الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادونيس وتهريب جائزة نوبل

علي حسن الفواز

2006 / 3 / 20
الادب والفن


من عادة القيمين على منح جائزة نوبل ان يؤطروا اختياراتهم للفائزين بتوصيفات ومقدمات تعطي للشخصية الثقافية المختارة نوعا من التميّز وقوة الحضور التي تؤكد جدية وموضوعية الاختيار اولا، وكذلك منح الشخصية(المنتقاة) قيمة نوعية واستثنائية في مجال انجازها وتفردها في الفضاء الثقافي ناهيك عن( البهارات النقدية) التوصيفية التي تجعل هذا الاختيار بمثابة قصب السبق في خدمة الجمال والانسان والحضارة وتأهيل النوع الثقافي للقرن المعلوماتي !!! وهذا ما جرى للمسرحي الانكليزي هارولد بنتر الذي فاز بالجائزة دون غيره لان القيمين قدموه بمواصفات وخصائص خارقة للعادة ...وانه صاحب حظوة درامية وكاريزما مسرحية اعادتنا الى زمن برناردشو !!!! حد ان البعض سماه اله المسرح!!! وهو رغم اهميته في هذا الضرب من الفنون ،، الاّ ان القيمين تجاوزوا بهذا الاختيار اكثر المبدعين استحقاقا للجائزة ابداعيا وتاريخيا وتأثيرا واقصد هنا الشاعر العربي ادونيس ، الذي يعدّ الان رمزا كونيا من رموز ثقافتنا المعاصرة ، فضلا عن انه قدمّ نوعا ثقافيا يتسم بالجرأة والحيوية والوعي الفاعل والانحياز الى قضية السؤال الانساني والحضاري في بحثه عن الهوية والوجود والمصير ...وهذا ليس بحساب الانحياز لادونيس رغم عدم الاتفاق مع الكثير من افكاره ، لكنه اكثر الادباء والباحثين في الشأن المعرفي والشعري استحقاقا لهذه الجائزة ،،كما ان الفائزين بهذه الجائزة في السنوات الاخيرة هم اقل قامة وحضورا من ابداعية ادونيس ...
ان الحسبة النقدية التي يمكن قراءتها في المشروع الادونيسي تعطي له الارجحية في التقييم وفي والتعريف وفي التأثير ضمن اطار الحوار الثقافي الانساني الذي يتسم بسمات غاية في التعقيد والتشابك والتي كان ادونيس، احد ابرز الشهود الكونيين عليها والفاعلين الجادين في حراكها الثقافي ، ليس لانه صانع اسئلة من الطراز المثير ، أو انه الشاعر الذي يفكر بامتياز في اطار لعبته المدهشة شعرا وفكرا وبحثا في روح الاشياء وسرانيتها المريبة ،حسب ،وانما لانه الاكثر استغراقا باتجاه تأسيس انساق حقيقية للظواهر الثقافية العربية والاسلامية والانسانية خارج اطار القراءات الاستشراقية التقليدية وخارج اطار التشكلن في ايهامات ثقافة الازمة التي أسس عليها الكثيرون خطاباتهم في التعاطي مع ثقافة المكان والوجود وليس ازمة ثقافة الانسان وهويته وحريته ..
ولاشك ان الخطاب الثقافي الشعري والمعرفي والنقدي عند ادونيس يملك قوته من خلال تجاوزه ازمة المثقف العصابي او المثقف المكاني، باتجاه استحضار فاعلية المثقف الاشكالي الباحث عن حقيقته ووجوده في سياق الصراع الانساني / الحضاري وفي اجندة الحوار الساخن ازاء منعطفات تاريخية افترضتها طبيعة التحولات الكونية واستحقاقات الانتقال من عصر العلوم الى عصر المعلوماتية وانعكاسات ذلك على الثقافة والهوية والوجدان والوجود العربي وحقوق انسانه المغيب بسبب عوامل موضوعية وعوامل داخلية تبدأ من ازمة العقل العربي التقليدي العصابي المتورط بانتاج اشكال معقدة للسلطة والوجود والحكم والحرية والمعيش وانتهاء بازمة العقل الاورو امريكي في تعاطيه مع حقائق الارض وما يتمظهر عليها من معطيات واسئلة !!
ان ادونيس نموذج للمثقف التنويري الذي تجاوز لحظته المحلية، وهو و رغم حضوره كروح فاعلة في نصوصه وخطاباته المثيرة للاسئلة دوما ، مع أو ضد !!! الاّ انه اضحى نموذجا المثقف الشمولي القريب من الكثير من اشكاليات الاسئلة الكونية التي يواجها الانسان الجديد في بحثه عن الوجود وتحديه لازمات الهوية وغياب الحقوق المدنية ومهيمنات الفقر والظلم الاجتماعي والحروب والاحتلالات وغيرها من الضواغط التي اوجدها العقل الغربي الامريكي ذاته !!!
ان منح جائزة نوبل لايقلل ولا يضيف شيئا لادونيس ، واظن ان تاريخ رفض هذه الجائزة كثير !! لكن ما يدعو للاسئلة هو الاجحاف واللا موضوعية التي تم تجاوز اكثر الادباء والمفكرين حضورا في عالمنا المعاصر ،، وربما يعيدنا هذا التجاوز الى السؤال القديم حول النوايا والتوجهات السياسية التي تمنح بموجبها جائزة نوبل ،،والتي تؤكد مرة اخرى سوء القراءة التي تطرح حسابات استباقية في القياس والاختيار بعيدا عن وضع القراءة النقدية الفاحصة وتجاوز حسابات ( بعض الجهات ) التي تجعل من منح هذه الجائزة وكانه تأييد لفكر هذه الجهة اوتلك ... لقد وقع المانحون في هذا المحظور وتداخلت معهم الحسابا ت ،،،ويبدو انهم رضخوا للنداء المجاور الذي يقول ان منح الجائزة لاديب عربي ومسلم رغم علمانيته وحضوره الكوني هو نوع التبريك لافكار العنف والارهاب التي تأتي الينا من الشرق العربي والاسلامي..
وبهذه القراءة اعادونا القيمون على اهم جائزة عالمية الى دائرة العنصرية والدم الازرق وبطلان الحديث عن عالمية الثقافة وعولمة تداولها ..وجدية الحوار الثقافي الانساني الذي ينبغي ان يكون متوازنا وشفافا ، لا اثرة فيه لدم ازرق على دم بنفسجي ، ولا للغة ساكسونية على لغة عربية او فرنكفونية ......
لقد كنا نحلم بحلول ثقافية لازماتنا المعاصرة بعد ان اصابنا اليأس من اصحاب النظريات العسكرية والامبريالية والاحتلالية .....
انها محض دعوة للشيوخ الارستقراطيين جدا ، والباردين جدا ، والحرفيين جدا ، والصارمين جدا بتقاليدهم المهنية ،،لان يكونوا اكثر ابصارا خارج القفص النرويجي ، ليروا ان السماء جميلة وان الاخرين مازالوا يحرثون الارض بامتياز !!! وسندعو في السنة القادمة الى تهريب جائزة نوبل عند ساعة نومهم في ليالي اوسلو الباردة !!!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا