الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموروث المقدس (هل تؤمن بالله؟ )

أنس نادر
(Anas Nader)

2018 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الموروث الثقافي الديني تحت عباءة المقدس, صوّر القوة المعنوية لهذا العالم برموز فوقية يحتاجها البشر لحاجتهم للأمان والاطمئنان والوصاية النفسية نتيجة ضعفهم الطبيعي والخوف من المجهول, واتخذها البشر كأسهل وأبسط الايجابات عن أعمق التساؤلات المعقدة بأنه يجب أن يكون هناك ثمة غاية روحية ومعنوية من هذا الوجود تدحض الفناء والعدم وتصطفي الخير والعدالة لهذه البشرية, وبالطبع إن التصاعد الثقافي للحضارة مهما بلغ من تقدم فإنه لن يستطيع أن يكون بديلا روحيا للبشر وسيبقى قاصرا عن ملئ فراغ الغيبيات واستحضار الراحة الأبدية المستعادة, وهذا الفارق الأساسي والجوهري بين بين قوى السماء المعنوية وقوى الطبيعة المادية, أو بين ثقافة الحضارة وتقدمها والمقدس الديني والروحي, فإن ما تصبو اليه الحضارة البشرية غالبا وما أنتجته وما تصبو اليه المثاليات الثقافية والفلسفية والعلوم الاقتصادية والقانونيه لا يختلف كثيرا عما تدعو اليه التعاليم الدينية وهذا طبيعي, فالمُثل الدينية لاحقا أتت من النسيج الثقافي للحضارة وهي من اقدم النظم والضوابط لحياة البشر. لكن الوقع الغيبي لها أبقاها في دائرة المقدس وأحجم تعاليمها عن التطور بما يتناسب مع ثقافة البشر المتطورة مثل نظيرتها المادية, وهذا ما أدى الى الجمود العقائدي والتعصب والفئوية الروحية, وأصبحت عبئا على ثقافة البشر أكثر من كونها مخلص ثقافي لها.
ومع كل ما سبق يبقى الرمز المقدس او الإله مستقلا بنفسه وقابعا في الضمير والطبقات الوجدانية العميقة, وعلى الرغم من قدرة بعض البشر على نكران التعاليم الدينية إلا أن قلة منهم يستطيعون نكران الرمز المقدس للدين لأن هذا سيحدو بهم الى قلق وجودي استطاعت ثقافة البشر الوجدانية ترسيخه كخلاص وملاذ معنوي في هذه الحياة, ولم تنتج كل العلوم بديلا معنويا له رغم ان الحضارة أظهرت تخلف التدين وعدم قدرته على المضي بها دون انشقاقات عقائدية في الجنس البشري.
وهنا يأتي السؤال البسيط (( هل تؤمن بالله ؟ )) والذي يخفي خلف بساطته تاريخ كامل من الصراع الفكري والتجربة الشخصية والموروث الثقافي الروحي المقدس للحضارة الغائر في الوجدان, فحتى لغير المتدينين فأي شخص سيشعر بقلق وجودي مهما كان راسخ التفكير والقناعة بعدم وجود إله لهذا العالم, ومعظم الذين يرفضون الإله يكون لهم فكر مطوَّر ومعدَّل لكيان وشخصية الاله ولكن بالنهاية يؤمنون بفكرة غيبية ما تفضي الى وجود قوة روحية أو معنوية تيسيّر هذا العالم, وأقلية شديدة تنكر وجود الاله بشكل علني وراسخ.
ما أردت قوله بالفعل ان فكرة الإله ببساطة تعبير عن الجانب المعنوي لهذا العالم, وقد تحولت هذه الفكرة الى صنم فكري بصفات مطلقة تحاكي أنانية تعلقنا بالعالم وغريزتنا في البقاء, وبالتالي أصبح الإله فكرة أنانية بدوره ايضا غير قابلة للفناء, وهنا تكمن خطورة فكرته وعدم نضجها المعرفي, فأصبح الجانب المعنوي للفكر يتصف بأنانية وذاتية وغائية ما يؤدي الى تشوه الفكرة المعنوية المطلقة للوجود, فالإله يغضب ويحب ويكره ويعاقب ويرحم ويعذّب ويأمر وينهي, ناهيك عن الفكرة الاساسية الغائرة في الانانية بأن أساس الخلق بكل بنائه وتداعياته ومصائره فقط من أجل عبادة وطاعة وارضاء هذا الإله.
