الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سُريالية رومانسية حالمة - قراءة في كتاب -كأنني أسابق صخرة- للشاعرة اللبنانية ملاك مكي

كلكامش نبيل

2018 / 6 / 7
الادب والفن


في نيسان الماضي، اهدتني الصديقة والكاتبة ملاك مكي كتابها الشعري الأول، "كأنني أسابق صخرة". منذ اللحظات الأولى، تصفحته وراقت لي السُريالية المتجسدة في تلك الابيات القصيرة والنثر الجميل الأكثر طولا في صفحاتٍ أخرى. لكنني أجلت قراءته حتى يحين وقته، فللقراءة وقتٍ معين لا يمكننا أن نتدخل في تحديده برأيي.

نشرت الكاتبة اللبنانية والصحافية التي تغطي أخبار العلوم ملاك مكي كتابها هذا العام وقد سعدتُ بحصولي على نسخة موقعة عندما التقيتها في ورشة عمل أقامتها الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت.

في الكتاب تصاوير جميلة وخيال خصب للغاية. هناك تجد أحلام الطفولة وصوت العاشقات الصامتات، فتقرأ عن غفوة مع الشمس تحرم العالم من طلوع الفجر في ذلك النهار، وتقرأ عن سباق تسلق مع الضوء، وعن توق للتحول الى قميص يلبسه صدر فوضوي قبل أن يُخلع ويُهمل.

على مدى صفحات الكتاب الكثير من الانتقالات وكلها جميلة تنبض بالشوق والانتظار والحنين والتأمل والرغبة في الفرار والعزلة والتبدل السريع للبحث عن الفرار من التفكير والرغبة في الشراكة والبحث عن الحب وتصوّر مدى سعادة زوجي الجوارب لانهما دائما معا – في الغسالة وعند نشر الغسيل وعندما يرتديهما أحدهم.

عن الشوق نقرأ، "الشوق يُحيي الروح، يُحيي البشرة" ونقرأ، "للشوق رائحة المطر، للأمكنة رائحة الحنين، للخوف رائحتي". وعن دوامة الأفكار نقرأ، "جميع قطارات العالم تتوقف عند نقطة الوصول، في رأسي قطار لا يتوقف" ونقرأ، "جميل أن أكون فكرة، يزرعني أحدٌ في رأسه، وأتخلص من رأسي".

هناك مسحة حزن واضحة في النصوص، وتتجلى في قول الكاتبة، "حين أغفو أسمع ما يهمسه رمشي لدمعي، حينها أجد السبب". وقد يكون ذلك بسبب فقدان المعنى لكل ما نقوم به، حيث تقول، "كأنني أسابق صخرة، لا أعرف معنى الدهشة، لا الثبات يدهشني ولا الحركة". جعلتني هذه الكلمات أتذكر سيزيف وصخرته وكلمات السياب عن مأساته واستعارته لمقولة سارتر وتحويلها الى "سيزيف إن الصخرة الآخرون".

الكثير من القصائد والخواطر تتحدث عن لقاءات مؤجلة واحلام تتعلق بما سيحدث عند اللقاء. نقرأ، "في العادة أتأخر عن الموعد، تنصرف اللحظة قبل مجيئي، فلا نلتقي" ونقرأ، "عندما نلتقي، لا تخبرني أن الطقس غائم، وأننا في شهر أيلول، أن رجلا مسنا يجلس وحيدا هناك. أن لون قميصي يناسب بشرتي، امسك يدي فقط، تحسس الشوق بين أصابعي واجعلني أصمت". ذكرتني اغلب الابيات بأغاني فيروز التي تتحدث عن الانتظار والحب بلا أمل وقضاء الحياة في الانتظار، لكن الكاتبة تحاول منح الانتظار معنى، حيث نقرأ، "كأن الانتظار حياة، وحين نتوقف عن الانتظار نموت" ونقرأ، "الوقت فراغ وحشي، الموعد يروضه".

تتحدث بعض القصائد ونصوص النثر عن حب غائب أو ماضٍ أو حبيب لا يكترث بشيء سوى أهدافه. كانت مصادفة أن تستثيرني النصوص للتفكير في أهمية ايجاد هدف للحياة لنحيا من أجله، قبل أن اقرأ ادانة الكاتبة للتركيز على الهدف فحسب، الهدف الذي يضيع علينا فرصة الاستمتاع بالحياة. نقرأ عن الحبيب الذي لا يهتم الا بالاهداف واحصاء أعداد القتلى، "ربما لم تكن الحياة سوى ذلك المشهد، أعداد قتلى وأمنيات ان يغمرنا أحدهم".

يبدو الوقت هاجسا بالنسبة للكاتبة، وربما هو كذلك بالنسبة لكل مفكر يطيل التأمل. وسنتفاجأ برؤيتها للأمل بصفته شيء مقلق ومخيف، لكنه سبب القيام بكثير من الانجازات المهمة على كافة الاصعدة.

الكتابة بالنسبة لملاك "صرخة الأصابع من ألم الوخز". راقت لي هذه العبارة جدًا، فيما ذكرتني كلماتها "حزينة كفراشة أضاعت زهرتها، فالتصقت بالضوء" بنص آخر لصديقٍ عزيز كتب ذات مرة عن مندائي أضاع نهره. لكم هو مؤلم ان تضيع ما تحب إلى الأبد!

ترى الكاتبة بأن الحب ضروري في حياة الانسان، فنقرأ، "عندما تجد من يحبك، يكون الطقس جميلا". لكنني تساءلت عند حديثها عن الشمس عن كيفية ان يحب شخص قادم من بلاد حارة نجم مجموعتنا الشمسية، ربما يحب الانسان ما يفتقده وعليه فإن حب سكان البلاد الباردة للشمس أكثر تبريرًا من حب المشرقيين لها. في المجموعة ستبحرون في خيال رائع وتقرأون عن اعشاب تحادث الجدران وحوارات مع الريح والفراشات وشوق للشوكولا ورائحة الياسمين وطعم برتقال يافا ومخاطبات كثيرة للمطر.

في نهاية الكتاب تصرّ الكاتبة على الانطلاق بحرية الخيال الى اقصى حدوده فتقرر الهروب من هذه الارض الى الفضاء على متن بالون ملون وتأخذ معها اشياء بسيطة لتتجنب الحنين والاشتياق الذي يرافق رؤية الاشياء المرتبطة دائما بموقف أو شخص أو مكان. الكتاب جميل ويمثل قراءة خفيفة ذات معانٍ عميقة. أرجو أن يروق لكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير