الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفَرِحون في العيد ...*

حسين مروة

2018 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية







لكلّ عيد فرحة، وفرحة هذا العيد للصائمين، فمن الصائمون، ومن الذين يفرحون به؟

* أما الصائمون حقاً، فهم أولئك الذين " كل شهورهم شهر الصيام "، كما يقول الشريف الرّضي، هم أولئك الذين يصومون حياتهم كلها، لأنهم لا يجدون في زحمة العيش وفي ميدان " التنافس الحُرّ" مكاناً لأجسادهم المتعبة يستريحون فيه و"يفطرون" ويشبعون ... ومن هم هؤلاء؟

أولاء هم "كثافة" الزحمة ذاتها، هم طريق المتنافسين، هم "حجارة" الميدان، وهم "خيول" الطرّاد في حلباته، وهم الأيدي التي تبنيه، والقلوب التي تحييه، والعيون التي تضيء نواحيه..

أولاء هم الجديرون أن "يفطروا" من صيامهم الطويل، وأن يفرحوا بعيدهم ... وهل عيدهم إلاّ الذي يجدون به فطرهم بعد صيام، وشبعهم بعد جوع، وكسوتهم بعد عري، وطمأنينتهم بعد خوف، وكرامتهم بعد هَوان، وحرّيتهم بعد استعباد، وإنسانيتهم الصحيحة بعد استلاب؟

** ثم من هم الفرحون اليوم بهذا العيد: عيد الصائمين ؟

الفرحون اليوم، هم أولئك الذين ما عرفوا في رمضان صوماً إلا على تخمة، وما عرفوا إفطاراً إلاّ على شَبَع، وما عرفوا تعباً إلا على استرخاء، وما عرفوا ضجَراً إلا على راحةٍ وفراغ.

وهم أولئك الذين لم يعرفوا الصوم جوعاً ولا ظمأٌ ولا تعباً، ولكن عرفوه ترفاً وانبساطاً ولهواً واجتراراً، أو عرفوه فرصة استجمام، أو وسيلة تخفيف من سمنة متخمة، أو عرفوه نوماً في السرر، وعبثاً بلغو الأحاديث، وزهواً ببعض الأباطيل.

وهم أولئك الذين لم يعرفوا الصوم وَرَعاً عن مَحرم، ولا ترفّعاً عن إثم، ولا امتناعاً عن ظلم، ولا تحرّجاً عن كذبٍ أو رياء أو قلق، ولا صوناً للنفس عن حقد أو بغضاء أو خديعة أو احتيال، ولكن عرفوه سانحة من سوانح الأيام لإرهاق المستضعفين، واستغلال المكدودين، واستدراج المرابح والمكاسب من جهد الصائمين الصادقين.

هؤلاء وحدهم، هم الفرِحون اليوم بالعيد: عيد الصائمين، هم وحدهم الفرحون بمباهج العيد، لأنها مباهجهم وحدهم، لأنهم هم وحدهم القادرون على استلذاذ المباهج، لأن المباهج من أجلهم وحدهم تبتدع وتصطنع.

*** أما أولئك "الصائمون" أبداً، المتعبون أبداً، المستضعفون في الأرض أبداً، فلن يعرفوا العيد إلا يوم "يفطرون" فيجدون شبَعاً وكسوة وصحة وطمأنينة وكرامة، يجدون ذلك من غير تمنين " بإحسان " ...

يومذاك يعرف هؤلاء مباهج العيد وحلاوة العيد وفرحة.



* عنوان مقالة للشهيد حسين مروة في جريدة "الحياة " تحت زاوية "أدب "

بتاريخ 22 حزيران 1959








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي