الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبب الإقبال الجماهيرى المتزايد على برامج المقالب للفنانين

إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)

2018 / 6 / 3
الادب والفن


يتسائل الكثيرين عن السبب وراء الإقبال الجماهيرى المتزايد على برامج المقالب لفنانين خاصة العنيفة منها، والتى اخذت فى استعراض تدرج عنف المقلب المُدبَر سنة بعد سنة فى الأعوام الماضية، والتى قد أحلت محل الكاميرا الخفية الخفيفة المتعارف عليها لدى الشعب المصرى، والتى كانت تخص العامة وتكشف بلطف عن جوانب مختلفة فى شخصية المواطن المصرى.

فنجد هذا التساؤل لدى الكثيرين من المتابعين وغير المتابعين، الراغبين فى المشاهدة بفضول أو النافرين، سائلين عن السبب فى نفوس غيرهم وفى نفوسهم، فهناك من يتابع مستنكرا المعاملة العنيفة والصراخ مندهشا من انجذابه الشخصى ومتابعته هو أيضا لهذه البرامج، كحال كثير ممن هم ناقدين وكارهين لها مثله!.

وفى هذا المقال أحاول أن أجيب على هذا السؤال وأقدم وجهة نظرى الخاصة عن الأمر.

عزيزى القارئ
إن كنت متعجبا من هذا الطموح الجماهيرى فى الزج بفنانيهم ومشاهيرهم إلى قفص الألم والتعذيب المؤقت، فعليك أولا أن تتعرف على نظرة المجتمع للفنان عموما وفى الفترة الأخيرة خصوصا

وأن تحلل تلك الأسئلة وتتفحصها

- من هو الفنان فى نظرة المواطن البسيط؟
- من تكون الفنانة فى اعتباراته؟
- ما هى أفكاره العامة والشمولية عن المجتمع الفنى، وأخلاق الوسط الفنى وسلوكيات الفنانين والفنانات؟!

حتى تتعرف على ذلك جيدا أدعوك لإلقاء نظرة على تعليقات المشاهدين على موقع اليوتيوب على اى مقطع فيديو فيه لقاء لفنان أو فنانة أو حتى عمل فنى له أو لها، مع الجدير بالذكر أنه لا يشترط أن يكون هذا المقطع غير أخلاقى أو سفيه!

فستلاحظ تلك النظرة العامة من العامة عن هؤلاء العاملين فى المجال الفنى وأهل الفن، والتى ترى من منظورها كم أن حياتهم مليئة بالأفعال المشينة وقذارات التصرفات الاجتماعية وغيرها من الصفات المنعوت بها هذا الوسط، والتى تجد بدورها أنها إحدى مسببات الإساءة إلى المجتمع وتشوه صورة هذا الوطن.

ويتناسب هذا المنظور طرديا مع سوء الأحوال الاقتصادية والإجتماعية المتردية فى المجتمع ويزداد عنف تأثيرها على المواطن البسيط، مع كل ضغط نفسي يعانيه من حرمان مادى وانعزال عن الرفاهية والحرية والقدرة على التعبير.

وتزداد الفجوة بين واقعه المُحبِط وبهرجة الفنانين لحياتهم الخاصة والفنية، وظهوراتهم العامة فى وسائل تواصلهم الاجتماعى والإنفتاح على خصوصياتهم ويومياتهم وتكلفهم فى اللقاءات الحوارية.

ويساعد فى تلك النظرة المجتمعية السائدة لهم زيادة التكلف والحضور المفتعل لأغلب الممثلين والمشاهير، والذى أصبح ظاهرة فى الآونة الأخيرة أن يتواجد العديدين فى الساحة الفنية ممن هم راغبين فى الشهرة والمجد الجماهيرى، لا فى تقديم فن أو إبداع حقيقى، هذا إلى جانب تَصّيُد الإعلام والمنافسين لهم لفضائحهم وبعض الأفعال التلقائية التى تتسبب فى نفور العامة منهم.

وللأسف من الحق علينا أن نقول أن كثير من المشاهير غير المبدعين قد قدموا بكل أنانية فرص الكُره لهم ولفنهم، وتسببوا فى أذى التعريف بهذا المجال الإيجابي فى ذاته، حيث كانوا سفراء سيئين عنه مقدمينه بصورة سلبية، تسببت فى ظهور مشاعر سلبية من الحقد والنفور والإحتقار له ولهم، فلقد استغلوا هذه القيمة الكبيرة للفن واعتبروه منبرا حرا لجشعهم فى تنفيذ مطامعهم الشخصية فى الظهور، وتنفيذ تصرفات لم يكونوا على أدنى قدر من الجرأة فى تنفيذها، وهم مواطنون عاديون لا يملكون القدرة فى التصرف الفردى المسئول، بدون مساندة من هوس الشهرة واستغلال غيرهم لهم كما هم يسَتغِلون.

وهكذا نمت تلك النوعية من البرامج بإتجاهاتها المريضة، فى ظل هذه النظرة السلبية المتزايدة تجاه الممثلين من المجتمع بشكل عام، والتى لم تكن وليدة هذه السنوات الأخيرة وتغيراتها الإجتماعية فى مصر والعالم العربي، بل كانت موجودة منذ زمن بعيد بسبب شائعات ومعلومات عن بعض العاملين فى هذا المجال، وكانت فى بداياتها فى حالة نواة صغيرة لهذا النفور والإستصغار، ومع الوقت وتغير المنهج الفكرى للمجتمع بشكل سلبي بقدر ليس بقليل إلى جانب سوء الأحوال الإقتصادية للبلاد وغيرها من العوامل، وجد المشاهد نفسه فى حالة صريحة من العدائية تجاه من يعملون فى المجال الفنى.

فعند ظهور برامج الكاميرا الخفية فى شكلها السوى وتقديمها لحالات إنفعالية مختلفة للمواطنين البسطاء لسنوات، كان يتقبلها ويطلبها المشاهد، عندما كانت الظروف التى يمر بها تتحمل هذا القدر من مواجهة النفس، والتى كانت مازالت تحمل قدرا ليس ضئيلا من الرضا، إنما مع التغير العام فى أحوال البلاد وأحواله الشخصية والنفسية فى السنوات الأخيرة، ومع ازدياد تدهور ظروفه الخاصة وزيادة اللآبهة الزائفة حول الفنانين، وهوس مواقع التواصل الاجتماعى التى فعّلت الجوع إلى التجمهر والزيف، زادت من هستيريا التجمل والتكلف لدى العامة عموما والمشاهير خصوصا، وبدأ وجود احتياج دفين لدى المواطن العادى للتنفيس عن نفوره من هذا الفراغ الكبير والهوة الضخمة التى تفصل بينه وبين هؤلاء المدعين غير المبدعين.

وحين جاء أحد اعضاء هذا المجال ليأتى بزملاؤه إليهم ويضعهم فى مواقف تُظهر قدر كبير من حقيقتهم كما يرى المشاهدين، خاصة فى الحالات الحرجة حيث تضغط بالخوف على التحفظ الواعى لديهم، ومن جانبه يشارك المشاهدين فى تهكمهم عليهم، وذلك فى أولى فقرات البرنامج حيث فقرة السخرية على كل فنان بعد التعريف بإستضافته قبل بدء المقلب، وهى تحوى العديد من الجمل الساخرة المُستَصغِرة للفنان المستضاف، والتى تحمل أحيانا ألفاظ وجمل مهينة بشكل حاد الوضوح.

وبعد هذا التوافق بين المذيع الممثل وبين المشاهدين، ينتظرون ظهور الفنانين على طبيعتهم بعيدا عن التكلف المبالغ فيه، ولقد وجدوا فى هذا تنفيسا كبيرا عما بداخلهم من رغبة فى انزالهم عن عروشهم الهاوية، ليروا ما فى ذلك من تجسيد لرؤيتهم المسبقة عنهم، بأنهم مثلهم كبقية المشاهدين، وأنهم ليسوا فى مرتبة أعلى منهم، كما يريد المتبهجرون منهم أن يُظهِروا دائما.

ومن الجدير بالذكر أن هذه السلسلة من البرامج، والتى تحمل اسم الممثل الذى يذيعها رامز جلال، بدأت فى عام 2011 حتى الموسم الرمضانى من هذا العام على التوالى.

وكما ذكرت فإن الأمر يتزايد طرديا بين سوء الأحوال العامة للمواطنين وبين الآبهة الزائفة والتكلف للمدعين غير المبدعين، وهذا ما يفسر ازدياد الجماهيرية على برامج الكاميرا الخفية العنيفة المستهدفة للفنانين، والتى يزداد عنفها كل موسم عما يسبقه فى اختيار الفخ الذى يُرتَب لهم.

ويفسر ذلك أيضا لماذا يُقبل الكثير من الجماهير على مشاهدة هذه الحلقات برغم افتضاح الأمر بشكل كبير لكثير من الحلقات التى تثبت أنها فخاخ زائفة، وأن الفنان يعلم أمر المقلب قبل خروجه للقاء الفخ الذى سيقع فيه، وأنه يمثل عن وعى وليس عن تفاجؤ، فكثير من المشاهدين المتأكدين من هذا غير مكترثين بمصداقية الأمر، فإنه يؤكد لهم صحة أسبابهم الشخصية لنفورهم من هذا الممثل الضيف، وكذلك المستضيف، لكن الأمر يستمر لإحتياجه لمشاهدة الحلقات، لأنها تحقق مواجهة بينه وبين هذا الممثل الذى خرج عن إطار قوة الحضور والتأنق والتكلف، فهو أصبح انسان عادى مثله يصرخ ويشتم ويخاف بل .. ويُذلّ.

وآخر حالة غالبا هى ما يترجاها عدد ليس بقليل من المشاهدين لتحقيق التشفى فى هؤلاء الذين ينفصلون عن الواقع البائس الذى يعيشونه.

بل والأخطر من ذلك هو تفشى هذا النوع من الهوس المتحمس لأذية حتى فنانين محببين للمشاهدين، وذلك ليراهم المشاهد مثله!، فلقد تشوه مفهوم الإعجاب منذ سنوات فى العديد من نواحى الحياة، والتى ليست داخل نطاق الفن فقط، فلقد أصبح هناك من يعتبر أن هذا نوع من تقرب الفنان له، وحاله يظهر فيها تجعله أقرب وأكثر تحببا من معجبيه!!.

وهذا بجملة المفاهيم المشوهه لدينا فى المجتمع فى الآونة الأخيرة

وأخيرا
فلا شك أن هذا التفسير لا يخص الجميع ولكنى أعتقد أنه يخص شريحة كبيرة من هؤلاء وأولئك، ويعبر عن مدى الأمراض الإجتماعية والفنية التى وصلنا إليها بسرعة البرق، فهى فى تزايد مستمر وسريع، ونتحمل مسئوليتها جميعا كجمهور وفنانين ومسئولين عن تواجد مثل هذه البرامج المُحرضة على العنف الأخلاقى والإستغلال لمسمى الفن ومنبره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وجهة مظر تستحق الدراسة
كريم المليجى ( 2018 / 6 / 3 - 23:13 )
وجهة نظر تستحق الاحترام والدراسة اعتقد ان الوضع الاجتماعى الحالى يحتاج ان يخضع لدراسة نفسية وانتِ قد امسكتِ اول الخيط

اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .