الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجج لا تشيخ

خالد صبيح

2018 / 6 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



في خضم النقاش حول طبيعة وجدوى تحالف سائرون الذي عقده الحزب الشيوعي العراقي مع الصدريين حدث، ولأول مرة، أن نقل شيوعيون عراقيون نقاشاتهم في مواضيع حزبية وسياسية حساسة الى خارج القنوات التنظيمية التي كانت تنظم علاقاتهم وخلافاتهم، واعتادوا، طوال تاريخ الحزب، التعامل مع بعضهم البعض عبرها. فقد استخدم قيادي في الحزب وسائل التواصل الاجتماعي، الوسيلة الاكثر انتشارا، للتعبير عن وجهة نظره في شان حزبي وسياسي، بعدما امتنعت طريق الشعب، جريدة الحزب الرسمية، عن نشرها له، وكذلك عبر قياديون سابقون، وكوادر حزبية، وشيوعيون مخضرمون عن وجهات نظرهم المعارضة لنهج الحزب بطرق مختلفة وعلى ذات الوسيلة. ويمكن التوقع أن هذا الأمر قد لقي استهجانا من قبل كثير من رفاق هؤلاء المختلفين واصدقائهم، سواء من هم في التنظيم او خارجه، وكانت المبررات لهذا الاستهجان، المعلنة والمضمرة، تنتمي الى ذات الحجج القديمة التي (لاتشيخ):

الحرص على وحدة الحزب، ومن أجل تفعيل التنظيم في معالجة الاشكالات السياسية والتنظيمية.

ويبدو لي أن المحتجين على طريقة التعبير الجديدة والمختلفة هذه، قد غفلوا، أو جهلوا، في موقفهم العوامل التي ساهمت في ولادة هذا الشكل الجديد والمختلف للتعبير عن الرأي. فقد بنوا ردة فعلهم على هذا السلوك وقيموه من منطلق ومعيار يرتبط بإرث قديم منغرس في طبيعة الحزب الشيوعي التكوينية، وفي بنيته التنظيمية والفكرية، وتمتد أصوله الى موروثات المركزية المترسخة نفسيا وعقليا في كيان الحزب ووجدان اعضائه. ورغم أن الحزب أعلن في مناسبات مختلفة انه قد تخفف من اثقال المركزية في ممارساته التنظيمية، بعد تحولات عقد التسعينيات في سياسته ونهجه، الا أن وقائع ممارسات الحزب السياسية والتنظيمية اثبتت ان الادعاء والرغبة شيء، والواقع شيء آخر. فقد بقي هذا المبدأ التنظيمي الصارم مؤثرا وناظما لمفهوم وآلية اتخاذ القرارات في حياة الحزب، وفي رسم سياساته. والجدير بالانتباه هنا أن هذا المبدأ، الذي ولد في زمن وظروف تبرر وجوده، قد تعرض حين نقله وممارسته في البيئة العراقية، المتاثرة، إن لم أقل المشبعة، ببعض القيم الموروثة من ثقافة الاستبداد التي خلفها إرثها التاريخي القريب والبعيد، تعرض الى تعديل، أو قل تطويع، جعل منه أداةً بيد نخبة قيادية، وأحيانا أفراد متنفذون فيها، لإدارة العمل الحزبي وتحديد الوجهة السياسية. وقد أكتسب هذا المبدأ التنظيمي كذلك، في سياق المتغيرات والظروف القاسية التي تعرض لها الحزب الشيوعي عبر تاريخه الطويل، معنى اخلاقيا قارب القداسة، وعنى، فيما عناه، الاخلاص للحزب وللمبادئ، وتعرض كل من يتخطاه، لاي سبب، وباي طريقة، وفي اي ظرف، الى الشكوك في نزاهته او جدارته المبدأية وأحيانا الاخلاقية.

ويمكن احالة ترسخ هذا المبدأ والممارسة الناتجة عنه الى جذر تاريخي وثقافي. فقد ولد الحزب الشيوعي العراقي، كما يعرف متتبعو سيرته، في مرحلة صعود الستالينية التي عممت وأطلقت تأويلات ستالين للمبادئ الحزبية والنظرية السياسية قسرا على كامل الحركة الشيوعية العالمية، وصبغتها بصبغتها. ولم يخرج الحزب الشيوعي العراقي عن هذا الارث وذاك الأثر، وامتثل هو الآخر لهذا التوجه واستطاب نزعة الاستبداد الثاوية فيه وحولها الى مبدأ فاعل في حياته الداخلية. وكان لشخصية يوسف سلمان (فهد) الذي ينسب له التاسيس الحقيقي للحزب، أثرا واضحا طبع الكيان الحزبي بميسمه. فقد كان فهد يزدري النقاشات ويضيق بالاراء المختلفة، وكان من (صفاته) كما وصفها (حنا بطاطو) في بحثه الموسوعي عن العراق: ( التي ربما كانت تعبيرا عن الطباع العراقية كما هي تعبير عن الطباع البلشفية، ان فهدا كان يستاء من المعارضة بمرارة قوية.) (العراق: الكتاب الثاني ص 142)

وكثيرا ماكان (فهد) ومن بعده الشيوعيين، يصفون معارضيهم بنعوت تحولت مع الزمن الى مايشبه الشتيمة في الممارسة الحزبية؛ (ثرثارون، ثوار مقاهي، (تحولت لاحقا الى ثوار الفيسبوك) أفندية، عايشين بالكتب.. الخ). ومن الطريف، والمحزن في نفس الوقت، أن بعض المتحجرين من الشيوعيين كثيرا ما يستبق محاوريه بعبارة (رجاء بلا تنظير).

لقد سرى هذا الإرث، ومازال، كالنسغ في وجدان الشيوعيين العراقيين، وربما المشرقيين، وغدا كأنه أمر بديهي ومسلمة لاتحتاج الى اعادة نظر، ما أعاقهم، بتصوري، عن ادراك واستيعاب تحولات الزمن وطرق التعبير والتواصل التي أنتجتها تطورات التكنولوجيا الحديثة، تكنولوجيا المعلومات، التي أفضت بدورها الى تحولات نوعية، فنية وتقنية، في بناء الرأي وطريقة التعبير عنه. وهو الأمر الذي جعل طريقتهم في التفكير والتعبير عن الرأي، بحصرها في القنوات الحزبية، تبدو قديمة وتخطاها الزمن. ولهذا نجدهم يسخطون ويغضبون حينما يعبر شخص ما، حتى وإن لم يكن حزبيا، عن وجهة نظر ناقدة لواقع الحزب بطريقة علنية تخالف ذائقتهم التي جبلوا انفسهم عليها.

لا يحتاج المرء الى إجتراحات كبيرة ليفهم أن الزمن قد تغير ولم يعد ممكنا حجب الآراء وحصرها في الغرف المغلقة. وأن مفاهيم الرأي والتوجه الواحد ماعادت مثمرة في زمننا، وحين يتغير الزمن ومعطياته فمن البديهي ان تتغير معه المفاهيم ايضا. وهذا يشجع على القول هنا: لو أن الحزب قد أتاح لأعضائه ولناقديه التعبير عن آرائهم بحرية من على منابره الإعلامية، وعالج اختلاف الاراء في صفوفه وشؤونه بانفتاح وبطريقة جادة ومسؤولة، لكسب بذلك زخما وثقة بين خصومه قبل أصدقائه، وجنب نفسه مشقات كثيرة.

إن ماكان يُهمس به في آذان الشيوعيين العراقيين (هل كان همسًا؟) بات الآن يستدعي الصراخ:

افتحوا نوافذ حزبكم للهواء النقي، عودوا الى الزمن الذي أخرجتم أنفسكم منه بتعنتكم وتصلبكم قبل أن يلفظكم التاريخ مرة واحدة والى الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعتادوا الاقبية السرية والعيش في الظلمات
طلال الربيعي ( 2018 / 6 / 15 - 19:26 )
الصديق العزيز خالد صبيح
شكرا على مقالتك التي تقول فيها
-افتحوا نوافذ حزبكم للهواء النقي-
ولكن فتح النوافذ قد يساعد ضوء الشمس في الدخول وهذا اشد ما تخشاه الخفافيش التي اعتادت الاقبية السرية والعيش في الظلمات!
مع وافر تحياتي


2 - تحياتي دكتور
خالد صبيح ( 2018 / 6 / 15 - 19:58 )
تحياتي دكتور
اكو ماهو اخطر من الخفافيش، خطر ثاني جديد يلوح بالافق وهو اللي يقلق
تحياتي وشكرا لمرورك

اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة