الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من رواية : عباس الفلسطيني / الجزء - 7 - ** حب في زمن الموت **

سليمان الهواري

2018 / 7 / 18
الادب والفن


من رواية : عباس الفلسطيني / الجزء - 7 -
** حب في زمن الموت **
*******************************

الإقتتال الأهلي وسخ جدا ، وعفن جدا ، وقذر جدا جدا ..
لازالت أشلاء سعيد ضابط الجبهة الشعبية متناثرة في شوارع الأشرفية وقد ربطت الكتائب جثته بسيارة و طافوا به كل الأنحاء وهم مبتهجون ..
كانت التسريبات تؤكد وصول السلاح الاسرائيلي ليد "قوات الكتائب" وحلفائها .. وهم جادون لاجتثاث "الغرباء" كما ينعتون الفلسطينيين ..
الكل تورط في هذه الحرب المفروضة ولا وجود للمكان الرمادي هنا أو هي "نكبة" أخرى و"أيلول" أسود آخر ينتظرك ..
والقتال خيار شخصي قبل أن يكون قرارا تنظيميا لأن القضية أصبحت مسألة وجود وحياة ..
تقسمت بيروت إلى مفاصل وقطاعات وحواجز ، وتداخلت سلطة الفصائل والأحزاب واللصوص و الحرامية ..
عباس لم يشارك في معركة تحرير " محور الكبوشية" من الكتائب ولم يعرف بقصة "البنك الريطاني" إلا بعد الحادثة بأيام ..
يدور الحديث عن "نصف مليار دولار" تقاسمها اللبنانيون و الفلسطينيون الذين استولوا على البنك ..
عباس لا علاقة له بالمال وهذه المبالغ الخيالية التي لا يستوعبها عقله .. يتساءل دائما كيف يتحول مقاتل من أجل قضية مقدسة إلى مجرد "بلطجي" يتعامل مع المافيات و اللصوص ولغة تفكيك الخزائن ..
( لص حقيقي حتى لو كان اسمه "الزعيم" ) ..
منذ حادثة "عين الرمانة" غابت "البوسطات" التي تربط جزر المخيمات و مناطق بيروت .. اضطر عباس لقطع المسافة مشيا حتى باب الجامعة اللبنانية لينتظر هناك أكثر من ساعة قبل أن تظهر ماريا قادمة مع زميلة لها ، سرعان ما ودعتها وعبرت الطريق قاصدة عباس الذي كان يقترب منها ومسافة هذه الخطوات لا تريد أن تنتهي ..
تمنى لو يحضنها ويتنفسها عميقا في صدره ، لكنه لم يفعل .. أشياء كثيرة كانت تمنع ذلك .. لم يدع يدها بسرعة وهو يريد أن يختصر كل مساحات الإشتياق لماريا في هذه اللحظة .. كانا معا مرتبكين وهو يحس بالحرارة ترتفع في وجنتيه ..
عباس كان يعرف ألا شيء يربكه غير "ماريا" ، ومجرد اسمها يحدث فيه ذاك الخدر اللذيذ الذي يرفعك عن الأرض ويجعلك تحس وكأنك تمشي فوق الصوف ..
كان أجبن من أن يطيل النظر في عيني ماريا ، فبينها وبين سوزانة بنت عمها يحضر البني والعسل ونبيذ الخروب ، ينطق قوس قزح من تحت رموش ماريا ..
مشيا طويلا قبل أن يصلا إلى المنطقة الصخرية في "ميّة الدالية" .. هنا لا مكان للحرب ولا لرائحة البارود ..
يختفي كل شيء وعباس يساعد ماريا كي تصعد على الصخرة و تجلس جنبه على اليمين .. الوقت متوقف و"الروشة" تظهر على مسافة ليست بالبعيدة كما لو أنها تعمّد لقاء العشاق و تبارك هذا الحب العميق ، بما تقتضيه رهبة البحر وزرقته اللامتناهية أمامهما ..
كانت ماريا تحكي بشغف طفولي عن محاضرات القانون في كلية الحقوق التي التحقت بها مؤخرا .. كانت تحلم أن تصير محامية .. رافقها هذا الحلم من سنينها الأولى وهي طفلة .. كانت تعشق تلك البدلة السوداء وترى فيها صوت المظلومين في وجه الجلاد .. كان طبيعيا أن تراكم داخلها صوت الإحتجاج ونداءات المقهورين حتى وجدت نفسها غارقة بين الفصول والقوانين الجنائية ..
تستهويها دائما دراسة العلوم السياسية لكن صوت الحقوق قد يتغلب عليها في الأخير ..
الظلام يزحف بسرعة كما الجوع الذي يداهم عباس فهو لم يتناول طعاما من فطور الصباح .. "لخبطة ماريا" أنسته حاجاته الطبيعية ..
مقهى "الحاج داوود" قريب من الصخور وهو ( يقدم لقمة فول طيبة ) كما يقول اخواننا " البيارتة" ..
اقترحت ماريا أن يشتركا في طبق "شوارمة" واحد ، وقنينة "كولا" كبيرة ، (لزوم تسهيل عمليات المرور على المعابر) كما علقت ماريا ..
همّ عباس أن يناول ماريا لقمة شوارمة في فمها .. رغبة عارمة داهمته كي يطعمها بيديه .. لكن شيئا ما منعه ..
تجمدت عيناه على شفاه ماريا ..
يا الله ، كان يحس برعشة خفيفة تسري في كل جسده وهو مستغرق في شفة ماريا التحتانية .. كانت مكتنزة أكثر من أختها التي رسمت فوقها كما خيط عقيق أحمر .. لأول مرة يتملّى عباس في رقبة ماريا البيضاء الطويلة وشعرها الكستنائي ينسدل على كتفيها .. كانت تضع قرطا قصيرا يناوش من بعيد شامتها التي تصرخ في عيني عباس ، تشعل كل زوابع الكون في صدره ..
لا يهم كيف وجد يده متشابكة في يد ماريا وغيبوبة ساحرة تأخذه الى اللامكان ..
كان الوقت بدأ يتأخر وعليه أن يرافقها إلى محل إقامتها ..
كل ما في عباس يرفض أن يفارق ماريا الليلة ، لكن كان عليه أن ينصرف الآن ..
الإنارة خفيفة في ركن الشارع الذي توقفا فيه كي يودعها ، لكن نجوم السماء هذه الليلة كانت متواطئة مع وجه ماريا المشرق ..
- ((خذ هذه الكوفية أمانة من "أم غسان" لك ..
"تشم فيها ريحة البيت" على حد قولها ))
فتحت ماريا حقيبتها وأخرجت الكوفية .. أخذها عباس وهو يخرج من جيبه قنينة عطر صغيرة كان قد اشتراها من فترة ، وظل طيلة الوقت يتحسسها ولا يعرف كيف سيعطيها لماريا ..
-(( هذه رواية " مئة سنة من العزلة "
لقد أنهيتها للتو وأحببت أن تقرأها معي ))
- ماريا .. أحبك
لقد قالها عباس فعلا ..
كان يتقلب في الفراش ليلتها وهو يسترجع تفاصيل لقائه اليوم بماريا ويمطط لحظاته كما يشاء ..
لم ينم عباس هذه الليلة تقريبا .. فالنوم لا يتماشى مع الرغبة هنا في "جمهورية الفاكهاني "
على عباس أن يحمل سلاحه ، ويلتحق مع عناصر سريته الحاضرين بفندق "الهوليداي اِن" ..
كانت المهمة هي تحرير الفندق من قوات الكتائب التي عادت للسيطرة عليه بعد أن كان تحت إمرة "المرابطون"
لم يكن الأمر صعبا على مقاتلي "فتح " وحرب (الفنادق والاسواق التجارية) تتمدد كل يوم ..
كان "أحمد جبريل" المعروف بخبرته الكبيرة في المتفجرات ، قد فتح ثغرة في الجهة الجنوبية للفندق ، تسلل منها مقاتلو الحركة ، وسرعان ما سيطروا على مرافق الفندق ولا أحد يعرف كيف كان قناصة الكتائب المتمترسين في الطوابق العليا ، يقفزون إلى الأرض كما لو أنهم يعانقون ملائكة الموت ..
لا شيء جميل في هذه الحرب ..
لا أحد أصبح يشمئز من منظر الموت والجثث الملقاة على الطرقات تنتظر من يكنسها فقط كما حشرات ..
_ (( الاقتتال الأهلي وسخ جدا يا ماريا
وأنا أكره الحرب .. لكني أقاتل
دوامة الدم تنسف براءة الثورة
وأنا قلبي لازال يغطيه البياض .. من الحب ،
أنا فعلا أكره الحرب ..وأحبك
أعشق الكوفية التي أهديتني ..
وأعشق رائحة عطرك فيها
أحبك يا ماريا ..
** سليمان الهواري / رواية : عباس الفلسطيني **








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/