الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوريا الشمالية وما بعد: ماذا عن إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط؟

محمد عبد الشفيع عيسى

2018 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بمناسبة القمة التي عقدت يوم 12 يونيو/حزيران بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ، ورئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون ، فى سنغافورة ، وردت أنباء عن اتفاق من حيث المبدأ حول نزع الأسلحة النووية والقوة الصاروخية ذاتية الدفع بعيدة المدى لكوريا الشمالية، مقابل رفع الجزاءات الاقتصادية الأمريكية المسلّطة على كوريا الشمالية منذ عقود، والمعززة دولياً عن طريق قرارات إجماعية أو شبه إجماعية لمجلس الأمن بالأمم المتحدة - ولكن بعد "فترة تأخير" .

وقد خطر لي أن أتقاسم الفكرة مع القارئ الكريم حول أن نزع أسلحة كوريا الشمالية، والإصرار الأمريكي علي ذلك ، هو أمر يعزز واقع احتكار الأسلحة النووية علي المستوى الدولي ، بمفعول معاهدة " حظر الانتشار النووي " لعام 1968.
والشي بالشيء يذكر، إذ نلحظ جهدا كثيفا مناظرا للحفاظ على احتكار إسرائيل لللأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط ". ونتذكر هنا ان مؤتمر الاستعراض الدوري لسير المعاهدة لعام 1995 تمت الموافقة على القرار المتعلق بالشرق الأوسط بهدف إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية و أسلحة الدمار الشامل الأخرى. وفي المؤتمر الاستعراضي لعام 2010 تم الاتفاق على عقد مؤتمر دولي عام 2012 للبحث في تنفيذ القرار المذكور، ولكن بفعل ضغوط الولايات المتحدة ( ومن خلفها أو أمامها "إسرائيل") تم إلغاء المؤتمر.
ومعروف أن إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التى تملك سلاحاً نووياً ( من 200 الي 300 رأساً نووياً حسب بعض التقديرات السابقة) ، مما يتيح لها وحدها قدرة الردع من طرف واحد إزاء مجموعة الأطراف العربية والشرق أوسطية، ولو كان ما يسمى " الردع بالشك ".

ومعروف أيضا أن " معاهدة عدم الانتشار" –التي يبلغ عدد أعضائها حاليا 189 دولة- تنص على الالتزام المتبادل للدول الأطراف بعدم انتشار السلاح النووى، وفق المادتين الولى والثانية. إذْ تخاطب المادة الأولى الدول المالكة للأسلحة النووية، وهي خمس دول معترف بها كدول نووية عند نفاذ الاتفاقية: الولايات المتحدة و روسيا الاتحادية (وريثة " اتحاد الجمهويات السوفييتية الاشتراكية") و بريطانيا وفرنسا والصين، و تفرض عليها عدم نقل أوتسليم أي أسلحة نووية أو ما في حكمها لأي طرف لا يملكها. . بعبارة أخرى، تفرض المعاهدة التزام الدول النووية بعدم نشر التكنولوجيا النووية العسكرية، أو منتجاتها، إلى الدول غير النووية. وعلى الطرف المقابل، تفرض المعاهدة على الدول "غير المالكة للأسلحة النووية" التزاما بعدم تسلّم أو قبول نقل أي أسلحة نووية أو ما في حكمها، وبعدم إنتاج أو اكتساب مثل هذه الأسلحة، بل وعدم قبول اي مساعدة خارجية في ذلك
و قد دار الجدل أخيرا حول محاولة إيران تطوير قدرات لتخصيب اليورانيوم حتى حدود "العتبة النووية"، بمساعدة سابقة –كما قيل- من "عبد القدير خان" المسمّى بأبى القنبلة النووية الباكستانية أو (الإسلامية) وبدعم تكنولوجي مكثف – نووياً وصاروخياً – من كوريا الشمالية.
ويشار إلى أنه بمقتضى "صفقة" الاتفاق الموقع بين إيران ومجموعة (5+1) عام 2015 حدث توافق على عدم رفع مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران إلى "العتبة النووية" (20% فأكثر) و كذا تحديد أعداد ونوعيات أجهزة الطرد المركزى، وذلك مقابل رفع "جزاءات المقاطعة الاقتصادية" المفروضة عليها أمريكياً وأوروبياً ، ثم دولياً .
غير أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" رأى فى هذا الاتفاق نوعاً من "التساهل" مع إيران فأعلن الانسحاب من (الصفقة) ليعيد فرض المقاطعة على إيران بهدف تشديد الضغط الاقتصادى عليها ، مع حرمانها من قدرة التخصيب عند "العتبة النووية" فى نفس الوقت .. ويعنى هذا أن يتم ضمان إبقاء إسرائيل دولة نووية وحيدة فى النطاق العربي والشرق أوسطي، و في إطار ما يسمّى "الشرق الأوسط الموسع"، عبر مواصلة عملية "نزع الأسنان" الباكستانية، اقتصادياً وعسكرياً ونوويا بالذات، و من ثم إدماجها فى الدورة الأمريكية لمواجهة ما تسميه الولايات المتحدة هناك ب"الإرهاب" وخاصة على حدود الباكستان مع أفغانستان. ويبقى من دول الشرق الأوسط ، تركيا التى تبقى عضواً نشطا –غير نووي-فى "حلف شمال الأطلسي" على أي حال، برغم التقلبات .
هذا ، و يرتبط تثبيت إسرائيل كدولة نووية وحيدة في منطقة الشرق الأوسط بكونها الدولة الوحيدة ذات القدرة المعتبرة على إنتاج وتوصيل واستخدام أسلحة الدمار الشامل الأخرى من بيولوجية وكيميائية. ويترجم ذلك، خاصة، بعدم قبولها المتكرر لمبادرة (إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية) ورفض الانضمام للبرتوكول الاختيارى للتفتيش (المفاجىء) على المنشآت النووية من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلا عن عدم الانضمام لاتفاقية-ومنظمة- "حظر الأسلحة الكيماوية"، واتفاقية حظر التجارب النووية .
ودع عنك الجهد (الإسرائيلى – الأمريكى) المتواصل لتفكيك ثم وأْد البرنامج النووى العراق ، بدءً من تدمير مفاعل "تموز" النووي العراقي في 5 يونيو/حزيران1981، مروراً بأعمال التفتيش (المهينة) التى أجراها خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية طيلة أعوام مديدة بعد اجتياح الكويت ، وحتى الغزو الأمريكى للعراق ودخول العاصمة بغداد فى التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 .
يرتبط بذلك، حرمان عدد من الدول العربية الرئيسية (مصر – سوريا – الجزائر – ليبيا – العراق أيضا) من امتلاك قدرات الردع المحتمل باكتساب تكنولوجيا إنتاج وتوصيل واستخدام أسلحة "التدمير شبه الشامل"، أو (الأسلحة فوق التقليدية) فى المجالين الكيماوى والبيولوجى. وليس ببعيد تدمير الموقع السورى المحتمل للأبحاث النووية منذ أعوام شرقيّ دير الزور عام 2007 بضربة جوية إسرائيلية، و الموقع المحتمل أو (المشتبه به) للأبحاث العلمية قرب دمشق خلال العدوان الرباعى الأخير ضد سوريا، وما بينهما إيقاف البرنامج الكيميائى السورى، 2013-2014، بعد تهديد وشيك بضربة أمريكية ضد سوريا، وما أعقبه ذلك من التخلص من المخزون السورى للمواد الكيماوية القابلة للاستخدام عسكريا، تحت إشراف دولى، وبرعاية المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية.

هذا، وإن فرض "الاستثناء الإسرائيلي" يمثل في حقيقته تعبيرا، بصورة معينة، عن الاستثناء الأكبر الذي قنّنته "معاهدة عدم الانتشار"، -من ناحية الأمر الواقع- بالاعتراف الفعلي باحتكار القدرة النووية العسكرية لعدد محدد من الدول، ومعها حفنة من الأعضاء المتسربين للنادي النووي، انحسرت وانحصرت في الهند والباكستان وإسرائيل، وأخيرا كوريا الشمالية، التي تفيد التقارير بتملكها لعدد من الرؤوس النووية ربما لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، فضلا عن السيطرة على تكنولوجيا الصواريخ ذاتية الدفع بعيدة المدى.
و هكذا يحدث التوافق الأخير، من حيث المبدأ، على نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية ، فى ظل عدم وجود آلية منظمة لنزع الأسلحة النووية على المستوى الدولى ، أى لنزع "نووية" أعضاء "النادى النووى" وخاصة الكبار منهم، مما يعنى تكريس واقع الاحتكار النووى العالمى، بالتعارض مع نص المادة السادسة من معاهدة عدم الانتشار، والتي تقضي بالعمل -من طرف الدول النووية- على وقف سباق التسلح وصولا إلى "نزع السلاح النووي الشامل والكامل الخاص بها تحت السيطرة الدولية الصارمة والفعالة" .
ومرة أخرى، إن الاستثناءالدولي لأعضاء "النادي النووي" يعني حرمان غير الأعضاء المفترضين في هذا النادي من إمكانية تملك السلاح النووي. أما في حالة الأعضاء الفعليين غير المعترف بهم صراحة، وفي مقدمتهم، على الجناحين الأيسر والأيمن، كوريا الشمالية وإسرائيل ، فإننا نجد تمييزا في المعاملة، حسب المعايير المسيّسة لأكبر دولة نووية في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية. فبينما تعتبر كوريا الشمالية بمثابة تهديد للأمن القومي الأمريكي، تظل إسرائيل امتدادا طبيعيا للإمبراطورية الأمريكية في "الشرق الأوسط الموسع". ومن هنا يتم تكريس أحادية الاحتكار النووى لإسرائيل فى الشرق الأوسط، فى ظل الاستمرار المتوقع ل"الاتفاق النووى" مع إيران، برغم الانسحاب الأمريكى منه، بينما يغيب-على الطرف الآخر- السلاح النووي الكوري الشمالي .
إنه إذن واقع "عدم العدالة" فى العلاقات الدولية، وإهدار مبدأ "المساواة فى السيادة" كأساس جوهرى مفترض لميثاق الأمم المتحدة (1945) .
فماذا يخبىء التطور التاريخى للنظام الدولى ومنظومة العلاقات المتبادلة فى المنطقة العربية والعالم الإسلامى ..؟ سؤال الأسئلة فى عالمنا وعصرنا الراهن .
ويجىء بعد السؤال نوع من التمنّى فنقول إنه إذا كان سيتم نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية، ف"عُقْبَى" إذن لـــــمنطقة الشرق الأوسط.
بعبارة أخرى : "عُقْبىَ" لإسرائيل" في مقبل الأيام ولو بعد حين غير بعيد على كل حال..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت