الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية والإستبداد فى ظل سلطة العسكر

رياض حسن محرم

2018 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


رسخ قانون تنظيم الصحافة الأخير عمق القيود المفروضة ليس على الصحافة فقط ولكن على كل المواطنين فى مصر، ولعل تفاقم الأزمة الإقتصادية وبلوغها آفاقا غير مسبوقة والخوف من حدوث إنهيار إقتصادى كامل يصحبه عدم القدرة على تلبية إحتياجات المواطن اليومية وفشل الدولة فى سداد أقساط ديونها الخارجية، ما جعلها تكثف جهودها للسيطرة على وسائل الإعلام وعرقلة حرية التعبير، فسعت الى إصدار سلسلة من القوانين "سيئة السمعة" لتقييد حرية التعبير، أشهرها "قانون التظاهر" الذى أدى فى النهاية الى أيقاف أى نوع من التظاهر ضد النظام ولو من عدة أفراد، وحرصت على فرض أساليب مشددة من الرقابة على الإعلام المقروء والمسموع، وامتد المنع ليشمل المواقع الإلكترونية ووسائط التواصل الإجتماعى بالحظر تارة واعتقال النشطاء مباشرة تارة أخرى ومهاجمة وإغلاق دور النشر والتوزيع بل والمفاهى والأندية الثقافية، وطالت تلك الإجراءات حتى أندية السينما وجميع من يشتم منه صوت للمعارضة، وأغلقت على الأحزاب مقارها التنظيمية ومنعتها من الإتصال بالجماهير، وبلغ الحد منعها من التحالفات الوطنية مع تلك القوى القريبة منها كأحزاب المبادرة الوطنية.
كل ذلك وغيره الكثير أقدمت عليه تلك السلطة تحت ستار حماية الدولة والحفاظ عليها من الإنهيار والتفكك، وفى ظل ذريعة أخرى أكثر أهمية بالنسبة للمواطن هو مواجهة الهجمات الإرهابية والفلتان الأمنى، هذه الأوضاع الذى إدعى رأس السلطة أن الشعب قد أعطاه تفويضا على بياض للتعامل معها، ويؤصل بعض المثقفين للإستبداد بأنه متوطن قى البيئة المصرية كإرث تاريخى مستمد من سيطرة الفرعون، والبعض روج لنظرية نوع من الدول القابعة فى مجرى النهروزراعة الري وتشترك فى ملامح اجتماعية وسياسية تختلف بها عن مجتمعات الزراعة المطرية وتؤدى بالضرورة الى الإستبداد الشرقى، وإستنادا الى نظريات متخيلة لماتويزى والى كارل فيتفوجل وكتابه الشهير "الطغيان الشرقى: دراسة مقارنة في الحكم المطلق"، هذه النظريات التى بررت نزعة من الحكم المطلق فى تلك البلدان ونظام تعبئة العمل وتقسيمه والاستفادة منه على نطاق البلاد الا عن طريق سلطة مركزية طاغية، وهنا يصل جمال حمدان إلى مفهوم "ضبط النهر" و"ضبط الناس" باعتبارهما ضرورتان أساسيتان لإدارة المجتمع النهري، ويفسر ذلك بقوله أنه إذا تركت الأرض في نمط زراعة الري بلا ضابط يمكن أن تضيع مصالح الناس المائية في مواجهة بعضها البعض فى مواجهة متعارضة دموية، ذلك أن كل من يقيم على أعلى الماء يستطيع أن يسئ استعماله، إما بالإسراف أو بحبسه تماماً عمن يقع أسفله، وبالتالي فإنه من دون ضبط النهر يتحول النيل النبيل إلى شلال تحطيم جارف، وبغير ضبط الناس يتحول توزيع الماء إلى عملية دموية ويسيطر على الحقول قانون الغاب والأدغال، وقد كان مقابل قيام الحكومة المركزية بأداء وظيفة ضبط النهر وتوزيع مياهه وتجنب مخاطره هو انصياع الفلاحين لأوامرها وتنازلهم عن الكثير من حرياتهم، ولذلك أصبح الحاكم سيداً على الفلاح ووسيطاً بينه وبين النهر، أي وجود ما يشبه العقد الاجتماعي بين الفلاح المصري وبين السلطة المركزية، يتنازل بموجبه الطرف الأول عن كثير من حقوقه وحرياته لصالح الطرف الثاني لكي يقوم الأخير بالتعامل مع النهر وحماية الطرف الأول من أخطاره وضمان انتفاعه بمزاياه وفوائده، لأن الطرف الأول يمكن باستطاعته التعامل مباشرة مع النهر، وهكذا كان الخضوع للحكومة المركزية القوية أحد الواجبات التي فرضها النهر على الشعب المصري، لأن الحكومة القوية والمنظمة هي الأداة الوحيدة التي يمكن بواسطتها التعامل مع النهر وترويضه والاستفادة منه.
وفى مقابل هذا الإنصياع والتنازل عن جزء رئيسى من الحرية الفردية للفلاح ثمنا لسلطة توزيع المياه والحماية من مخاطر الفيضان، تأتى عينة أخرى من المقايضة غير المسبوقة فى التاريخ المصرى الحديث، تلك التى حدثت فى أعقاب ثورة 1952، فبعد مرحلة من الصدام تلت قيام الثورة بأيام فى منطقة كفر الدوار حيث إنتفض العمال مطالبين ببعض المكاسب الإقتصادية " فى إختبار من منظمات اليسارلمدى إنحياز الضباط الأحرار لرؤيتهم" وصاحب تلك الإنتفاضة درجة عالية من العنف من الطرفين، سقط فيها قتلى وجرحى، وقد اعتبرها الضباط أول إختبار لهم على مستوى الممارسة، لذى كان ردهم شديد القسوة بطريق تشكيل محكمة عسكرية عاجلة حكمت باعدام عاملين أحدهما كان عضوا منظما باحدى منظمات اليسار، وتم تنفيذ الحكم ميدانيا، بعدها حاولت السلطة تلطيف علاقتها بالعمال عن طريق تحقيق عدد من المكاسب لهم، على راس ما تحقق للحركة العمالية هو حلم ناضلت طويلا من اجل تحقيقه، وهو انشاء اتحاد عمال مصرى، ذلك الحلم الذى امتد النضال لتكوينه منذ عام 1921 "أول حزب شيوعى تأسس فى مصر"، كما أنشأت وزارة للقوى العاملة وظيفتها الإهتمام بشئون العمال، الى أن حدثت الطفرة العظمى باقرار قوانين يوليو الإشتراكية عام 1961 التى نصت على تخصيص 25% من أرباح الشركات للموظفين والعمال، وإشراك أربعة أعضاء منتخبين من الموظفين والعمال في مجالس إدارة الشركات، وتحديد الحد الأعلى للمرتبات وقتها بـ 5000 آلاف جنيه في العام، وإقرار الضريبة التصاعدية الحد 90% على الدخول التي تزيد عن 10 آلاف جنيها في العام، بالإضافة إلى قانون بإشراك القطاع العام في 91 شركة بحصة لا تقل عن 50% من رأس المال، كما صدر قانون بتخفيض الديون إلى النصف للمنتفعين بقوانين الإصلاح الزراعي.
نشأ الاتحاد العام لنقابات عمّال مصر في مطلع خمسينيات القرن الماضي كوسيلة لتسيطر الدولة من خلالها على العمال عبر احتكار تمثيلهم. وقد كان النمط الحاكم للعلاقة بين الدولة والطبقة العاملة إبان الحقبة الناصرية (1954 - 1970) يقوم على مبادلة الحريات والحقوق السياسية بامتيازات اقتصادية. فمن ناحية، حظّرت الدولة الحق في الإضراب وأخضعت الحركة العمالية إلى الرقابة الأمنية اللصيقة وقامت بحظر التعدد النقابي وأنشأت مكانه الاتحاد العام للنقابات، والذي أصبح كياناً نقابياً حكومياً لايعدو أن يكون امتداداً للجهاز الإداري والأمني للدولة. لكن في المقابل، حصلت الطبقة العاملة على العديد من الامتيازات الاقتصادية من الأمان الوظيفي، إلى التمثيل في مجالس إدارات الشركا،ت والرواتب والأجور، والتوسع في التعيين في القطاع العام بعد موجات "التمصير" (أي قصر ملكية رأس المال والإدارة على المصريين) ثم التأميم، والتوسّع كذلك في الجهاز الحكومي الذي كان يقدّم ضماناً قانونياً لخرّيجي الجامعات بالتوظف.
لقد شهد عام 1954 أول مقايضة معلنة بين سلطة العسكر وقيادات العمال حيث كان موقفهم المعبر عنه فى وثائقهم وهتافاتهم فى المظاهرات بتأييد الحكم العسكرى وبسقوط الحياة الحزبية والديموقراطية، ففي 28 مارس 1954 خرجت مظاهرة هاتفة بسقوط الحرية،والديمقراطية، والبرلمان، والأحزاب، وفي 29 مارس قررّ مجلس قيادة الثورة إرجاء تنفيذ قرارات 5 و25 مارس التى تنص على إقرار دستور 1954 وإجراء انتخابات تشريعية وعودة الجيش الى ثكناته حتى نهاية فترة الانتقال ،وفي 15أبريل أصدرالمجلس قرارات كانت بمثابة الضربة القاضية للقوى الديمقراطية على اختلاف ألوانها ،عندما قررّ حرمان كل من تولّى الوظائف العامة خلال السنوات العشر السابقة على 23يوليو 1952من جميع حقوقه السياسية، وبدعوى تطهير الصحافة قررّ المجلس حلّ مجلس نقابة الصحفيين، وضرب كلوب فى الديموقراطية ما زلنا نعانى من توابعه حتى الآن.
شهدت مصر موجة من الإضرابات والاحتجاجات العمالية بين 2004 و2010 لم تكن مسبوقة منذ نهاية الأربعينيات. وقد كان وراء ارتفاع وتيرة الاحتجاجات آنذاك العديد من العوامل، على رأسها تكثيف جهود خصخصة الشركات المملوكة للدولة منذ العام 2004، وارتفاع أسعار الوقود والغذاء على نحو أدى إلى تآكل الأجور الحقيقية لملايين العمال وأسرهم وكذلك الطبقات المتوسطة. وفي 6 أبريل 2008، تحول إضراب عمالي في مدينة المحلة الكبرى "أحد المراكز الصناعية العتيدة في الدلتا" إلى أعمال شغب واسعة النطاق شهدت للمرة الأولى إحراق صورة حسني مبارك. وتكرّر تلاقي الاحتجاجات الاقتصادية والسياسية مرة أخرى في العام 2011، عندما كانت إضرابات العمّال في طول البلاد وعرضها بمثابة المسمار الأخير في نعش نظام مبارك، مجبرةً إياه على التنحي.
بدأ العمال بتأسيس نقاباتهم المستقلة في خضم ذلك الحراك السابق على "ثورة يناير". فقد تم تأسيس أربع نقابات مستقلة في العام 2008 هي: نقابة العاملين بالضرائب العقارية، ونقابة المعلمين المستقلة، ونقابة الفنيين الصحيين، ونقابة أصحاب المعاشات
وفى تكرار لما سبق فى 1954 أعاد نفس النتيجة نظام 30 يونيو 2013 إذ قام النظام السياسي بمصادرة المجال العام من خلال حظر التظاهرات والإضراب والاعتصام، وإخضاع الأماكن العامة والجامعات والمجتمع المدني والإعلام الخاص إلى رقابة أمنية وقضائية صارمة، كما صعّد إجراءات القمع للحركة العمالية المستقلة، ويسعى النظام السياسي القائم إلى إعادة فرض الناصرية االسياسية من خلال تقييد الحرية النقابية، ومصادرة الحق في الإضراب، وتكريس احتكار الاتحاد العام الحكومي لتمثيل العمال، بينما يتجاهل الناصرية الاقتصادية بالمضي قدماً بتحرير الاقتصاد ومزيد من الخصخصة والإتجاه الى مزيد من سيطرة القطاع الخاص وهيمنة طبقة الكمبرادور النيوليبرالية، مع ارتفاع وتيرة قمع المعارضين من مختلف الأطياف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو