الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في قصة - مرتفعات الحياة .. منخفضات الوقت -

سعيد رمضان على

2018 / 7 / 30
الادب والفن


مدخل:
---------

هناء حمش، فنانة فلسطينية لاجئة من مدينة المجدل بفلسطين المحتلة وتعيش وتعمل بغزة ، هي فنانة ترسم وتكتب بعشق مجسدة اهتماماتها الوطنية، وهى تسعى من خلال كتاباتها إلى تحرير الذات الفردية، كشرط لتحرر الذات الجمعية مما ينعكس إيجابا على تحرر الوطن ، ولكن من خلال العوائق التي تواجها يتولد ذلك القلق المضنى من قدرتها على الإحساس عميقا بجمال الحرية في وطن مسلوب
وتقول في حوار لها بجريدة الخليج :
: "لقد شكل لي الواقع الصعب الذي أحياه إلى جانب نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة المحاصر، دافعاً لتجسيد أفكار فنية إبداعية، باعتبار أن الضغوط والأزمات تخلق المواهب، وتشكل دافعاً لأفكار فنية جديدة، وباعتقادي لولا هذا الواقع الصعب لما نجحت في ما حققته حتى الآن"-----

--------------

ثانيا : القراءة

تبدأ الكاتبة قصتها :
"واقفة مصلوبة في زاوية مكان مجهول , أعزف على مختلف أوتار الحياة معزوفة لم ينتجها الشرق الظاهر كمعزوفة "كونسيرتجيبو لماهلر "
والمدخل لفهم هذا النص يبدأ من ""واقفة مصلوبة" ومعزوفة "كونسيرتجيبو لماهلر "
فالصلب من أيام الرومان وهذا ما يحيل إلى القدم الذي يحيل بدوره إلى تراث ثقافي ، نظرا لأن الصلب استخدم عند الرومان لمعاقبة الأجانب والعبيد.
لكن الصلب أيضا اقترن باليهود فحاخاماتهم هم الذين حاكموا المسيح وطلبوا صلبه وإخلاء سبيل قاطع الطريق بارباس .
ومن هنا تحمل البداية نداء استغاثة الممزوج بالألم المضنى, فكأنها تدعو القارئ إلى التدخل بحيث يصبح مشاركا داخليا في القصة .. متفاعلا .. وخارجيا ثائرا ضد الظلم والقهر باحثا عن العدل والحرية ..
لكن "واقفة مصلوبة " تشير للثبات أو الجمود ،لكنها تحوى حركة تراجعية في الزمان ، لكونها مشحونة بطاقة تاريخية ودينية وثقافية ، فالتناقض الذي يجمع الثبات مع الحركة التراجعية إلى الخلف في الماضي التاريخي ، يعمل على تفجر عملية التخيل ومستدعيا أيضا تراثا ثقافيا شديد التعقيد .
فالسرد الدقيق يستحضر دوال التاريخ وشده الحرص عليه ، كما يستحضر أيضا الواقع الذي يؤكده.
مدخل البداية مركب والمفردتان فيه تحيل إلى الأنثى "واقفة مصلوبة "
لكن البعد التاريخي يحيلنا إلى بعد أنثوي علوي حيث تم ربط الأنثى بالارتفاع ..
فالصلب نفسه يكون بارتفاع على صليب .
وهذا مدخلنا ل "كونسيرتجيبو لماهلر " ومن أهم أقواله :
"كل فان هو رمز فحسب و كل ما لا يمكن الوصول إليه سيصير هنا حادثاً و ما لا يمكن وصفه قد جرى ها هنا فعله إن الأنوثة الخالدة تجذبنا إلى أعلى"
وموسيقى ماهلر كما تعبر عن المجتمع الغربي في لحظة سقوطه الأخلاقي، فهي أيضا
تدخلنا في أتون التجربة , تجربة الفنان .. متجاوزا عصره .. معبرا عن الأزمات النفسية وكراهية الحرب والقهر .. وهو يضعنا على حدود القلق والصراع من اجل المجتمع البشرى معبرا عن ضميرنا نفسه .. وكوابيسنا وأمالنا المسحوقة ..كل ذلك بلغة عالمية وهى لغة الموسيقى التي لا تحتاج لترجمات .
وقصة هناء حمش تحمل نفس المعاني ..أنها فنانة تعيش حقيقتها بان تضعنا معها على حدود القلق والمعاناة .
لنلاحظ المقاطع :
:" " أهذه تضاريسي ؟!! ارتفع قليلا في الحياة وانخفض أكثر في الوقت "
شيئا اسقط عيناي سهوا على ارضي دون إرادتي مفاصلي كالصقيع ودموعي تتساقط كقطرات الندى لصباح على شبق
ظلام هم وارتوى "
أنها ومضات الحياة تفرض توتر اللحظة، والضياع الباحث عن نبض الحياة .. فتضاريسي قد تشير للجسد ... لكنها تشير أيضا للأرض والوطن .. الاغتصاب والقهر .. هي تعبر عن العجز من منظورها, وهو عجز يقابل الموت .
ثم تعبر الكاتبة عن القلق والخوف بالمقطع التالي :
"اشعر بالثلج جالسة في ركن كأنه الصلاة أو إحدى أركانها امضغ الأسرار"
لكنه خوف تحاول دفعه بالبحث عن الاطمئنان في ركنها الإيماني ..
نحن هنا نرى ثلاث ركائز تقريبا .. الركيزة التاريخية و النفسية وأخيرا الثقافية ..
والتماس بين هذه الركائز، أتاح لعالم الحلم أن يستحوذ على مساحة لنفسه ونرى ذلك واضحا بهذا المقطع :
"أتقلب أكثر في الأحلام جالسة في ركن ثان وكأنه الوقت أو إحدى إخوانه أتفقد الثواني والساعة مطعونة في نصف عقاربها "
أن الجسد - الأرض- الوطن ، تحول من منتج طبيعي عادى .. إلى منتج نفسي، ولاحقا سيتحول لمنتج ثقافي .. هذا التحول نتج من لواحق الوضع المعاش من ترحيل وقهر وحصار وموت ، نرى هذا في المقطعان:
"جالسة في ركن ثالث كأنه السفر أو إحدى ميادينه افتح الباب أقدم على الخروج لكن المطار مغلق في حصار أوراق عابرين ملقاة على الأرض."
"جالسة في كن رابع كأنه الموت أو إحدى إتباعه أتفقد زينة الأموات والأموات الحياء في جلساتهم "
أن ما نلاحظه في هذه القصة ، هو عدم ارتباطها بقانون تسلسلي ، فالحركة السردية تقريبا حرة .. وضابط الإيقاع هو التداعي وحاجته للإفضاء والبوح .. ينتهي بضغط مفجرا حالة
من الثورة :
"إذا بغبار ورمال تتفزع نحوى رافضة الخضوع تنهض هامة كثائرة وكأني ألقيت دم قتيل تتناثر بشده نحوى "
ثم مفجرا حالة من السخط والعنف على مجتمعنا العربي وتحديدا من القابعين على العروش :
"انكفئ في خطوة عنيفة لأناقش الأموات وأرتل معهم عشق لجلسة لها أركانها الأربعة لصمت ووقت وسفر وموت وصلاه بلادي التي استفيق بها على خطة إعجاز لبعض كلى المنتصف , آيات لهب وسخاء الطغيان من تعويذه عقد حروفي المتراقصة على تجاعيد بنية ذاكرة موضوعة على تذكار لمحطة.."
فصرختها " أختااااااه" صرخة مدوية لا يجاوبها سوى الصمت من الِشقيقات العربيات. وهؤلاء الجالسين على عروشهم متمتعين بأطايب مناصبهم ساهموا بشكل مباشر في ضياع الوطن ، انه السقوط المدوي، فليس غريبا أن يسقطوا ويدمروا :
" كقفزة أولى وأخيرة لامرأة حطمت جميع الآلهة"
لكنها لم تغلق الباب على نفسها بل تركت الباب " مفتوحا لألف أغنية وأغنية"
والشعوب تغنى دائما للثورة .
ورغم أن القصة تبتعد عن التسلسل العادي معتمده على التداعي ألا إننا نرى في السرد السابق تاريخ متسلسل ومؤسف لما حدث لفلسطين .. " لصمت ووقت وسفر وموت وصلاه بلادي"
وتنتهي القصة بطور ثقافي جديد وهو ما اشرنا إليه سابقا بالمنتج الثقافي .

الطقس اللوني :
=======
تكرر اللون الأحمر الدامي في القصة، كتعبير عن الواقع القاتم ، لكن الكاتبة تعاملت مع هذا اللون بشكل حر ، فمرة تربطه بالواقع المباشر فتسرد :
" هاهي الشمس تشرق على ضفة النهر الدامي "
وفى مرة أخرى تحرره من واقعيته وتضمنه إشارات نفسية مؤلمة ونرى ذلك في قولها:
"ابتلع الأصداف والرمل ودماء النهر الدامية منها والرمادية "
=======
طقس الموت :
---------
" أووه رباه بعد تلك الليلة الكبرى لموتى استفيق على فجر ترقص فيه نعالي دون علمي ، دون بعث، دون موسم ..."
وهو ما يحيلنا إلى الموروث البشرى، الذي ادخل الموت دائرة الطقوس ، مستخدما التراتيل والرقص كنوع من الطاقة السحرية لحراسة الموتى ومنعهم من التلاشي الأبدي .. وإذا كان المصريين القدماء ، استخدموا الطقس ونوع معين من الشعائر لحفظ الموتى ، إيمانا بالبعث ، فالكاتبة هنا تستخدمه على نحو محدد ليس من ضمنه البعث ، بل منعا من التلاشي المطلق .
وهو ما يؤكد أن الموت المقصود هنا ليس موتا تاما، بل هو موت تقديري قريب من العجز أو الأسر..
========
عتبة خروج:
=======
في القصة ، نرى قهرا وحصارا والواقع المشحون بالألم والتشرد والضياع ، مفتقدا للعدالة، لكن شجاعة الساردة رائعة ، إنها تكسر المحيط القاهر، وتنقذ الروح المحاطة بالسلبية والخوف والعجز ، شخصية تجسد كل من له الشجاعة على تحرير نفسه من سجن الخوف والعبودية ، الموضوع الظاهر في القصة هو فلسطين، والثورة على المحتل .. لكنها تحوى تضمينا يصور مأساة الإنسان وحريته ووحدته وعلاقته بالوجود ، وموقفه الرافض للوحشية.
-----------------------
مراجع وإحالات :
1- " مرتفعات الحياة .. منخفضات الوقت " هناء حمش – أصوات عبر المتوسط – مركز الصداقة الفلسطيني للتنمية - غزة 2014.
2- جريدة الخليج – موقع على النت 2014.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا