة للتنوير
والكتابات عن التنوير كثيرة جداً . ولكن لا نور ولا تنوير حقيقي فعال .. فصار الحديث عن التنوير موضوعاً ماسخاً ومملاً , أشبه بالكلام عن دعاوي ما يسمي ب : الوحدة العربية .التي فشلت كل محاولات تحقيقها , ومثلها التنوير
تحية واحترام


5 - محمد على والتنوير
ميشيل نجيب ( 2018 / 5 / 21 - 07:40 )
الرفيق صلعم البرجوازى
تحية طيبة,
عندما قلت أن التنوير بدأ فى عهد محمد على وأفشلته القوى العطمى لخوفها من تعاظم قوته، أن التنوير كمشروع دولة وليس أفكار أو مراحل فردية ولا أستطيع القولأنه كانت هناك مراحل للتنوير وإلا سأقول مرحلة تنوير محمد عبده والأفغانى، مرحلة تنويرقاسم أمين وأحمد لطفى السيد وهكذا، لكن كانت كلها محاولات فكرية للتنوير وسأتكلم عنها فى مقالى اليوم.
وكما قلت أيها الرفيق الصلعمى فى نهاية تعليقك فإن الحديث عن التنير أصبح ماسخاً ومملاً مثله مثل دعاوى الوحدة العربية لذلك فشل التنوير والوحدة العربية. أتفق معك فى ذلك لأن فشل التنوير بسبب أنه كان فردياً وليس مشروع دولة وأنتظرنى فى تفصيل ذلك فى مقال اليوم.
مع خالص الشكر


6 - بل التنوير مشروع أفراد مفكرين ومثقفين
الرفيق صلعم البرجوازي ( 2018 / 5 / 21 - 12:43 )
لولا فساد الدولة وبمعاونة وبتحالف وبمشاركة المعبد ورجال المعبد . لما كان هناك ثمة مبرر لوجود تنويريين وتنوير في أوربا
التنوير في أوربا قاده أفراد : منهم الكاتب المفكر , والفيلسوف الفنان العالم الشامل , وعالم الاقتصاد والمؤرخ الفيلسوف : فولتير , جان جاك روسو , ديقيد هيوم , ايمانويل كنت
وبعدما قامت دولة جديدة - بالثورة
الفرنسية , علي قيم ومباديء هؤلاء الأفراد .. تبنت الدولة الجديدة ارساء قيم تلك الثورة التي أرساها هؤلاء الأفراد
( ولا يفوتني التنويه : انني لا أنكر وجود نوايا وأهداف استعمارية أوربية , في القرنين الماضيين , وللاستعمار الجديد اليوم ) لا أبرر ولا أدافع عن الاستعمار بصورتيه , لكن أري ان السياسة الحكيمة والسياسيين الحكماء الوطنيين , يمكنهم الوصول ببلادهم للأماني والأهداف المنشودة , في الرخاء والعدالة والمساواة . ببراعتهم وقدرتهم علي اختراق أحراش وأدغال السياسة الدولية والمرور منها والوصول بسلام
وللأمانة : الاستعمار - سواء بدون قصد أو بقصد - كانت له حسنات , ما جاد بمثلها الحكام الانذال


ا


7 - نعم توجد مراحل للتنوير
أنور نور ( 2018 / 5 / 21 - 14:41 )
مرحلة التنوير علي استحياء : الشيخ رفاعة , الشيخ الأفغاني , والشيخ محمد عبده - كلهم مشايخ

المرحلة الثانية : تنوير من داخل عباءة الظلام .. وهو نفسه تنوير الكر والفر
وبدأ .. من قاسم أمين , و و الخ .. وحتي نهاية التسعينيات من القرن الماضي

والمرحلة الثالثة : مع عصر الانترنت والحرية المطلقة , منذ بداية هذا القرن, وهو ما يمكن أن نسميه باستخدام التعبيرات الشعبية المصرية : ( التنوير ع المكشوف ,, أو التنوير عيني عينك .. التنوير في وشه ولا تغشه ) وكان مقصواً علي عقيدة واحدة , فكانت الدعوة ليشمل العقائد الثلاث

المرحلة الرابعة للتنوير : الدعوة لبحث أسباب نجاح التنوير في أوربا منذ حوالي 200 عام .. وفشله في الشرق الناطق بالعربية طوال مسيرته خلال ما يزيد عن 150 عام
وهذا لا ينفي وجود بقايا وفلول كثيرة , تعود للمراحل السابقة . منها الشبه سائدة .
مع الشكر والتقدير


8 - كلام جميل
ميشيل نجيب ( 2018 / 5 / 21 - 17:26 )
الرفيق الصلعمى
تحية طيبة.
أتفق مع كلامك وكما ذكرت فى تعليقك فإن الأستعمار له حسنات، نعم وكانت بقصد منه لتثبيت أقدامه أطول فترة ممكنة لتهدئة الشعب وعدم الثورة ضده، وأن يشعروا أن الأستعمارقد أقام لهم السكك الحديدية مثلاً أو أى شئ آخر يرضى الشعب.
أما الحكام وخاصة منذ عبد الناصر وحتى اليوم كلهم رضعوا ويرضعون لبن التخلف، وسيستمر أستغلال رجال التخلف الدينى كما فعل السيسى وأخترع بيت العائلة المصرية من رجال التخلف الدينى المسيحى والإسلامى، وهذا التحالف دائماً يخدم مصالح الرئيس فى تهدئة الشعب، ولا يوجد رئيس دولة أمين صادق يقوم بالفعل بعمل مصلحة بلاده وإقامة الدولة المدنية وتنوير شعبه، لأن بذرة التخلف ما تزال عالقة بجذور كل رئيس مصرى ويعمل من أجل تلك الأغلبية.
شكراً


9 - وجهات نظر
ميشيل نجيب ( 2018 / 5 / 21 - 17:46 )
الأستاذ/ أنور نور
تحية طيبة,
الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية،سواء كانت توجد مراحل أو لا توجد المهم أن يوجد رجال التنوير ويجتمع حولهم الشباب المستنير ، إن مجتمعاتنا يسيطر عليها أخطبوط التخلف الدينى سواء كان داعش أو الأخوان أو رجال الأزهر أو رجال الكنائس ورجال الوهابية والقرضاوية والبازية وغيرهم، فإن شعوبنا ستستمر تسير وراءهم وتسمع فتاويهم وعظاتهم ويستمر معه السمع والطاعة، فى أوربا تم عزل الدين ورجال التخلف الدينى الكنسى عن العمل السياسى والدولة ، وأتوقع الدين فى أماكن العبادة والحياة الشخصية لكل إنسان وله الحرية أن يعبد ما يشاء من آلهة أو أن يكفر بما يشاء، لهذا نجح التنوير فى اوربا، لكن فى بلادنا لن ينجح التنوير الآن لأن التخلف الدينى تسيطر عليه المؤسسة الرئاسية للدولة وهى التى تقوم بتعيين رجال الأزهر وهو الغالبية، إلى جانب مشكلة الجماعات الإسلامية التى تسيطر على المجتمع المصرى، مما يجعل من التنوير شبه المستحيل تصديق أصحابه.
شكراً