الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-ثِمْجّاط-مجال الرعي ومنتجع الرحال.

عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.

([email protected])

2018 / 6 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نشكر مجموعة من شباب قرية أفراسكو الذين زاروا منطقة "ثمجاط" وزودونا بصور وفيديوهات تخص المنطقة التي عرفت حفلة "تالوسا"الجزازة بالعربية. وزرعوا في أناملنا حماسا قل نظيره للتنقيب والبحث والكتابة حول هذا المكان المتميز بمنابع زيز.
تقع منطقة ثمجاط بالسفح الجنوبي لجبل ماوضفود؛ضمن سلسلة جبل العياشي بالأطلس الكبير الشرقي.تحت قمة "بوكضرور".على طريق إنقجي المؤدي إلى فج" ماوضفود" -1-أحد الممسالك المخترقة لجبل العياشي في اتجاه ملوية العليا وناحية تادلا.وهي مكان محصن طبيعيا من الناحية الشمالية تحده قمة" تفساست"-2-.ومن الجهة الغربية جبل" بويزكاغن"-3-.الذي يشرف من الجهة الأخرى على منبع عيون "بويلوفا"-4-الذي يعد من المنابع الرئيسية لأحد روافد نهر زيز المعروف بواد ايت يعقوب.وقد احتضن هذا المنهل المقر القديم لزاوية سيدي حمزة.وأطلالها لاتزال ماثلة للعيان وشاهدة على ماذكره صاحب الاحياء والانتعاش بان محمد بن أبي بكر أسس زاوية بأعلى الواد للابتعاد عن حقول الناس بمزرعة "تيرمجيت"-5-.وبعد عودته من الحاج عمل على نقل مقر الزاوية إلى مقر أجداده بتازروفت-6-.وكل هذه الاشارات التاريخية تؤكد على أهمية منطقة تمجاط في القرون الماضية. ولعل استقرار العديد من الرحال من قبائل أيت جرهور خير دليل ملاءمة المكان من الناحية الطبيعية والمناخية والطبوغرابية والنباتية للرعي والاستقرار.لاسيما خلال فصل الصيف .ويعد قصر أيت يعقوب -7-التاريخي من القرى القريبة لمرعى ثمجاط.وكذلك قصر" إداليون"-8- .
*ثمجاط قراءة في الاسم:
لايمكن فهم أصل تسمية المكان إلا بالمعاينة الميدانية.ومعرفة اللغة الأمازيغية.وهذه مسلمة وبديهية توصل اليها جميع الباحثين في طوبونيميا شمال أفريقيا والصحراء الكبرى .لأن الهوية التاريخية والجغرافية لهذا المجال أمازيغية بامتياز وللتوصل إلى حقائق علمية لابد من استيعاب وأدراك كنه لغات الميدان.
بالعودة إلى كلمة"ثمجاط"فهي جمع "ثامجوط"مذكر أمجوط.-9- ويعني الاقرع.والرأس الاقرع عديم الشعر.ويعرف بالاصلع.ولكن عند الحديث عن المجالات الجغرافية والطبيعية من الجبال والهضاب والسهول فالكلمة تعني الجرداء أي القليلة الغطاء النباتي .والمكان المعني بالدراسة عرف بثمجاط نظرا لانعدام الغابة؛وسيادة أحراش من بعض النباتات الشوكية.وغير بعيد عن المنطقة نجد "ألموأمجوط"بأيت يعقوب فهو منبسط عديم النبات .وكلها أدلة لغوية تزكي أن كلمة أمجوط وثمجوط عندما تطلق على شكل تضاريسي فهو خال أوكاد من النبات الكثيف خلافا للمحيط البيئي المجاور له.وباختصار شديد فالمجال الجغرافي المتواجد باحد السفوح الجنوبية لجبل العياشي بمنابع زيزوالمشرف على" إداليون "وأمصمود" طريق "تانغريفت"-10- وزاوية سيدي حمزة والمعروف بثمجاط للسبب السالف الذكر.والمتميز بانبساط ملحوظ وانعدام كثافة الغابة جعله مكانا ملائما عبر التاريخ للرعي واستقرار الرحل.ومما زاد المكان اهمية قربه من أحد العيون المائية الغزيرة النابعة من الجبل "بتفريت ن عسو"المعين الذي يزود الرعاة والرحال بماء عذب يجلب قديما بأوعية من جلد الماعز تعرف ب"أيديد.
وخلال فصل الصيف يشهد المكان أحد المناسبات الرعوية المعروفة محلياب" تالوسي"أو تالاسا-11-"وتعني عند القبائل الاخر"الجزازة"أو الكزازة بالكاف المعقوفة.وهي من المواسم الرعوية المرفوقة بكنز من الطقوس تشكل زخم مهم في الذاكرة الجماعية وإرث يجب صيانته من الضياع والاندثار.ومنن بين ثنايا هذه الطقوس سواء تعلق الامر بالوجبات الغذائية الخاصة بهذه المناسبة؛أو الأغاني المصاحبة للعملية.وكيفية استقبال الضيوف.يمكننا استخلاص معلومات وحقائق سوسيولوجية وانتربولوجية تشكل المرآة الحقيقية لطبيعة وأبعاد الهوية المغربية في جوهرها بربط التاريخ بالمجال الجغرافي الذي صنعت فيه الأحداث.
في الختام تشكل منطقة "ثمجاط"أحد المجالات الرعوية المهمة بمنابع زيز نظرا لما تتسم به من خصوصيات جغرافية وطبيعية جعلتها مكان للرعي والترحال طيلة فصول السنة .حيث يمكن الاستقرار بها في فصل الشتاء لحصانتها بين الجبال مما يمنحها مناخا مميزا أيام القر والبرد القارس.وبعد مناسبة "تالوسا"ينتجع الرحال ألى مراعي صيفية بعد حلول يوم العنصرة كموعد رعوي لتغيير مجال الرعي بالانتقال إلى مجالات أخرى بأعالي الجبال مثل "إنقجي"أو "أقا ن تعرعارت"-12-.والى ثمجاط تجد بمنابع زيز أماكن أخرى للرعي بمميزات مختلفة مثل "أقاجون"بين تابووفروت وقصر أنفركال.وأسامر ن إلغمان أحد المراعي الشتوية المهمة وغير بعيد عن قريتي توغاش وتكندوزت وهي مراعي تدخل ضمن المجال الوظيفي لقبائل ايت جرهوراحد الفروع الرئيسية من قبيل أيت حديدو .وكلها أماكن للذاكرة السائرة في طريق الاندثار. والحفاظ عليها واستيعاب مضامينها الرئيسية؛والأعراف المؤطرة لهذه الرحلات من بين الطرق لتفادي وإيجاد الحلول للكثير من الصراعات القائمة بين بع القرى المجاورة حول المراعي.وان تغيير الظروف التاريخية منذ الحماية ساهم في إخفاء المضامين القبلية في العلاقات الاجتماعية وتغليب وحدة القصر على الوحدة القبلية.وظهور اشكالية اراضي الجماعات السلالية بالمغرب.وتعد هذه الصراعات من القنابل الموقوتة وعلى المشرع المغربي التفكير في أحياء بعض الأعراف القبلية لتنظيم أراضي الجموع لملاءتها مع العصر.لتفادي الصراعات الدموية بين القرى وانسجامها مع الاهداف التنموية والبيئية للساكنة -13.والأطلس الكبير الشرقي من المناطق الذي احتدت فيه هذا النوع من الخلافات في العقود الاخيرة.وعلى الجماعات المحلية التفكير في البرامج الثقافية واستحضار التاريخ ودعوة المهتمين بمواضع الذاكرة والتنسيق بينها لإعداد ملفات التعريف بالماضي الحضاري لمنابع زيز لدحض كل الافكار المسبقة التي تعتبر المنطقة عارية من التاريخ ومجردة من الماضي المجيد.ولعل الاهتمام بأماكن الذاكرة من مجالات رعوية وثكنات عسكرية وقصور قديمة والأشكال العمرانية والمعمارية المميزة لهذه الناحية من المغرب العميق.كلها سبل مباشرة للتعريف بالمنطقة وتشجيع السياحية الثقافية والصناعة السينمائية باعتبار المناظر الطبيعية بإرثها التاريخي بإمكانها استقطاب عدسات المخرجين لإنتاج مشاهد ولقطات سينمائية لخصوصيات جغرافية متميزة لإثارة الانتباه ومنح نكهة خاصة للسينما المغربية كأحد عوامل وأساليب التنمية بالأعالي.
والهدف الكامن وراء كتابة هذه السطور هو التعريف بتاريخ والخصوصيات الطبيعية والطبوغرافية للمجالات التي لها حضور قوي ووجود كثيف في ماضي المغرب القريب والبعيد وهذه مهمة موضوعة على عاتق المختصين في التاريخ .وبالبحث التاريخي يمكن وضع بطاقة التعريف لمناطق مجهولة.وبقناديل التنقيب يمكن إنارة عتمة تاريخ منابع زيز الدامس. وهذه المساهمة المتواضعة حول منطقة ثمجاط تدخل في هذا الإطار.وكل شعبة وربوة ومزرعة وجبل من جغرافية منابع زيزيمكن كتابة مجلدات حول تاريخها ومميزاتها الجغرافية والطبيعية.وأملنا في شبابنا لتخصيص بحوثهم للمنطقة .ولا يحرث أرض تاريخ منابع زيز ألا من ارتوي من عيونها الفياضة.
1-أنظر مقالنا بالحوار المتمدن : القنديل الوامض في التعريف بتاريخ قرية أفراسكو الغامض.العدد 5538/2017م.
2-تفساست :كلمة أمازيغية تعني الخفيفة.وتطلق على شجرة عود الماء وتعرف أيضا ب"ثِسْمْلالت".
3-بويزكاغن:أي" الجبل الأحمر متوسط الارتفاع يقع بين ثمجاط ومزرعة ثسمنت بتسامرت.ويعرف بالأحمر نظرا لطبيعة لون صخوره الحمراء.ويشرف على مجرى عين بويلوفا المقسوم مياهه بين أهل ايت يعقوب ومزارع ثاسامرت.
4-بويلوفَّا:جمع إلوفَّا.ويعني الرغوة بالعربية.ومياه هذا المنبع تجرى في منحدر وتظهر فقعات بيضاء على شكل رغوة وسمي ذوالرغوة بالعربية ليتضح المعنى أكثر.
5-ثرمجت :مزرعة بايت يعقوب تحتفظ بنفس الاسم إلى يومنا هذا.ذكرها صاحب الاحياء والانتعاش اثناء الترجمة لجد محمد بن أبي بكر الذي أسس زاوية بعدة مناطق بأيت يعقوب أخرها بعين بويلوفا ونقل المقر إلى تازروفت بعد ذلك حوالي 1635م. لما عاد من الحرمين الشريفين كثر عليه الواردون وزادت العمارة والمكان لايتسع لذلك وعاد إلى مقر أجداده بتازروفت أنتهى كلام صاحب الاحياء والانتعاش.
6-تازروفت أحد القصور العريقة بمنابع زيز.وقريبة من زاوية سيدي حمزة.وهي كلمة أمازيغية تعني الصحراء.وساكنتها تتميز بخصوصيات ثقافية فريدة بالمقارنة مع القرى المجاورة .ومن المحتمل أن ساكنتها تشكلت من انصهار اثنيات زناتية وكومية وغيرها .وقد اسس فيها عبد المؤمن حصنا يحمل أسمه إلى اليوم.
7-ايت يعقوب : قصر عريق ومحصن.ويتواجد بين العيون والمروج والمراعي ومزارع شاسعة.وقد كان منزل قبائل أيت يدراسن خلال العصر المريني والسعدي.وعرف بحركة تجارية خلال العصر الوسيط حسب كتاب الاحياء والانتعاش في تراجم سادات أيت عياش وهو مخطوط بالمكتبة الحمزاوية.
8-إداليون:من الاصول التابعة للزاوية الحمزاوية.وبالتمعن في الكلمة فهي جمع أداليو.أو أدلاوي.وهي كلمة أمازيغية تعني المتصوف أو الفقير.وربما كانت أرضا للزهاد من المتصوفين وعرفت بهذا الاسم منذ القرن الخامس عشر حسب المصدر السالف الذكر.
9-أمجوط مذكر ثامجوط.والاصل فيها ثامجوطت وجمع ثمجاط ومن القواعد المعروفة في اللغة الامازيغية عند التقاء الطاء والتاء تدغم التاء في الطاء.وتعني الاقرع .أو الرجل المنعدم الشعر في الراس.نتيجة مرض ثميجط أو غيرها.وفي الاشكال التضاريسية تعني الارض الجرداء القليلة او منعدمة الغطاء النباتي.
10-تانغريفت : من قرى أسامر قريبة من إداليون وأكاوز.تابعة اداريا لقيادة وجماعة سيدي حمزة.وتقطن بها عائلا ت من ايت عزو وأيت مولاي من أتباع مولاي أحمد الدلائي .القاطنين بقرى اخرى من منابع زيز مثل تاسامرت ؛ثابووفروت؛ومولاي علي.
11-ثالوسي أو تلاسا: كلمة أمازيغية تعني الجزازة.وهي مناسبة أمازيغية مرافقة لعملية إزالة الصوف من قطعان الأغنام.والأصل فيها فعل إلسا بمعنى لبس.والحصول على الصوف بكميات وافرة المادة الأساسية في نسج الالبسة ؛يعني حتما صناعة أقمشة صوفية وكساء كل العائلة لهذا عرفت بتالاسا أي توفيرا للباس اللازم للعائلة.
12-أنظر مقالنا أنوار ساطعة على أركان دامسة من تاريخ قرية تاعرعارت المنسية.الحوار المتمدن العدد:5149/2016.
13-على حسب حدود علمنا فظهير 1919م هو الاطار المرجعي والقانوني والتشريعي الوحيد الساري المفعول المنظم للوصاية الادارية على الجماعات لضبط وتدبير شؤون الاملاك الجماعية.
والملكية العقارية في المغرب جد معقدة لكثرة أنواعها مع وجود الفراغات التشريعية في هذا المجال مما يزيد من تأجيج الصراعات حول استغلال بالمغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق