الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن ان يسلب الانسان كرامته؟

محمد مهاجر

2018 / 7 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل يمكن ان يسلب الانسان كرامته؟

-
من اكبر الاخطاء ان يعتقد الفرد ان قبوله بالاهانة, ولو بشكل مؤقت, سيجنبه المزيد من الاهانات فى المستقبل باعتبار ان الجلاد سيحمد له تعاونه. ان كتب التاريخ السودانى تزخر بالكثير من حكايات الابطال الاماجد الذين فضلوا الموت والهجرة على القبول بحياة الذل والاهانة. ومع ذلك اصبحنا فى هذا الزمن نرى الانسان السودانى يذل ويهان من الطغمة الحاكمة وزبانيتها. ان الاذلال اليومى للرجال والنساء وازهاق الارواح والانفس اصبحت ممارسات يومية وتزداد باستمرار من حيث النوع والكم حتى تطبع عليها الجلاد وبعض الضحايا. وفى ظل هذا الوضع المأساوى اصبح البعض يطرح السؤال: هل تبقى شروى نقير من كرامة الانسان؟ وهذا السؤال بدوره يوحى بان كرامة الانسان يمكن ان تنتزع

تحكى كتب التاريخ الاسلامى ان محمدا بن عمر بن العاص قد ضرب غلاما قبطيا انتقاما منه لانه هزمه فى سباق للخيول. وبعد حين ذهب القبطى المظلوم الى الخليفة عمر بن الخطاب فقضى بينهما وانصف القبطى وامره بان يقتص بالضرب من ابن عمرو بن العاص. ولم يكتفى الخليفة بذلك بل زجر واليه على مصر وقال قولته المشهورة, متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا. وتكريم الانسان ورد كذلك فى نص: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا", فالقران لم يحصر التكريم فى ملة دون غيرها من البشر او جنس دون غيره او نوع دون غيره

الانسان يولد وهو حر وعزيز ومكرم, وهى صفت تكتسب بالفطرة لا بالهبة. والذى يصنف البشر استنادا الى الجنس او العمر او الثروة او الحالة الصحية او الاجتماعية انما هو شخص شاذ الفكر خبيث يريد ان يوفر لنفسه ذرائع لكى يفرق بين البشر من اجل اضطهادهم واهانتهم واستغلالهم. ان الفارق الرئيس بين الانسان والحيوان هو العقل ومع ذلك لا يجوز اخلاقيا ان نهين الحيوان او نسلبه حقوقه. ان الفرد الذى يمتلك وعيه بالاخلاق والمبادى الانسانية لا يسمح لنفسه ان يرى التفرقة العنصرية تسود بين الناس وتحط مكانتهم ويساء اليهم ويوصف الناس بعضهم البعض بالحيوانات والمخلوقات الوضيعة وتتخذ الفروقات الطبقية كتبرير للاهانة والمعاملة غير الكريمة. ومن ناحية اخلاقية فان الحيوان نفسه لا تجوز اهانته, اما التذرع بان احساس الحيوان بالالم هو ليس كما نحس, فهو محض شوفينية

الانسان له حقوق وواجبات نصت عليها قوانين ومواثيق دولية ووقعت عليها كل الدول. ان القاعدة الاساسية لنيل الحقوق تكمن فى مبادئ المعاملة بالمثل والاخذ بما يعادل العطاء والاعتراف بالاخر وبكيانه المستقل وهويته. اضافة الى هذا فان العدل فى توزيع الفرص واعطاء حق التعبير والمطالبة بالحقوق والتمييز الايجابى للافراد والاقليات كلها امثلة تدل على رقى المجتمع وتحضره. ان الدولة التى تحترم كرامة مواطنيها تقبل بالتنوع والتعدد ولا تقصى اى فرد او تمنعه من المشاركة او ابداء الراى فى قرار يتعلق او يؤثر فى حياته وهى بالتالى ليست الدولة التى تقسم الناس الى اشراف ومنبوذين وسادة وعبيد واصلاء وقادمين جدد. ان تصنيف الناس يعطى الضوء الاخضر كذلك لموظفى الدولة لكى يستغلوا ثغرات القانون من اجل معاملة الناس معاملة غير انسانية كالتعذيب والاضطهاد والاستغلال والسخرة والعبودية. وفى كثير من الحالات يلجأ البعض الى الجهاز القضائى لكنهم لا يجدون الانصاف ذلك لان القضاة الفلسدين يصنفون المظلوم كمواطن من مرتبة ادنى او كحيوان ناقص او منحط, واحيانا تلام الضحية باعتبار انها فرطت فى كرامتها. ان افتقار الشخص المهان للوعى الكافى بحقه فى الكرامة لا يعطى الاخرين الحق فى الادعاء بان هذا الشخص تخلى عن كرامته وبالتالى اعد نفسه لتقبل الاذلال. والعبد الذى يخدم سيده ويساعد فى مراكمة الثروة, وبالتالى فى تطوير ادوات الاضطهاد والاذلال, هذا العبد لا يعتبر شريكا فى اذلال نفسه والسبب هو انه قد كان واقعا تحت تاثير القهر الشديد فاضطر معه الى ان يختار حياة الذل لان البديل لذلك هو الموت

هل ادعاء البشر بالافضلية على الحيوانات الاخرى هو ادعاء زائف؟ من ناحية بيولوجية فان الصفات الجسمانية للبشر لا تمكننا من الاستدلال على الافضلية. مثلا فى حالة استخدام الادوات والاسلحة والمناهج فى مجال الدفاع نجد ان بعض الحيوانات تتفوق كثيرا علينا. اما من ناحية الامكانيات العقلية فان العقل البشرى يتفوق فى عدة نواحى. وعلى الرغم من ان بعض فصائل المملكة الحيوانية لديه ملكات عقلية مميزة, كالنحل والنمل والقرود مثلا, فان بعض الناس يتجاهلون ذلك تماما. لقد اجرى بعض الباحثين تجارب لتعليم الشمبانزى اللغة الانجليزية فكانت نتائج التجارب متواضعة جدا اذ لم يستطيع القرد ان ينطق الا بضع كلمات, اما تعلم لغة الاشارة فان الابحاث دلت على ان القرود يمكن ان تتعلمها, فهل يكون السبب فى ذلك الى عدم حاجة القرود الى اللغة المنطوقة؟ وعلى الرغم من ان الشوفينية قد تؤثر على عملية تقييم البشر للمقدرات العقلية للحيوان فى مجال العاطفة والادراك والتواصل والتخطيط والتنظيم واتخاذ القرار والمنطق, الا ان الانسان بلا شك اكثر ذكاء من الحيوانات الاخرى

يمكن ان تتوفر للبعض المسوغات المنطقية والاخلاقية التى تسمح بتجاهل او التقليل من شان المحاذير والقيود التى تتعلق بالتجارب العلمية على الحيوان, مثلا ادعاء عدم وعى الحيوان بالكرامة, لكن فى حالة الانسان فان مسالة تجاهل القيود تبدو اكثر صعوبة. واذا كانت مسالة بسيطة كاجراء عمليات الاجهاض والتحول الجنسى ماتزال تثير الجدل الكثير والرفض, فان المسائل الاكثر تعقيدا, كالاستنساخ البشرى, ظلت تقابل بالرفض الشديد, والسبب فى ذلك هو تاثيرها الخطير على الجنس البشرى. والمنطق فى حالة الاستنساخ ليس هو منطق المنفعة وحدها لكنه منطق يتعلق بمفهومنا لهويتنا كبشر ومالات حياتنا. ان الفرد منا يسعى دائما الى ان يرتقى بوعية من مرتبة الوعى بالاحتياجات الاساسية كالامن والماكل والجنس وتكوين الاسرة والاصدقاء الى مرتبة اسمى من ذلك تكون فيها اشياء مثل التفرد وتوريث الخير والخلود هى ما يصبو اكثر اليه الانسان. والخلود لا يعنى خلود الاشياء
المادية فقط بل يشمل كذلك الاشياء الروحية

-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر