الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيميولوجيا المسرح عند تاديوش كوفزان

ابراهيم حجاج

2018 / 7 / 1
الادب والفن


كان النص المكتوب عبر تاريخ المسرح يشكل المادة الأساسية لهذا الفن، وكانت الدراسات النقدية إلى وقت قريب، تدرس الدراما بإعتباره فرعًا من فروع الأدب، بمعزل عن العملية المسرحية، "فمنذ بدايات الحركة الأدبية عامة والمسرحية خاصة، اعتمد المحللون والنقاد على المناهج التى تلقى الضوء على عناصر الإبداع النصى" ( ) بداية من المنهج النقدى الأرسطى، مرورًا بالنقد النفسى، الذى ركز على دراسة حياة المبدع، ومدى تأثير تجاربه الشخصية على إنتاجه الأدبى، وصولًا إلى النقد الاجتماعى الذى يرى فى النص الأدبى انعكاسًا للواقع الخارجى وقضاياه، وغيرها من المناهج التى أعلت من شأن النص الأدبى على حساب العرض المسرحى.
نهضت الدراسات السيميولوجية الحديثة لاستكشاف العلاقة بين العرض المسرحى وعلم الدلالة؛ إذ شرع أنصار هذه النزعة خاصة فى مدرسة براغ اللغوية بموسكو – التى نمت فى ثلاثينيات القرن العشرين – فى تطبيق هذا العلم على الدراما "تأثرا برائدين من رواد المنهج السيميولوجى هما السويسرى "فرديناند دى سوسير" Ferdinand de Saussure (1857-1913)، والأمريكى "تشارلز بيرس" Charles Peirce (1839-1914)( )، حيث عرف "سوسير" علم العلامات على أنه "العلم الذى يدرس حياة العلامات داخل إطار المجتمع."( ). والعلامة عند "سوسير" ثنائية المبنى تتكون من "دال ودلول"، الدال هو الصورة الصوتية أما المدلول فيمثل المفهوم الذهنى الذى يشير إليه الدال. كما توصل "سوسير" إلى "أول خاصية من خواص العلامة اللغوية؛ حيث رأى أن الرابطة التى تربط بين شطريها (الدال والمدلول) رابطة اعتباطية."( )، وحجته على ذلك أن "ما يفهم من (أخت) لا تربطه أية علاقة مع الأصوات المتتابعة (أ – خ – ت)"( ). كما أن اللغات المختلفة تستخدم كلمات دوال مختلفة للإشارة إلى مدلول واحد، مما يؤكد على عدم وجود منطق يربط بين أغلب الدوال ومدلولاتها، "فللمدلول (ثور) دال (ث – و – ر) فى محيط جغرافى معين، (b – o – f) فى محيط جغرافى ثان."( ) .
أما "بيرس" فيعرف العلامة على أنها "شئ ما ينوب لشخص ما عن شئ ما من وجهة ما."( )، وهو لا يقيم تقسيمه للعلامات على أساس الاعتباطية كما هو الحال عند "سوسير"، بل يضيف (الركيزة) إلى بنية العلامة اللغوية ويقصد بها العلاقة (الرابطة) بين الدال والمدلول.
ويقسم "بيرس" العلامات إلى ثلاثة أنواع: "الأيقونة والمؤشر والرمز" حيث تقوم العلاقة بين شطرى (الدال والمدلول) فى العلامة الأيقونية على التطابق"( ) "فرسم القبعة مثلا (صورة) تدل على القبعة".( ) أما المؤشر فقد يرتبط فيه الدال والمدلول بعلاقة فيزيقية سببية كالدخان من حيث هو علامة على النار أو السحابة من حيث هى علامة على المطر."( ) وكثيرا ما تكون هذه العلاقة "قائمة على التجاور المكانى، مثل السهم الذى يبصره مشيرا إلى مكان معين ومثل حركة الإصبع التى تشير إلى شئ أمامها."( ) أما الرمز فهو دال يميل إلى مدلول متعارف عليه، رسخه الوعى الاجتماعى والتاريخى، ومن هنا كانت العلاقة بين شطريه علاقة تعاقدية عرفية اصطلاحية، "ومثل ذلك نجد الكثير من الرموز، كالصليب الرامز للتضحية والهلال الرامز للإسلام."( )
إن جهود "دى سوسير"، و "بيرس" قد انصبت على بنية العلامة فى إطارها المعرفى العام، أما عن انتقال هذا المنهج إلى الحقل المسرحى (نصًا وعرضًا) فيعود الفضل فيه إلى عديد من النقاد الغربيين منهم الناقد البولندى "تاديوش كوفزان" والناقد الفرنسى "مارتن إسلن":

أولا: تصنيف "تاديوش كوفزان" لأنساق العلامة فى العرض المسرحى:
أكد "تاديوش كوفزان" فى بحثه :"العلامة فى المسرح" على مبادئ "مدرسة براغ" ولاسيما على تسويم الموضوع: أى إن كل شئ فى التمثيل المسرحى علامة، كما أكد على قابلية العلامة للتحول وحاول فضلًا عن ذلك أن يؤسس تصنيفًا للعلامة المسرحية."( )
فى مرحلة أولى اعتمد " كوفزان " التمييز بين العلامات الطبيعية والعلامات المصطنعة التى جرى اعتبارهما علامة واحدة فى أكثر الأحيان فأقر بأن ""كل شئ دلالة لشئ ما فى ذاتنا أو فى العالم المحيط بنا فى الطبيعة، والدلالات الطبيعية هى تلك التى توجد بدون مشاركة الإرادة الإنسانية، وإرسالها يظل لا إراديًا، أما الدلالات الاصطناعية فخلقها الإنسان إراديًا للإشارة إلى شئ ما أو الاتصال بشخص ما."( )
أى إن الدلالات الطبيعية هى تلك الدلالات التى لا تنشأ علاقتها بالشئ الذى تدل عليه إلا عن طريق قوانين الطبيعة مثل ارتفاع الحرارة الذى هو دلالة على المرض ولون البشرة الذى هو دلالة للجنس وبذلك توازى العلامة الطبيعية عند " كوفزان"، العلامة المؤشرية عند "بيرس". أما الدلالات المصطنعة فهى تلك التى تستند على الإرادة الإنسانية، فى علاقتها بالشئ الذى تدل عليه، بهدف توصيل معنى محدد، ومثالها الدلالات التى يستخدمها الفن المسرحى.
وقد استتبع " كوفزان " تقسيمه للعلامات فى مجموعتين كبيرتين (طبيعية – اصطناعية)، بتقسيم آخر خاص بالأخيرة (العلامات المصطنعة) التى يفترض فيها الخلق الإرادى والخاصة بسيميولوجيا العرض المسرحى؛ حيث استطاع "كوفزان" اكتشاف ثلاثة عشر نسقًا دلاليًا فى العرض المسرحى، وضعها فى خمسة مستويات أن " كوفزان " قد قسم الأنساق الدلالية للعرض المسرحى إلى خمسة مستويات هى كما يلى:
1- نص الكلام: ويشمل الكلمة ودلالتها اللسانية، ونغمة الصوت عندما ينطق الممثل بها.
2- التعبير الجسدى: ويتمثل فى إيماءات الوجه والحركة والانتقال فوق خشبة المسرح.
3- المظهر الخارجى للممثل: ويشمل المكياج وتصفيف الشعر والزى المسرحى.
4- مظهر المسرح: ويتضمن نظم الملحقات والديكور والإضاءة.
5- الأصوات غير اللفظية: ويتعلق بالموسيقى والمؤثرات الصوتية.
ويمكن الإشارة إلى تصنيف آخر تضمنه جدول "كوفزان" فرق فيه بين الدلالات السمعية والدلالات البصرية، فالكلمة والنغمة والموسيقى والمؤثرات الصوتية، دلالات سمعية، بينما تضم الدلالات البصرية كلًا من الإيماءات والحركة وانتقال الممثل فوق خشبة المسرح، بجانب المكياج وتصفيف الشعر والإكسسوارات والديكور والإضاءة، ويتضح من هذا التصنيف أولوية العلامات البصرية – عند " كوفزان " – باعتبارها قناة تلقى فى دائرة الاتصال المسرحى؛ حيث تحتل تسعة أنساق دلالية من أصل ثلاثة عشر علامة.
وقد ربط "كوفزان" هذا التصنيف القائم على إدراك الدلالات حسيا بتصنيف آخر يحدد موقع العلامات الثلاث عشرة من الزمان والمكان، "فالدلالة السمعية تعمل فى الزمان، فى حين نجد أن الدلالات البصرية أكثر تعقيدًا، لأن بعضها ينتمى إلى المكان من حيث المبدأ، كالمكياج والتسريحة، بينما يعمل البعض الآخر فى الزمان والمكان فى آن واحد، كالحركة والإضاءة.
كما تضمن جدول "كوفزان" تصنيفا آخر للعلامات، حسب من يحملها، حيث قسمها إلى أربع مجموعات: دلالات سمعية متعلقة بالممثل، ودلالات بصرية متعلقة بالممثل، ودلالات بصرية خارج نطاق الممثل، ودلالات سمعية خارج نطاق الممثل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-