الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقد تغير اقتصاد العالم متى تستجيب السياسة

أحمد إبريهي علي

2018 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لقد تغير اقتصاد العالم متى تستجيب السياسة
يعبر مفهوم الناتج المحلي عن مجموع القدرة الفعلية لأنتاج السلع والخدمات، ومنذ النصف الثاني للسبعينات اصبح من الممكن قياس الناتج بوحدة نقدية متعادلة القوة الشرائية عبر البلدان او الدولار الدولي، ما يعني الغاء فروقات الأسعار عند المقارنة بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم، ويسمى القياس الجديد تعادل القدرة الشرائية Purchasing Power Parity ويرمز له PPP. وبحسب المقياس الجديد يقترب الناتج المحلي للعالم من 130 ترليون دولار عام 2016 باسعار عام 2011 ، بينما لا يتجاوز 80 ترليون دولار عند استخدام اسعار الصرف الأعتيادية وغض النظر عن تفاوت الأسعار المحلية للسلع والخدمات.
المهم حسب المقياس الجديد صارت الصين هي الدولة الأقتصادية الأكبر في العالم. وبينما كانت حصة الولايات المتحدة 19.6 ، تقريبا 20، بالمائة من ناتج العالم عام 1990 ، عند انهيار الأتحاد السوفيتي، تراجعت الى 15.4 بالمائة عام 2016 . في المقابل تغير اسهام الصين من 3.7 بالمائة الى 17.7 بالمائة من ناتج العالم لنفس السنتين. اليس هذا التغير كبير مادام الجميع يتفق على اهمية الأقتصاد في توزيع القوة بين الدول والمناطق. لماذا لم ينعكس في السياسة الدولية لحد الآن؟
وايضا نلاحظ تراجع فرنسا وبريطانيا وروسيا مجتمعة من 13.4 بالمائة الى 7.8 بالمائة من ناتج العالم،بين سنتي 1990 و2016 بينما لازالت هذه الدول الثلاث مع الولايات المتحدة الأمريكية تكاد تنفرد في ادارة السياسة الدولية وليست بعيدة عن صناعة الحروب واطفائها ومسلسل سفك الدماء في دولنا وعذابات الشعوب. طبعا مع اختلاف النمط الروسي ومرجعياته عن الدول الثلاث الأخرى، وايضا يكاد لا يتجاوز دور الدول الكبرى جميعها ابداء ملاحظات وتحركات محدودة على هامش الفعل الأمريكي والذي يؤكد الأصرار على الهيمنة دون تحفظ.
واكثر من ذلك كان المعروف ولحد الأن ان الصناعة التحويلية هي مرتكز القدرة التي تسميها الأدبيات الدارجة " استراتيجية" ، وها هي الصين تجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية بفارق واضح في القيمة المضافة للصناعة التحويلية، والى ذلك اصبحت الدولة التجارية الأولى في العالم. وليس هذا فقط بل ان اكثر ناتج العالم هو للدول النامية والناهضة 58 بالمائة ومنها الصين والهند والبزازيل وجنوب افريقيا. والجزء الآخر 42 بالمائة للدول المتقدمة التقليدية والجديدة. ونتساءل اين اثر الأقتصاد في السياسة، والعالم لم يختلف بقدر ملموس عن ترتيبات مابعد الحرب العالمية الثانية.
وعند مراجعة هذه الأرقام قد يفسر ثبات السياسة مع تغير الأقتصاد باستمرار تركز القدرات التكنولوجيا في غرب اوربا وشمال امريكا واليابان وروسيا، الى جانب التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة التي تنفرد بالريادة وانتاج التقنيات الجديدة. وقد يتبادر الى الذهن، خطأ، ان تكامل القدرات التقنية توافر للولايات المتحدة وبقية السبع الكبار وروسيا. فهذه الدول تملك مقومات الأستقلال وتتعذر محاصرتها، اذ تستطيع بقدراتها الوطنية الذاتية انجاز اعقد برامج تطوير الطاقات الأنتاجية في التعدين والأستخراج والصناعة التحويلية وجميع مكونات الطاقة والبناء التحتي ناهيك عن السلاح التقليدي والدمار الشامل .
لكن هذا الأنطباع غير صحيح اذ ان الهند والصين والبرازيل ودول اخرى تمتلك قدرات تقنية متكاملة في الصناعة والطاقة والسلاح.
ولأن الأنفاق على البحث والتطوير R&D هو المؤشر على مدى عناية الدول بالأختراع والأبتكار ونزوعها نحو الأستقلال التقني او التنافس على الصعيد الدولي في هذا المجال، فإن الوقوف على ارقام الانفاق المقارن على البحث والتطوير يكشف عن حقائق اخرى.
فالبيانات المنشورة عن السنوات 2013- 2015 تبين ان الولايات المتحدة الأمريكية قد انفقت 473 مليار دولار على البحث والتطوير والصين 419 مليار دولار، ما يعني ان الأخيرة انتقلت من اقتحام الأسواق الخارجية بالصناعة الى التنافس على القيادة التقنية. ونسبة ما تنفقه الصين على البحث والتطوير 2.1 بالمائة من ناتجها الأجمالي وهذه النسبة في الولايات المتحدة 2.7 بالمائة، ما يفيد امكانية الصين ادامة التنافس دون ضغوط ترهق اقتصادها. وبنفس المعنى انفقت اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية 180 و 109 و 92 مليار دولار في السنة على التوالي، بينما انفقت فرنسا 60 مليار دولار وكل من روسيا وبريطانيا 45 مليار دولار في السنة أي ادنى من الهند 66 مليار دولار.
لقد انتقل ثقل الأقتصاد العالمي نحو آسيا ، وربما بعد مدة ليست بعيدة تنتقل الى هناك الريادة التقنية، لكن السياسة بقيت كماهي.
من قراءة نتاجات مراكز الأبحاث السياسية الأمريكية نلاحظ اتفاقها على مبدأ الهيمنة Domination في السياسة الدولية للولايات المتحدة، ومن الناحية العملية لا تختلف مدارسهم سوى بين مايسمى الهيمنة الأيديولوجية وهيمنة الواقعية السياسية، الأولى تنزع نحو تعميم النموذج الأمريكي ( القيم الأمريكية بما في ذلك ليبرالية فريدوم هاوس) بالأضافة على السيطرة، والثانية تكتفي دون ذلك بالولاء السياسي والأنضواء الأستراتيجي تحت المظلة الأمريكية.
ان التغيرات الجوهرية في الأقتصاد ينتظر منها منطقيا تحول الولايات المتحدة نحو عقيدة Doctrine أخرى في استراتيجيتها الدولية وهذا لم يحصل لحد الآن. روسيا وفرنسا وبريطانية ،والى حد ما المانيا، تريد هذه الدول الشراكة في الهيمنة مع الولايات المتحدة الأمريكية. بينما الحقائق الموضوعية تقتضي نبذ الهيمنة، كليا، نحو شراكة من طراز آخر قوامها تعاون الدول الكبرى اقتصاديا وتقنيا في حفظ الأمن العالمي وضمان احترام استقلال الدول وتكافؤها في السيادة.
ومع الأسف دول منطقتنا ورغم قدراتها التقنية الضئيلة وافتقارها الى الاستقلال الفعلي تستنسخ مبدا الهيمنة الأمريكية على المستوى الأقليمي والذي جر على شعوبها الويلات منذ عام 1952 والى يومنا.
ومن المؤلم ان كتاب السياسة في اللغة العربية وكتابات خبراء ومثقفي هذه البلدان في اللغة الأنكليزية، على قدر اطلاعي، ينطلقون من التعامل مع مبدأ الهيمنة وكأنه قانون طبيعي ويتشاطرون
في تكريسه دون وعي، بحيث لم يعد التدخل السافر للدول الكبرى في بلادنا يواجه بالأستهجان والأدانة الأخلاقية القطعية.
ان سياسة الهيمنة سوف تصل الى طريق مسدود ويتخلى عنها العالم لأنها ضد القوانين الموضوعية للتطور كما افهما وهي لا اخلاقية قطعا، ولكن بعدما تعاني الأنسانية المزيد من الويلات وخسائر في فرص الرفاه والعدالة والحرية. سوف تنتهي الهيمنة ويولد عالم جديد، والأفضل للأوساط الأكاديمية في العلوم السياسية والأجتماع والتاريخ والأقتصاد وسواها المبادرة بادانة تبرير الهيمنة وتعريتها في مجتمعات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وفضح الشعوذات والأفكار الدموية التي حاولت تضليل البشر بالقول ان الهيمنة والنزاع على السيطرة حتمية مغروسة في طبيعة نظام العالم ولا مفر منها. ان الأنسان كائن اخلاقي وارادة البشر حقيقة كبرى وكذلك مسؤوليتهم عن واقعهم ومصيرهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت