الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة لتداعيات أزمة الدولة وإنتفاضة الشارع العراقي, الترهل في الدرجات الخاصة نموذجا

هيثم الحلي الحسيني

2018 / 7 / 19
الادارة و الاقتصاد


مقاربة لتداعيات أزمة الدولة وإنتفاضة الشارع العراقي, الترهل في الدرجات الخاصة نموذجا
دهيثم الحلي الحسيني, الباحث في الدراسات الإستراتيجية.
من أهم المعاضل والتداعيات الرئيسة, التي تعاني منها الدولة العراقية, بكافة مفاصلها ومؤسساتها, هو الترهل الكبير في المناصب والمواقع الرسمية, الفائضة عن الحاجة الحقيقية, بما يشكل عبء كبيرا على كاهل الدولة, ومواردها المتاحة وموازنتها المعتمدة, خاصة التضخم الكبير في الميزانية التشغيلية, وبما ينعكس سلبا على الأداء الإداري, فضلا أنها تؤسس لبيئة حاضنة للفساد المالي, وعاملا مسببا للعجز الحكومي.

إن هذا الترهل يبدأ من المستوى الأرفع في الدولة, ممثلا برئاسة الجمهورية, التي اقحمت بثلاث نواب لرئيس الجمهورية, بلا مهام محددة, ولا حاجة فعلية لخدماتهم, ويتمتعون بمزايا مقاربة للرئيس, فضلا عن فريق المسشارين فيها, الذين لا حاجة لإستشاراتهم, كون الرئاسة ذاتها موقع فخري, وليس لها صلاحيات فعلية, تستدعي هذا الفريق الإستشاري.

ثم يستمر الترهل في مناصب الدولة, وصولا الى مجلس النواب, الذي هو الآخر يتشكل من رئاسة للمجلس, مكونة من نائبين للرئيس, لا حاجة لوظيفتهما, حيث يؤدي النائب المقرر خدماته و مهامه, بدلا عنهما, ومن ثم الأمانة العامة للمجلس, والتي يعمل فيها فريق من المستشارين والدراجات الوظيفية الخاصة, وقد سبق أن قدم المجلس مسودة قانون, يجعل منه, دولة موسعة, بداخل الدولة.

فضلا أن النواب أنفسهم, بعددهم وعدديهم, يفيضون بحدود الضعف, عن الحاجة الفعلية, التي تمكنهم من أداء مهامهم التشريعية والرقابية, وخاصة في ظل وجود المستشارين والدرجات الخاصة, ودوائر الأمانة العامة, بينهم وفي خدمتهم, وقد جعل النواب من انفسهم, بدرجة الوزير من جميع النواحي والإمتيازات, المادية والمعنوية, وهي سابقة وبدعة, حيث يقدم النائب خدمة تطوعية, ولا تعد وظيفة رسمية, فالمجلس النيابي هو الأخر, يشكل عبء كبيرا على كاهل الدولة وميزانيتها.

وبنفس الأسباب, جرى تضخيم مجلس الوزراء, حيث أصبحت الأمانة العامة فيه, بمثابة مجلس وزراء مكرر, بما فيه من الدوائر, التي يترأسها موظفون بدرجات خاصة, فضلا عن فرق المستشارين والمفتشين العامين, وجميعهم بدرجات خاصة, قد تصل الى درجة وكيل وزير, أو بالأقل بدرجة مدير عام, إضافة الى أعداد لا تحصى من الوظائف, بدرجة وزير, أو "ما يعادلها", كما يحلو للمشرع العراقي تسميتها.

ومن ثم الوزارات ذاتها, فهي الأخرى مترهلة بشكل كبير, وخاصة في الدرجات العليا والخاصة وفرق المستشارين, بدء بعدد وكلاء الوزراء, الذين جرى ترحيلهم الى هذا المستوى, في حين كانت الدولة سابقا, تكتفي لمهامهم بدرجات المدير العام, ولم يكن هناك اي قصور في أداء وظائفهم, كمثال وزارة الداخلية, بدون حصر, التي أصبح فيها مدير عام الشرطة مثلا, وكيلا للوزارة لشؤون الشرطة, وبالتالي جرى ترقية مدراء الشرطة في المحافظات, الى منصب المدير العام, مما أضاف الى كاهل الدولة, قرابة عشرين منصب كمدير عام, وأصبحت الوزارة بعدد لا يحصى من الوكلاء.

وكمثال آخر, وتحت دعوى عدم تسييس الإعلام الرسمي, وجعله خارج سلطة الدولة, جرى إلغاء وزارة الإعلام, التي كانت وزارة واحدة, وبوكيل وزير وحيد, وبعدد من المدراء العامين, لا يزيدون عن أصابع اليد الواحدة, وإذا بالإنتفاخ في مستوى المؤسسات والهيئات الإعلامية المتعددة, التي إستبدلت وزارة الإعلام, فولدت هيئة البث والإرسال, وتحت سلطانها شبكة الإعلام العراقية, التي يرأسها موظف بدرجة وزير, ومعه مجلس أمناء موسع, لا تعرف مهامهم, وبدرجات وكيل وزير, أو بدرجات خاصة, ومعهم أعداد من رؤساء الدوائر, التي هي الأخرى بدرجات خاصة.

ولا يكتفي الأمر بذلك, فهناك هيئة الإتصالات والإعلام, ويرأسها موظف بدرجة وزير, والتي كانت تؤدي وظيفتها, مديرية في وزارة الإعلام السابقة, وظهرت أيضا ما تعرف بمكانب الإعلام, التي هي الأخرى بدرجات خاصة, وبدرجة وزير للناطق الرسمي لمجلس الوزراء, وهذه المكاتب, وبهذه المستويات, موجودة في مجلس الوزراء أو الأمانة العامة, وفي مجلس النواب, وكذا مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية, ومن ثم مكاتب الإعلام في جميع الوزارات, وفي الحصيلة, فإن وزارة الإعلام السابقة, قد أنتفخت الى أربع أضعافها أو أكثر.

ومن ثم هناك الهيئات المستقلة, أو غير المرتبطة بوزارة, وسابقا كنا نعرف أن هناك قرابة الأربع دوائر, غير مرتبطة بوزارة, ويديرها موظف بدرجة وزير, وهي البنك المركزي, وأمانة بغداد أو العاصمة قديما, والرقابة المالية, وربما صحيفة الثورة, بينما تتواجد هذه الهيئات اليوم بشكل مريب, واصبحت مدعاة لصراع الكيانات السياسية عليها, فهي حدائق مشرعة, لا رقيب عليها, وموطن للفساد بكافة أشكاله, فضلا عن إمكانية الإستغناء عن خدماتها, وبالتالي تخليص الدولة من هذه الأغطية الثقيلة, كما شاع التعبير عنه في أدبيات الدولة العراقية سابقا.

وخير دليل لإمكانية الإستغناء, عن خمات الكثير من هذه الهيئات, سيئة الصيت, هو ما يجري هذه الأيام, من تنحية للمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات عن مهامها, ليقوم بها فريق مصغر من القضاة الأكفاء المنتخبين, والعراق غير عقيم في مجال القضاء الكفوء, وكذا يمكن الإستدلال, لما يتعلق بالكثير من تلك الهيئات, التي تسمى بالمستقلة إشتباها, والتي تثقل كاهل الدولة وميزانيتها ومواردها, بمناصب لا حاجة لها, من الدرجات الخاصة ودرجات المدراء العامين, فضلا عن درجات الوزراء التي ترأسها.

وليست المحافظات باقل شبهة وثقل, في تضخيم درجات الموظفين والعاملين فيها, فقد أديرت المحافطات سابقا, وبشكل لا شبهة فيه, من خلال المحافظ, الذي هو بدرجة خاصة حصرا, بينما يكون له نائب ومعاون, وهما موظفان ضمن سلم التسلسل الوظيفي المعروف, لا يتعديان الدرجة الأولى, ومعهم مدراء عامون للتربية والصحة فقط, والمدراء الباقون بدرجات وظيفية أدنى, عدا البصرة, التي فيها المنشآت الإنتاجية الإستراتيجية, إضافة لمؤسسة الموانئ, وهي بذلك إستثناء بسيط.

وقد جرى إنتفاخ المستويات الوظيفية في المحافظة بشكل غير معقول, وباتت تعرف بالحكومة المحلية, ودون أن يكون ذلك مرتبطا بمستوى الأداء الوظيفي, فقد أثبتت الأحداث الأخيرة, التي إشتعلت شرارتها في البصرة, أن هذه الدوائر والمسميات الوظيفية الجديدة, هي عديمة المحتوى والجدوى والمضمون, ولم تتمكن من تقديم أبسط الخدمات البلدية لمواطني المحافظات.

لقد أصبح في المحافظة عدد من الدراجات الخاصة, ودرجات المدراء العامين, حتى وصل في بعضها الى الخمسين درجة, بدء بدرجات نواب المحافط ومعاونيه, وهي بدرجة مدير عام, وأصبحت معظم دوائر المحافظة, الخدمية والأمنية, بدرجات خاصة أو درجات المدير العام, فضلا عن منصب رئيس مجلس المحافظة, وأعضاء المجلس فيها, ومن بعدهم رؤساء وأعضاء مجالس الأقضية ومجالس النواحي, وبذا إنتفخت الدرجات الخاصة, ودرجات المدراء العامين في المحافظة, الى أكثر من عشرة أضعاف.

إن الملاحظة الرئيسة في هذا الموضوع, هو أن الإنتفاخ في الدرجات الوظيفية, قد شمل الدرجات الخاصة, ودرجات المدراء العامين حصرا, إذ بمقارنة بسيطة مع دولة شقيقة, وبنظام في إدارة الدولة, مقارب لمثيله في العراق, بينما سكانها يفوق بثلاثة أضعاف, وهي جمهورية مصر العربية, والحال أن يقل فيها عدد الدرجات الخاصة, ودرجات المدراء العامين, عن مثيله في جمهورية العراق الى النصف, مع العلم, أن درجة المدير العام في مصر, هي ضمن السلم الوظيفي لموظفي الدولة, ولا تعد بذلك إمتيازا كبيرا, او هي ربما تكافئ في المنظومة العراقية, الدرجة الوظيفية الأولى.

وبصرف النظر عن مصداقية المثال في الدولة الشقيقة, لكن السبب الواضح في إزدياد أعداد هذه الدرجات الخاصة, بعد التغيير السياسي في العراق حصرا, يكون مرده الى أن درجات المدراء العامين والمستشارين والدرجات الخاصة, قد أدرجها المشرع العراقي, خارج السلم الوظيفي لموظفي الدولة, وذلك اسوة بدرجات الوكلاء والوزراء والنواب والسلطة القضائية والرؤساء الثلاثة.

إن السلم الوظيفي لموظفي الدولة, بدرجاته المتسلسلة صعودا حتى الدرجة الأولى, يفرض على شاغلها, مواصفات وشرائط تتعلق بالتدرج الوظيفي للموظف تحديدا, وهي شرائط إشغال الدرجة الوظيفية المتعلقة بالشهادة العلمية أولا, ثم سنوات الخدمة في الدرجة التي سبقتها لاحقا, فضلا عن توفر الملاك في الدائرة التي يعمل فيها الموظف, وبذا لا يمكن الإتيان بشخص من خارج هذه المنظومة, ليعين بوظيفة بدرجة أعلى من إستحقاقه الوظيفي, بما يتعلق بشهادته العلمية, وسني خدمته في الدولة.

و"لمعالجة" هذا التحديد, الذي يثقل على المرشحين للوظائف العليا, من منتسبي الكيانات السياسية المتنفذة, فقد عمد "المشرع" الى إخراج الدرجات الخاصة ودرجات المستشارين و المدراء العامين, من تدرجات السلم الوظيفي, واصبح البديل في إشغالها, من خلال الأوامر الإدارية, ودون الحاجة لشرائط الشهادة العلمية والتدرج الوظيفي, خدمة للمرشحين من منتسبي الكيانات السياسية المتنفذة, الذين عادة ما يفتقدون هذين الشرطين, وحتى خلاف التشريع القانوني, الذي يفرض موافقة مجلس النواب على إشغال هذه المناصب, وذلك من خلال العمل بنظام الوكالة.

إن هذا السبب الواضح, هو الذي جعل الدولة, وإرضاء للكيانات السياسية المتنفذة, ومتطلبات قادتها, أن توسع في الدرجات الخاصة ودرجات المدراء العامين, دون دراسة علمية لها, بما يناسب الإحتياج الحقيقي لمؤسسات الدولة, وبما يناسب أيضا إمكانية الدولة ومواردها, وفي الحقيقة, فإن الخلل الكبير, قد إنعكس على إمكانات الدولة في تقديمها الخدمات, وخاصة توفير الماء والكهرباء.

فهذه الحقائق المؤلمة, هي إحدى أقرب العوامل موضوعية في تأجيج إنتفاضة الشارع العراقي, التي إذا ما حاولت الدولة العراقية, أن تدير لها ظهرها, فإن ذلك نتائجه وخيمة, حتى وإن كانت الحكومة منتهية الصلاحية, والمجلس النيابي قد إنتهى تشريعيا, فالمعروف أن المسؤولية لا تنتهي في التوقيتات الزمنية, وقد بين عالم الإجتماع "ماسلو", في مثلثه الجالس على قمته, أن مسألة الحاجات المعيشية, هي من الأسبقيات, التي تسبب ثورة الفرد والمجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة