الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب لن نصمت

محمد الأزرقي

2018 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


القمع الأكاديمي لمنتقدي إسرائيل"

ما كانت ترجمة هذا الكتاب بالأمر اليسير، لأنّها اعادت الى الأذهان تجربة مؤلمة، ليس قطعا يمكن مقارنتها بما مرّ به اصحاب الشهادات التي جُمعت في هذا الكتاب. ومع ذلك فإنّ التجربة الشخصية التي امتدت 30 عاما ما بين 1982- 2012 تركت ندوبا عميقة في الذاكرة والقلب. هذا رغم أنني عملت في افضل الجامعات والكليات في الولايات المتحدة بدأ من جامعة پنسلفانيا ومرورا بجامعة جورجتاون وكلية مدلبري وكلية آمهرست وجامعة ماسچوست، واخيرا في كلية ماونت هوليوك. كانت معاناة رهيبة انتهت فقط عندما تقاعدت من الوظيفة.
يتألف الكتاب من تمهيد ومقدمة واربعة عشر فصلا. وهو من اعداد وليم روبنسُن ومريام گرفِن، الأستاذين في جامعة ولاية كاليفورنيا. وثقا فيه شهادة 14 استاذا وباحثا وطالبا ممن تعرضوا لاضطهاد اللوبي الصهيوني الإسرائيلي في الولايات المتحدة لانتقادهم سياسات اسرائيل ودعمهم لمقاطعتها اكاديميا واقتصاديا ووقف تأييد الولايات المتحدة اللامحدود لها على كافة المستويات، عسكريا وسياسيا واقتصاديا. لقد وجد هؤلاء أنفسهم وسط مسرح الأحداث وازاء قوة غاشمة مدعومة بملايين الدولارات، فوقفوا بشجاعة دفاعا عن حريتهم الأكاديمية وحرية رأيهم، وساعدهم الأخيار حول العالم من الذين وقفوا تضامنا معهم. يقع الكتاب في 211 صفحة، وقامت بنشره دار AK Press-Chicago. قال چومسكي، وهو الذي خبر ذلك شخصيا، إنّ عزلة إسرائيل على المستوى العالمي هي خلف محاولة اللوبي اليائسة لكتم اصوات الإنتقاد والإحتجاج في الساحات الأكاديمية. وأيّد دزمند توتو ما ذهب اليه چومسكي، فذكر أنّ الكتاب يعطي صورة صادمة مذهلة لما وصل اليه نظام التعليم الجامعي في الولايات المتحدة، وكيف صار بعد الأنظمة السياسية والمالية والإعلامية، اداة طيعة لقمع حرية الكلام والرأي ارضاء للوبي الإسرائيلي الصهيوني المسعور.
حين يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يحتاج المرء الى قراءة متأنية ومحايدة ودراسة هادئة جدا بمنطق التحليل والعقل وليس بأسلوب العواطف والشعارات المضللة والرنانة. فهذه سيرة مُريدي الحركة الصهيونية المحكومين بالغيبيات الأسطورية واللاهوتية التوراتية. ومن هذا المنطلق، نرى أنّ تأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الأمريكية ليس بالأمر الجديد. يروي أحد المسؤولين السعوديين الحكاية التالية. "بعد ارتفاع أسعار النفط في سنة 1974، جاء الرئيس نيكسُن إلى الرياض، ووافق على أن يبيع لنا طائرات F-15 المقاتلة النفاثة الهجومية، وهي أحدث ما أنجزته الصناعة الحربية الأمريكية في ذلك الوقت. لكنّ نيكسُن سرعان ما انتهى أمره، واضطر إلى أن يستقيل من منصبه.
وصل من بعده، جيرالد فورد. طالبْنا الرئيس فورد بأن يلتزم بما وعدنا به سلفه. ووافق الرجل، لكنّه قال إنّ ظروفه الحالية معقدة، وهو على أبواب انتخابات، وهذه الصفقة ستزعج الإسرائيليين كثيرا. ثم استمهلنا فورد إلى أن يتم انتخابه، في سنة 1976. وإذا فاز، فهو يتعهد بأن يفي بوعده لنا. ومن جديد، كنا سيئي الحظ، فقد خسر فورد. وجاء كارتر. وأعدنا التذكير، كالعادة، بما وُعِدنا به من قبل الإدارات السابقة. قال كارتر، هو الآخر، بأنّه يتفهم أمرنا، ولا يعترض على بيعنا المقاتلات، ولكنّ المشكلة ليست عنده، وإنّما عند أعضاء الكونگرس. "اذهبوا، واحصلوا على موافقة مجلس الشيوخ. وأنا سأمضي لكم على هذه الصفقة فورا". ذهبنا إلى جماعة الكونگرس، وكان حظنا معهم أسوأ، فلقد كان المساكين يرزحون تحت تأثير اللوبي اليهودي المعارض لإتمام الصفقة السعودية،[http://www.al-akhbar.com/node/292301] بحجة أنّها ستمثل خطرا على تفوق إسرائيل الجوي."
غير أنّ الجديد بالنسبة للقارئ العربي هو كيف احكم اللوبي الإسرائيلي سيطرته على البلاد الأمريكية، بما فيها أحرام الجامعات والكليات. وهو الأمر الذي يكشفه هذا الكتاب. يقول المعدّان إنّ المنظمات الرئيسية العديدة المنضوية تحت لواء اللوبي، تشمل لجنة الشؤون السياسية الأمريكية الإسرائيلية AIPAC والمؤتمر اليهودي الأمريكي AJC والمنظمة الصهيونية الأمريكية ZOA والمنتدى السياسي الإسرائيلي IPF واللجنة الأمريكية اليهودية AJC والتحالف ضدّ التشهير ADL وأمريكيون من أجل إسرائيل آمنة ASI وهداسا Hadassah والمعهد اليهودي لقضايا الأمن الوطني JINSA ومنتدى الشرق الأوسط MEF ومعهد واشنطن لسياسات الشرق ألأدنى WINEP، وغيرها. هذا إضافة الى أكثر من ثلاثين من المنظمات السياسية الناشطة PACs، التي تلعب ادوارا رئيسية في استثمار الأموال للسيطرة على النظام السياسي الأمريكي وتوجيهه عن طريق جمع التبرعات السخية لمساندة أو إسقاط المرشحين في الإنتخابات على المستوى المحلي ومستوى الولايات وعلى مستوى الحكومة المركزية. وفي الوقت الذي تلعب فيه هذه المنظمات ادوارا حاسمة عبر حملاتها لإسكات أيّ صوت ينتقد إسرائيل في الأحرام الأمريكية على مستوى الكليات والجامعات، فهناك منظمات اخرى تأتي على مستوى الدور الثاني، من التي تتحالف مع جماعات اللوبي الرئيسية المذكورة في اعلاه والتي مقرّها في واشنطن. لقد تمّ نسج شبكة محكمة تحت إسم "تحالف الأحرام الأكاديمية مع إسرائيل" ICC.
يقول معدا الكتاب، "وعلى أية حال، فإنّ عاملا مهما آخر يتمثل في الدور الذي تلعبه إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط كرأس حربة للتدخلات الأمريكية، بما يخدم سياستها في المنطقة المذكورة ودورها كقاعدة متقدمة للإحتكارات العالمية، خصوصا ما يتعلق بالصناعات الحربية والإعلام والتمويل. وهذه امور نترك مناقشتها لفرصة اخرى." وفي هذا المجال يستشهد الكاتب العربي عووادة بكتاب عن الدولة الصهيونية كمنتوج استعماري لمؤلفه أوري كوهن، الذي يرى أنّ ثقافة الحرب في إسرائيل منظومة متعددة الأبعاد تعمل على صياغة الحياة خلال حروب دائمة تعتبر مصيرية وقدرا، وصياغة القوة العبرية كـرد طبيعي على العدوان. [http://www.alquds.co.uk/?p=827999]. وعلى غرار باحثين آخرين انتقدوا نظام العسكرة، الذي ما زال يميز إسرائيل، يؤكد كوهن في هذا السياق أنّ استخدام القوة العسكرية من قبل الإسرائيليين لا يتم من منطلق تأسيس مشروع سياسي غايته الحياة، بل من منطلق أنّ الحرب هي هدف السياسة. ومن ضمن الأمثلة التي يقدمها على عبادة الحرب في إسرائيل عملياتها القاسية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي انتقاما من عمليات فدائية علاوة على حرب 1967 التي يعتبرها عملية انتقام كبرى.
يتعقب الكتاب تشكيل الكتائب المسلحة وتبلور الوعي العاطفي الذي قاد الاستيطان اليهودي في فلسطين من الخدمة في الجيش البريطاني مرورا بالعمل السري خلال فترة الانتداب ووصولا إلى بناء جيش نظامي سيادي يبادر إلى الحروب. ولذا فإنّ الكتاب وبخلاف الرواية التاريخية الصهيونية السائدة، يقدم قراءة جديدة لحرب 1948 من خلال متابعة نتاجات أدباء صهاينة أبرزهم الشاعر الإسرائيلي البارز نتان ألتيرمان الذي كتب شعرا عن ثلاث حروب مختلفة بطابعها، آخرها الحرب على الحدود من 1949 حتى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ويخلص الكتاب للقول إنّ واقع إسرائيل الراهن هو نتاج عبوديتها للنص الأمني ولنظام العسكرة، لا خيارا سياسيا من جملة خيارات كثيرة، دون تمييز بين التيارات الصهيونية المختلفة، لا فرق بين زئيف جابوتنسكي وبين اسحق رابين وشيمون پريز فكافتهم شركاء في مشروع صهيوني استغلالي استعبادي عنيف.
وصف رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم إسرائيل بأنها الدولة الأكثر مخالفة لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان المنبثق عنها. وبشأن اللاجئين الفلسطينيين، أكد الغانم أنّه "منذ الاغتصاب الصهيوني للأرض الفلسطينية" عام 1948 ترتكب المجازر الوحشية بحق الشعب الفلسطيني "الأعزل" وتبعها "أكبر حملة تهجير بشري في التاريخ" صدرت على إثرها قرارات أممية "كثيرة مهمة" أشهرها القرار الدولي 194 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 1948 مرورا بأكثر من 30 قرارا دوليا صدرت تباعا "وهذا الملف يتضخم ويتفاقم في ظل صلف وتعنت الكيان الغاصب". وقال الغانم "نحن نتحدث عن 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني من أصل 22 مليون لاجئ في العالم، وهم الأكثر والأقدم والأكثر إهمالا وتجاهلا وتهميشا." [http://www.aljazeera.net/news/arabic/2018/3/26]
غالبا ما يتغنى انصار إسرائيل والمدافعون عنها بأنّها واحة للديمقراطية مصونة من النقد. ورد في الفصل الأول من الكتاب أنّ النقد معاداة للسامية، أو هو أبعد من ذلك حسب ادّعاء جودا پیرل، کما ورد فی صحیفة لوس انجلس بتاريخ 15 مارس 2009. فما تقوم به إسرائيل هو لحماية مواطنيها وضمان أمنهم. وهذا امر متوقع من كلّ دولة تتعرض لهجمات صاروخية. فحماس مثلها مثل حزب الله، منظمة إرهابية. وبالمقارنة فإنّ اسرائيل مثلها مثل الولايات المتحدة ولها الحق أن تحمي نفسها باستعمال كافة السبل. وهذا حق لا يمتلكه الفلسطينيون ولن يكون من نصيبهم أبدا. وهذا أمر ليس عادلا، وفي الحقيقة معاد للسامية بالفطرة، فلا يجوز أن يُشار بالبنان الى إسرائيل وحدها وجعلها موضوعا للنقد في حين توجد بلدان أخرى أقلّ ديمقراطية وأكثر عنفا مع ساكني ارضها مقارنة مع إسرائيل، حسب قوله. ويحلو لمناصري إسرائيل أن يستشهدوا باسم دافور تذكيرا، ويعتبرونها ديمقراطية كأمريكا، رغم أنّ الحكومة الأمريكية لا تزوّد حكومة السودان بالسلاح والعتاد مجانا. ولم تعمل هذه الحكومة على حماية تلك التي في الخرطوم في دوائر الأمم المتحدة، ولا توفر لها غطاء سياسيا في مجلس الأمن الدولي.

وتنبيها لهؤلاء المدافعين نورد خبرا عن أنّ الجامعات في إسرائيل تشهد ما يذكّر بالمكارثية بعد منع المحاضرين فيها من إبداء مواقفهم السياسية أمام الطلاب. [http://www.alquds.co.uk/?p=904295] وبالتزامن أدان مجلس حقوق الإنسان ممارسات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين. بعد حوالى سنة من العاصفة التي أثارها إعداد الميثاق الأخلاقي للجامعات، الذي كتبه استاذ الفلسفة، أسا كشير، سيتحول النظام الموصى به إلى إجراء ملزم، وسيتم تطبيقه في كلّ جامعة وكلية في إسرائيل. يشمل هذا الميثاق منع المحاضرين من التعبير عن آرائهم السياسية أمام الطلاب، إلا إذا كان ذلك ضروريا للدرس التعليمي، على سبيل المثال في بعض دورات العلوم السياسية.

يشرح الخبر أنّ وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت تبنى هذا الميثاق، وادعى أنّه ليس موجها ضدّ أيّ جانب سياسي. لكنّ المعارضين ردّوا أنّ الميثاق هو محاولة لمنع اليسار من التعبير عن الرأي، ولذلك أدى الكشف عنه إلى احتجاج واسع النطاق بين الأوساط الأكاديمية. أعلن الأستاذ الإسرائيلي يوفال نواح هراري، مؤلف الكتابين المشهورين عالميا، "ملخص ولادة البشرية" و"تاريخ الغد"، أنّه إذا تمّ قبول الميثاق الأخلاقي، فإنّه ينوي انتهاكه بصرامة في كلّ محاضرة. وقال إنّ المبادرة تخلق جوا من الرقابة، "شرطة أفكار وخوف". كما اعترض رئيس جامعة تل أبيب ورئيس لجنة رؤساء الجامعات، الأستاذ يوسف كليبتر، على الميثاق الأخلاقي، قائلا، "هذه محاولة فاضحة للحدّ من حرية التعبير والإضرار بالسلوك الديمقراطي والأكاديمي الذي يجري حاليا في الجامعات الإسرائيلية". وأصدرت لجنة رؤساء الجامعات بيانا رسميا، جاء فيه أنّ الميثاق الأخلاقي يخرق بشكل خطير وأساسي مفهوم الحرية الأكاديمية. وأعلن محاضرون آخرون، "لن تكمموا أفواهنا، سنواصل التحدث عن المسائل السياسية في الدروس،" تماما كما في صرخة الأساتذة والطلبة والباحثين، التي يوثقها كتاب روبنسن و گرِفِن.

يفصح گولدبرگ وسري في فصلهما الأول عن اساليب الوقاحة والغرور، الذي وصل اليه اللوبي الإسرائيلي. يوردان مثلا عن دعوة الرئيس الأسبق جِمي كارتر للتحدث في عدد من الأحرام الأكاديمية، ومن ضمنها جامعة كاليفورنيا بفروعها المختلفة، بعد صدور كتابه فلسطين: سلام وليس فصلا عنصريا. أصرّ ألِن دركوفچ باسم فكرة "التوازن" أن يتقاسم المسرح مع الرئيس الأسبق، أو يتحدث بعده في كلّ مناسبة. ليس هناك شكّ بأنّ الأستاذ الصهيوني دركوفچ يتحدث الى مجموعات كثيرة، يدافع فيها عن وجهة نظره المدافعة والحامية لإسرائيل دائما. لم نسمع من قبل أنّ الذين تحدث اليهم قد اتيحت لهم الفرصة للإستماع الى وجهة نظر مخالفة بعد الإستماع الى احاديثه. إذا كان التوازن مطلوبا من الرئيس الأسبق على المستوى العام، أليس من العدل أن يُطبّق هذا المبدأ على وجهة نظر الأستاذ المتحيزة؟ ثمّ هل من المعقول أنّه كلما القى أحد محاضرة عن موضوع ما في أيّ حرم أكاديمي، يتوجب على من يعدّون لتلك المحاضرات أن يأتوا بآخرين لهم وجهات نظر معاكسة لوجهة نظر كلّ محاضر؟

ذكر گولدبرگ وسري أنّ اللوبي الإسرائيلي يعدّ للجامعات والكليات كتيب دعاية عنوانه هزبرا يتضمّن تكتيكات اللوبي الغارق في اعماق الخزي وعدم الحشمة، الى اغتيال الشخصيات معنويا، وغالبا ما ينقل بشكل ملتو الأقوال ويقلب التصريحات ويتعمد راغبا في تشويه السجلات ويلوك ما يختلق ما شاء له من الأقاويل والأكاذيب غير معنيّ اطلاقا بالحقيقة أو الإقتراب منها، على الأقلّ. إنّ هدف اللوبي هو السيطرة على آليات وضع القرارات السياسية من خلال فرض حقّ النقض على تعيين أيّ شخص يختلف في الرأي مع طروحات هذا اللوبي وفرض مقولة "سياسة الصواب " political correctness، بدلا من تحليل الموقف والأخذ بنظر الإعتبار ابعاده المختلفة. اصبح الأمر المألوف أن يفرض هذا اللوبي وجهة نظره على كافة البدائل والخيارات، التي يفضلها الأمريكيون وحكومتهم المنتخبة، اعتمادا على مقولة أنّ اليهود ضمير العالم.
مشكلة الدعاية الصهيونية كما تراها الكاتبة لينا ابو بكر [http://www.alquds.co.uk/?p=910700] أنّها تصنع نموذجين من الشياطين: الأول هو الشيطان الطيب، الذي يمثله معشر "صباؤوت – الجنود" ليسوا أولئك الذين يحاربون عسكريا فقط، إنما فكريا وإعلاميا، أما الشيطان الثاني فهو عدوهم، ولو أردت أن تتعمق أكثر، زُرْ شبكة إسرائيل للفيديو، والتي تعرض لك فيلما عن تاريخ اليهود من أول الخليقة، يوقعها في تناقضات مخجلة، لأنها تبدأ بقصة إبراهيم كأول إشعار وجودي على العرق العبراني، في الوقت ذاته، الذي تؤرخ فيه لحضارتها المزعومة، بثلاثة آلاف عام قبل المسيح، كيف، وعمر ابراهيم لا يتجاوز 1900 عام ق.م . حسب التوراة نفسها؟

تمضي الكاتبة للقول إنّ هناك خلط مربك للمشاهد، الذي يمعن التأمل، بما وراء هذه المغنطة الدعائية، حيث يروج الفيلم للعبرانيين، كقوة خارقة للطبيعة استطاعت أن تصارع أعداءها على مر العصور، من أجل البقاء، وتنفيذ مهمة إبراهيم الإلهية، على يد اليهود، الذين تعتبرهم ضمير العالم. لاحظ، كيف يدمج الزمن التاريخي بالزمن الديني، علما بأنّ العرق الإسرائيلي والدين اليهودي لم يبدآ مع إبراهيم، فكيف إذن ينتقد الفيلم العالم الوثني قبله، معطيا لعرقه الفضل بإخراج البشرية من جهلها وظلمائها، وهو أحد أهم عناصرها؟ اللعب على العرق الديني ينافي تماما مبدأ الأعراق البشرية وتطورها وتفاعلها، فلا يمكن أن تعرقن السلالة دينيا، لا العبرانيون لم يأتوا بعد إبراهيم، ولم يكونوا إسرائيليين فقط، بل هم خليط من أجناس وأعراق مختلفة، فكيف إذن تبدأ الحضارة بالإبراهيميين، الذين هم الصهيونيون الجدد، حسب مفهوم الفيلم، الذي يغالط التسلسل التاريخي للأنساب والأديان، ويناقض النظريات العلمية، ومنطق الطبيعة والبحوث الأنثروبولوجية؟ بل إنّ الفيلم يتمادى باقتباس أقوال لرؤساء وعلماء وأدباء وفلاسفة، تتساءل كيف يمكن لحال البشرية أن تكون، لو لم يأتِ الصهاينة إلى الدنيا؟
ترى أبو بكر أنّ طامة الطامة، تتجلى بعمليات قفز مطاطية، على المراحل التاريخية، ففجأة يعزي صاحب كتاب "تاريخ اليهودية والمسيحية" الفضل لليهود بابتكار فكرة القانون، والتنظيم الأخلاقي للمجتمع، والأسرة، والإزدهار، وهو يعرض لك صورا متخيلة من تلقي موسى الوصايا العشر في جبل سيناء، متجاهلا تماما أنّ حمورابي سبقهم إلى النظم القانونية والتنظيمية، إلى درجة أنّ عالم الآثار الفرنسي دومورگان اتهم العبرانيين بسرقة قوانين حمورابي، بعد اكتشافه مسلة مسمارية، فضح بها كتبة التوراة، خاصة وأنّ حمورابي سبق موسى بمئات السنين، فماذا لو عرفت أنّ قوانين أورنمو في أور، جاءت قبل حمورابي بثلاثة قرون، وأنّ العالم الوثني الذي يتحدث عنه الفيلم، هو ذاته الذي أمدّ البشرية بأسرار الحضارة وعشبة الخلود! ]نفس المصدر[
يختتم گولدبرگ وسري فصلهما الأول بالقول، "لا خير يُرجى من دولة ترى نفسها معصومة عن الخطأ وتضعها فوق أيّ نقد، كما يكشف انصارها هذا دون حياء." الحقيقة هي أنّها كيان يرى نفسه فوق القانون الدولي. اليوم وأنا اعمل على ترجمة هذا الفصل نقلت وكالة روتيرز خبرا مفاده أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي يرفض مطالب بالتحقيق في أحداث غزة. هذا ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو گوتيريش إلى تحقيق مستقل في القتل. وكررت دعوته فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروپي ومنظمة العفو الدولية وتامار زاندبرگ زعيمة حزب ميرتس الإسرائيلي المعارض اليساري. قال ليبرمان لراديو الجيش الإسرائيلي "قام الجنود الإسرائيليون بما يلزم. أعتقد أنّ جميع الجنود يستحقون ميدالية... وبالنسبة لتشكيل لجنة للتحقيق.. لن تكون هناك لجنة." واحتشد عشرات الآلاف من الفلسطينيين يوم الجمعة بطول السياج الحدودي الممتد بطول 65 كيلومترا حيث نُصبت خيام الاحتجاج بمناسبة يوم الأرض يعتزم الفلسطينيون أن يستمر ستة أسابيع للمطالبة بحق عودة اللاجئين وأبنائهم وأحفادهم الى ارض الأجداد. وقالت موجيريني في بيان يوم السبت "استخدام الذخيرة الحية بالذات يجب أن يكون جزء من تحقيق مستقل وشفاف... وفيما تمتلك إسرائيل الحق في حماية حدودها يجب أن يكون استخدام القوة متناسبا في كافة الأوقات." وقال مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني يوم السبت إنّ القوات الإسرائيلية أطلقت الذخيرة الحية والطلقات المطاطية على فلسطينيين يتظاهرون عند الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل فقتلت 19 وجرحت 1100 فلسطينيا. وقال شهود إنّ المحتجين رشقوا جنودا بالحجارة. [https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKCN1H80Z3]
وكالعادة عرقلت الولايات المتحدة [http://elaph.com/Web/News/2018/4/1197036.html] صدور بيان عن مجلس الامن الدولي يدعو الى ضبط النفس وإجراء تحقيق مستقل في المواجهات التي دارت على الحدود بين قطاع غزة واسرائيل وسقط خلالها كما ذكرنا 19 قتيلا فلسطينيا برصاص الجيش الاسرائيلي، حسب ما أفاد به دبلوماسيون. هذا وكانت مسودة البيان الذي قدمته الكويت قد دعت إلى "احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بما في ذلك حماية المدنيين". من جانبهم، حث أعضاء مجلس الأمن في المسودة "جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس ومنع المزيد من التصعيد" وشددوا على "ضرورة تعزيز احتمالات عملية السلام في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين استنادا إلى الحل القائم على دولتين والسلام العادل والدائم والشامل". واعرب الأعضاء أيضا عن "قلقهم البالغ إزاء الوضع على حدود غزة" وجددوا التأكيد على "الحق في الاحتجاج السلمي" معبرين عن "أسفهم لفقد أرواح الفلسطينيين الأبرياء." [http://www.addiyar.com/article/1513274-]
تكشف تري گنزبرگ في الفصل الثاني سرّا فحواه أنّه غالبا ما كان توظيفها يقوم على اسباب لم يُفصح عنها، وهي تعتقد أنّها تتعلق باسم عائلتها الإشكنازي وبموضوع اطروحتها عن افلام الهولوكوست، الذي لم تتفهمه لجان تعيين الإساتذة، فتفترض كونها صهيونية. ويبدو أنّ أولئك لم يقرأوا اطروحتها ولا الإقتباسات المنشورة المنقولة عنها. وحين تصل الى الجامعة أو الكلية وتبدأ في طرح افكارها في قاعات الدراسة أو خلال النقاشات العامة أو المحادثات مع زملائها، تتغير الأفكار وتبدو الدهشة على محيّا هؤلاء، الذين يكتشفون أنّ موقفها حقيقة مضادّ للصهيونية. لعلهم يُصابون بخيبة أمل فيشمئزون منها وينقلبون عليها فلا يجددون عقدها فتضطر للبحث عن وظيفة في مكان آخر. ولربما يدهشهم قولها، "الحقيقة هي أنّه ليس كافة اليهود يفضلون دولة خاصة بهم فقط في ارض فلسطين، أو في أيّ مكان آخر في العالم."
ثمّ تمضي فتذكّرنا بأنّ الحرب الصهيونية ضدّ فلسطين تخصّص جزء كبيرا من جهودها على ما يمكن تسميته المكارثية الجديدة، وهي حملات منظمة وعالية التمويل هدفها سحق النشاطات والبحوث وكافة اشكال التعبير الإجتماعي والثقافي والتربوي، التي تنتقد الصهيونية وسياسات إسرائيل وسياسات الولايات المتحدة الداعمة لها في الشرق الأوسط، وزيادة العنصرية وتأجيجها ضدّ العرب والمسلمين، وكافة اشكال المساندة لتحرير فلسطين ودعم اشكال مقاومة الإستعمار والإحتلال. تختتم گنزبرگ فصلها بالقول، "إنّني أؤكّد بشكل لا يقبل الشكّ اهمية تحليل وفضح هذا الهجوم الصهيوني الكاسح ضدّ من ينتقد ايديولوجية القومية اليهودية، التي تتفاخر بمكانتها وجودتها في العالم الأكاديمي، في الوقت الذي تنكر فيه إسرائيل حقّ الفلسطينيين بمختلف مشاربهم لنيل الفرص المماثلة في التعليم والمهن، وتطبق بحقهم بدلا من ذلك سياسة التطهير العرقي غير القانونية وغير الأخلاقية، التي ما كان يجب أن تحدث ويجب أن تتوقف في الحال... ولن أسكت حتى يطلّ ذلك اليوم. "
شرح زهير أندراوس موضوع "القومية اليهودية" المذكور اعلاه وتبعاته، فاشار الى أنّ الائتلاف الحاكم في كيان الاحتلال الإسرائيليّ يعمل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على تشريع "قانون القوميّة"، الذي تتضمن مسودته تعريف إسرائيل دولة يهوديّة بالأساس، وتفضيل ذلك على النظام الديمقراطيّ، بالقول إنّها "دولة يهودية وديمقراطية". علاوة على ذلك، تشمل مسودّة مشروع القانون هذا على أنّ تقرير المصير في فلسطين التاريخية هو حقُّ لليهود فقط. [https://www.raialyoum.com/index.php]
وغنيٌ عن القول إنّ هذا القانون يُضاف لعشرات القوانين العنصريّة التي أقرّتها إسرائيل، ولعلّ السنوات الأخيرة كانت حافلة بمجموعة من القوانين العنصريّة، فقد فرضت تشريعات تحث وتنقص من حقوق الفلسطينيين وحرّيتهم، بالإضافة إلى تكريس وترسيخ الفاشيّة ضدّ الفلسطينيين، الذي ما زالوا يتشبثون بأرضهم ووطنهم منذ النكبة المنكودة في العام 1948، وتضييق الحيّز عليهم، علما أنّ الحيّز المُتاح أصلا بات ضيّقًا للغاية، بسبب تسونامي التشريعات التي تُشرعنها الكنيست، بدعم من الحكومة الأكثر يمينيّة في تاريخ دولة الاحتلال.
وفي هذا السياق، شاركت النائبة العربيّة عايدة توما سليمان، رئيسة اللجنة البرلمانيّة للنهوض بمكانة المرأة (الجبهة- القائمة المشتركة) في جلسة لجنة الدستور الخاصّة في الكنيست لإتمام تحضيرات تجهيز اقتراح قانون القوميّة العنصري للقراءة الأولى في الهيئة العامّة في الكنيست، وذلك بعد إعادته إلى جدول أعمال الكنيست بأوامر مباشرةٍ من رئيس الوزراء نتنياهو. أكّدت النائبة توما سليمان في مداخلتها أمام اللجنة على أنّ قانون القوميّة يُشكّل الأسس لنظام أبرتهايد في الدولة العبريّة، لافتةً إلى أنّ قانون القوميّة أثار معارضة المستشار القضائيّ للحكومة نفسه الذي وصفه "بالقانون الذي يُميّز بين المواطنين بشكلٍ واضحٍ"، ولكنّ ذلك لا يهمّ نواب اليمين، وخاًصّة النواب في حزب "كولانو" ورئيسه كحلون، الذين لطالما أدعو أنّهم المدافعون عن أسس القانون في الدولة، لكنّ دعمهم لهذا القانون يفضح زيف ادعاءاتهم. وأضافت النائبة المذكورة، "هذا القانون هو أحد أخطر القوانين ويمنح التمييز والعنصريّة صبغة قانونيّة ورسميّة ويمسّ مسّا خطيرا بالمواطنين العرب وبحقوقهم، بدء بتشريع منع العرب من السكن في تجمعات سكنيّة وانتهاء بالمس الخطير باللغة العربيّة كلغة رسميّة في هذه الدولة،" على حدّ قولها. (نفس المصدر)
وفي سياق ذي صلة، كانت وزيرة القضاء الإسرائيليّة آيليت شاكيد ألقت أخيرا خطابا في لقاء "الكونگرس الإسرائيليّ لليهوديّة والديمقراطيّة"، تطرّقت فيه إلى تعديل قانون المواطنة الذي يمنع لمّ شمل العائلات الفلسطينيّة قائلة، "هناك حاجة للحفاظ على الأغلبيّة اليهوديّة حتّى لو كان الثمن المس بالحقوق"، معبّرة عن انزعاجها من أنّ موقف الدولة وقرار القضاة في مداولات المحكمة لم يدافع عن القانون "من دوافع قوميّة وديمغرافيّة". وفيما يتعلّق بقانون القوميّة قالت الوزيرة شاكيد إنّه قانون يهدف إلى منع قرارات قضائيّة مثل القرار في قضيّة قعدان، وهو القرار الذي سمح لعربيٍّ فلسطينيٍّ من مناطق الـ48 السكن في مُستوطنة يهوديّة، وأنّها تدعم إقامة بلدات لليهود فقط. كما أنّ تعريف الدولة كدولة يهوديّة في قوانين الأساس القائمة، يتناقض ويتعارض مع حقوق الإنسان وينتهكها، ويمس تحديدا بمكانة المجتمع الفلسطيني. لذلك، ذكر مركز عدالة، إنّها ليست مصادفة أنْ تُبرر شاكيد قانون منع لمّ الشمل، الذي يمس بالمواطنين العرب، وهو قانون لا شبيه له في أيّة دولة ديمقراطيّة، ويمنع المواطنين من تحقيق حياتهم العائليّة، وذلك بسبب انتمائهم القوميّ فقط. عمليا، اختتم عدالة تعقيبه بالقول، "صرّحت وزيرة القضاء الإسرائيلي بأنّها ترى في القانون وسيلة لتعزيز رؤيتها السياسيّة، وبحسب هذه الرؤية فإنّ العرب هم العدو لكونهم عربا، وأنها تعمل لتجذير استبداد الأغلبيّة اليهوديّة." (نفس المصدر)
يعيد روبنسُن في الفصل الثالث بشيء من التفصيل ما ذكره في مقدمة الكتاب، فيُصنف جيش إسرائيل بانّه خامس جيش عالمي من حيث القوة والإعداد والتسليح، وتدعمه ماكنة إعلامية تتجاوز كفاءتها قدرة الإعلام الأمريكي وتوظفه في الغالب في نشر تقارير ومعلومات تتجاوز الواقع وتطرح إدعاءات سخيفة وبغيضة بأنّ معارضة سياسة إسرائيل وممارساتها، هي معاداة للسامية بذاتها. وليس ذلك بالأمر المفاجئ عن دولة قامت على إنكار وجود شعب بكامله، تماما كما فعلت دولة جنوب إفريقيا العنصرية، ولا تختلف في ممارساتها عن دكتاتوريات امريكا اللاتينية العسكرية الفاشية. وتكون بهذا قد اضافت الى كونها دولة عنصرية لتصبح ايضا دولة فاشية.
وهو بهذا يتفق مع حنين الزعبي [http://www.alquds.co.uk/?p=921005]، العضوة العربية في الكنيست الإسرائيلي. ذكرتنا الزعبي بأهل القدس المتروكين يتامى في مواجهة إسرائيل وفي حالة حصار كذلك، وبتر كامل عن الضفة، ونشر للمخدرات وتفكيك أسري. أهل القدس يعانون من ديون الضرائب اليومية، والترهيب السياسي وإغلاق محلات، وبتر أحياء كاملة عن البلدة القديمة، واعتقالات يومية وسحب هويات، وسرقة بيوت داخل البلدة القديمة وسلوان واقتحامات لا تتوقف، "ورغم ذلك كله أنظروا ماذا فعل المقدسيون شيبا وشبابا، نساء ورجالا، مسلمين ومسيحيين، في قضية البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية وكيف باصرارهم تمكنوا من التغلب على الاحباط والشعور بقلة الحيلة. فعندما كان هناك هدف محدد وواضح، ومعركة واضحة المعالم أصبح الأمر يختلف كليا."

تمضي الزعبي للقول بأنّ ورقة القوة في القضية الفلسطينية هي الشعب الفلسطيني. "نحن علينا أن نعتمد أولا على أنفسنا. نحن نعرف أن بعض مواقف الدول العربية هي جزء من المشكلة، وخاصة السعودية والإمارات ومصر، والتي أصبحت لا تعتبر إسرائيل عدوا بل تريد أن تتحالف معها ضد ما يُسمى الخطر الإيراني. هذا جزء من المشكلة. هذا يلحق ضررا بالموقف الفلسطيني، لكن على الشعب الفلسطيني أن يتحمل المسؤولية الأولى في النضال، وعلينا أن نعرف كيف نجند الشعوب مع نضال الشعب الفلسطيني وكيف نجعل إسرائيل تدفع ثمن جرائمها. إسرائيل انتقلت من كونها دولة عنصرية وابارتهايد إلى دولة فاشية تماما وهناك أكثر من 90 قانونا للتمييز ضد العرب. وحتى لو انتخـبني نصف مليون عربي يستطيع 90 نائبا صهيونيا طردي من الكنيست." وهي ترى أنّ مواجهة هذا الكيان يتطلب من الشعب الفلسطيني أن يتحد وينهي الانقسام ويعيد بناء منظمة التحرير على أسس نضالية.
هذا وكان شفتاي شافيط، رئيس الموساد الأسبق، قد شدّد على أنّ سياسة نتنياهو القاضية بأنْ تعيش إسرائيل لوحدها، مرفوضة لديه جملة وتفصيلا، لأنّها تقود إلى الفاشيّة، لافتا في السياق ذاته إلى أنّه يرفض رفضا قاطعا مزاعم نتنياهو الذي يؤكّد في مُناسبات عديدة أنّ وضع إسرائيل الدوليّ لم يسبق له أنْ كان أفضل من اليوم، بحسب تعبيره. واضاف يقول، "إذا كان زعيم دولة ديمقراطيّة لا يفقه جوهر الديمقراطيّة، ولا يحميها وعلى استعداد للموت من أجل الحفاظ عليها، فإنّه، أيْ الزعيم المذكور، سيجد نفسه، ربما حتى بدون وعي، في الطريق المؤدّي إلى حكم الفرد والفاشية." وخلص شافيط إلى القول إنّ الادعاء بأنّه لا يُمكن عمل أيّ شيء لوقف تدحرج إسرائيل نحو الفاشيّة ليس في مكانه، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، قال إنّه يتحتّم الدفاع عن الإعلام ورفض النظرية السائدة بأنّ العدّو الذي يُهاجم المجتمع، بل صديقه الوفيّ، مُنهيا مقاله بالقول بأنّه لا أحد فوق القانون، حتى وإن كان نتنياهو في إسرائيل. [https://www.raialyoum.com/index.php]

نعود للكتاب ولشرح روبنسُن في فصله الثالث كيف تآمر اللوبي الإسرائيلي مع بعض الطلبة والمسؤولين الصهاينة المتعاونين معه داخل الجامعة وخارجها وفبركوا دعوى معاداة السامية ضده، لأنّه وزع على طلبته مواد للمطالعة تنتقد اسرائيل وسياساتها القاسية في غزة والمناطق الفلسطينية المحتلة. استمرت الحملة ستة اشهر من الأكاذيب والتشويه والتدخل والتهديد والإضطهاد لإسكات صوته. احيل الى لجنة تحقيق وجدت أنّه لم يخالف "لائحة سلوك الأساتذة". وفي النهاية "وبتاريخ 10 يونيو هبّت مؤسسة الحقوق الشخصية والتعليم FIRE، وهي منظمة غير نفعية مركزها في پنسلفَينيا، للدفاع عن حقوقي اعتمادا على المادة الأولى المعدلة من الدستور الأمريكي وباسم الحرية الأكاديمية. كتب آدم كِسِل، أحد محامي المؤسسة، رسالة الى رئيس الجامعة حذره فيها أنّه ما لم تُسقط كافة الإتهامات ضدي بحلول الساعة 5:00 من يوم 24 يونيو، فإنّ منظمته ستطلق حملة إعلامية كبرى وتقيم دعوى تعويض ضدّ جامعة كاليفورنيا. وقبل ساعة من الموعد المحدّد، أشعرتني الجامعة بالقرار المشار اليه في اعلاه، الذي مضت على اتخاذه فترة ستة اسابيع، بقي فيها سريّا. أقرّت الجامعة أنّ كافة الإتهامات ضدي قد أسقطت."
يتحدث طاهر حرزالله وأسامة شبَيك في الفصل الرابع عن قضية أرفين 11، وهي قضية احتجاج سلمي قام به طلبة جامعة كاليفورنيا فرع أرفين ضدّ زيارة السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورِن، الذي وُلد ونشأ في الولايات المتحدة. تمثل ذلك الإحتجاج السلمي بمقاطعة محاضرة السفير عدّة مرات. إنقلب الكون من عاليه الى أسفله وانطلق العويل الصهيوني مهدّدا ومستنكرا تارة، وتارة اخرى متباكيا على حرية الكلام، التي ضاعت في هذه البلاد على يد طغمة غريبة عن المجتمع لا تفهم معنى الحرية وتعمل وفق اجندة شريرة، على أقل تقدير! لقد دُعي السفير الإسرائيلي ليلقي محاضرة هدفها شرعنة الهجوم الإسرائيلي الهمجي على غزة والقتل والتخريب والترهيب، الذي اوقعه بسكان القطاع ومراكز خدماته الأساسية. فُصِل الطلبة المذكورون لما تبقى من مدة الفصل الدراسي واحيلوا الى محاكم الولاية بتهمة الإخلال بالأمن ومخالفة حرية الكلام، التي ضمنها الدستور الأمريكي. امضى هؤلاء الطلبة سنة من حياتهم وهم يُجرجَرون من مكتب الى آخر ومن مرافعة لأخرى، وأدينوا اخيرا، بموجب الإتهامات التي وجّهها اليهم المدعي العام لمقاطعة أورنج في ولاية كاليفورنيا.
لعل حرزالله وشبَيك وزملائهما الآخرين محظوظون! قد يكون غريبا أن اصفهم بالمحظوطين رغم الحيف الذي نزل بهم. ولي العذر لأنّهم لو احتجّوا في فلسطين لجوبهوا بالعسكر والقناصة والرصاص الحي بهدف القتل أو الإعاقة. [https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1HZ09J] يتمترس القناصة خلف السواتر الترابية عند الحدود ولهم الخيار في قتل ضحاياهم أو التسبب في إحداث اعاقة دائمية لكلّ منهم. وبحسب قول رويترز، فقد استشهد لحد الآن41 فلسطينيا بينهم صحافيان منذ بدء مسيرات احتجاجية على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل في 30 مارس في كلّ يوم جمعة للمطالبة بحق العودة. كما أصيب أكثر من 1700 فلسطينيا بالرصاص الحي، 80% منهم في أطرافهم السفلية.
هذا ولفت أحد ضحايا غزة إلى أنّ جنود الاحتلال القناصة، يختارون بعناية كبيرة ضحاياهم، من خلال إطلاق الرصاص المتفجر [https://aawsat.com/home/article/1249626/%D9] تجاه الأجزاء العلوية من القدم قرب الفخذ أو أسفل الركبة، بهدف تحقيق إصابة مباشرة لتحويل الضحية إلى "معوق" وجعله "عالة" على عائلته، وبلا أمل بأيّ مستقبل. وتتهم منظمات حقوقية فلسطينية ويسارية إسرائيلية، إلى جانب جهات دولية، منها الاتحاد الأوروپي، الجيش الإسرائيلي، باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، بهدف القتل وإحداث الإعاقة في صفوف عدد كبير منهم. وبحسب تقرير لمنظمة أطباء بلا حدود الدولية، فإنّ أكثر من 1700 فلسطيني أصيبوا في غضون شهرين بالرصاص الحي خلال مشاركتهم في المسيرات الحدودية. ويصف التقرير الإصابات التي تصل إلى المستشفيات، بأنّها الأخطر منذ الحرب الأخيرة على قطاع غزة عام 2014، وأنّ معظم المصابين سيعانون من إعاقة دائمة بسبب تعرضهم لإصابات "مدمرة".

صنّف الدكتور أشرف القدوة [https://www.alaraby.co.uk/investigations/2018/4/15]الإصابات إلى نوعين: بالرصاص المتفجر والعادي، موضحا أنّ 152 أصيبوا في الرأس والرقبة، 284 في الأطراف العلوية، 59 في الظهر والصدر، و72 في البطن والحوض، و1343 في الأطراف السفلية أحدثت كسورا شديدة وإعاقات تراوحت ما بين 30% وحتى 100%، و70 في الأعضاء التناسلية تسبب في إصابة معظمهم بالعقم، بالإضافة إلى 127 إصابة في أماكن متعددة من الجسم.
وليس هذا بغريب لأنّ التحريض ضدّ العرب والفلسطينيين في الدولة العبريّة، هو بمثابة رياضة وطنيّة يُمارسها الإسرائيليون، قيادة وشعبا، بحرفيّة عالية، وبدعم من وسائل الإعلام العبريّة على مختلف مشاربها. ولكن في الآونة الأخيرة ارتفع منسوب العنصريّة بشكل مُريب ومُقلق للغاية، الأمر الذي يقطع الشكّ باليقين، بأنّ كيان الاحتلال ينتقل إلى مرحلة الفاشيّة. على صلة بما سلف، هاجمت وزيرة القضاء ، أيلييت شاكيد، وهي من أقطاب حزب البيت اليهودي، المحكمة العليا الإسرائيليّة. ووفق قولها فإنّ الديموغرافية والحفاظ على الأغلبية اليهودية هما مثالان واضحان، لا تأخذهما المحكمة بالحسبان في قراراتها. من الجدير بالذكر أنّ [https://www.raialyoum.com/index.php/%D8] الوزيرة شاكيد كانت قد دعت سابقا إلى إبادة الفلسطينيين وحرّضت على ذبح أمهاتهم لأنّهن ينجبن مقاتلين، وصفتهم بالثعابين والإرهابيين.
وتعقيبا على ذلك قررت الممثلة الأميركية اليهودية ناتلي پورتمَن، رفض تسلم جائزة إسرائيلية مؤخرا. وهو مؤشر على ضيق يهود الولايات المتحدة من السياسة الإسرائيلية الحالية، ومؤشر أيضا على وجود فجوة أيديولوجية بين اليهود الأمريكيين التقدميين بشكل عام، والسياسة الإسرائيلية اليمينية المحافظة. ويزداد تذمر اليهود من سياسة القمع داخل إسرائيل وخارجها، الأمر الذي يجعل موقف الفنانة انعكاسا صادقا لهذه المشاعر التي تقدرها وتثني عليها جمعيات حقوقية ومنظمات إنسانية في العالم. وكدليل على ذلك، شارك أخيرا عدد من يهود أميركا في احتجاجات أمام البيت الأبيض تندد بإسرائيل وتشجب مقتل متظاهرين فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي في "يوم الأرض" عند حدود غزة. [https://alarab.co.uk/%D9]
يختتم حرزالله هذا الفصل بالإعراب عن أسفه لأنّ مقاطعته للسفير أورِن واحتجاجه كان قصيرا. كان يجب أن يتلو بيانا مطوّلا عن جرائم الصهاينة العنصريين في فلسطين المحتلة، وعدم الإكتفاء بقول، "إنّه من العار على الجامعة أن توجّه دعوة وتحتفي بسفاح يقتل الناس بالجملة، مثل شخصك!"
يكشف كرستوفر پيترسن- اوفرتن في الفصل الخامس التدخل الصهيوني السافر لمنعه من الحصول على وظيفة محاضر في كلية بروكلن في نيويورك. يترآي لي أنّ اوفرتن هولندي الجنسية، ممّا يجعله هدفا سهلا للوبي الإسرائيلي ولؤمه وجُبنه ووضاعته، لأنّه تعود مضايقة الأفراد، الذين يعتقد أنّهم ضعفاء، ليجعل منهم عبرة لتخويف الآخرين وإرهابهم. ألغت الكلية تعيينه رغم قرارها السابق، لأنّها تعرضت لضغط صهيوني قويّ منسّق عبر اجهزة الإعلام وترديد الإتهامات الجاهزة. تحول اوفرتن بين عشية وضحاها الى شخص خطير غير مرغوب فيه لأنّه انتقد إسرائيل، و"من الموالين للهجمات الإنتحارية" و"مؤيد لحماس" و"مؤيد للإخوان المسلمين" و"أصولي" و"محب للإرهابيين" و"مساند لكراهية اليهود." کلّ ذلك لكونه عمل مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وهو أحد المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان في الشرق الأوسط. أوّل المعترضين على التعيين هو دوف هِكِند، عضو المجلس التشريعي لولاية نيويورك. وهو نفسه عضو سابق في رابطة الدفاع اليهودية JDL، وهي منظمة يصفها مكتب التحقيقات الفدرالي FBI، بأنّها "جماعة يمينية إرهابية." والحقيقة هي أنّ الصهاينة الأورپيين هم من استقدم الإرهاب الى فلسطين واستخدموه في جرائم الفتك بالمدنيين العزّل وفی جرائم التطهير العرقي.
"ركضوا كالقطط... لن أقول لك إنّنا كنا هناك بقفازات من حرير. منزل إثر منزل... ندخل مع مادة متفجرة، فيما هم يهربون... تفجير وإلى الأمام، ثم تفجير وإلى الأمام... في غضون ساعات، نصف القرية لم يعد موجودا...." الراوي هو يهوشع زتلر، قائد مذبحة دير ياسين وهو من منظمة "ليحي" الصهيونية، واصفا تنفيذه المهمة، التي أوكلت إليه قبل تسعة وستين عاما. [http://www.al-akhbar.com/node/280239] زتلر هذا أدلى بإفادته في مقابلة خاصة قبل سنوات مع مخرجة إسرائيلية اسمها نيتع شوشاني أخذت على عاتقها القيام بتحقيق تاريخي حول المذبحة في سياق إنتاج فلم وثائقي عنها. وهي تلقي الضوء للمرة الأولى منذ عقود على تفاصيل من الرواية الإسرائيلية للمجزرة، التي راح ضحيتها أكثر من 200 قرويا فلسطينيا، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. بدأ الهجوم على قرية دير ياسين في صباح 9 نيسان 1948 وشارك فيه نحو 130 مسلحا صهيونيا من منظمتَي "إيتسل" و"ليحي" بإسناد من منظمة "هَگانا" الرئيسية. لكنّ الخلفية الحقيقية للمجزرة يصرح بها زميل زتلر في العملية، رجل من"إيتسل" إسمه بن تسون كوهين، الذي يظهر في الفيلم قائلا من دون تردد، "لو كان في حينه ثلاث أو أربع دير ياسينات، لما تبقى عربي واحد في البلاد. هؤلاء اللاجئون في لبنان والأردن وسوريا ذهبوا إلى هنالك بسبب أحدها. يوجد يهودي واحد يمكنه أن يقول بسببي. أنا قدت دير ياسين."
ما زالت اسرائيل ماضية في عمليات القتل والإعاقة، إذ اوردت رويترز أنّ جنودا إسرائيليين أطلقوا الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع على متظاهرين فلسطينيين على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل وقت اقتحمت مجموعة منهم معبرا حدوديا يوم الجمعة 5.5.2018 في إطار الاحتجاجات المستمرة منذ مدة طويلة مما أسفر عن إصابة نحو 1100 فلسطينيا. قال مسعفون إنّ نحو 82 شخصا أصيبوا بالرصاص وأنّهم عالجوا 800 آخرين جراء استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، وأصيب الباقون بإصابات أخرى على الجانب الفلسطيني من السياج الحدودي حيث أقام سكان غزة مخيمات في إطار "مسيرة العودة الكبرى" التي بدأت يوم 30 مارس الماضي. [https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1I50YO]
تتمّ تغطية جرائم الماضي والحاضر والتعتيم عليها باستمرار رفع شكوى المظلوم بالتنسيق مع الراعي الأمريكي. فقد فشلت الولايات المتحدة في إقناع مجلس الأمن الدولي بتبني بيان يدين الملاحظات التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن اليهود، والتي اعتبِرت "غير مقبولة" وتحتوي على "إهانات قاسية معادية للسامية". وقالت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة إنّ فشل المجلس في الموافقة على البيان "يزيد تقويض مصداقية الأمم المتحدة " لحلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. واقترح البيان على مجلس الأمن أن يُبدي "قلقه العميق" حيال ملاحظات عباس التي تتضمن "افتراءات وضيعة معادية للسامية ونظريات تآمرية لا أساس لها ولا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني ولا السلام في الشرق الأوسط". أثارت ملاحظات عباس هذه غضبا على المستوى العالمي بعد أن قال إنّ العداء تجاه اليهود في أوروپا لا علاقة لها بعدم التسامح الديني وانما بسبب "مكانتهم الاجتماعية وعملهم في قطاع البنوك والتعامل بالربا". لكنّ عباس عاد واعتذر، مؤكدا إدانته "لمحرقة" اليهود بوصفها "أشنع جريمة في التاريخ"، ومبديا تعاطفه مع ضحاياها. وأكد إدانة "معاداة السامية بجميع أشكالها". [http://www.alquds.co.uk/?p=929192] من جهة اخرى أعاقت الولايات المتحدة مرتين صدور بيانات كان يفترض أنّ يعبر المجلس فيها عن قلقه ازاء اعمال العنف في قطاع غزة حيث يُقتل الفلسطينيون برصاص القوات الاسرائيلية خلال مسيرات "العودة".
يأخذ تنمّر اللوبي الإسرائيلي في الأحرام الأكاديمية الأمريكية صورا عديدة. في الفصل السادس تدلي رباب ابراهيم عبد الهادي بشهادتها عن تجربتها المريرة معه. قامت الأستاذة بتنظيم لقاء في حرم جامعتها لمناقشة رحلتها الميدانية الأخيرة الى فلسطين والأردن، ولتستعرض بحوثها ومقابلاتها الميدانية خلال فترة تفرّغها هناك. أتّهمها اللوبي بأنّها قابلت "إرهابيين معروفين،" وهي تشكّل بذلك تهديدا لسلامة الطلبة اليهود وأمنهم، وأنّها تساهم في خلق "بيئة عدائية" داخل الحرم الجامعي. كما طالبت منظمة صهيونية إسمها المبادرة من الجامعة في سان فرانسسكو ومن حكومة ولاية كاليفورنيا أن تفتح تحقيقا حول سوء استخدام اموال دافعي الضرائب الأمريكيين وتبذيرها، لأنّ الجامعة قد اعطت الأستاذة عبد الهادي منحة تفرّغ مالية لتغطية نفقات بحوثها. اضطرت جامعة ولاية كاليفورنيا بفعل ضغوط اللوبي الإسرائيلي المتزايدة عليها لاتخاذ خطوة لا سابق لها، وهي التدقيق المالي ومراجعة كافة رحلات البحوث الميدانية التي قامت بها الأستاذة خارج الولايات المتحدة منذ عام 2009 لغاية 2014.
لا يحبّ اللوبي الإسرائيلي أن يطلع الأمريكيون ولا العالم اجمع على نتائج بحوث رباب ابراهيم عبد الهادي ولا مقابلاتها الميدانية، ولا حتى على الجرائم التي يرى المؤرخ الإسرائيلي دانيَل بالتمَن أنّ الجيش الاسرائيلي ينفذها. وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وغالبية المنفذين لها لا يُقدمون للمحاكمة ولا ينالون جزائهم من العدالة. [http://www.alquds.co.uk/?p=894662] وفي الواقع الكولونيالي الذي ينشط فيه الجيش، فإنّ تلك تكون ممارسات تلقائية في العمل ضد السكان المجردين من إنسانيتهم. وأضاف بالتمَن يقول، "ينظر الجيش إليهم كأنّهم ينتمون إلى مستوى حضاري مختلف. فالضابط الكوليونالي لا يستطيع أن يتقاسم أخلاقه الكونية مع طفل يهاجمه بسكين. ولذلك يواصلون الثرثرة عن "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم". وخلص متسائلا محذرا كزميله عضو الكنيست، شطرنهل،"ماذا يحصل للجيش الذي ترسخت فيه جرائم الحرب لسنوات طويلة؟ ماذا سيحصل إذا طلب من الجيش، من قبل سلطة متطرفة، تنفيذ عملية تطهير عرقي وطرد مئات آلاف الفلسطينيين إلى الأردن ولبنان؟ كيف سيكون ردّ فعل الجنود، الذين يركلون اليوم فلسطينيا جريحا، عندما يطلب منهم إطلاق النار على الآلاف الذين سيعارضون ذلك غدا؟ هل هناك من يعتقد في الجيش أنّ الجنود لن ينفذوا هذه المهمات؟".

كما لا يحبّ اللوبي أيضا أنْ يطلع الطلبة الأمريكيون على الخرافات التي يعاينها إيلان پاپيه في كتابه "عشر خرافات عن إسرائيل" والادّعاء الذي لا تملّ المؤسسة الإسرائيلية الرسمية تكراره بأنّ فلسطين كانت أرضا خالية حين صدر وعد بلفور. كذلك، يفنّد پاپيه الطرح الذي يتم الترويج له عبر قنوات المؤسسات الرسمية لدولة الاحتلال، العسكرية والإعلامية والأكاديمية، بأنّ الفلسطينيين غادروا أرضهم في العام 1948 طوعا، وبأنّ حرب 1967 فُرضت على إسرائيل. كما يقارب المؤرخ المعروف بمواقفه المناهضة لإسرائيل، الصهيونية وعلاقتها باليهودية والعلاقة بين الصهيونية والاستعمار. [https://alarab.co.uk/%D8] ويسعى پاپيه إلى تفكيك الخرافة بأنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويستجلي أيضا الأسباب الفعلية لفشل اتفاقية السلام مع الفلسطينيين، والدوافع الحقيقية وراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة، قبل أن يخلص إلى أنّ حلّ الدولتين لم يعد قائما أو قابلا للتحقيق.
يستعرض الأستاذ ديفد شورتر في شهادته الواردة في الفصل السابع "جريمته" وكيف اصبح هدفا للتحقيق المستمر لمدة 3 سنوات من قبل الجامعة، التي كلفت اكثر من 10 اساتذة للقيام بهذ المهمة. يتحدث عن حملة الإضطهاد العلني التي تعرض اليها خلال تلك الفترة، في مخالفة صريحة لأبسط مبادئ ميثاق الحرية الأكاديمية، والتعليمات الداخلية لجامعة كاليفورنيا في لوس انجلس. يذكر أنّ مقرره يغطي موضوعا عن استخدام سكان البلاد الأصليين لوسائل الإعلام حول العالم لإضفاء الشرعية على مطالبهم لنيل الإستقلال. احتوى موقعه الإلكتروني لهذا المقرر صفحات من المصادر وعناوين المواقع الإلكترونية URLS للصراع في مختلف القارات، بما فيها وثائق الأمم المتحدة بين الأعوام 2000- 2009 عن الشعب الفلسطيني باعتباره من "السكان الأصليين" indigenous. كما اكتملت الجريمة حين وقع على بيان الحملة الأمريكية لمقاطعة إسرائيل اكاديميا وثقافيا USACBI. يقول شورتر، "إنّني قد ابديت تعليقات وانتقدت سياسة الحكومة الأمريكية في معاملة الهنود الأمريكيين لعدة حقب، ولم يعترض أحد، ولكنّ التعرّض لسياسات إسرائيل غدا خطا أحمر!"

هل من الغرابة في شيء أن نرى اللوبي الإسرائيلي يتصرف علي هذه الشاكلة؟ برأيي لا، والسبب كالتالي. ينصح الكاتب زهير أندراوس من الناصرة فيقول، إنّه من الأهميّة بمكان العودة إلى الوراء، من مُنطلق كي لا ننسى أو ربمّا تنفع الذكرى! بتاريخ 3 أكتوبر من العام 2001، عندما كان أرئيل شارون، رئيسا للوزراء في إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ الأمنيّ المُصغّر اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. حذّر شيمعون بيريس في الجلسة عينها من أنّ عدم موافقة إسرائيل على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبا على العلاقات الأمريكيّة الإسرائيليّة. ردّ شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة [https://www.raialyoum.com/index.php D8%] الإسرائيليّة، والتي لم ينفها رئيس الوزراء آنذاك، على مطلب بيريس بالقول، "لا تقلق بشأن الضغط الأمريكي، نحن الشعب اليهودي نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك." وتابع شارون في الجلسة عينها، "أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين." ولفت شارون أيضا إلى أنّ اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونگرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونگرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. زاد شارون، أنّ النفوذ اليهوديّ يُهيمن تماما على الساحة الأمريكيّة، وأضاف قائلاً إنّ سفارة تل أبيب في واشنطن هي التي تُملي عملیا أجندتها على الكونگرس، من خلال اليهود الأثرياء جدا في أمريكا. ثمّ اختتم متبجّحا، "نحن نحكم أمريكا"، بحسب رواية أندراوس.
كان إيقاف كاثرين فرانك، وهي أستاذة جامعية من كولومبيا، في مطار بن غوريون وطردها له دلالاته العميقة. إسرائيل بتأييد من دونلد ترامب لم تعد تشير إلى أيّ أرض محتلة، فهي كلها أرض فلسطينية محتلة، والولايات المتحدة لا تحب عبارة "الأرض المحتلة" والمسؤولون حول ترامب يتجنبونها مع أنّها واردة في قرارات للأمم المتحدة أيدتها الولايات المتحدة قبل دخول ترامب البيت الأبيض. الأكثر من ذلك، اضحت أمريكا محامي الدفاع الوقح عن إسرائيل. الأستاذة فرانك من جماعات السلام وكانت وصلت إلى إسرائيل، [http://elaph.com/Web/NewsPapers/2018/5/1202971.html] وهي رئيسة مشاركة لقادة أمريكيين يعملون للدفاع عن حقوق الإنسان. طبعا هذا لا يناسب بنيامين نتنياهو، لذك أوقِفت الأستاذة الجامعية المحترمة واتهمت بالكذب وطرِدَت.
وفي ذات الوقت استقبلت إسرائيل بترحيب حارّ آلاف الصهاينة لحضور احتفال نقل السفارة الى القدس. كتب ديفد هِرست، [https://arabicpost.net/opinions/2018/05/16] أنّ ما قاله كوشنر عن المجزرة الجارية في نفس الوقت على بُعد 75 كلم فقط هو، "إنّ أولئك الذين يثيرون العنف هم جزء من المشكلة، وليسوا جزء من الحل". ولا تملك عائلة كوشنر عذراً في رؤية كارثة، فقد كانت عمليات القتل الجماعي مُتعمدة مع سبق الإصرار. ليس احتفال افتتاح السفارة الأ حفلة للعهر السياسي Political Pornography، حسب وصف الصحفي المعروف توم فريمن في مقابلة له مع محطة CNN. ما فعله القناصة الإسرائيليون هو التصرف الحرفي بناء على أوامر وزير الدفاع ليبرمَن، الذي أخبرصحيفة جيروزاليم بوست في يوم الثامن من شهر أبريل الماضي أنه لا يوجد أبرياء في قطاع غزة. "أصبح عدد القتلى 62 قتيلاً و2,400 جريحاً، فقد ارتفعت الأرقام في الفترة التي استغرقتها كتابة هذا العمود، هو الوضع الطبيعي الجديد." بينما العالم الخارجي، العالم الذي يعيشون فيه بالفعل، بدمائه المتدفقة، وأطرافه الممزقة والأرواح المدمرة، فقد أزيل جراحيا من ضمائرهم. قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي السابق پيتر ليرنر في تغريدة، إنّ المواطنين من قطاع غزة كانوا يحاولون إفساد احتفالاتهم.
هذا وقد صوَّت مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الجمعة 18 مايو 2018، على قرار يدعو إلى إرسال فريق دولي متخصص بجرائم الحرب للتحقيق في أحداث غزة. ويدعو القرار إلى "إرسال لجنة دولية مستقلة بشكل عاجل". [https://arabicpost.net/politics/2018/05/18/%D] وصوَّتت الولايات المتحدة وأستراليا ضد القرار، الذي تبنَّاه 29 عضوا من الأعضاء الـ47 وامتنع 14 عن التصويت، بينها سويسرا وألمانيا وبريطانيا. من جهتها، نددت إسرائيل بقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ووضعت التصويت في خانة "النفاق والسخافة". وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان، "إنّ إسرائيل ترفض تماماً قرار مجلس حقوق الإنسان، الذي يؤكد مرة أخرى أنّها منظمة ذات غالبية معادية لإسرائيل بشكل تلقائي، ويسيطر عليها النفاق والسخافة".
الفصل الثامن مكرّس لشهادة الأستاذة پرسِس كريم، الأمريكية من أصل إيراني. وهي شاعرة وكاتبة مقالات واستاذة للأدب المقارن في جامعة سان خوزيه الحكومية في ولاية كاليفورنيا. قامت الأستاذة عام 2013 بزيارة الأراضي المحتلة، وشاهدت بأمّ عينيها الإهانات التي يلقاها المواطنون تحت ظروف الإحتلال. رجعت الى بيتها وهي على ثقة تامة أنّها لن تنسى ما عاشته من التجارب هناك يوما إثر يوم. إسترجعت في ذهنها المضايقات والإهانات التي يتعرض لها زملاؤها من الأساتذة الفلسطينيين وهم في طريقهم الى صفوفهم، وكيف لا يُسمح لهم أن يدرّسوا طلابهم تاريخهم أو يعرفوا حرمانهم من الموارد الطبيعية لأرضهم والنهب المبرمج لها. هذا إضافة الى الهجمات المتكررة للمستوطنين على بساتينهم وحقولهم وتدميرها أو إحراقها.
لقد تركت تلك الرحلة آثارا عميقة ومؤلمة في نفسها. "قررت منذ ذلك الحين أن أناصر الحاجة لرواية قصة هذه المعاناة، التي لا يأتي الإعلام الأمريكي على ذكرها إطلاقا. إنّها قصة حياة الفلسطينيين تحت الإحتلال والحاجة الى ضرورة تدريس هذا الصراع، لأنّه يتعلق وله اتصال مباشر بمشاركتنا فيه." أعدّت ورشة عمل بمنحة من معهد السلام الأمريكي حول تدريس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لمدرسي المدارس الثانوية واساتذة الكليات الحكومية. قامت قائمة اللوبي الصهيوني ومختلف المنظمات المنضوية تحته للتشهير بالإستاذة كريم والضغط على الجامعة بالتهديد كالعادة بقطع التبرّعات عنها،"لأنّ تلك الورشة ستكون مكرسة لمعاداة السامية وكره اسرائيل." ورغم أنّ الجامعة لم تتدخل لإلغاء الورشة، فإنّ الإدارة مع ذلك اختارت أن تلزم جانب الصمت ولم تدافع عن الأستاذة كريم ولا عن حقوقها الأكاديمية.
تكاد إسرائيل التي تهيمن عليها، نخبة وناخبين، فكرٌ يميني متطرف، أن لا ترى إلا في القوة المفرطة سبيلا وحيدا لا بديل عنه في ورشة لا تكلّ لتغييب الشاهد المتبقي على كونها جسما محتلا عنصريا، لا يمكن أن تكتمل شرعيته إلا بالإخضاع الكامل لمن ما زال يجد أنْ لا شرعية لها على أرضه. وتكاد إسرائيل المنتشية بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لها والمحتفلة بافتتاح واشنطن لسفارتها في المدينة، أن تعتبر أنّها نهاية التاريخ الذي لا تاريخ بعده، بما يحوّل القتلى الفلسطينيين المتساقطين إلى تفصيل هامشي لما يدور في متنها. [https://alarab.co.uk/%D9%81%D9] وفي ذلك أنها لا ترى في الاعتراف الأمريكي "بقدسها" إلا حدثا توراتيا لا منّة لواشنطن به، وأنّ الأضحيات المسفوك دمها في فلسطين تأتي لتبارك انتصارا أمريكيا إسرائيليا مشتركا.
يفضح د. جوزيف مسعد في الفصل التاسع معاناته وما جرى له. وهو أستاذ فلسطيني بدأ العمل الى جانب إدوارد سعيد ورشيد خالدي في جامعة كولومبيا اعتبارا من عام 1999. حدّ اللوبي الإسرائيلي أنيابه داخل الجامعة وخارجها وانطلق في هجمات شرسة استمرت 10 سنوات دون كلل ولا ملل وساهمت فيها منظمات وافراد داخل الجامعة ذاتها. قالوا إنّ تأثيره على الحرم الأكاديمي بالغ الخطورة فحاربوه وقاطعوه واستفزوه وطالبوا بفصله وهدّدوه بالقتل. حتى أنّهم عملوا فلما وثائقيا عنه بعنوان،"هذا لا يليق بكولومبيا." يحلل د. مسعد طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الوجه التالي، "كما هو حال البيض في جنوب افريقيا حين شعروا بالتهديد تحت نظام الفصل العنصري، فإنّهم شعروا بالأمن حين تخلوا عن التزامهم بفكرة سيادتهم. وعليه فإنّ يهود إسرائيل سيستمرون بالشعور أنّهم مهدّدون إذا اصرّوا على تأييد السيادة اليهودية. إنّ يهود اسرائيل يستطيعون فقط الشعور بالأمن والديمقراطية حين تتم معاملة اليهود والعرب على قدم المساواة. لا يحّق لأيّ دولة أن تكون عنصرية."
الحقيقة أنّ موقف د. مسعد لا يختلف جوهريا عن موقف مؤسس "منتدى العائلات الثكلى" والمناصر القوي لمنظمة "مقاتلون من أجل السلام" وكثيرون مثلهم، حين يقول، "ما لم يكن للفلسطينيين بيت، فلن يكون للإسرائيليين بيت وبالعكس" [http://www.alquds.co.uk/?p=919353] يمضي للقول، "نريد عيش حياتنا كاملة، وليس فقط نبقى من حرب إلى حرب، من مصيبة إلى مصيبة. نحن، إسرائيليون وفلسطينيون، فقدنا في الحروب بيننا من كان عزيزا لنا، ربما أكثر من حياتنا فإنّنا محكومون لأن نلمس الواقع عبر جرح مفتوح ...... . ليتنا نحتفل بمزيد ومزيد من السنين، إلى جانب دولة فلسطينية مستقلة، بأمن وبسلام وبابداع، وبالاساس بحياة يومية هادئة لجيرة طيبة وآمنة لنشعر جميعا هنا في البيت ... نحن الإسرائيليون، حتى بعد 70 سنة، ولا يهم كم هي الكلمات التي تقطر عسلا وطنيا تقال في الأيام القريبة. فنحن لسنا هناك بعد. لسنا في البيت بعد. لقد اقيمت إسرائيل كي يحظى الشعب اليهودي، الذي لم يشعر أبدا تقريبا في البيت في العالم، أخيرا ببيت. وها هو بعد 70 سنة ومع انجازات تبعث على الدهشة في الكثير جدا من المجالات فانّ إسرائيل القوية هي ربما تكون قلعة، ولكنها ليست بيتا بعد. إنّ الطريق لحل العقدة الهائلة في علاقات إسرائيل والفلسطينيين يمكن ايجازه بصيغة قصيرة واحدة: إذا لم يكن للفلسطينيين بيت، فلن يكون للإسرائيليين بيت. والعكس هو الصحيح أيضا إذا لم يكن لإسرائيل بيت لن يكون لفلسطين بيت أيضا." جوزف مسعد راديكالي يقاوم من داخل التنين، [https://al-akhbar.com/Archive_People/128594] كما وصفته جريدة الأخبار اللبنانية.
يختتم د. مسعد الفصل التاسع بالقول إنّ الحملة المكارثية التي تعرّض لها قد باءت بالفشل حين حصل على التثبيت في وظيفته tenure في ربيع عام 2009. هذا يعني أنّه امضى 10 سنوات من المعاناة والألم والأكاذيب وتحريف الأقوال والترهيب. عملية التثبيت وحدها استغرقت 5 سنوات بين الأعوام 2004 لغاية 2009، وهي فترة طويلة من حياته ضاعت بفعل حقد اللوبي الإسرائيلي وافعاله الخبيثة الدنيئة. [https://al-akhbar.com/Archive_People/128594]

من حسن حظ ديفد كلاين الأستاذ في جامعة ولاية كاليفورنيا فرع نورثرِج، أنّ حملة اللوبي الإسرائيلي ضده استمرت لأشهر، وليس لسنوات كحال زميله الأستاذ جوزف مسعد، كما رأينا في الفصل التاسع. د. كلاين استاذ في الرياضيات معروف في ميدان اختصاصه، وجريمته أنّه كان من المؤسسين لمنظمة الحملة الأمريكية لمقاطعة إسرائيل اكاديميا وثقافيا USACBI، وأنشأ لها موقعا على الشبكة. كما أنّه دعا الأستاذ نورمن فِنكلستين ليلقى ثلاث محاضرات عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي حضرها جمع غفير خلال زيارة امتدت اسبوعا. غير أنّ الطامة الكبرى هي دعوته للمؤرخ إيلان پاپيه، الذي يفند في كتابه "عشر خرافات عن إسرائيل" جملة من الأفكار المتنازع عليها أو الخرافات، كما يصفها، المتعلقة بأصول دولة إسرائيل وهويتها. يعتبر إيلان پاپيه أحد أبرز باحثي ومؤرخي التيار الجديد المعروف بـ"لمؤرخين الجدد"، الذين أعادوا كتابة تاريخ إسرائيل وتاريخ الصهيونية. يعمل پاپيه أستاذا في كلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية في جامعة إكستر ببريطانيا، وهو مدير المركز الأوروپي للدراسات الفلسطينية في الجامعة. من أشهر مؤلفاته "التطهير العرقي في فلسطين"، و"فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة"، و"الفلسطينيون المنسيون: تاريخ فلسطينيي 1948." [https://alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8]
من بين الخرافات التي يعاينها إيلان پاپيه في كتابه المذكور الادّعاء الذي لا تملّ المؤسسة الإسرائيلية الرسمية تكراره بأنّ فلسطين كانت أرضا خالية حين صدر وعد بلفور. كذلك، يفنّد پاپيه الطرح الذي يتم الترويج له عبر قنوات المؤسسات الرسمية لدولة الاحتلال، العسكرية والإعلامية والأكاديمية، بأنّ الفلسطينيين غادروا أرضهم في العام 1948 طوعا، وبأنّ حرب 1967 فُرضت على إسرائيل. كما يقارب المؤرخ المعروف بمواقفه المناهضة لإسرائيل، الصهيونية وعلاقتها باليهودية، والعلاقة بين الصهيونية والاستعمار. ويسعى پاپيه إلى تفكيك الخرافة بأنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، [https://www.facebook.com/TheIndependentOnline/videos/10153416318826636/]
ويستجلي أيضا الأسباب الفعلية، والدوافع الحقيقية وراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة. وهكذا، من خلال مقاربة استقصائية تاريخية وسياسية ضافية، يعمد پاپيه إلى دحض كلّ الخرافات التي يُفترض أنّها "تشرعن" الكيان الصهيوني، مثبتا أنّها محض افتراءات على الواقع وتحريفات عنه.
هناك مؤرخ إسرائيلي آخر اسمه يحيَعام فايتس. [http://www.alquds.co.uk/?p=944444] أشار في مقال نشرته صحيفة هآرتس الى الجمود الفكري، في المؤسسة الحاكمة الحالية، حيث لا يوجد من يفكر بطرق مختلفة عن طريق الحاكم ويطرح أسئلة ثاقبة، مثل هل بالإمكان وقف سفك الدماء البربري في قطاع غزة؟ هل نقل السفارة الأمريكية هو الأمر الأهم بالنسبة لإسرائيل؟ وهل من المناسب تأييد قرار الرئيس ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران بصورة أقل حماسة؟ من يشكك في هذه القرارات يعتبر كافرا وغير وطني. ويخلص فايتس إلى أنه، "مثلما كان في عام 1973، يسير الإسرائيليون اليوم بعمى خلف زعيم متعجرف ومتغطرس، يقودنا إلى حافة الهاوية."
فلا غربة إذن أن تثور ثائرة اللوبي الصهيوني ضدّ كلاين وينطلق في حملة مسعورة لمحاربته. سمّوه واتهموه شخصيا بأنّه متخلف ومعاد للسامية ونازي ويهودي جاحد كاره لذاته ومنتهك لقوانين الولايات المتحدة، وأنّه يعرّض حياة الطلبة اليهود للخطر. غير أنّ الجامعة لم تعبأ بهذا الصراخ المحموم ووقفت الى جانب عضو هيئتها التدريسية، وكذا فعل المدعي العام للولاية. لم تجد الجامعة ولا المدعي العام أساسا للإتهامات التي وُجهت للأستاذ كلاين. وبطبيعة الحال يختلف هذا الموقف المشرّف عن موقف جامعة كولومبيا، كما رأينا في الفصل التاسع. يمضي كلاين ليكمل شهادته ويكشف أّنّه، إستنادا الى سيل الإتهامات الصهيونية، طلبت الرئيسة كوستر مراجعة محتويات موقعه واصدرت بتاريخ 5 ديسمبر 2011 بيانا عاما اعترفت فيه أنّها "تشعر شخصيا بانزعاج من بعض المواد في موقع الأستاذ كلاين،" ثمّ اضافت تقول، "تمّت عملية مراجعة محتويات المواد وتقييمها، وفيما إذا كانت تخالف سياسات جامعة ولاية كاليفورنيا أو فرعها في نورثرِج. رغم أنّ المراجعة أثارت عددا من المواضيع الصعبة، إلّا أنّها لم تجد أيّة مخالفات. لقد تمّ التوصل الى هذا القرار بتصديق المستشار القانوني للجامعة." ثمّ مضي بيان الرئيسة للقول، "الأستاذ كلاين له كلّ الحقّ في التعبير عن رأيه حول معاملة الشعب الفلسطيني من قبل حكومة إسرائيل. والأكثر من ذلك واعتمادا على افكاره ومشاعره ازاء الموضوع، فله كلّ الحقّ في الدعوة الى مقاطعة ذلك البلد. وهو لم يقترف اصلا عملا معاديا للسامية." يُعتبر هذا الحكم انتصارا رائعا ليس للأستاذ كلاين فقط، بل للحرية الأكاديمية.
لقد استند اللاهوتيون، أي جماعة التيار التوراتي التقليدي في علم الآثار، منذ فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين في مطلع القرن الماضي، إلى نصوص متفرقة من التوراة، وليس لأيّ نتائج أركيولوجية حصيفة، لرسم حدود ما يزعم أنّها أرض كنعان. في الواقع، لم يكن لديهم أيّة دلائل أركيولوجية تؤيد هذه الحدود الخيالية، كما أنّ نتائج البحث الأثري لم تقدّم أيّ سند مهما كان بسيطا، يمكن استخدامه لدعم المزاعم عن شعب قديم يدعى شعب كنعان. استمرت الحفريات الإثرية بعد تأسيس إسرائيل وتضاعفت مرات بعد حرب [http://www.aljazeera.net/news/alquds/2018/2/15] عام 1967 واحتلال الضفة الغربية، الى يومنا هذا بحثا عن ممالك وملوك ومعابد وحضارة شعب قامت على خرافات من قصص الأولين.
ليس في حوزة هؤلاء اللاهوتيين في واقع الأمر سوى نصوص متفرقة من التوراة ورد فيها تعبير "أرض كنعان، شعب- لسان كنعان ... إلخ". وفي سائر هذه النصوص، لا وجود لأسماء البلدان التي أصبحت تشكل مساحة هذه الأرض الخيالية، فلا وجود لاسم سوريا أو لبنان أو الأردن أو فلسطين. كما أنّ النقوش البابلية الآشورية ومنذ 950 ق.م لا تسجل قط اسم كنعان، وهي تجهله تماما. كان "اختراع" شعب كنعان حاجة ملحّة أشدّ تعقيدا مما يمكن تخيّله لصناعة هوّيات تاريخية جديدة لسكان الشرق الأوسط. ولكن الأمر الشيق بالنسبة للاهوتيين أنّهم كانوا أثناء عملهم المضني لتصنيع هوّيات بديلة يخترعون من مواد توراتية مادة جذابة وجديدة يمكن نسبتها لعلم الآثار، وبحيث يصبح الحديث عن "شعب كنعان" ووجوده وارتباطه بأرض فلسطين، لا مجرد توصيف توراتي لجماعة قبلية قديمة، بل حقيقة تاريخية تدعمها الحفريات الأركيولوجية! وعي اللاهوتيين لوظائف علم الآثار في هذا النطاق كان شديد التباين مع وعي علماء الآثار من المتخصصّين والمحترفين، ومع ذلك مضى هؤلاء قدما في التلفيق وبناء الفرضيات والقصص الخيالية.

وعليه، حين صدر كتاب د. ناديه ابو الحاج، فإنّه كان بمثابة جرس انذار وخط أحمر لقضية، يجب ألّا يجرأ أيّ باحث على الإقتراب منها، ناهيك عن التشكيك بها. تدلي د. ابو الحاج في شهادتها في الفصل الحادي عشر وتأتي على المصاعب التي واجهتها خلال فترة النظر في قضية حصولها على التثبيت في وظيفتها في جامعة كولومبيا. لقي كتابها شهرة واسعة وفاز بجائزة عام 2001. عنوانه هو "حقائق على الأرض: تطبيق علم الأثار Archeology ورسم المناطق حسب المزاج في المجتمع الإسرائيلي." يتابع الكتاب ظهور علم الآثار والحفريات الأثرية في اسرائيل باعتبارها عنصرا اساسيا في الرواية الإسرائيلية لشرعنة العلاقة بين مستوطنات الإحتلال وطرح معرفة تاريخية جديدة. اطلق صدور الكتاب شرارة عاصفة احتجاجات من قبل المثقفين الصهاينة واللوبي الإسرائيلي بمختلف المنظمات المنضوية تحت لواءه. وصلت الهجمات اوجها خلال السنتين 2006-2007، واستمرت خلال فترة مراجعة ملف تثبيتها من قبل لجان الجامعة الخاصة. ذكرت د. ابو الحاج، " إنّ مراقبة الأحرام الأكاديمية والتدخّل في النقاش والكلام حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو بمثابة سلطة إنتداب بيد تلك الجماعات التي خوّلت نفسها تلك السلطة. قامت خططها على القيام بحملات لتلطيخ السمعة واتهام الأفراد بمعاداة السامية بشكل عام، والتدخل بشكل مفضوح في إجراءات التوظيف والترقية والتثبيت. هذا هو الجو الذي طغى على الموقف خلال الحملة على تثبيتي."
يتحدث ماكس گيلر في الفصل الثاني عشر عن محنة منظمة الطلبة من أجل العدالة في فلسطين SJP في الأحرام الأكاديمية الأمريكية. بدأت المضايقات في الجامعات بفعل تدخل المنظمات الصهيونية في جامعة ليولا في شيكاگو ثمّ انتقلت الى جامعة مونتكلير وكولومبيا وكاليفورنيا وفلوريدا أتلانتك، وغيرها من الأحرام الأكاديمية. لكنّ أسوأها كانت في جامعة نورثئيسترن في بوسطن. اظهرت تجربة المنظمة أنّ الإعلام اليميني والإثرياء من اليهود كانوا قادرين على تصعيد الهجوم ضد المنظمة في الجامعة، لحدّ أنّ الإدارة قررت إيقاف نشاطاتها. كما أنّ التجربة توضح بالتفصيل الخطوات التي اتبعها يهودي ثري اسمه روبرت شِلمَن، الذي تمكن بفعل امواله التي يسموّنها "تبرعات خيرية،" في الحقيقة برأيي "رشواته" من تحويل إدارة الجامعة الى جزء فعال من آليات القمع الفكري. واظهرت أكثر من ذلك قدرة شبكات الصهيونية للقيام بحملات مسعورة لغلق كافة فروع منظمة الطلبة من أجل العدالة في فلسطين في كافة الأحرام الأكاديمية.
لا تقتصر هذه "التبرعات/الرشوات" على الجامعات والكليات، بل تتعدّها الى الحملات الإنتخابية ليكون السياسيون المنتخبون للعمل في دوائر القرارات الحكومية أسرى تلك الأفضال، وتنفيذ خطط الصهاينة لكي تدار الأمور على مزاجهم. ومثال على ذلك استخدام ممول إسرائيلي أمريكي لغة مستهترة تقلل من شأن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، مع تهديدات مبطنة بوقف تمويل الحملات الانتخابية، بسبب توقيعهم على رسالة تتحدث عن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. حصلت مواقع استخبارية أمريكية من بينها موقع إنترسبت [http://www.alquds.co.uk/?p=959251] على الرسالة السرية المتعالية التى بعثها قطب الإعلام المعروف حاييم سابان الى المشرعين الأمريكيين تضمنت توبيخا واضحا بسبب إثارتهم لقضية الأزمة الإنسانية في غزة. هذا وكان 12 مشرّعا من الديمقراطيين قد وقعوا على رسالة بعثها السيناتور برني ساندرز الى وزير الخارجية مايك پومپيو، تدعو الى العمل بشكل عاجل من أجل المساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية هناك. ويُعدّ سابان شخصية قوية في الحزب الديمقراطي، وهو متبرع ضخم للأجهزة الحزبية، وكان من كبار المساهمين في حملة هِلاري كلِنتُن، ولكنّ دعوته السياسية معروفة، وهي تصب في مصلحة دعم الكيان الإسرائيلي المحتل بجميع الوسائل وتحت أيّ ظرف.

غير أنّ الرياح لا تجري دائما بما تشتهي السفن! صوّت الطلاب في كلية ترينيتي في العاصمة دبلن الايرلندية بأغلبية ساحقة لدعم حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) على إسرائيل من أجل الحقوق الفلسطينية، وقالت (الانتفاضة الإلكترونية) إنّ ثلثي الطلاب صوتوا في الجامعة الايرلندية الشهيرة لصالح إجراء يطالب اتحاد الطلاب بتبنّي "سياسة طويلة الأجل" بشأن فلسطين دعما لحركة المقاطعة، وكان التصويت بنسبة أعلى من عتبة 60٪ المطلوبة لإجراء الاستفتاء، وقالت "ذي جورنال تايمز" إنّ تصويت 22 مارس "كان محل ترحيب بهتافات وهتافات". وأضافت الصحيفة أنّ أعضاء حملة المقاطعة قد عملوا لعدة أشهر لتأمين استفتاء ثم بناء الدعم له في الحرم الجامعي. هذا وكانت الإذاعة العبرية نقلت عن مصادر [https://www.raialyoum.com/index.php/%D8] في تل افيف وصفتها بأنّها عالية المستوى قولها إنّ الحكومة الايرلنديّة تقوم بتشجيع المواطنين على كره إسرائيل، متهمة إيّاها كالعادة بالعمل من منطلق معاداة السامية. وزادت المصادر عينها قائلة إنّ ايرلندا بدون أدنى شك تحولّت إلى أكثر دولة أوروپيّة معادية لإسرائيل وتقوم بدفع الدول الأوروپيّة الأخرى لاتخاذ مواقف متطرفة وغير قابلة للتهاون ضدّ الدولة العبريّة، على حدّ تعبيرها.
من جهة أخرى كان طلاب جامعة مِنيسوتا الأمريكية قد حثوا في تصويت لهم الإدارة على العمل على سياسة استثمارية مسؤولة اجتماعيا والتخلص من الشركات التي تستفيد من انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان. كما يطالب هذا الإجراء الجامعة بسحب استثماراتها من السجون الخاصة ومراكز احتجاز المهاجرين والشركات التي تنتهك سيادة مجتمعات السكان الأصليين. وكانت جماعات ضغط صهيونية حاولت إظهار استفتاء جامعة مينيسوتا كإجراء تمييزي ضد اليهود غير أنّ تحقيق الجامعة رفض الادعاءات، رغم تعاطف إدارة الجامعة ورئيسها مع تلك الجماعات.
وما دمنا بصدد نشاطات الطلبة، فقد استقدمت إسرائيل خمس متطوعات أمريكيات للعمل الدعائي في الولايات المتحدة، لكنّهن سرعان ما تجندن لمحاربة الإحتلال بعد اكتشاف الحقيقة. الحديث عن متطوعات يهوديات أمريكيات وصلن البلاد وانضممن لمنظمة تاگليت اليمينية التي تكافح المنظمات اليسارية المناهضة [https://www.facebook.com/NowThisPolitics/videos/2144501208914691/] للاحتلال. ووقع "الانقلاب" خلال جولة ميدانية في مدينة الخليل والاطلاع على معاناة الفلسطينيين فيها. لقد اكتشفن أنّ تاگليت تغرر بهن وتحجب عنهن الحقيقة حول الاحتلال، واحتجاجا على ذلك انتقلن لمنظمة "لنكسر الصمت" الناشطة من أجل إنهاء الاحتلال من خلال فضح جرائمه من منطلق أنّ الاحتلال خطر على إسرائيل أيضا. حاول مدير تاگليت ثنيهن بالتهديد والوعيد، ولاحقا اتهمهن بالتخطيط الكيدي لانقلابهن وبتبني أجندة معادية لإسرائيل والمساس بها ومساندة الفلسطينيين. [http://www.alquds.co.uk/?p=965524]

ليسا روفل استاذة متميزة في علم الإنسان في جامعة كاليفورنيا، فرع سانتا كروز. وهي متخصصة في الحركة الجنسانية feminism، مع التركيز على الوضع في الصين المعاصرة. تذكر في الفصل الثالث عشر أنّها عانت بشكل متواصل من المضايقات بسبب مساهمتها في نشاطات جرت داخل حرم جامعتها، انتقدت الإحتلال الإستيطاني الإسرائيلي. تمضي روفل لتقول إنّ الصهاينة اطلقوا عليها وعلى غيرها من اليهود الذين ينتقدون إسرائيل إسم "يهود لجلد الذات." اتهموها بالنازية وأنّها تساهم في خلق الأجواء لقيام هولوكوست آخر. برأيها أنّ القصد من ذلك تقويض النضال الحقيقي ضدّ معاداة السامية. تعرّضت روفل للمضايقات لأنّها نظمت عقد ندوتين، كانت الأولى حول مسؤولية اليهود في كافة انحاء العالم الغربي لمراجعة سياسة التمييز العنصري، التي تنتهجها إسرائيل في معاملة الفلسطينيين وايضا اليهود الشرقيين القادمين من البلدان العربية. ساهم في تلك الندوة اساتذة ومفكرون يهود فقط، وهم ديفد ثيو گولدبرگ وجودِث بتلر وتري گنزبرگ وهِلتُن أوپنزنگر ورفكا بار زَوهر.أمّا الندوة الثانية فقد تحدث فيها احد اعضاء منظمة "لنكسر الصمت،" التي تتألف من الجنود السابقين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي. كشف الضيف التجارب المؤلمة التي عاشها وهو يشاهد جرائم الحرب، التي يقترفها العسكر الإسرائيليون في غزة والقدس وكافة البلدات والقرى الفلسطينية.

بصدد الموضوع الأول، روت الكاتبة أكسال گريگوَر المنحدرة من عائلة يهودية تونسية في كتاب طفولتنا في تونس بين سنوات 1940 وسنوات 1960 الصادر باللغة الألمانية، ذكريات يومية تفصيلية لعدد من اليهود التونسيين، الذين عاشوا مندمجين في سلام مع كل أبناء الشعب الآخرين إلى أن قرر معظمهم الرحيل بعد استقلال البلاد عام 1956 عن المستعمر الفرنسي. يروي الكتاب بأسلوب مشوق وبسيط، مع مجموعة كبيرة من الصور، جوانب مختلفة من حياة اليهود التونسيين من المدارس إلى الأعراس إلى اللهو على الشواطئ إلى المطاعم إلى ارتيادهم دور السينما إلى كرة القدم إلى فنون الطبخ في البيت وغيرها كثير، مع حنين واضح يختلط بحسرة على ترك كلّ تلك الأجواء. [http://www.alquds.co.uk/?p=875163]

يعيد الكتاب الى الأذهان ظاهرة التشبث الكبير لدى اليهود العرب من دول مثل تونس والمغرب والعراق وسوريا بأصولهم وذكرياتهم في تلك الدول، وعجز الكثير منهم عن نسيان ذلك بالتوازي مع عجز آخر عن التأقلم مع محيطهم الجديد في إسرائيل، حيث ما زال يُنظر إليهم كيهود شرقيين (سفرديم) من قبل اليهود الغربيين (الأشكيناز)، على أنّهم أقرب إلى الدول التي جاؤوا منها، منهم إلى المجتمع الجديد العصري. كثير منهم ما زال على هذه الحال إلى اليوم، عكس حال أبنائهم أو أحفادهم وقد ولدوا ونشأوا في ظروف مختلفة.

أمّا بصدد الموضوع الثاني، فقد أعلنت الخارجية الإسرائيلية أنّها تنوي اتخاذ إجراءات صارمة ضد المعرض الذي تنظمه منظمة "لنكسر الصمت" الإسرائيلية في سويسرا، والذي يتضمن شهادات لجنود إسرائيليين يكشفون فيها عن جرائم ارتكبت بحق الفلسطينيين خلال العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة. وبهذا الصّدد وجّه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين انتقادا لاذعا لتلك المنظمة، التي تنشر تقارير حول ممارسات الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. [http://www.beirutme.com/?p=17714] أكد أنّها عبارة عن مجموعة أشخاص يئسوا من تغيير الوضع من الداخل فقاموا بشنّ حملة من على منابر خارجية تلحق ضررا فادحا بإسرائيل. وأكد ريفلين خلال أمسية لجنود احتياط عقدت في جنوب إسرائيل، "أنّ الجيش الإسرائيلي يُعتبر الجيش الأكثر أخلاقية في العالم لكونه يعيد النظر في أفعاله مرة تلو الأخرى. وأشار إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يجري تحقيقات ويحاسب المسؤولين عن خرق قوانين الحرب الدولية ومبادئ الأخلاق اليهودية،" حسب قول صحيفة يديعوت أحرونوت. لا شكّ أنّ هذه تعليقات مضحكة تستخف بعقول الناس، لأنّ جرائم الحرب، التي يقترفها عسكره "الأخلاقي،" موثقة من قبل جهات رسمية وغير رسمية. وهذا اللغو عن الأخلاق السامية إدّعاء فارغ وعنصري في جوهره، لكونه يقوم في الأساس على خرافة "شعب الربّ المختار!"
تشكّل شهادة الدكتور ستيفن سلايطه الفصل الختامي لهذه الشهادات. وهي مقالة أعدّها واسترجع فيها ما جرى له، ومواضيع أوسع حول فلسطين وحرية الكلام وتحويل التعليم الجامعي الى سلعة تجارية والقمع الأكاديمي. وفوق هذا وذاك نفوذ اللوبي الصهيوني المصاب بداء السعار، ووقوفه ضدّ حيوية النقاش المفتوح والتفكير النقدي في مجتمع اليوم. ] https://www.youtube.com/watch?v=GgAvNE-wfYo[

سلايطه فلسطيني أردني وُلد في الولايات المتحدة وكان يعمل استاذا مشاركا لتدريس اللغة الإنگليزية، ومتخصصا متميزا في دراسات الهنود الأمريكيين في معهد فرجينيا التكنولوجي VTI، وفي جامعة الولاية. أعلنت جامعة ألِنوي فرع أوربانا- شامپَين UIUC عن حاجتها لمثل تخصصه فقدم طلبا ونال الوظيفة ومنحته الجامعة عقدا، على أن يباشر العمل في فصل الخريف لعام 2014. في الصيف التالي وبعد أن قدّم استقالته من عمله في VTI وكانت اسرته تحزم حقائبها للإنتقال الى إلِنوي، أقدم الجيش الإسرائيلي على هجوم مميت على غزة في صيف عام 2014 وفق حملة عسكرية اطلقوا عليها اسم عملية حافة الواقية. دامت حملة الإجتياح 7 أسابيع بين 8 يوليو لغاية 26 اغسطس من ذلك الصيف، ونشر سلايطه خلالها عددا من التغريدات انتقد فيها بشدة إسرائيل وكافة من ساندها. حظيت تلك التغريدات بانتباه مجموعات اليمين والصهيونية، واطلقت مناقشة بسيطة بدت غير استثنائية. لم يكن يعرف أنّه وخلف الكواليس، هدّد اليهود الأثرياء بأنّهم سيقطعون تبرعاتهم الرئيسية عن الجامعة واتهموه كالعادة بأنّه "معاد للسامية ووجوده في الحرم الجامعي يهدد حياة الطلبة اليهود."
تواطأت الرئيسة الإستشارية للجامعة فِلِس وايز واجتمعت برفقة عدد من مسؤولي الجامعة الكبار عدة مرات مع اعضاء اللوبي الإسرائيلي واعضاء مجلس إدارة الإتحاد اليهودي في مدينة شيكاگو. قررت أن تكتب له رسالة الكترونية بعثتها قبل اسبوعين من مباشرته للعمل، سحبت بموجبها العرض الذي قدمته له الجامعة وفصِل من العمل قبل أن يباشر به. كتبت له لتخبره أنّها سوف لن ترفع توصية تعيينه الى مجلس أمناء الجامعة. لقد حدث هذا بعد أن تقرر عدد ومواضيع المقررات التي سيدرّسها وإعطاءه عنوانا الكترونيا وخصصوا له مكتبا ودُعي لحضور حفلة استقبال الأساتذة الجدد.

قامت ضجة احتجاج عالمية من قبل الأفراد والمنظمات المهنية وحقوق الإنسان ... الخ، لكنّ هذا لايهمّ.
قدّم سلايطه دعوى قضائية امام المحكمة الفدرالية للمطالبة بتعويض مالي من الجامعة لأنّها خالفت حقوقه الدستورية وأخلت بشروط نصّ التعاقد معه وتسببت له بأضرار أخرى لحقته جرّاء فصله من الوظيفة قبل أن يباشر العمل فيها. إتفق الطرفان في شهر نوفمبر من ذلك العام على تسوية خارج المحكمة وتعويض سلايطه بمبلغ محترم لتغطية الدخل الذي خسره وتكاليف مكتب المحاماة الذي تولى قضيته ودفع رسوم المحكمة. قد يكون د. سلايطه قد حصل فعلا على مبلغ كبير ، لكنّه يدرّس الآن في الجامعة الأمريكية في بيروت، لأنّ فرص العمل قد سُدّت في وجهه داخل الولايات المتحدة، كما سُدّت من قبلها في وجه زميله في المهنة د. نورمَن فنكِلِستاين. وهذا ما يعمل اللوبي الإسرائيلي على تحقيقه. المهم إسكات الأصوات ولو بدفع 5 ملايين أو 10 ملايين أو حتى 20 مليون دولارا!
من المؤكد أن حملة إدانة إسرائيل ومقاطعتها، التي كرّس اللوبي الصهيوني كافة طاقاته لإيقافها والإنتقام من كافة من ساندها من الطلبة والأساتذة والباحثين العرب والمسلمين والأمريكيين وغيرهم من مواطني العالم الآخرين، المسلمين واليهود والمسيحيين على السواء، ما زالت قائمة وآخر آثارها كان قرارا تصويت مجلس الشيوخ الأيرلندي. [http://www.alquds.co.uk/?p=973240] لقد صوّت المجلس لصالح مشروع قانون يعاقب كل من يستورد أو يساعد على استيراد او يبيع بضائع أو يقدم خدمات للمستوطنات الاسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. كذلك يعاقب القانون كل من يشارك أو يساعد على استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومياهها الإقليمية. تُعتبر هذه الخطوة المتقدمة والشجاعة، ترجمة فعلية لدعم مجلس الشيوخ الأيرلندي المستمر وتضامنه الثابت، وهي مقدمة وإجراء عملي لمحاصرة وعزل الاستيطان. هذا ودعت حنان عشراوي في بيان لها، الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروپي والمجتمع الدولي للحذو حذو مواقف ايرلندا، وأن يظهروا الشجاعة اللازمة لمحاسبة ومساءلة إسرائيل واتخاذ قرارات مماثلة، ومنع استيراد بضائع المستوطنات بالمطلق باعتبار المستوطنات برمتها غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي. إنّ التصويت لصالح القانون يحمل رسالة ذات بعد عالمي، موجهة الى الاحتلال الاسرائيلي، بأنّ عليه ان يتحمل نتائج اقترافه الجرائم والفظائع بحق الشعب الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم