الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصاصات سيلوسية 22 : ألا يستحق من اكتشف الله أكبر جائزة في العالم ؟

سيلوس العراقي

2018 / 5 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بمعزلٍ عن كلّ ما قيل ويقال وما يمكن قوله. فأن اليهودية بدأت ولادتها بشخصٍ فردٍ عاديّ تحوّل إلى فردٍ غير عادي، الى انسانٍ أحدثَ أكبرَ ثورة في تاريخ البشرية. كان انسانًا بدويًا، عاش قبل 4000 سنة تقريبًا، كان من بلادٍ أطلق عليها اليونانيون الأغريق بعد أكثر من 1000 سنة من رحيله، اسم : ميزوبوتاميا، بلاد بين النهرين.
الثورة العالمية والتاريخية التي قام بها هذا الرجل الفرد، لم تكن ثورة مسلّحة، بل فكرة نمت وتحولت الى حقيقة قلبت بل تحدّت مفاهيم ورؤى البشرية. فكرة جريئة للغاية، فكرة ابتكارية وحيدة قلبت مفاهيم العالم منذ ولدت وانطلقت معه، ولم يتمكن أحدٌ على وجه الأرض من ايقاف مفعولها.
الانسان أعلاه لم يكن إلاّ "ابراهام"، ونسميه بالعربية ابراهيم، وفكرته ـ انجازه في الثورة البشرية الجريئة إنه : إكتشف الله.
ان قصة ابراهام واكتشافه لله لم تروى في كتب البيبليا العبرية لأنه بحسب البيبليا : ان الله بمبادرة منه كشف نفسه لأبراهام وتكلّم معه.
لكن الرواية الابراهامية من خارج البيبليا العبرية، التي يمكن اعتبارها الى حدٍ كبير نقطة البدء للفكر والتأمل الفلسفي للوجود، الذي يُحسب كأسبقية لابراهام في هذا الاكتشاف.
ففي مجموعة القصص الواردة في شروحات "المدراش" يأتي ذكر رواية الاكتشاف، أو الكشف الالهي بالتعبير الثيولوجي.
ابراهام وبينما كان يسير خارج مدينة "اور" أوقفهُ قصرٌ فخمٌ كبير، فأخذ يتفكّر : "هذا القصر ينبغي أن يكون قد جاء الى الوجود بنفسه ؟"، وبدأ يضحك ابراهام على نفسه لهذا التفكير: القصر لم يكن بامكانه أن ينوجد لحاله بنفسه. بناء فخمٌ وضخمٌ كهذا يتطلب وجود معماري وبنّاء. وبدأ وميض التساؤلات والتفكر لدى ابراهام في ربط أمور الوجود ببعضها : العالم أيضًا بكلّ مكوناته المعقدة وجماله يحتاج الى صانع يجعله موجودًا. فالعالم لم يكن موجودًا دائمًا، من الضروري أن يكون له بداية، لا بد من وجود صانعٍ فائق سابقٍ له.
في عالمنا المعاصر النظرية السائدة "أن العالم كان دائمًا، أي أنه أزلي"، النظرية هذه لا تقبل الفكرة اليهودية القائلة بأن العالم تمّ خلقه في لحظة معينة من لا شيء creatio ex nihilo بل تمّ إعتبار الفكرة اليهودية مستحيلة. فالنظريات العلمية والفكرة اليهودية، هل باتتا في حكم اللقاء المستحيل؟
ظهر جورج جامو في عام 1946 بنظرية تحدّت العلماء بقناعة جامو أنّ الكون بدأ في لحظة من الزمن، 15 بليون سنة : من لا شيء. انه لم يحاول شرح الانفجار العظيم، البنغ بانغ Bing Bang ، كما لا يمكن شرح ماقبل الانفجار لغاية الوقت الحاضر. ومنذ الستينات من القرن الماضي أضحى من الممكن الكشف عن الاشعاع الكهرومغنطيسي الذي تنبأت به نظرية الانفجار العظيم وتقييم استنتاجاته. فمنحت الى (أرنو بينزياس مع روبرت ولسون) مُساعدي (جامو) في عام 1978 جائزة نوبل تقديرًا للاكتشاف هذا، بعد 10 سنوات من وفاة جامو.
ولم تتم الاشارة الى المدراش والى رواية ابراهام (!) كرائدٍ ومكتشفٍ للنظرية القائلة بأنه في لحظة زمنية معينة تم انوجاد (خلق) العالم من لا شيء، أو من عدم، الفكرة التي تم تسجيلها باسم غير ابراهام، وتم اعتبار الفكرة في القرن العشرين بحسب قول للبروفسور في هارفارد، (ستيفن واينبرغ) الحائز على نوبل، على أنها من أهم اكتشافات القرن العشرين.
ان من كان يستحق التكريم في اكتشاف الله وفكرة خلق العالم في لحظة زمنية معينة هو ابراهام، الذي يسميه البعض بالنبي ابراهيم، انه ليس بالنبي، انه أول انسان على وجه الأرض تمكّن من اكتشاف الله والحديث معه. مع أن بعضكم لا يصدق، وعدم تصديقكم لا يغيّر شيئًا من ريادة ابراهام.
وبحسب (ستيفن هوكنغ) أحد العلماء من كامبرج فان اللحظة الزمنية المعينة (للخلق) تقع خارج القوانين الفيزيائية الحالية وأهدافها. والى أجلٍ مستقبلي غير محدّد.
وفي الحيث والحين الذي لا يمكن للعلم من أن يدعسَ قدمًا، فان الايمان اليهودي يتحداه بالقول : "في البدء خلق الله : (العالم ـ الكون) السماوات والأرض".
تمامًا مثلما فكّر واعتقد ابراهام بأن الخلق من دون خالق، إنما هو أمر لا معنى له.
فاذا كنت تؤمن هكذا، كابراهام، لا بأس، لكنك لا يمكنك البرهنة عليه تمامًا. مع أن هذا أكثر مقبولا ومنطقيًا جدًا.
وإن كنت لا تؤمن هكذا، أيضًا لا يمكنك البرهنة عليه تمامًا. مع أن خيارك ليس منطقيًا.
والى القصاصة السيلوسية القادمة : تحية وسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وجود ابراهيم يرفضه المؤرخون الجادون
معلق قديم ( 2018 / 5 / 28 - 16:22 )
تحية وسلامات يا أستاذ سيلوس.طال غيابك عن الحوار.ألعله تشارك وجداني مع صائمي الشهر الكريم؟

لا أظن أنني أضيف إلى علمك جديد فلا يفتى في التنخ وسيلوس في المدينة لكنني أود التذكير بأن أغلب الظن أن ابراهام شخصية اسطورية فاسمه مجرد لقب ويعني (أب الأعداد الكبيرة) والمعروف أن التوراة تهتم دائما بالأسماء وتحاول تفسير مصدرها ولكم في ذلك العديد من الأمثلة آدم حواء بابل اسمعئل يضحاك يعقوب مصرايم بيرشبع




(((اذا كنت تؤمن ... كابراهام ... هذا ...منطقيًا جدًا)))

المنطق ليس تخمينا بل هو علم له أصوله ويقوم على قواعد وقوانين لاثبات أو دحض النظريات والأفكار..وبما أن نظرية ابراهام لا يمكن اثباتها كما ذكرت بنفسك أعلاه فلا يصح القول أنها منطقية

أنها تناسب عقلية الضعاف قليلي الثقة في قدرة العلم:
يختلقون خالق موهوم يريحهم من البحث والتفكير (أتحتاجون لتذكيركم بالبيت الشهير؟)
ثم يسخّرونه كذلك لازالة مخاوفهم أمام صعوبات الحياة والبلاوى والمصائب


2 - السببية
nasha ( 2018 / 5 / 28 - 16:38 )
Causality او ما يطلق عليه بالعربية السببية هي الطريقة الوحيدة التي يعمل بها العقل البشري
من هنا تكون فكرة المسبب أو الخالق أو البادئ فكرة منطقية يمكن إدراكها بالعقل
سواء كان البادئ هو البغ بانغ أو الله في كلتا الحالتين الفكرة الأساسية هي المسبب الأول.
معك كل ألحق لو كان فعلا إبراهيم هو اول انسان فطن إلى ما يسمى بالمونوثييزم أو السبب الأول يستحق جائزة نوبل بالفلسفة. ولكن هل يمكن إثبات أن إبراهيم هو صاحب الفكرة الاول تاريخيا؟

من الملفت أن الإنسان بالرغم من كل التطور العلمي والفلسفي لا زال يستعمل نفس طريقة التفكير ولم يتمكن من أن يجد بديل لمنطق السببية .
تحياتي وشكرا لإثارة هذا المنطق الفلسفي الذي قد لا يروق للملحدين بالرغم من أنهم لا يستغنون عنه ابدا ولكنهم ينكروه على غيرهم


3 - الى المعلق القديم
سيلوس العراقي ( 2018 / 5 / 28 - 16:57 )
اذا كان هناك رواية لشعب حي حول حدث أو شخص معين
فهناك شيء من الصدق والحقيقة خلف ذاك الشخص او الحدث

ايمكن ان اقول للمعلق القديم لو كانت له خبرية تاريخية حول احد اجداده تعود الى قرون سابقة
بان خبريتك او روايتك لا صحة لها؟
في هذا المجال العلم لا يمكنه تفسير كل شيء
لان العقل الجمعي لشعب معين له كلمته واصالته احيانا
العقل والمنطق هما في نسابة
لذلك من المنطق ان تقبل ذلك
خاصة ان علم الاثار لا يمكنه نفي او تثبيت ذلك لان الرواية الجمعية تتعلق بفترة بدوية والبدو لا يتركون آثار بل حكايات عائلية حول اجدادهم
لذلك نحن في مجال لا يمكن اثباته وبنفس الوقت لا يمكن دحضه
انا شخصيا لا اجد ان الاعتقاد بوجود شخص كابراهام مسالة صعبة او مستحيلة انتروبولوجيا

في عائلة الكثير من الشعوب والعشائر قصص وروايات قديمة تروى وتكتب لتشير الى الاحفاد عن اصولهم ومن اين اتوا اجدادهم قبل قرون عديدة
هل ترفض القبول بها؟
الموضوع شيق لكن من المهم ان لا نخلط روايات وقصص اصول الشعوب مع العلوم
وبنفس الوقت حين لا تملك برهانا على بطلانها
يكون احترامها افضل
العلم ليس لديه اجابات على كل المعضلات
تحياتي


4 - الاخ ناشا
سيلوس العراقي ( 2018 / 5 / 28 - 19:57 )
شكرا لمرورك وتعليقك
اتفق معك كثيرا
تحياتي

اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال