الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفول الأصنام - اعلان نيتشه الحرب على الدين والأخلاق والفلاسفة

كلكامش نبيل

2018 / 5 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


غالبا ما يشدني فريدريك نيتشه بعباراته القصيرة والصادمة. كنتُ أبحث عن قراءة سريعة ومفيدة في الوقت ذاته ولهذا السبب وجدتُ نفسي أختار كتاب "أفول الأصنام" أو في ترجمة أخرى للعنوان "غسق الأصنام" لهذا الفيلسوف الألماني. قرأت الكتاب بترجمة حسان بورقية ومحمد الناجي والمنشور عن دار أفريقيا الشرق.

يعلن نيتشه لنا في البداية بأن كتابه هذا، الذي كتبه عام 1888، بمثابة اعلان كبير للحرب، وهو كذلك بالفعل. اعلان للحرب على الأصنام التي يبجلها العالم – وأكثر تميزًا – واعلان للحرب على فلاسفة كبار يحترمهم الجميع ومهاجمة للضعف والمنطق والأديان المهيمنة على العالم وحتى الكثير من أبرز الكتاب المعاصرين الذين يهاجمهم في نهاية الكتاب.

يقول لنا نيتشه، "في العالم من الأصنام أكثر ممّا فيه من الحقائق"، ويرى بأن الكثير من الاصنام، وأكثرها تميزا، لا يسميها الناس كذلك. ويعتبر بأن المعرفة شجاعة كبيرة لا يتحملها الكثيرون، حيث يقول، "حتى أشجعنا نادراً ما يملك شجاعة تحمل كل ما يعلم."

الكتاب بمثابة رسائل قصيرة للغاية، وكأن نيتشه أول من أوجد فكرة "تويتر". يتساءل نيتشه عن الآلهة فيقول، "ما أقول! ليس الإنسان سوى احتقار للإله! أم أن الإله احتقار للإنسان!" ويتحدث عن الأتباع لأي فكرة وسطحيتهم ويعتبر بأن الأنداد لن يكونوا أتباعًا لبعضهم البعض وأن عظمة الشخصيات البارزة قائمة على الأصفار من البشر، حيث يقول، "ماذا؟ أتسعى الى أن تتضاعف عشر مرات، مائة مرة؟ أتبحث عن مريدين؟ - فتش إذن عن اصفار!"

قرأت عن منظور نيتشه للتاريخ، حين كتب، "بعودتنا الى الأصول نصنع من أنفسنا سرطاناً. المؤرخ ينظر الى الوراء: أخيرا، ينتهي به الأمر الى أن يؤمن القهقرى." وتساءلت ان كانت هذه الشذرة حكمًا دائم يدين الرجوع الى الماضي أو فكرة طارئة، لكن مناداة نيتشه بتدمير كل ما هو قديم يجعلنا نتوقع أنه فعلاً يتبنى هذا الموقف المضاد للتاريخ.

في اليوم السابق لقراءتي للكتاب، قرأت مقالاً نشره موقع رصيف 22 عن العلاقة بين التفكير والمشي بدءً من مدرسة المشائين اليونانية وحتى نيتشه وغيره من فلاسفة. فكرت في وقتها بأنني كنتُ أمشي وأدور في الواقع وأنا أقرأ في الثانوية وحتى عندما أبدأ بتسميع ما حفظته مع والدتي. والغريب أن المقال صادفني صباح اليوم التالي، وفي منتصف الظهيرة، جلست لأقرأ لنيتشه واذا بي أمرّ على هذا النص، " لا يمكن ان نفكر او نكتب الا جالسين. (غوستاف فلوبير). – تمكنت منك، أيها العدمي! ان تكون ذا مؤخرة ثقيلة فتلك، بامتياز، خطيئة في حق العقل. وحدها الأفكار التي تأتينا ونحن ماشون لها قيمة ما." ما اغرب المصادفات في هذا العالم.

يتحدث نيتشه عن حالات يعتبرها تجليات للوعي، وقد تبدو غريبة بعض الشيء، لكن من بين ما أثار اهتمامي اعتباره للتنحي جانباً حالة وعي – مع أنه كان يريد تغيير العالم وكل من يكتب لا يعتبر شخصًا اختار التنحي – لكنه يقول، "أأنت من الذين يشاهدون العرض، أم الذين ينجزون عملاً ما بأنفسهم؟ أم من أولئك الذين يغضون الطرف، يتنحون جانبا؟ حالة الوعي الثالثة". ربما يكون هذا ادراكًا لما يجب فعله ولكن الشخص الملتزم بقضايا العالم لا يمكن أن يطبق ما أدركه بهذا الخصوص. وفي اقتباس آخر، يعتبر إدراكنا لما نريده بالفعل حالة مهمة من حالات الوعي، حيث يقول، "هل تريد أن تسير مع القطيع؟ في المقدمة؟ أم بجنبه؟ .. يجب أن نعرف ماذا نريد وأننا نريد شيئاً ما. حالة الوعي الرابعة."

بعد الانتهاء من "الحكم والاشراقات" القصيرة، ينتقل نيتشه ليفكك قضية سقراط ويهاجم بشكل كبير فيلسوف اليونان العظيم. يعتبر نيتشه سقراط هو من أجبر أثينا على تسليم كأس الشوكران له وليس العكس وأنه كان يعتبر الحياة "عديمة القيمة" وأنه قد أنف منها. يدين نيتشه العدمية ويعتبر أولئك الذين لم يفلحوا في تقييم الحياة من مفكرين "منحطين ودونيين". يواصل نيتشه الهجوم على المنطق والتفلسف في مناقشة الموضوعات ويعتبرها ميزة الضعفاء – وترد اشارة معادية للسامية في قوله بأنه ولهذا السبب كان اليهود "مناطيق". ويدين سقراط وكل من يعتبر العقل هو الخلاص ويرى في ذلك استبدادًا. لاحظت بأنه يشخصن المسألة ويربطها بدمامة شكل سقراط وأنه كان مريضا يحمل في داخله الكثير من السوء وأنه كان يود الانتقام من أثينا ونبلاءها.

في حديثه عن "العقل في الفلسفة"، يناقش الفكرة عن العلة الأولى – الإله – ويرى بأن الإنسان يحاول تحوير ما هو مجهول الى معلوم ليمنحه ذلك شعورًا بالإطمئنان، وانه غالبًا ما يجعل من أضعف الأشياء وأكثرها فراغًا الأصل الذي يفسر به كل شيء وما يمكن اعتباره علة ذاته. نقرأ، "أخشى ألا يكون بإمكاننا التخلص من الإله، لأننا ما زلنا نؤمن بالنحو." ويرى بأن هذه الأفكار التي خلقها الفلاسفة جرّت الكثير من الوبال على الإنسانية منذ قرون، حيث يكتب، "اننا ننتقم من الحياة بمواجهتها بمشهد خارق من حياة أخرى وأفضل."

وبصفته اعلان للحرب، يهاجم نيتشه في هذا الكتاب الأخلاق ويعتبرها طبيعة مضادة ويعتبر مهاجمة الكنيسة للنزوات مهاجمة للحياة من الجذر ويطالب بأنسنة النزوات لا مهاجمتها، ويصر على رأيه ويعتبر "الأخلاق نفي لإرادة الحياة"، ويعتبر "الدين والاخلاق اصل انحراف العقل". ويواصل كلامه عن تحويل المجهول الى معلوم، "أن نخرج شيئاً من المجهول الى المعلوم أمر يريح، يطمئن، يربي ويمنح فوق ذلك، إحساساً بالقوة. مع المجهول يظهر الخطر والقلق والوهم – أول حركة فطرية نقوم بها تميل الى استبعاد هذه الحالات المكدرة." ويرى بأن تفسير ذلك يكمن في "أن يكون هناك تفسير كيفما كان افضل من أن لا يكون هناك أي تفسير." وبذلك يعتبر بأن "الاخلاق والدين يستندان كلية على سيكولوجية الخطأ."

عند حديثه عن "الذين يريدون اصلاح البشرية" يقر بأنهم اغفلوا عن حقيقة أنه "ليست هناك حقائق أخلاقية" وأنها جميعًا محض آراء ويعتبر بأن تدجين الإنسان بالأخلاق يجعله كحيوانات الحظيرة وأنها ليست بشكل من الأشكال أفضل من الحيوانات الحرة.

في الكتاب نص عنصري يبدو وكأنه تمجيد لأفكار مانو عن السودرا في الهند ويقول بأن العرق الآري الأصيل يمجد النبلاء. كتب، "فكرة الدم الخالص ليست فكرة غير مؤذية بل على العكس تماماً." لم يرق لي أبدًا تمجيده لتلك العنصرية واعتباره للمسيحية على أنها "انتقام المنبوذين الأبدي مقدما كدين المحبة"

بعد ذلك، ينتقل نيتشه للحوار عمّا "ينقص الألمان" ويرثي تراجعهم الثقافي والفكري الكبير في نظره. يعتبر نيتشه بأن "إدمان الخمر والمسيحية والموسيقى الثقيلة" هي العوامل التي دمرت الألمان. يذكر في ذات المقاطع فكرة لا تبدو دقيقة، لأن الفن منذ أقدم العصور ارتبط بالدولة أو المؤسسة الدينية على الأقل، لكنه يكتب، "ان فكرة دولة خالقة للثقافة فكرة حديثة. تحيا الواحدة على حساب الأخرى، تزدهر الواحدة على حساب الأخرى. كل العصور المزدهرة للثقافة هي عصور انحطاط سياسي، كل ما هو عظيم في جانب الثقافة كان دائماً غير سياسي، بل ومضاداً للسياسة." بل ان ازدهار الفن في عصر النهضة ارتبط بدعم أسرة مديتشي للفنانين والشعراء. يواصل نيتشه معارضته للنزعة الديمقراطية العامية في الثقافة ويرى بأن الرجولة هي ما يجب التركيز عليه وأن القوة تتجسد حتى في أعظم الآثار المعمارية التي خلفها لنا البشر.

في الفصل الأخير، يشن نيتشه هجومًا على أسماء لامعة لا تروق له. تبرز النزعة الذكورية لديه بقوة عندما يقول عن سانت بوف بأنه "امرأة حقيقية" وأنه يحمل "حقد المرأة على الرجال". وعن الكاتبة جورج إليوت يدين الاخلاقيات الإنجليزية التي تركت الإله وتمسكت بالأخلاق المسيحية. وتشمل قائمة هجومه هوغو وجورج صاند وإميل زولا وآخرين. وفي حديثه عن داروين ونظرية النشوء والارتقاء يعارض نيتشه فكرة ان الصراع من أجل البقاء في حقيقة الأمر، ويشير الى أن الذهن ميزة الضعفاء لا الأقوياء – الذين يحبهم – حيث يقول، "الضعفاء أكثر نباهة يجب ان نحتاج الى الذهن كي نتوصل الى أن يكون لنا ذهن – إننا نفقده حين لا نعود في حاجة إليه." حيث يرى بأن القوة تعوض عن الذهن – الحذر واخذ الحيطة – عند الأقوياء.

ختامًا، انه كتاب يثير فينا التساؤلات مع كل سطر فيه، يثير فينا الرغبة في الاعتراض او الاتفاق. انه كتاب يستفز القاريء ليفكر وهذا بحد ذاته نجاح كبير، راقت لنا أغلب الافكار فيه أم لم تنل رضانا على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر