الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع السفسطائي الروحي-2

أيمن عبد الخالق

2018 / 6 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مصيبة أن تدرس بلا تفكير، ومصيبة أكبر أن تفكر بلا دراسة - افلاطون
• الفيلسوف: أراك الليلة تبدو مرهقا، وكأنك قد اتعبت نفسك كثيرا خلال النهار، فإن كنت تعباناً ، فيمكن أن نؤجل الجلسة لفرصة أخرى.
o السفسطائي الديني: لا لا أبدا...يمكننا إدامة الحوار في هذه الليلة أيضا، ولكنني في الواقع ظللت في الأمس طوال الليل أفكر كثيرا فيما طرحته علي في الجلسة السابقة، بحيث لم أستطع النوم جيدا، وفي الصباح شعرت بصداع في رأسي، مازال يلازمني إلى الان.
• الفيلسوف: عندي أقراص جيدة للصداع، دعني أحضر لك قرصا منها.
o السفسطائي الروحي: لا لا شكرا...لقد تناولت قرصا قبل مجيئي، وإن شاء الله يذهب الصداع تدريجيا.
• الفيلسوف: من الواضح أنك لم تعود نفسك التفكير العقلي المستقل كأكثر الناس، حيث يجعلون غيرهم يفكرون بالنيابة عنهم، ولذلك عندما غيرت عادتك، وفكرت بنفسك، وشغّلت عقلك أصابك الصداع.
o السفسطائي الروحي: أشعر كأنك تسخر مني.
• الفيلسوف: لالا على الاطلاق...وإتما أردت أن أبين لك وجهة نظري لاغير.
o السفسطائي الروحي: لا أدري ماهو مقصودك من التفكير العقلي المستقل، وماهو الضامن لصحته، ولماذا حصرت معرفة الحق فيه؟
• الفيلسوف: جيد جدا...الان بدأت تضع قدميك على أعتاب الحوار الفكري البنّاء، ولكن قبل ان أجيبك على أسئلتك، أود أن تجيبني أولا على الأسئلة التي طرحتها عليك في الجلسة السابقة، وليس ذلك من باب الجدل، أو التهرب من الجواب، ولكن لأنّ جوابك أولا عليها سيمهد الأرضية للجواب على ماطرحتموه من أسئلة.
o السفسطائي الروحي: كنت قد أجبتك عن سبب إعراضي عن العقل، واعتمادي على القلب، ولكن لم يقنعك جوابي.
• الفيلسوف: بالتأكيد ...لو كان كل إدعاء نقوله، أو أي حكم نطلقه كاف في التصديق به، أو إقناع الاخرين، لصدقت كل الآراء والاعتقادات، ومااحتجنا إلى البحث والتحقيق، أو التحاور مع بعضنا البعض....فهذا يعتمد على حسه، واخر على قلبه، وهذا على شيخه، واخر على استحساناته الشخصية، أو أعرافه الاجتماعية، أو الدينية.
o السفسطائي الروحي: نعم للأسف الشديد...وهذا يدل على ضعف الإنسان، وأننا نعيش في هذا العالم في أزمة معرفية، ولا خلاص منها إلا بالاعتراف بالعجز، والانقطاع إلى الله تعالى بالقلب السليم، بعد تفريغه من الأغيار، والاستعانة بالشيخ العارف الواصل، ليدلنا على الطريق، وليأخذ بأيدينا إلى بر الأمان.
• الفيلسوف: لابأس...هذه وجهة نظرك على أي حال، ولكن عليك أن تعترف أولا أنك قد توصلت إلى ماتوصلت إليه بالتفكير، ومن خلال التفكيراقتنعت بما أنت عليه من اعتمادك على قلبك وشيخك...صحيح؟
o السفسطائي الروحي: أممم....ولو سلمت بكلامك، ماهي المشكلة؟
• الفيلسوف: المشكلة هي في مشروعية هذا التفكير الذي اعتمدت عليه في بناء رؤيتك، ومدى صلاحيته العلمية، لانه لو كان خطأً لأصبحت رؤيتك المبنية عليه مورد شك وترديد، وتكون قد وقعت في نفس المشكلة التي أردت أن تهرب منها.
o السفسطائي الديني: الله يسامحك، لماذا تُعقّد الأمور هكذا..على أي حال هل يمكن أن توضح كلامك أكثر.
• الفيلسوف: هذه في الواقع مشكلة عامة...وهي أنّ الناس جميعا يفكرون، ويحكمون، ويبنون رؤيتهم وعقائدهم ومواقفهم في الحياة على أساس هذا التفكير، دون أن ينتبهوا إلى نفس عملية التفكير، ومبادئها التي انطلقوا منها في تفكيرهم، وأنه هل كانت مبادئ صحيحة أم لا.
o السفسطائي الروحي: أنا لاأخفي عليك، أنه ربما ماتقوله الان هو الذي كان يؤرقني ليلة أمس، وكنت أحاول أن أهرب منه دون جدوى، فنحن – وكما تقول - عادة مانفكر للوصول إلى الحقيقة، أو اتخاذ موقف معين، إيجابيا أو سلبيا، ولكن لانفكر في نفس التفكير...ولكن كيف نفكر في نفس التفكير، وهل للتفكير مبادئ كما تقول؟
• الفيلسوف: بالتأكيد....فالتفكير العقلي له مبادؤه وقوانينه الطبيعية، شأنه في ذلك شأن أي عضو من أعضاء الإنسان، والتفكير على أساس هذه القوانين والمبادئ الطبيعية، هو مظهر الصحة العقلية، وسلامة التفكير، وهذه القوانين كان قد اكتشفها الحكماء ودونوها في كتب المنطق، كما دون الأطباء قوانين وظائف أعضاء جسم الإنسان، وانت – كغيرك من الناس – لم تكلفوا أنفسكم عناء الرجوع لهذه القوانين العلمية المنطقية، والاطلاع عليها، بل قمتم برفضها، والتشكيك فيها، واعتمدتم أدوات أخرى للمعرفة، كما اعتمدت أنت القلب والوجدان، أو الاعتماد على ما يلقنه لك شيخك، مع احترامي لاختيارك وتقديري لشيخك، ولكن كان الأولى بك أن تتأمل ولو قليلا في مدى صحة تفكيرك الذي قادك إلى هذا الطريق.
o السفسطائي الروحي: غريبة!..هذا كلام أول مرة أسمعه في حياتي...يعني الإنسان حتي يفكر تفكيرا صحيحا لابد وأن يتعلم قوانين المنطق؟!
• الفيلسوف: طبعا ياعزيزي....إذا أردت أن تضمن سلامة تفكيرك فليس أمامك إلا أن تتعلم قواعد أو جرامر التفكير، وإلا فأنت في مهب الريح، حيث لن يكون أمامك إلا التقليد، أو الاستحسان الشخصي.
وفي المنطق تتعلم كيف تنتخب المعلومات الصحيحة الواضحة عند العقل، وكيف تقوم بترتيبها على الصورة الصحيحة؛ لتصل إلى النتائج الواقعية المطلوبة.
والان دعنا نعود لإشكالاتك على التفكير العقلي، وأنه مادي، وعاجز عن معرفة الحقيقة.
o السفسطائي الروحي: نعم هذا ماقلته، وأنّه لايدرك إلا المعاني المحسوسة، وأنه عاجز عن الوصول إلى الحقائق المعنوية الغيبية المجردة.
• الفيلسوف: ألا يدرك العقل عند كل الناس معاني الإيمان، والعدالة، والحرية، وتناضل الشعوب من أجلها؟
o السفسطائي الروحي: بلاشك، وهذا أمر واضح عند الجميع.
• الفيلسوف: وهل هذه المعاني معاني مادية محسوسة، في زمان أو مكان، أو جهة معينة، أو أنها وراء المادة؟
o السفسطائي الديني: أممم...أظن أنها غير محسوسة، ولايمكن أن نقول أنّ لها مكان أو شكل أو لون، كسائر الماديات.
• الفيلسوف: جيد جدا....إذن فهي غير مادية، ومجردة عن المادة، وهذا مانسمية بالمعاني العقلية، وهي نفس مدركات العقل الإنساني عند كل إنسان...وبهذا يتبين لنا أنّ العقل ليس ماديا كما تظن، وأنه يدرك ماوراء الطبيعة، أو الميتافيزيقا، أو كما تسميه عالم الغيب.
o السفسطائي الروحي: سبحان الله!...كيف كنت غافلا عن هذا الأمر؟
• الفيلسوف: لأنك كنت تردد مايقوله الاخرون لك، بلا تعقل أو تدبر، أو بعبارة أخرى دون أن تفكر تفكيرا عقليا مستقلا، فكانت آراؤك مجرد آراء تقليدية انفعالية.
إنّ وظيفة العقل الإنساني في الحقيقة، هو البحث عما وراء الطبيعة، وقد استعمله الفلاسفة الحقيقيون، من أمثال أفلاطون، وأرسطو، والفارابي وابن سينا، وابن رشد، في الكشف عن أسرار الوجود في مباحثهم الميتافيزيقية، دون الاعتماد على الحس أو التجربة، أو ماتسميه أنت بالقلب، ويمكنك أن تراجع ذلك بنفسك في كتبهم الفلسفية المشهورة.
o السفسطائي الروحي: وهل توصلوا بالفعل بعقولهم إلى نتائج واقعية، كالتي توصل إليها العرفاء والصوفية الكباربقلوبهم.
• الفيلسوف: أنا لاشأن لي الان بما توصل إليه الفلاسفة أو العرفاء الروحانيون، ولكن مايمكنني أن اقوله لك الان، هو أنّ العقل الإنساني قادر على الخوض في أعماق الطبيعة والوجود، والكشف عن أسراره بنحو منطقي مضمون، ومأمون من الخطأ إذا راعينا قوانينه المنطقية الصحيحة، لأنه ينطلق من مبادئ علمية موضوعية، كالمبادئ الرياضية، ولاينطلق من مبادئ تقليدية انفعالية، دينية أو وضعية أو شخصية.
o السفسطائي الروحي: هذا الأمر يحتاج بالفعل إلى دراسة أعمق، ولكن على أي حال أريد أن أعرف رأيك في القلب الإنساني الذي اعتمد عليه في معرفة الحقيقة، والذي أطمئن إليه يقينا، وقد اعتمدت عليه بالفعل في سلوكي في الحياة، وتحت إشراف كبار المشايخ الروحانيين، وشاهدت بنفسي من المكاشفات الغيبية الكثيرة، التي لايمكن التشكيك فيها.
• الفيلسوف: بالنسبة للقلب الذي تعتمد عليه تبعا لإرشادات مشايخك، فهو يحتاج إلى بحث مستقل عن مدى صلاحيته العلمية، لنتمكن بعدها أن نحكم عليه بنحو موضوعي، وإلى أن يحين حينه عليكم بالتأمل جيدا فيما طرحته عليكم، حيث إننا سنبني عليه حوارنا القادم إن شاء الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة