الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توظيف التراث المصرى الفرعونى فى مسرح رأفت الدويرى

ابراهيم حجاج

2018 / 7 / 2
الادب والفن


"الأساطير عالم رحب من الأحداث الإنسانية التى تتسم بصفة العمومية والتى يستطيع الكاتب من خلالها التحرك بحرية، واستخدام أدواته الفنية من رموز وإسقاطات على عالمه المعاصر، الذى هو بطبيعته بالغ الخصوصية ومحدود المجال"
وقد شغلت مسألة توظيف الأسطورة كثيرًا من الكتاب القدامى والمحدثين، حيث كان التراث الأسطورى حاضرًا فى الكثير من الأعمال الأدبية الشعرية والمسرحية والروائية، ومن خلال مراجعة النتاج المسرحى للدويرى نلحظ حضور التراث الأسطورى فى أكثر من عمل منها مسرحيتى "ولادة متعسرة"، و"قطة بسبع –ت- رواح"، وقد اعتمد الكاتب فى هذين النصين على توظيف الأسطورة الفرعونية، "إيزيس وأوزوريس"، بشكل يجعله يتجاوز تسجيل الواقع، إلى محاولة تفسيره، وهذا ما فعله الكاتب، إذ أن اعتماده على الأسطورة لم يحول عينه عن أرض الواقع، بل إنه حاول من خلالها أن يعثر على تفسير لهذا الواقع؛
حيث يكشف النصان عن مأساة الوجود تحت ضغط القهر الاجتماعى والاقتصادى.
يتكون نص "ولادة متعسرة" من مدخل كابوسى وست لوحات، يصاحب المدخل الكابوسى لحن الميلاد، بإيقاع هيستيرى متوتر، ونرى "وحيد" بطل المسرحية قابعًا خلف مكتبه، وقد تكور فى بطن الفوتيل الدوار وكأنه جنين يقاوم الانسلاخ من بطن أمه.
تحكى المسرحية عن "وحيد" المؤلف المسرحى الذى بلغ الأربعين من عمره – سن النبوءة والاكتشاف والنضج - ليكتشف فجأة حقيقة حياته، وأن عمره قد احترق بين يديه شمعة فشمعة، دون أن يستطيع أن يضئ باحتراقه الوجود حوله، فيسعى لإلغاء سنوات عمره الماضية من صفحات الزمن، ويستعيد بإطفاء كل شمعة ذكريات من ماضيه الأليم، ومع لقائه بالماضى، تفجعه حقائق الولادة غير الشرعية، المصادرة لكل فكر جديد متمرد، والمعرفة التلقينية التى تلقاها منذ ولادته دون أدنى تفكير، وملامح السيطرة على العالم بامتلاك مقدراته. ويرى كل هذا؛ فيحرقه الماضى وتستنزفه الطقوس الرجعية.
فيرفض الواقع بالعودة إلى رحم أمه ليولد من جديد بعد أن يحدث ثورة فى ظلمة الأرحام (ثورة ما قبل الميلاد) وتشاركه زوجته "سونيا" رفضه للماضى بتمزيقها لصورته القديمة، ولكن مع رغبته فى أن يولد من جديد، تبدأ فى تجميع أجزاء الصورة الممزقة إلى أربعة عشر جزءًا مما يستدعى فى ذاكرتنا الجمعية الأسطورة الفرعونية الخالدة "إيزيس وأوزوريس".

"وحيد: لا مفر من العودة ... أح ... أحترق ... فلتنطلق من قمقم الماضى الخفافيش السوداء ... أح ... أحترق... (يعود ليتكور كجنين فى بطن الفوتيل خلف مكتبه ويغمغم بنشوة خاصة)، ها أنا إلى دفء الرحم قد عدت ... من ... لأولد من جديد ... واء... واء... واء، هنا فى ظلمة الرحم يمكننى أن أحقق حلم سنواتى الأربعين ... أن أحقق الثورة فى الأرحام ... ثورتى الفريدة ... الرائدة ... ثورة أجيال ما قبل الوجود".

إن رفض "الدويرى" للواقع يتمثل فى رفضه لما يحتويه هذا الواقع من سلبيات تأتى فى مقدمتها المعرفة التلقينية فعندما يعيش الإنسان فى ظل قهر أعمى وديكتاتورية هوجاء، يصبح حتى عقله معتقلًا سجينًا لبطش هذا القهر وتلك الديكتاتورية ويوضع تحت الوصايا؛ حيث تملى عليه أراؤه وأفكاره. وقد أصل الكاتب هذه الفكرة من خلال شخصية "الطفل معصوب العينين"، رمزًا للإنسان فاقد البصيرة والمنقاد بأفكار الغير، لذا نراه دائمًا متمردًا على واقعه مطلقًا صرخته المدوية (حتمى أن أعرف .... لابد أن أعرف) ، وتبلغ إرادة الصبى فى اغتصاب معرفته مداها فى حواره مع "وحيد":

"وحيد: أيام قلائل وتكمل الثالثة عشر من عمرك وقتها سيقيمون لك الزينات، سينحرون الذبائح احتفالًا ببلوغك بداية رجولتك.
الصبى: رجلًا عارفًا.
وحيد: (بمرارة) فى الاحتفال ستعرف ما يريدون لك أن تعرفه.
الصبى: أريد أن أعرف ما أريد أنا أن أعرفه .... بمعرفتى سأغتصب معرفتى
وحيد: لا بلوغ بلا شعائر تلقين.
الصبى: أرفض التلقين ... أرفض شعائر التلقين"

كما يتعرض النص لسيطرة المادة والنفوذ، ودورها فى سلب الإرادة وتكميم الأفواه، وذلك من خلال شخصية "مالك" الذى أرغم زوجته "أم وحيد" – فى الماضى – على الزواج منه، فى مقابل دين له عند والدها، بالرغم من علمه بحبها لابن عمها "محب".

"مالك: فلأغرق نفسى فى هذه اللحظة ... أسعد لحظة يعيشها إنسان أعظم لحظات السيادة ... أروع لحظات الامتلاك"

يرفض الجد إتمام تلك الصفقة المهينة مع "مالك"، ويمنع ابنته من أن تبيع نفسها ثمنًا لسداد ديونه، ولكن دون جدوى.

"الجد: فلتكن حريتى ... لا حرية ابنتى سدادًا لدينك فلأختار أهون الشرين
الأم: تختار؟
مالك: (يندفع ضاحكًا) وهل لأمثالك حق الاختيار؟!
الجد: (يغمغم لنفسه) بقدر من التضحية
مالك: (ساخرا) لعل ثروة هبطت عليك من السماء.
الجد: السماء لا تمطر الثروات فالإنسان صانعها الوحيد.
مالك: (ساخرًا) إذن أين ثروتك؟ وثروات المعدومين والصعاليك أمثالك؟
الجد: تاريخ يطول استرجاعه يا ... يا مالك بيه"

وتنتصر مادية "مالك" على تاريخ "الجد"؛ حيث تضحى الابنة بنفسها فى سبيل إنقاذ والدها وتوافق على الزواج من "مالك". وذلك هو الماضى الذى حاول "وحيد" استرجاعه، ورفضه بعد شعوره بالقهر على المستوى الفكرى والمادى، وكان حرق هذا المؤلف لأخر كتاباته المسرحية "ثورة فى الأرحام" هو المعادل الموضوعى ليأس الكاتب من تخطى الماضى بكل آلامه وعذاباته.
أما مسرحية "قطة بسبع – ت- رواح" فتتكون من مدخل غير واقعى وتسع لوحات.
يطلق الكاتب على المدخل عنوان "حلم ف ... كابوس" وتدور أحداثه فى أرض زراعية عطشى متشققة بفعل الجفاف، تتوسطها نخلتان متعانقتان؛ إذ تبدوان أسفل الجذعين نخلة واحدة، إحداهما كالفتى طويلة، والأخرى صغيرة كفتاة، ومن النخلتين ينسلخ – كما فى الأحلام – طيفان لفتى وفتاة (فياض، فيض)، بملابس عرس فلاحية بيضاء وخضراء، وفجأة تنفتح فجوة أشبه بمغارة عصابة ليندفع من داخلها عروسان (سمارة، عنانى الوحش)، بملابس عرس غريبة سوداء وزرقاء. ترفع "فيض" اللثام عن وجه عريسها لتكتشف أنه "سمارة" وفى الوقت ذاته يرفع "فياض" اللثام عن وجه عروسه ليفاجأ أنها "عنانى الوحش"، زعيم العصابة الذى يجب "فيض" ويرغب فى الزواج منها، وتساعده "سمارة" فى خطته للفوز بفيض عن طرق السحر، أما هو فلا يجد طريقًا للفوز بمأربه سوى قتل "فياض"، وينجح فى ذلك، ويطعنه بمقصه الخرافى، بعد أن يقطع لسانه، وتلقى "فيض" بجسدها على جثة "فياض" لتستحم فى فيض دمائه. هذا الحلم (الكابوس) الذى بدأ به "الدويرى" مسرحيته.
أما اللوحة الأولى، فتبدأ خارج الصالة، بثلاث مجموعات من الفلاحين ينشدون ويرقصون احتفالًا بعيد الربيع (موسم الحصاد)، ثم يتقدمون إلى داخل الصالة، ليتخللوا الممرات الثلاثة وسط المتفرجين، وهم يحملون أدوات الزراعة وحزم القمح ونماذج لبيض ملون وعرائس كبيرة ملونة لشخصيات المسرحية الرئيسية: أبو الخير (فياض) – أم الخير (فيض) – شر الطريق (عنان الوحش).
ومن خلال اللوحات نتعرف على "فيض" فتاة القرية الجميلة المخطوبة إلى فياض (مغنى الغلابة)، بعد قصة حب طويلة تحاكت بها ألسنة أهل القرية، ولكن الظروف المادية تحول دون إتمام زواجهما، ففياض لا يملك سوى قوت يومه وهو يرفض أن يستغل فنه فى جمع المال بالترفيه عن الأثرياء والمتخمين.

"فياض: فيض ! يكونش عقلك عاوزنى أغنى فى أفراح الـ ...
فيض: نقوط فرحين ثلاثة حداهم يكملوا لك مهرى
فياض: فرحين ... ثلاثة !!
فيض: يجوزونا ... يلمونا يا فياض تحت سقف واحد ...
فياض: وحاغنى لهم إيه؟!
فيض: اللى على هواهم غنيه
فياض: أبسطهم؟! أفرفشهم؟!
فيض: خدهم على قد عقلهم ... بفلوسهم
فياض: بفلوسهم ... قرد بطرطور وماسك ربابة لا لا ... مش ممكن يا فيض".

وعلى الجانب الأخر، تجد سمارة (زوجة والد فيض)، الشرهة للمال والتى تسعى جاهدة لتزويجها من "عنانى الوحش" إقطاعى القرية الذى يخشاه الجميع ويخافون بطشه وسطوته. وتحكى "فيض" لفياض عن زيارة "أبو الحكاوى" لها، ليخبرها بأنها قد اختيرت عروسًا لأبى الخير فى احتفال هذا العام، وحذرها من أن تبوح بهذا السر لأحد حتى لا تصاب بأذى، مثلما حدث لأم الخير وأبى الخير السابقين، ويضحك "فياض"، ويزيل مخاوف "فيض" فيصارحها بأن "أبو الحكاوى" قد زاره هو الأخر وأخبره بأنه سيكون "أبا الخير" هذا العام وطالبه بكتمان السر.
وننتقل من مستوى الحدث الواقعى إلى مستوى الحدث الأسطورى حيث تبدأ طقوس الاحتفال الشعبى بزفاف "أم الخير" إلى "أبو الخير" ويباركها "أبو الحكاوى" بماء النيل، وتحيلنا الأحداث إلى أسطورة "ايزيس وأوزوريس" حيث تستدعى فى أذهاننا الصراع الخالد بين الخير والشر، بين إله الخصب والقمح والنماء (أوزوريس)، وشقيقه إله الشر والعقم والجدب (ست)، فأوزوريس هنا هو "أبو الخير" أو "فياض"، أما ايزيس فهى نفسها "أم الخير" أو "فيض"، فى حين يجسد "شر الطريق" أو "عنانى الوحش" شخصية "ست".
ويسير المستوى الطقوسى بشخصية (أم الخير، أبى الخير، شر الطريق) إلى جانب المستوى الواقعى بشخصية (فيض، فياض، غنانى الوحش)، ويربط بين المستويين "أبو الحكاوى" بأغانيه التى يرددها على ربابته. وعلى المستوى الواقعى يسجن "عنانى الوحش" "فياض" فى مغارة عصابته مقيدًا إياه بالحبال، كى يفرق بينه وبين "فيض"، وعلى المستوى الأسطورى يتمكن "شر الطريق" ورجاله الملثمون من القبض على "أبى الخير" وجلده، حيث ذاع صيته وزادت محبة الشعب له بعد أن قام بإصلاح الأراضى الزراعية وحصد خيرها وتوزيعه على الأهالى. ولم يكتف "شر الطريق" بذلك، بل يأمر بتمزيق جسده، وهنا يبدأ رجاله فى تمزيق أوصال العروسة الممثلة لأبى الخير.
وفى اللوحة الأخيرة يلتقى المستويان الأسطورى بالواقع حيث تحاول "فيض" أن تجمع أوصال العروسة الممزقة، ويحاول "عنانى الوحش" أن يثنيها عن ذلك دون جدوى، وعندما تنجح "فيض" فى إعادة أوصال العروسة يظهر "أبو الخير" لفيض، فيظنه "عنانى الوحش" "فياض"، وقد هرب من المغارة، فيجن جنونه، وهنا يعلن "أبو الحكاوى" أن "أبا الخير" لن يموت أبدًا لأنه ببساطة (قطة بسبع –ت- رواح) ويتقدم إلى "عنانى الوحش" ويرجمه بالحصى الذى يخرجه من كيس الخيش المعلق فى عنقه، ويشارك جموع الشعب "أبا الحكاوى" فى رجم "عنانى الوحش" ورجاله ويرددون:

"الجموع: اطلع يا وخم .... اطلع من البلد".

يلتقط "فياض" الحبل الذى كان مربوطًا به على جذع النخلة ويتقدم نحو "عنانى الوحش"، ويحاصره بمساعده مجموعة من الشباب إلى أن يلقوا به داخل كيس الخيش ويلفونه بالحبل، ويزفونه بالغناء ساخرين إلى أن يختفوا به خلف الكواليس.
ينطلق الكاتب فى نصه من الخاص إلى العام؛ فيطرح قضية أكثر عمومية وشمولية، تجسد هموم دول العالم الثالث، ووقوعها فريسة لهيمنة الأقوى؛ فالقضية فى هذه المسرحية ليست قصة الحب التقليدية الساذجة بين شابين أعجزهما الفقر والعوز عن الزواج ولكنها تتخذ أبعادًا مغايرة تحمل إسقاطًا سياسيًا يرمز إلى واقع المجتمعات التى تخضع لسيطرة حاكم، حيث تصبح "فيض" رمزًا لمصر المقهورة المغتصبة من قوى القهر والاستغلال التى يمثلها "عنانى الحنش" بكل جبروته وسطوته، فى حين يتحول "فياض" إلى رمز للزعيم الشعبى المخلص الذى قد يطول انتظارنا له ولكنه آت لا محال. وهو فى ذلك لا يتحدث عن هنا والآن فقط، بمعنى أنه لا يتحدث عن مصر فى علاقاتها المعاصرة مثلا بالكتلة الغربية، بل يتحدث عن مصر عبر تاريخ طويل، حينما كانت مستغلة، تمتص دمها هذه القوة أو تلك، "فقد عاش المجتمع المصرى القهر والعذاب منذ أقدم العصور، وقد استمر هذا القهر رغم تغير الحكام عبر التاريخ، وتطورت أشكال هذا القهر وألوانه، فمنذ أقدم العصور والملك الإله الفرعون يحكم، بل يحتكر الشعب إلى أن وصلنا إلى الاستعمار فى العصر الحديث بأشكاله وألوانه، لذا كان لزامًا أن تتطور النظرة إلى المسرح كوسيلة هامة يستطيع الكاتب من خلالها أن يعبر عن آرائه وأفكاره."
تلقى الأسطورة الفرعونية "إيزيس وأوزوريس" بظلالها على النصين "ولادة متعسرة"، "قطة بسبع –ت- رواح"، لكن الكاتب لا يهمه فى هذا التوظيف تفصيلات أحداث الأسطورة، بقدر ما يهمه تطويعها وتكييفها لتعالج قضية معاصرة، حيث يصبح القالب الأسطورى إنسانيًا غير غيبى.
ففى نص "ولادة متعسرة" أخذ "الدويرى" مضمون الأسطورة، ووظفه فى إطار معاصر، فاستخدم الأسطورة بوصفها إطارًا ثراثيًا وشحنه بأفكار معاصرة، فتمزيق صورة "وحيد" أوزوريس ما هو إلا دلالة رمزية على التشتيت النفسى للإنسان المقهور، مسلوب الإرادة، وتجميع زوجته سونيا (ايزيس) لأشلاء الصورة الأربعة عشر، ليس إلا محاولة لميلاد إنسان جديد بعد ثورة حقيقية على كل سلبيات الواقع.

"سونيا: واجبى أن أجوب أركان الكرة الأرضية باحثة عن أشلائك الأربعة عشر، أفتش فى قلوب النسوة .... أفتش فى أرحامهن .... أفتش فى عقول الرجال ... فى ظهور الرجال ... أفتش عن أشلائك ... أفتش".

وقد انخرط "الدويرى" فى نص "قطة بسبع ـ ت ـ رواح" فى تفاصيل الأسطورة الفرعونية بشكل أكبر، فيتعرض فى سياقه الدرامى لحيلة "ست" الغادرة للنيل من أخيه "أوزوريس" والتخلص منه.

عنانى: من خشب الورد جهزوا له صندوق تحفة بالمزورة مقاس أبو الخير، صندوق بالدهب
والفضة متطرز بالحرير والقطيفة متبطن ولا جهاز عروسة فى الحواديت.
فيض: (تغمغم) إلهى يجهزوك للموت يالى فى بالى.
عنانى: ولجل ما يسبكو الطبخة يعملوا عزومة كبيرة ضيوفها كتيرة وأبو الخير ضيف شرف فيها.
فيض: (بقلق) ياريتك يا فياض......
عنانى: وابتدت اللعبة..... الصندوق التحفة لمين... اللعبة واحد ورا التانى لأدوارهم حافضين.. أنا
.... لا أنا... لا أنت ولا هوه... أنا.... الدور دورك يا أبو ا لخير.
فيض: لا.... لا.....
عنانى: أبو الخير بضمير صفيان.
فيض: لا.... لا..... لا
عنانى: أبو الخير خش الصندوق
فيض: لا
عنانى: وقع فى الفخ
فيض: لا
عنانى: اللعبة صادت
فيض: لا
عنانى: الصندوق بالعجل أترد بمسامير جاهزة.. غطاه أندق... وهيلا بيلا الصندوق الفخ شالوه...
وفى جوف النيل رموه.. دفنوه... دفنوه.

كما يستلهم الكاتب شخصية "أبا الحكاوى" فى هذا النص، من شخصية "توت" إله الحكمة والكتابة الذى عاون إيزيس فى رحلة بحثها عن زوجها المفقود.

"فيض" : أنى حادور عليه (وتبدأ من الآن التقاط أوصال العروسة الممزقة والملقاة على الأرض
وتعيدها إلى هيكلها الأصلى المثبت بين النخلتين) من بلد لبلد وراه... من شط لشط
وراه....
أبو الحكاوى: أبو الخير عمره ما مات.

لقد قدم "الدويرى" بطله الفنان الفقير "فياض" (مغنى الغلابة)، بوعيه البسيط، وحبيبته "فيض" بوعيها المغيب بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى تعيشها، ورغبتها فى الالتصاق توحدًا فى مواجهة تلك الظروف، وتجاوزًا لها، برغم صعوبة ذلك التجاوز وخشونة هذا الواقع. كما اضطر الدويرى إلى الهروب فى الأسطورة القديمة علها تحقق نوعًا من التكامل والخلاص من الواقع المزرى، وتقدم بدائل مغايرة ولكن ذلك لا يعنى إحلال الرؤية الأسطورية الغيبية للحياة محل الرؤية الواقعية، وإنما هو نوع من التزاوج المعنى بالتخفيف عن نفسية هذا الإنسان العصرى، ومنحه الأمل فى القضاء على عناصر الشر ـ كما حدث فى الأسطورة ـ من خلال طرح مزيد من الاتساع فى منظور الرؤية الشاملة إلى الكون.
وبالرغم من استلهام الكاتب للتراث الأسطورى، فإنه من اللافت للنظر تواتر بعض أشكال التراث الشعبى فى النصين من أمثال وحكايات وأغان شعبية؛ حيث تشكل عمليتا القطع والتجميع لصورة "وحيد" فى نص "ولادة متعسرة" معادلًا موضوعيًا لعمليتى الموت والميلاد، وقد نجح "الدويرى" فى توظيف طقوس الوجود الإنسانى من (سبوع ـ طهور ـ جنازة) بشكل رمزى إبداعى، ففى اللوحة الثانية، ومع استدعاء "وحيد" لذكريات ميلاده، يوظف الكاتب الكورس مرددًا بين الحين والآخر أغنية السبوع الطقسية.

"كورس السبوع: برجلاتو برجلاتو حلقة دهب فى وداناتو
يارب يا ربنا يكبر ويبقى قدنا."

كما نجد الأم مشغولة بالدق على (الهاون النحاسى)، وإطلاق الزغاريد وإشعال الشموع وغير ذلك من مظاهر هذا الاحتفال الطقسى وفى انتقائه للممارسات الاحتفالية الشعبية، يركز "الدويرى" على طقوس الطهور برموزها، وشعائرها الراسخة فى وجداننا الشعبى، والتى ظهرت فى أبلغ صورة فى اللوحة الثالثة من هذا النص.

"كورس الطهور (يغنون) ما أطاهر إلا الصغير الصغير وله شميعة بتنور بتنور".

وفى هذه اللوحة تقوم الأم بنثر الملح وإطلاق الزغاريد إيذانا ببدء طقوس الطهور للصبى معصوب العنين. وقد قدم "الدويرى" كورس الطهور فى صورة وحشية، حيث تقنعوا بأقنعة بومية وخفاشية بشعة، وكل منهم يحمل آلة قطع معدنية حادة، وضخمة الحجم، ويمسك أحدهم بلوح أسود مما كان يستخدم قديمًا فى الكتاتيب باعتباره معادلًا تشكيليًا للوح المعرفة التلقينية التى على الصبى تعلمها بعد بلوغه واكتمال رجولته، والتى يرفضها الدويرى على لسان الصبى الذى يطلق صرخته المدوية بعد أن يعلق اللوح حول عنقه.

"الصبى: لا لا.... أرفض المعرفة التلقينية".

وفى اللوحة الأخيرة ينعدم المعقول والمنطقى ليقدم لنا الكاتب طقس الجنازة فى قالب عبثى من خلال كورس الجنازة الذى هو نفسه كورس سبوع المولود مع الاعتماد على الترتيل والإنشاد ذى الإيقاع الجنائزى الحزين والتشكيلات الحركية الرمزية المنمطة والشموع السوداء المضيئة ويسيطر محور التشكيل الحركى على الحدث فيندفع الجد "مالك" بقوة فيسقط داخل تابوت أسود مركب فوق سرير مولود ملون ليلقى نهايته المحتومة عبر إطار من الطقوس الجنائزية، بينما ينشد الكورس.

"كورس سبوع المولود": هابى بيرث داى تو يو."

إن التداخل العبثى غير المنطقى بين طقسى الموت والميلاد يحمل دلالة رمزية تعكس نظرة تفاؤلية بميلاد واقع جديد على أنقاض ماض عفن مثقل بكل أدوات القهر والتسلط.
كما نلحظ فى مسرحية "قطة بسبع ـ ت ـ رواح" شذرات من بعض أشكال التراث العربى، رغم اعتماد المسرحية فى بنائها الأساسى على الأسطورة. وقد تجلى ذلك من خلال إشارة الكاتب إلى حكاية "على بابا" وتشبيه لعصابة "عنانى الوحشى" بعصابة الأربعين حرامى التى ورد ذكرها فى قصص ألف ليلة وليلة.

"عنانى: سحراوى.. وردانى.. أحمد يا بظاظة... سعدان يا غول.. سفروت.. مسرور... عزرائيل... كل الأربعين عايزكزا هنا هوا".

كما تضمنت المسرحية إشارات إلى حكايات وملاحم شعبية مثل: ياسين وبهية ـ أدهم الشرقاوى ـ على الزيبق المصرى ـ أبو زيد الهلالى سلامة ـ أيوب وناعسة ـ شمشون ودليلة.
كما استلهم الكاتب البكائيات والأغانى الشعبية مثل (يا طالع الشجرة... هات لى معاك بقرة). كما لجأ لفنون السحر وأدعيته من خلال محاولة "عنانى" للتفرقة بين "فيض" و"فياض".

"الشيخة فهيمة: هوتر هوتر.. كوش كوش.. أنيش أنيش..أبراكاش أبراكاش... أركياش أركياش...
طاشى طاشى.. طيش طليوش طليوش.
(عنانى الوحش يمد لها مسمارًا كبيرًا)
الشيخة فهيمة: مسمار يا مسمار يا محطوط فى لهيب النار، مسمار يا مسمار بعتك فى
مشوار.. لفيض بنت فياضة بعتك يا مسمار.. مسمار يا مسمار فوق رأسها
اضربها.. قلقل أضراسها قلقل أنفاسها خليها تزعق وتقول بأحبك بأحبك بأحبك يا
عنانى."

كما استدعى نص "قطة بسبع ـ ت ـ رواح" فى ذاكرتنا الثقافية الجمعية، المراسم الشعبية الشيعية "لإحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين رضى الله عنه والتى تقام فى شهر محرم من كل عام"، وذلك من خلال مشهد التكفير التطهيرى؛ حيث تمسك جموع الشعب بآلات الحصاد الحادة لتطعن بها صدورها ووجوهها وبطونها، وبقية أعضاء جسدها، وهم يصرخون، مطالبين بعفو "أبى الخير"، وغفرانه، اعتقادًا منهم بأنه قتل على يد عصابة "عنانى الوحش" (شر الطريق)، بسبب سلبيتهم وتخاذلهم والصلة واضحة بين هذا المشهد والاحتفالات الدامية التى تقيمها بعض فرق الشيعة فى ذكرى استشهاد الإمام الحسين فى عاشوراء من كل عام.
ومن نافلة القول الإشارة إلى أن تتبع أشكال التراث الأسطورى والشعبى فى هذين النصين لا ينفى وجود تأثيرات من الثقافة المسرحية الغربية، وصور من محاور التجريب.
ففى نص "ولادة متعسرة" خالف "الدويرى" أية ضوابط تقليدية مما اعتدنا عليه عبر مسرح الضوابط الكلاسيكية، فعلى مستوى المكان نجد أنفسنا فى إطار مساحة فراغ مسرحى يشغلها وجود متداخل من ثلاثة مواقع مكانية أولهم: حجرة المكتب وتشغل ثلثى فراغ خشبة المسرح لتجسد خبرات الماضى والحاضر المحيطة بوحيد بطل المسرحية فى شكل كتب أو من خلال لوحتى الأم وزوجها بالحجم الطبيعى تضغطان كماض حاد على صدر البطل وعقله ويهبطان منهما عليه فى لحظات الاستدعاء للماضى، لا ليهرب إليه بل ليزيده وعيًا بالحاضر، أو ينطلقان بصوتيهما من خلال جهاز التسجيل العصرى، ويتداخل هذا الموقع مع الموقعين المتجاورين وهما غرفة المعيشة وحجرة النوم، "فنجد بطلنا "وحيد" ينتقل بين مكتبه، وحجرة المعيشة؛ حيث زوجته، وحجرة النوم حيث أمه فى زمن الماضى، لا تتحكم فى حركته بين تلك المواقع المكانية أية ضوابط كلاسيكية، فالتنقل مباح بين المواقع، كما أن التنقل فى الزمان أكثر إباحة؛ فالزمن الدرامى هنا ليس زمنًا مقيد الخطوات يرتبط بمبدأ "أرسطو" Aristotle، كما أنه يتجاوز التبسيط السينمائى فى استخدام منهج الاسترجاع (الفلاش باك) ليقدم لنا مزجًا مونتاجيًا يضيف المشهد فوق المشهد فى حركة ترددية بين الماضى والحاضر والمستقبل"( ) وبذلك حمل النص ملمحًا ملحميًا من خلال التداخل الزمانى المكانى وقد تجلى هذا بوضوح فى اللوحة الثالثة عندما استدعى "وحيد" من الماضى حدث زواج أمه بمالك رغمًا عنها، وفيه وظف "الدويرى" أسلوب (الفلاش باك) وأقام حوارًا ثلاثيًا جمع بين الأم ووالدها (جد وحيد) ومالك يعكس مأساة الحياة تحت ضغوط القهر الاقتصادى، وفجأة يقفز "وحيد" من مستوى الحاضر لينخرط فى مأساة ماضى ما قبل ولادته؛ ليعلن رفضه لأنظمته وأدوات قهره المستبدة.
ولم يخل نص "قطة بسبع ـ ت ـ رواح" من ملامح بريختية على مستوى المكان والزمان، حيث كشف الكاتب عن وعيه العميق بلغة المسرح المركبة فى توظيفه للمكان؛ فالديكور مكون من تشكيل بصرى ومحيط رمزى يحوى دلالات النص، ويبرز الصراع الأساسى بين الخير والشر، كما يعكس بنية العلاقات الدرامية بين الشخصيات، ويخلق الجو النفسى العام للمسرحية، كل ذلك أمكن تحقيقه من خلال إذابة خشبة المسرح التقليدية فى الصالة، حيث يتكون المنظر من مستويات مسرحية تتدرج هبوطًا إلى الصالة مخترقة الممر بين صفوف المتفرجين والممر بين الجانبين؛ حيث يبدو التكوين كحيوان مشبوح مقطوع الرأس، تنبت فى المكان عيدان الحلفا والأشواك المتوحشة الملطخة بدماء جافة، وفى هذا رمز لحالة التوحش المسيطرة على الوجود الإنسانى والتى يمثلها فى المسرحية "عنانى الوحش" (شر الطريق)، وعصابته؛ حيث جعل الكاتب مغارة العصابة وكأنها تجويف فم هذا الوحش المشبوح، كما أنبت فى موضع قلب هذا الكائن نخلتان فى عناق خالد إحداهما كالفتى والأخرى كالفتاة، وكأنه أنبت الحب فى قلب الشر وألهب الصراع بينهما.
أما المسار التجريبى الآخر الذى نخلص إليه فى هذين النصين، فهو يختص باستبدال الحوار التقليدى بمحيط صوتى مركب يعمل على مستوى الإيحاء، أى على المستوى المجازى؛ فالسمة الأولى فى لغة مسرح الدويرى هى "الحيوية العارمة والخصوبة المدهشة، هى لغة مسرحية متوثبة، أخاذة، لاهثة، تلفنا فى دوامة من الأصوات، والأصداء، والنغمات والإيقاعات القديمة والحديثة، فتؤكد لنا أن الوجدان الإنسانى يتسع لجميع الحضارات، والأزمنة، والألسنة، وتكشف لنا عقم الاتجاهات المنغلقة المتعصبة".( )
مثلما نجد فى مسرحية "ولادة متعسرة" التى اعتمد فيها الكاتب على اللغة العربية الفصحى.

"وحيد: أين الواقع؟ وأين الخيال؟ وهكذا تنتهى ثورة فى الأرحام رحلة طويلة لحياة قصيرة خاطفة..
ميلاد.. سبوع... بلوغ الثالثة عشر... شاخ... صباى... بلوغ... لقاح شيطانى مسموم ..
الشرارة المقدسة .. بتر .. العصارة النارية .. نزيف .. فى معمودية نزيفه يغرق .. موات
.. دفن .. شعار تلقين ميلاد جديد .. رجولة .. حب .. امتلاك .. لمن أنتمى .. للحب أم
للامتلاك أنتمى؟ زواج على ورقة طلاق موت .. إظلام .. سريع .. وهكذا تنتهى دراما
الحياة على أمل حياة ثانية .. أفضل ... أختنق .. أختنق .. أستار .. أسرار .. ألغاز ..
فوازير .. أختنق .. فلأجدد هواء حياتى فلأنسلخ من شرنقة .. من قوقعة ذاتى .. فلأغرق
البشرية بفيضان حبى .. فرشاتى .. ألوانى .. فلأحرقها ثورة فى الأرحام فلأحرق نفسى
بنفسى على أمل ميلاد جديد."

ويعد التنوع والتناقض والمزج هو سياسة البناء اللغوى فى مسرح "الدويرى"، وهو سمة تنبع من تقلبه الفجائى المنظم بين الشعر والنثر، بين العامية والفصحى، بين الترفع والسوقية المبتذلة وبين أساليب تستدعى عصورًا مختلفة وحضارات متباينة، وحصيلة هذه التقلبات، والمفارقات الأسلوبية قد تجلت بوضوح فى مسرحية "قطة بسبع – ت – رواح".

"أم الخير: لا لا .. أبو الخير .. لا لا أرجع .. أرجع بيتك يا عمود لبيتك لا لا .. متموتش ..
الدنيا بعدك ما تتعش .. أتحرك قوم تعيش لى.
النسوة : ارجع .. ارجع لبيتك يا عمود بيتك
أم الخير: الشمس مكسوفة ما بتطلعش .. القمراية مخنوقة، ما بتنورش .. اتحرك قوم تعيش لى.
النسوة : ارجع .. ارجع لبيتك يا عمود بيتك
أم الخير: النيل فيض ما بيفضش .. النطرة نطرة ما بتنطرش البيار ميه ما بتنضحش .. الساقية
دوران ما بتدرش الدنيا بعدك ما تتعش .. اتحرك قوم تعيش لى."

كما يحمل كل نص فى ثناياه شفرات بصرية تزيد من نشاط المتلقى فى تفسير معانيها، وتجسيد دلالاتها، وفك رموزها، ففى مسرحية "قطة بسبع – ت – رواح" يصطرع اللون الأخضر – ممثلا فى "فياض" – رمز الخصب والتجدد والنماء مع الأسود – ممثلا فى "الحنش" – رمز الموت والفناء ويتحول اللون الأحمر إلى رمز لطاقة الثورة والمقاومة، وقد يغدو رمزا للدم الذى يصاحب الميلاد، ودماء التضحية والتطهير الطقسية كما فى مسرحية "ولادة متعسرة".
كما يلجأ الكاتب لإحداث انزياحات فى نصه، وإفساح المجال للإحالة إلى نصوص أخرى، ففى مسرحية "ولادة متعسرة" يمكننا الجزم بتأثر "الدويرى " بنص "شريط كراب الأخير" للكاتب العبثى "صمويل بيكيت"Samuel Beckett ، حيث استخدم "وحيد" بطل المسرحية جهاز التسجيل ليطل منه على الماضى مستدعيًا أحداثه المريرة، لكن ثمة اختلافًا بين "وحيد" و"كراب"؛ فالأخير أعيته الذكريات، ولم يصمد أمام قسوتها ومات منحنيًا على جهاز التسجيل معلنًا استسلامه، ويأسه، بينما تمسك وحيد بشعاع من الأمل تجلى فى كلماته الأخيرة:

"وحيد: أشلائى تتجمع ... تتجمع لأبعث من جديد."

وفى نهاية البحث يمكن القول إن "رأفت الدويرى" قد نجح فى استغلال التراث فى مسرحه باعتباره المحيط الوجدانى الذى يمتزج فيه الحاضر بالماضى وجعل منه البوتقة التى انصهرت فيها كل العناصر الفنية التجريبية لتتوحد فى تكوين جمالى متناغم يزخر بمادة تراثية غنية منوعة، تنتظم مادتها فى بنية فنية جديدة متماسكة تجمع بين شكل الطقوس الشعبية الدرامية والاحتفالية والحكايات الشعبية، والأسطورية، وتطرح مفهومًا تقدميًا، وخصبًا ورحبًا لطبيعة هويتنا كمصريين وكعرب، حيث عبرت رموز الدويرى ثرية الدلالات – بشكل أكثر شمولية- عن وضعية الإنسان العربى وصراعه الطويل مع قوى الرجعية والتخلف وسعيه نحو مستقبل أكثر تقدمية ورقيًا. كما جنح "الدويرى" إلى المتوارث من الطقوس، ليتحدث بصورة شبه مباشرة عن علاقة الابتزاز، وامتصاص الدم القائمة بين دولة من دول العالم الثالث والقوى الكبرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو