الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم عجائب عراقي - قراءة في رواية أنيس في بلاد العجائب للروائي العراقي ناهض الرمضاني

كلكامش نبيل

2018 / 6 / 4
الادب والفن


في مطلع شهر أيار الماضي، كان لي شرف حضور ندوة عن شعر "احمد مطر" قدمها الصديق الروائي والمسرحي ناهض الرمضاني، وبعد الاستفادة العظيمة من تلك الندوة عن شعر النقد والسخرية في الادب العربي منذ اقدم العصور وحتى عصرنا الحالي، سعدت بهدية جميلة من الاستاذ الرمضاني، وكانت تلك روايته القصيرة المترجمة الى الانجليزية Anys in Wonderland. كتبت الرواية – التي تقع في 58 صفحة – في الموصل عام 2009 وصدرت مترجمة في طبعتها الأولى عام 2015.

تأخذنا الرواية الى عوالم ساحرة وفانتازيا تخاطب فينا ذلك الطفل وتعيدنا الى أجواء رواية أليس في بلاد العجائب لكنها ممزوجة بواقعية وفلسفة وجودية عميقة وافكار سياسية تحاكي روايتي 1984 ومزرعة الحيوان للكاتب جورج أورويل.

ستشعر بالشد وانت تقرأ عن مفاجئات جديدة في كل صفحة، فتصادف حلزونًا يدخن وأرنبا يحمل ساعة فضية وجنود من ورق وتتويج ملك وسقوطه وشطرنج يرمز للحروب الدولية. انه عالم عجائب مدهش بنكهة عراقية حتى وان لم تذكر صراحة.

في الرواية الكثير من الصور ذات الرسائل الخفية والعميقة. سنقرأ، على سبيل المثال، عن تبادل بين حمار وإنسان، ويرى الكاتب بأن الحمار سيندم على قراره بأخذ رأس إنسان لانه سيشعر بالخيبة، فيما سيحصل الانسان برأس الحمار على منصب مرموق لأن نماذجه تحظى بطلب واسع هذه الأيام. وسنقرأ ايضا عن مباريات بين كبار السياسيين، وكيف ينشغل الشعب بذلك وهو يصدق بأن رهانه حقيقي، لكنهم يخدعونه في الواقع ويأخذون أموالهم. عندما احتج أنيس – زائر بلاد العجائب – على ذلك، قال له الأرنب، "القانون لا يحمي المغفلين".

في الرواية، سنقرأ اشارات عن عقوبات تطال من يتحدث باسم الرب او الشعب من السياسيين، قبل ان يأتي شخص يدمج في ملابسه ومظهر لحيته وشاربه كل الانتماءات الدينية والسياسية والعرقية في العراق. كان ذلك التجسيد عبقريا بصراحة. يسخر الكاتب من فكرة الانتخابات عندما نكتشف بأن الصناديق مثقوبة وتقود باوراق الاقتراع الى سلة المهملات. في الرواية اشارات ايضا الى كثرة اشتغال الحمير في السياسة والببغاوات في الصحافة، ويسخر بطريقة غير مباشرة من حرية الاعلام في ارض العجائب ويشير الى مصادرة الاقلام والاحذية من الصحافيين خوفا على المسؤولين.

راقت لي الاشارات الكثيرة لاعمال فنية مهمة في الرواية، مثل اعمال فيفالدي و"رسالة من تحت الماء" لمحمد الموجي واعمال دالي وبيكاسو.

يسخر الكاتب من طرق معالجة المشاكل في ارض العجائب، حيث يكتب بأن طريقتهم المثلى في القضاء على المرض تتمثل في قتل المريض ووقف العدوى.

تتحدث الرواية عن براءة الاطفال وتلوثهم بتقادم السن، وتناقش كثيرا مسأة الوقت وكيف يختار الانسان ساعة بعينها وقد تكون تلك لحظة فراق او ندم. تتحدث كثيرا عن البحث عن اسئلة، ويقول على لسان الأرنب، "من يعتقد بأنه ضائع سيجد الطريق" ونقرأ ايضا، "يجب ان تبحث في أقرب الأماكن. قد يكون ما اضعته قريبا جدا منك فيما تضيع انت وقتك في البحث بعيداً." وبالنسبة له فقد يكون عدم الوصول افضل في بعض الاحيان، حيث نقرأ، "احيانا، من الأفضل ان تتأخر، وفي أحيان أخرى، من الأفضل ألا تذهب على الاطلاق".

في الرواية الكثير من المواقف الساخرة – فيما يشبه الكوميديا السوداء. حيث نقرأ عن قاضٍ بلا وظيفة وكل المشاكل تحل في غيابه، ونقرأ عن "لجنة حقوق الذباب" في اشارة ساخرة لجمعيات حقوق الانسان. سنقرأ ايضا عن طرق الدول البائسة في معالجة الفقر من خلال تنظيم التسول بطرق تقنية جيدة يتم بموجبها توثيق ما يعطيهم الناس إياه بهدف فرض ضرائب دخل عليهم. وفي الحديث عن "البطانة" من ذوي الكروش المنتفخة بسبب تناولهم لتراب الوطن، نشعر بأنها رسالة بأن من يفرط في وطنه سيظل تائها مثلهم لا أرض تحتويه.

في الرواية، افكار فلسفية كثيرة مقدمة باسلوب طريف. بالنسبة للكاتب، قد يبدو انتصار المتحضر مبررًا، حيث نقرأ، "انهم يخترعون، يبدعون، ومن حقهم ان ينتصروا".

عند المرور بثلاث برك للنسيان والذاكرة ومعرفة المستقبل، سنعرف بأن لكل ما نتمناه آثار سيئة قد لا نسعى لتحمل نتائجها اذا ما فكرنا في عمق. فعن بركة النسيان نقرأ، "يعتقدون بأن النسيان علاج لمشاكلهم، لكن الحقيقة هي أنهم وبعد دقائق قليلة سيجدون انفسهم بلا ماضي، بكل ذكرياته الجيدة والسيئة. وسيكونون وحيدين وتائهين ولن يعرفوا بعد ما هم عليه أو ما يريدونه. كما انهم لن يتذكروا حتى السبب الذي من أجله شربوا من هذه البركة". وسنقرأ أمورا رائعة عن معرفة المستقبل وكيف أننا سنفقد كل رغبة في الحياة اذا ما عرفنا ذلك وان البعض سارع للشرب من بركة النسيان بعد ان عرف ما يتوق لمعرفته. انه الانسان الذي لا يعرف ما يريد أبدًأ.

ومن الاسئلة الأخرى التي تناقشها الرواية امكانية وجود نهايات سعيدة واسئلة حول فهم الذات والفائدة من الفهم وما الذي سيترتب على ذلك وكذلك اشارات لهيمنة مبدأ القوة على هذا العالم. من الافكار القوية في الرواية تجسيد المدرسة ومبناها الذي يفتقر للنوافذ والأبواب، لتمثل مكانًا بلا مستقبل يحاكي غياب الشمس في ذلك العالم البارد. في النهاية، يكتشف أنيس السر الذي بحث عنه، في أجزاء من الثانية، ينتهي كل شيء. السر الذي من الافضل ألا نعرفه أحيانًا.

ختامًا، انها رواية قوية وتضم الكثير من الافكار العميقة وقد صورت العراق ما بعد حرب 2003 بصورة فانتازية مثيرة للاهتمام والقراءة.
_








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا