الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطن والسلطة: ثلاثية المخلص والقائد والملهم

أمنية حامد

2018 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كثير ما يُكتب التاريخ كتتبع لمسارات و إسهامات نخبة من الشخصيات البارزة والمؤثرة في مجري الأمور والمعبرة عن روح العصر و تحدياته - مابين قادة و علماء وفنانين..إلخ.

بالمثل، إذا ما فحصنا تاريخنا لعادة ما نجده هو ايضا يُكتب كسير لافراد، إلا انه في حالتنا، يتميز باقتصاره علي مسار الزعماء و القادة (رأس منظومة السلطة). يمكننا عزو تلك الظاهرة - جزئيا- لطبيعة التغيير المتعثرة من التبادل السلمي للسلطة في عديد من بلداننا والتي تتميز بطول الفترة الرآسية من ناحية، وارتباط تغير الحكم بفترات تذبذب وصراع من ناحية أخري (مثل انقلاب عسكري أو اغتيال سياسي..).

يواكب تلك الطبيعة المتعثرة عدد من التوجهات و التي تنصب علي محاولة تشكيل وعي الأمة في رؤيتها لرأس المنظومة، لتكوين "البطل" علي مسرحنا السياسي، كمحاولة لتحقيق الاستقرار السياسي:

- البطل المخلص: فيقدم الرأس الجديد كالمخلص من ظلمات المرحلة السابقة و مشقاتها.
- البطل الأوحد: إختزال لحركات التغيير في شكل فردي و شخصي لجهود وتفاعلات هذا الفرد الأوحد.
- البطل المنتظر: إعادة كتابة تاريخ الفترات السابقة لإحداث نوع من الوحدة التاريخية، فيكون ظهور البطل كتحقيق لنبوءة تشكلت منذ أمد.
إضافة للهالات السابقة، نجد توجهات تهدف علي إحداث تطابق ما بين شخص البطل و كينونة الأمة، فيعتبر أي رأي مخالف أو صوت مساءل لهذا البطل كأهانة للأمة.

إلا انه مع كل مرة يقدم لنا بطل جديد، نجد شعوبنا ماثلة أمام معضلة أساسية نتيجة لقصور طبيعة هذاالبطل المخلص.
*****

البطل: معضلة القصور
-------------
ليس بالغريب ان تتبلور حواديت الملحمات و البطولات حول معاناة جماعة ما وظهور البطل المُخلص، لتدور الأحداث حول معاناة هذا البطل ثم لحظة يقظته لمحاربة الصعاب في سبيل جماعته، وبزوغه منتصرا ليضئ الطريق للآخريين للمضي قدما.
هنا عادةً ما تنتهي الحدوتة! ليس ذلك إلا بالطبيعي، فالبطل انتهي دوره متي انقشعت الظلمة.

المضي قدماً لا يتطلب البحث عن بطل محارب، ولكنه رهن لبزوغ نوع آخر من الرجال، نوع ذات بعد استراتيجي، نوع قادر علي مواكبة الظروف المتغيرة للتعايش مع فترات اطول من لحظات التغير. فيكون بزوغ القائد والسياسي.
*****

القائد: معضله الهشاشة
-------------
هنا نجدنا أما المعضلة الثانية الناجمة عن هشاشة منظمات المنتصف (المنظمات الفاصلة ما بين رأس السلطة و المواطن) في العديد من بلداننا، و المتجلية في ضعف المجتمعات المدنية والأهلية والأحزاب سياسية و وهن السلطات التشريعية و القضائية (مقال سابق “ رأس و عديد من الأرجل”).

نجاح هذا القائد في تلك الاوضاع يعتمد علي تفعيل آليتين: أولهما هو تفعيل منظمات المنتصف وبشكل سريع و ذلك لتحقيق الاستقرار والنهضة، ثانيهما ان يعمل هذا القائد كالملهم لشعبه مما يتيح للمواطنين تفعيل بدائل - ولو مؤقته- لعمل منظمات المنتصف و تهيئة المناخ للتغيير.

إذا ما رجعنا لتاريخنا لوجدنا نماذج لرؤساء جمعوا ما بين هالات البطولة، و حنكة القائد، و كاريزمية الملهم. اعتمد البعض منهم و بشكل مكثف علي كاريزميته لحشد شعبه وراءه، واعتمد البعض الآخر و بدرجات متفاوته علي إثراء هيكل المجتمع بتفعيل منظمات المنتصف.
*****

و لكن ماذا ان حدث التعثر؟ ماذا ان لم يبدل البطل المخلص بالقائد و لكن - و بدلاً عن ذلك- رُفعت هالات القداسة حول رأس المنظومة مع مصاحبة ذلك لإضعاف ممنهج لمنظمات المنتصف؟
لهذا الوضع خطورته و عوامل تزعزعه. فقوي العرفان بدور البطل - مهما عظمت ملحمته- لن تلبث إلا ان تضعف و تنقشع تدريخيا أن لم تعزز هالات البطولة بأنجازات القائد.

كيف إذن يحدث التغيير في مثل تلك الحالة؟ أحد السبل هو انتظار بزوغ بطل آخر و مخلص جديد ( و إعادة الجرة السابقة).
وهنا نعود لمشهد الصراع في الحلبة السياسية. فلا يغيب عن السلطة الحاكمة ان بزوغ هذا البطل عادة ما يأتي من محيط الرأس -كما هو جلي من تاريخ بلداننا- و ذلك نتيجة لهشاسة منظمات المنتصف. و هو ما يفسر الهاجس الأمني لدي السلطة (خاصة ما ان كان رأس السلطة عسكرية الخلفية)، كما يفسر الاعتماد علي “أهل الثقة” عوضا عن أهل الكفاءة، إضافة لحملات التصفية السياسية التي تتبع التبادل المتعثر للسلطة.

السبيل الآخر للتغيير هو بزوغ الملهم علي النطاق الشعبي.
*****

الملهم: بؤرة الضوء
-----------
هو ليس بالبطل المخلص، أو قائد المنظومة، و لكنه بؤرة الضوء التي بامكانها إضاءة بؤر أخري محيطة.
الملهم هو الدور الذي يربو له كل بطل و كل قائد، ولكنه ليس حكرا عليهم. فحينما تعاني المجتمعات من قصور حزبي و تهميش لدور المثقف إضافا للقصور المؤسسي، نجد ان مساحه الاسهامات الفردية تمتد لشغل هذا القصور وعليه يكون تجلي دور الملهم.

قد يكون هو الفنان/ الفنانة، الرياضي/ الرياضية، العامل/العاملة، الطالب/ الطالبة، ربة المنزل، بائع/بائعة الشارع، فنكون أمام شخصية الملهم أو الملهمة. كما قد تكون لحظة أو موقف يترفع فيها مواطننا أو مواطنتنا لتكوين مثال وقدوة لمن حوله.

ليس الهدف المباشر هنا هو التغيير السياسي و تبادل السلطة، ولكن النهوض عبر القاعدة الشعبية بتفعيل امكانيات افراد المجتمع وقدراتهم الذاتية للترفع عن الوضع المتعثر. فيكون نموذج التغيير منبثق من القاعدة-لأعلي (Bottom-Up) بعكس التغيير الموجة من رأس المنظومة (Top-Down) والطامح للحاكم البطل والقائد المخلص.

لطبيعة التغيير من القاعدة-لأعلي في مثل تلك الحالة ميزتان: اولهما اثراء المجتمع بآليات التعايش و الإزدهار (النسبي) برغم تعثر منظمات المنتصف، ثانيهما تهيئة أرض خصبة لإصلاحات مؤسسية و تغييرات علي المدي الزمني الأكثر امتدادا.

ختاما علينا التأكيد ان ما نطرحه هو ليس عوضاً أو بديلاً عن النداءات بإصلاحات سياسية و مؤسسية لمجتمعاتنا، ولكنه إلقاء الضوء علي آلية تميز مجتمعات مثل مجمعاتنا، وهي إلية قادرة علي تفعيل قوي التغيير.

( نأمل ان نتوقف في مقال لاحق للحديث و بإختصار عن النظرة الشبكية (Network) للعلاقات المجتمعة، وهو الإطار النظري لحديثنا عن تفعيل دور الملهم.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة