الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث فى مسرح رأفت الدويرى

ابراهيم حجاج

2018 / 7 / 5
الادب والفن


"إن إعمال "رأفت الدويرى" تمثل فى مجموعها وحدة دينامية، مركبة، تتحرك وتنشط على محاور عدة واضحة ومترابطة، فنية، وفكرية، ولغوية، وشعورية، وعلى كل محور من هذه المحاور تنبثق جدليات صغرى متشابكة، تتحدد فى نهاية الأمر لتشكل الجدلية الكبرى الحاكمة التى فيها تتمثل الأصالة التراثية المحلية، إلى جانب التقدمية العالمية، وينحل التناقض بين هذين الحدين فى تركيب واحد يتمثل فى المفهوم التقدمى الثورى للتراث الشعبى الذى تطرحه المسرحيات فى النهاية، وهو مفهوم يتخطى الحدود الزمنية والجغرافية والحضارية الضيقة." ( )
وقد سعى "الدويرى" إلى توظيف التراث فى مسرحه انطلاقًا من مبدأين أساسيين:
1- الوعى بأبعاد هذا التراث.
2- الوعى بأبعاد الواقع.
أى إنه كان واعيًا لتراثه ولتاريخه فى الوقت ذاته، وهذا الوعى بالتراث والدور التاريخى هما – على حد قول الدكتور عز الدين اسماعيل – "القدمان اللتان يمشى بهما التراث، واللتان تقودان خطواته وتوقعاته ولا يمكن أن تتحقق مسيرة بقدم واحدة، قالوعى بالتراث دون وعى بالدور التاريخى من شأنه أن ينتهى بهذا التراث إلى الجمود؛ حيث تغيب كل الفعاليات اللازمة لاستمرار حيويته. والوعى بالدور التاريخى دون الوعى بالتراث، يمثل قطيعة أبستمولوجية ضد تاريخية الإنسان النفسية والعقلية." ( ) وانطلاقًا من هذين المبدأين، نجد أن التراث فى مسرح "الدويرى" قد تشكل على نحو جديد، أعاد له الحيوية بعد أن كاد يفقدها، وأعطى لأعماله مذاقًا خاصًا، وحقق –فضلًا عن البعد التراثى- البعد التاريخى، فأعاد تشكيل التراث فى إطار وعيه به وبلحظته الراهنة.

لقد غاص الدويرى فى التراث ونهل من شعبه المختلفة وقدمه فى صورة غير تقليدية صورة تجريبية على المستويات كافة فأنتج صيغة مسرحية تنطلق من التراث باعتباره موضوعًا للبحث عن هوية وتنتهى إلى الحاضر بتقنياته وأفكاره التقدمية وتحمل بين ثناياها هدفًا تنويريًا ذا توجه نقدى سياسيًا كان أم اجتماعيًا.
وكانت البداية التى دفعت "الدويرى" للخوض فى عالم الكتابة هى "معايشته مأساة نظام، يفصل بينه باعتباره فنانًا مبدعًا وبين مجتمعه ويجمد حركته فى صوغ واقعه، لقد عاش "الدويرى" مأساة نظام قضى على كل طموحاته وأحبط آماله، وضبب أمامه كل السبل إلى الغد القادم لا محالة، فوجد نفسه داخل ظرف حضارى خطر، عالم صاخب وقافز للأمام، وهو لا يملك أى موقف إيجابى تجاه الحاضر وأجبر على عدم امتلاكه، ولا أية رؤية مستقبلية تجاه المستقبل، فهو لا يملك حقيقة إلا الإبداع ومحاولة تحطيم الغرف المغلقة." لذا قرر أن يخلق بنفسه رؤيته الخاصة مجسدة فى شخصيات من صنعه تعيش أحداث وأزمات يقتنصها من الواقع مصيغًا إياها داخل معمار درامى خاص به وغير منفصل بالضرورة عما يعيشه، وزاوج فى رؤيته تلك بين التراث والتجريب مؤكدًا على أن التجريب لا يتحقق بصورة كاملة إلا إذا نشط على كل محاور التشكيل فى المسرحية من زمان ومكان وعناصر بشرية ومادية.
وقد تهيأت للدويرى كل الظروف المناسبة ليكون واحدًا من أهم كتاب فترة الثمانينات فى المسرح المصرى، وذلك من خلال ثقافته المتنوعة، واطلاعه على تجارب مسرحية كثيرة على مستوى العالم، كما أن حرصه فى كل كتاباته على الحفاظ على النهج التراثى والطقسى هو وليد اهتمامات الكاتب فى القراءة حول هذا الموضوع، وهو ما يؤكده بقوله: "لقد اكتشفت بعد قراءاتى العديدة أن المسرح الطقسى هو موجة عالمية والدليل على ذلك ما حدث مع "بيتر بروك" الذى عاد إلى المسرح الاحتفالى والطقسى."
ومعنى هذا أن قراءاته الكثيرة بالإنجليزية عن الدراما فى أصولها، إلى جانب الموروث الطفولى بالقرية المصرية فى جنوب الوادى، وما فيها من مظاهر شعبية كالموالد والزار وما إلى ذلك عمقت لديه الإحساس بالطقس والدراما الطقسية.
"ومن الطبيعى أن ينشغل كثيرًا بالانثروبولوجيا فيقرأ فيها كثيرًا ويولع بالأساطير والفلكلور الشعبى والملاحم الشعبية، ويعشق علم النفس والتنجيم والسحر والفلسفة." ولم يكتف "الدويرى" بإيجاد المعادل العلمى التطبيقى لآرائه من خلال أعماله المسرحية، فمال إلى التنظير الذى صاحب مقدمات معظم كتاباته، ولعل تنوع نتاجه المسرحى يغرى أى باحث بدراسته ورصد ملامح مسرحه.
وقد تعددت المصادر التى استلهم منها الدويرى أعماله المسرحية ما بين التراث الشعبى بحكاياته وشخوصه الراسخة فى وجداننا العربى والتراث الاسطورى بشعائره ورموزه الخصبة حيث غاص "الدويرى" فى التراث العربى والفرعونى بطقوسه المختلفة، وألبسه التجريبية بأن قدمه فى صورة جديدة معاصرة ليطرح من خلاله قضايا الوطن العربى فى واقعنا المعيش وسيتضمن هذا البحث اثنين من أهم تلك المصادر:
الأول: استلهامه لشخصية السندباد البحرى من قصص ألف ليلة وليلة، وتقديمه فى صورة عصرية من خلال نصوصه: "حالة غثيان" – "متعلق من عرقوبه" – "سندباد قضائى".
الثانى: استلهامه لأسطورة "إيزيس وأوزوريس" من التراث المصرى الفرعونى وتقديمها فى صساغد جديدة من خلال نصى: "قطة بسبع – ت – رواح"، "ولادة متعسرة".
وقد تضافرت مع هذين المصدرين التراثيين طقوس احتفالية متوارثة فى مناسبات الميلاد والطهور والزفاف والجنازة والاحتفالات الشعبية كالموالد والزار التى أتت فى غالبية أعماله السابقة باعتبارها شذرات متناثرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و