وما اعتقده بالفعل أن هناك ثمة قوة معنوية وهي الأساس الذي تقوم عليه الحياة برمتها لهذا العالم وهذا يتبدى واضحا من تظاهرات الجمال اللامتناهي لمادة هذا الوجود بكل اتساقه وجدليات صراعاته, وفي مؤثراته في وعي وعواطف البشر في توقهم وشغفهم وعواطفهم المتجلية بالمتعة الأخاذة ووعيهم للجمال, فإن خياراتنا عبر كل الحياة التي نعيشها هي خيارات معنوية مهما بدت بأنها واقعية ومادية, فإننا نختار عملنا وأزواجنا ودراساتنا وكل نواحي احتياجاتنا المتعية او المصلحية بناءا على دوافع وأهواء معنوية نرغب بها او بالقيام بممارستها, والمتعة هي الاحساس بالجمال وبتجلياته سواء المادية او الروحية. فالجانب الروحي والجمالي للحياة هو منعكس معنوي وطبيعي للوعي من مادة وواقع الحياة نفسها, ولا يمكن أن يكون لمادة الوجود احساس ذاتي بوجودها وبجمالها فنحن فقط من نمتلك الوعي والاحساس بجمال مادة الوجود, وبالتالي يكون جمال هذا العالم وقيمته المعنوية لمادته هو منعكس معنوي لمادته لاأناني ولاذاتي الجوهر والمضمون, اي ان القيمة المعنوية لهذا العالم لا تعي نفسها وجمالها وعقالتها, وان الجمال هو الغاية المعنوية والمتعية الأصيلة بمادة الوجود والخلق والمحرضة على التطور والاكتشاف, ويأتي هذا مناقضا لما يحمله التصور الديني للحالة الروحية والمعنوية للوجود التي تنضوي على انانية مفرطة ومطلقة النوايا والغايات تعبر عن توق البشر وأنانيتهم المادية المباشرة لحالة وعيهم لهذا الوجود. وبالطبع نقصد بالأنانية هنا وعي الذات والشعور وبالانتماء الذاتي لما يحيط بنا, وهذا منعكس طبيعي لوعينا كوننا مخلوقات تمتلك أجساد مادية وغرائز فطرية لها حاجاتها المادية والواقعية للاستمرار, وبالتالي اسقط الانسان رموزه الأنانية التي تعيها مادة وجوده وذاتيته على القوة الروحية التي آمن بها, وباالرغم من البعد الروحي لهذه الحالة المعنوية الا انه كساها بالانانية التي يسقطها على نفسه جراء وعيه لذاته, وهذا ما حدا بتشخيص المقدس على نحو يشبه البشر بنزعاته واهوائه وكيانه, وأصبح الرمز المعنوي والروحي الديني يمتلك ذاتية وأنانية كما البشر. ولم يستطع الإنسان نزع الصيغة الأنانية عن المقدس الذي آمن به والارتقاء بالقيمة المعنوية لوعيه بسبب تكريس ثقافة الحضارة وسياقها لفئوية البشر نتيجة الحروب والنزاعات السياسية والرغبة في السيطرة والتسيد وهيمنة الشعوب على بعضها الآخر وتكريس الفوارق الاثنية والعرقية والعقائدية للمجتمعات.
وهنا يمكن أن نلخص الجواب على السؤال الذي طرحناه في البداية (( هل تؤمن بالله ؟)), ويسعني الإجابة هنا بكلمات بسيطة حاولنا شرحها فيما سبق, (( إن الله هو القيمة المعنوية لاتساق وجمال مادة هذا الوجود الذي يدركه وعينا, لاذاتي ولاأناني الكيان والمضمون....((هو هيئة الجمال الذي لا يعي نفسه, ولا يعقل جماله)).









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53