الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كليميم من زمن القداسة إلى زمن العهر

مازغ محمد مولود

2018 / 6 / 4
الادب والفن


كليميم ، تكمن فيما ينقص من الأيام.
لم تنمو تماما ، لم تولد تماما ، لم تنم تماما ، مادام المجاز والواقع يتنافسان ، على امتلاك ناصيتها . نافرة لا تستسلم لظرف . ولا للإبداع و للإبعاد.فلا احد يتعلل ببقاء أكيد.
لن يبقى احد، أما أنت فباقية. ستبقين أكثر من اسمك ، وأكثر من الذكرى . حتى وان تحولنا إلى ندابين ومؤبنين . فضريبة الزمن المصادر، والوطن المغلول، والقلب المقهور، تحتوينا وتحتضننا. نحن نعرف ، لن يبقى احد . أنت الباقية .
لقد مر من هنا، زمن المصحف والسبحة ، الزمن المتثاقل بالهدوء والعجائب ،الخرافة والبخور . كان الانتماء موغل بين الدم والشرايين . يتعذر أن نفهم حركة التاريخ. ننساق لزمن المحمول والألواح الالكترونية . زمن السرعة والفيض والوفرة . الفيض في التفاهة ، والوفرة في الغباوة . ماذا يمكن لنا أن نطلب من هذا العالم ؟ وقد تغيرت الخرائط ، فلا العالم الحالي يعرف أحدا ، ولا احد لديه الرغبة ليعرف..و لا رغبة لتعرف عليه .كل ما نملك تخمينات فقط . كسيجارة انتهت ،أخذت منا لحظة ، تلاشى دخانها في الهباء . لحظة قد بدأت تتشكل في أذهاننا ، صورة وفكرة ، أو كقصة لم يحن أوانها بعد.
في زحمة الحياة المرهقة ، بجميع مستوياتها .ترهقنا الحياة وتسحقنا ، تحت وطأة التناقضات ،والتعقيدات ،المهاترات ،الثرثرة واللغط. وطأة الإرهاق الساحق . كأنها الحياة تحت الحياة . وأنت لا تأبهين لنا. تتفرجين على المشهد اليومي الغامق حتى السواد. أنت المتثاقلة في الرفض، المأزومة في القبول. أنت .. أيتها القديسة القديمة . قديسة حين كنت ترتدين الطين المدكوك..عاهرة في الاسمنت المسلح والبناء الشاهق. ما أجملك ليلا ، وما قبحك نهارا. ما أصفاك صيفا وما أتعسك شتاءا.وحين الشمس بعيدة ، لنصنع لك قرصا يشبهها . ولننظر إليه على انه الشمس .القرص الواهن ، الفقير ، المعتم، لا ينتج الحياة . ولتسقط اللغة ، المفردات النابية ، المبتذلة ، الصيغ غير النحوية ، الألفاظ البسيطة العفوية ..إنها هيمنة السائد على الممكن .. هيمنة بعد الجواب على بعد السؤال ..هيمنة العهر على القداسة .
كليميم العمران الممتد والمتشابك مع خيوط الكهرباء. مع الضوضاء المنبعثة من كل الجهات، تغزو الأذان دون استئذان.لا نعرف عمرها ، ولا الأصل ، وما ترتيبها في صف الزمن . هل تطل علينا قياما ونياما ، أم نطل عليها ..هي لا تنهزم ولا تنتصر .تتقن فن البقاء ، تملك العناد .العناد الذي يكسر الرأس الحديدي .لا بحر لها ،لكي تبتلع كل هذا الصبر والإصرار .لا بحر لها، وتقارع الانفجار والاندحار . تملك من المفارقات ما يجعلها تستوي على العجب . تحاصرنا بالقلق والضوضاء، وتزن في الرأس، الرغبة ..الاشتهاء .تراوغ الموت لتبقى على قيد الحياة ..تخادع معدلات الحياة ،..تكمن فيما ينقص من الأيام
كليميم ، على حافة المنحدر ، وتحت سفح الجبل الشاحب.تلوح كركام مخلفات حرب، لم تنتهي بعد.كالمدى البعيد في رسوم الأطفال . كالقمر على ضفيرة الليل الشجي. كالمطر على أجنحة اللحظة . أو على شكل خبر عاجل يزحف على شريط الأخبار . اسم يلقي علينا التحية ولا يغادر المخيلة . صورة تذكارية مهملة ، وثرثرة على جانب الوقت ، من اجل موعد أخر ، وثرثرة أخرى .
هنا الناس البسطاء إلى درجة الصفر .يفترشون الوطن ، ويحلمون بالذي لا يأتي. بسطاء إلى درجة فيضان الأمل واجترار السخط. بسطاء يجيدون الصبر ، ويجيدون الكلام وفن الخطابة ، كما يجيدون فن الانتماء وفن الوفاء ..هنا عند نهاية الحافة شرقا وجنوبا .. الوقت يتذاكى ، ليل الحياة يتواضع .. نحتاج إلى شمعة مقدسة، تضيء ليل الحياة ، بتواضع ورقة وفا ئدة .لقد فقدت قداستها ، وانحلت أزرارها ، كأم ثكلى ، أرملة صامدة تحضن فجيعتها . امرأة عاقر حبلى بالصبر ، عاهرة ترقص على أهداب الحروف وتتناسل أطلالها ، فرغم العهر المقدس ، رغم ضجيج الحروف والكلمات الساقطة ، تفيق كاشفة المعوج ، والمستور والمشتهى ، ولا تنام .
كليميم ، يا مدينة الغجر الجدد، نرثيك، نرثي الماضي ونجمله، ربما الرثاء احتجاج على الحاضر البائس..فمتى ندق نواقيس قلوبنا . نستعمل شموع ومشاعل عقولنا ..قد تتضح لنا الطريق .فالعهر سيد في السياسة والثقافة، العهر حالة استثناء، العهر ضد القداسة..نرثي ماضينا، نرثي حاضرنا . أم نرثي أنفسنا . ..الإحساس بالفراغ والفقد .التخاذل والعجز والفشل .. انه تعارض الذات مع الواقع ، تعارض العقل مع الواقع، تعارض الحل مع الواقع. انه الإفلاس ، حال المفلسين معرفيا. والمعرفة سياق دائم للتساؤل ..ببداهة ،المعرفة تتطور لكنها ليست يقينية ..المطلق، خطأ، يختبر بالفشل والاستحالة.
لسنا حالمين ، نعرف ان لكل زمن قرابين. خذي من الوقت ما تشائين. سنغني وننشد كالأطفال في قاعة الدرس. لازلنا لم نبلغ سن الرشد .لم نزل مشدودين إلى القمع والقبول. نتكيف مع السائد الجاهز لنا .حتى وان كان الإنسان جوهريا أعظم من ماضيه وحاضره .وخالق مصيره وصانع عالمه . ..نحن لازلنا قابعين. وفق ما يشتهي النظام والضبط... لكن لنغني..لننشد مع محمود درويش شيئا من شعره حين يقول =
أيها الماضي! لا تغيِّرنا كلما ابتعدنا عنك
أيها المستقبل! لا تسألنا: من أنتم؟ وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضاً لا نعرف.
أيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً. فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل))!”
كليميم ، ليست جغرافيا وحسب. بل اسم من الأسماء السابحة في اللامعنى . بل اسم من أسماء المجاز. اتسعت رقعتها ، لتصبح بحجم الحاضر ، وتبتعد عن أصالتها ، تصوغ التحول بأزمتها في تشابك الرؤى ، واختلاط الاغتراب والفراغ. إنها محاولة الإمساك بالطرف الأخر . خيار الانتماء المتصدع بمطرقة الاجترار. لكنها تنحاز إلى نفسها .يسمي الناس شوارعهم وأزقتهم بأسماء عديدة حتى لا يتيهون..حتى لا تبتلعهم الفوضى.يحاولون سرقة المتشابه والمتطابق لكي لا يتيهون مرة أخرى.يتمسكون بما يبقيهم أحياء. كل شيء باهظ الثمن ، إلا المتاعب فهي مجانية .لا حلم في الحلم. نرتدي أسمال اللغط اليومي، نطرق أبواب الحياة الموصدة مبتهلين..أيها الأب السماوي ، لم نعد قادرين على حمل أحمالنا ..احملها عنا، لان طريقنا لم يعد يؤدي إلى هدف ، لان الأرض انخسفت ، نحن في جوفها ..نفتش عن دليل، ولا دليل غيرنا.. نبحث عن أية أو علامة وشارة ..عن نبي يقودنا. ..دون جدوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه