الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكنيسة القبطية وأبواب الجحيم

فرانسوا باسيلي

2018 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مأساة مقتل رئيس دير أبو مقار في نهاية شهر يوليو 2018 تستدعي المزيد من تأمل أوضاع الكنيسة القبطية اليوم.



لسنوات عديدة، كانت القيادات الكنسية في مصر في حالة دفاع دائم عن النفس أمام حالة التشنج الديني التي أصابت مصر منذ السبعينات وما تزال، وأدي ذلك إلي اضطرارها إلي التقوقع والتزمت والتراجع عن مواكبة العصر وهي بالكاد تحاول أن تتعايش مع مجتمع تراجع إلي كهوف الماضي وراح يضغط عليها هي وأتباعها من كل جانب، ولهذا كان طبيعياً أن تفرز تياراً مضاداً متزمتاً ومتقوقعاً كرد فعل غريزي، وبنما كانت كنائس العالم تتقدم نحو تفسيرات وتطبيقات ومعالجات دينية متجددة لمواكبة المفاهيم الجديدة الصاعدة، لم يكن أمام الكنيسة القبطية وشعبها سوي التوقف في محلك سر، فتخلفت عن تطور الفكر الديني المسيحي في العالم، وراحت تبرر هذا التخلف بأنه محافظة علي الثوابت والأصول، في محاكاة للخطاب الإسلامي الأصولي في مصر الذي كان يقول نفس الشيء، يقول أنه يعود للوراء محافظة علي التراث والثوابت والأصول، أي كان التوجه الديني القبطي ترديداً ومحاكاة للتوجه الإسلامي المتزمت في مصر، الذي عاد إلي تحجيب وتنقيب المرأة والحديث عنها بخطاب وصاية ذكورية مبتعث من موت القرون القديمة، فبدا غريباً بل مضحكاً وهو يصطدم بمفاهيم عصرية مختفلة ومخيفة له تماماً.



التيار المحافط المتشدد في الكنيسة القبطية اليوم إذن هو رد فعل غريزي، وبالتالي بدائي، لهجمة الدروشة الدينية الرجعية - الإخوانية السلفية أساساً - التي اجتاحت مصر لأربعة عقود الآن وما تزال، ولأن الكنيسة القبطية وشعبها لا تملك سوي أن تعيش وتعايش المجتمع حولها، لم يكن لديها خيار سوي مسايرة ما حولها بقدر الإمكان دون أن تفقد خصوصية ايمانها وتقاليدها المسيحية، وكان عليها أن تلعب دوراً بالغ الدقة والحذر في عمليات موازنة وموائمة يومية لا نهائية تضطر إليها لكي تستمر في التواجد أمام تيار إخواني-سلفي متشدد بالغ الشراسة بدت الدولة نفسها أمامه عاجزة أحياناً ومزايدة عليه أحياناً أخري.



هذا الوضع ما زال قائماً اليوم، ولذلك، ورغم ميلي الطبيعي لتيار التحرر في كافة جوانبه السياسية والإجتماعية والدينية، فلا يسعني لكي أكون منصفاً سوي أن ألتمس العذر، أو بعضه علي الأقل، للقيادات الكنسية السابقة والحالية في عدم قدرتها علي تشجيع تيار التحرر والتجديد الديني المسيحي في مصر، وها نحن نري أن النظام المصري نفسه بكل إمكاناته يبدو هو الآخر عاجزاً عن البدء في خطوات تحقيق الثورة الدينية التي طالب بها الرئيس السيسي، حتي ونحن علي وشك الدخول في العام السادس لحكمه.



هذا لا يعني أن يكون للتيار المحافظ أي عذر في لجوئه إلي أساليب غير عقلانية ولا مسيحية في رغبته الاستمرار في الحفاظ علي النفس بمحاربة والتهجم علي كل من ينادي بالإصلاح أو التجديد، فعدم القدرة علي التجديد بسبب ظروف سياسية ومجتمعية قاسية لا يعني تجريم أو إقصاء تيار التحرر والتحديث والمعاصرة، أو اتهامه بالخروج عن ألدين أو الهرطقة، كما حدث في الإتهامات التي وجهت ظلماً وعدواناً لاجتهادات الأب متي المسكين، وتيارات أخري مثل تيار العلمانيين الذي يطالب بإصلاحات أغلبها إدارية، وبعضها مناداة بالتوقف عن ممارسات قديمة إتضح خطلها، فلابد أن نعرف أن المستقبل هو دائماً لتيار التحرر، وأن التزمت والتشدد والإنغلاق لن يؤدي سوي إلي إنصراف الأجيال الجديدة عن الكنيسة بحثاً عن كيانات وأفكار أخري أكثر مساعدة لها علي معايشة عصرها.



لا أدعي أن هذا أمرٌ سهل، ولكن قيادة الكنيسة، أو قيادة أي شيء آخر، في هذه اللحظة المضطربة المشحونه بالأخطار في المنطقة كلها وليس مصر فقط، لا يمكن أن تكون أمراً سهلاً، بل هي في الواقع أمرٌ بالغ الصعوبة.

الأمر يحتاج إلي تكاتف الجميع لمواجهة هذا كله، يحتاج إلي كل الجهود وكل الآراء والأفكار، بدون إقصاء لأحد، بدون إتهامات شاطحة وهابطة لأحد، وبدون خطاب إتهامي جارح هابط بذيء.



المركب تحملنا جميعاً، ولا نملك سوي التذرع بالحكمة والشجاعة معاً لكي نعبر البحر المتلاطم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيدي الكاتب
احمد علي ( 2018 / 8 / 3 - 08:57 )
اسمها المسيحية الأرثودكسية والارثوذكسية معناها سلفية
يعني التعليم السليم النافع لجميع الأوقات الذي لا يتغير
فيؤمن الارثدكس على سبيل العموم والكنيسة القبطية على سبيل الخصوص انهم مبنيان بيد الرب عن طريق القديسين والقساوسة الموحى لهم من الروح القدس وبالتالي اي انتقاد لأي موروث كنسي أو لأي فعل للكنيسة
هو انتقاد مباشر للرب
هكذا هم يفكرون
وبعدها تطلب التجديد
يا استاذي الموضوع اكبر من كذا بكثير


2 - عما جاء بالمقال : الثورة الدينية
أنور نور ( 2018 / 8 / 3 - 13:43 )
يسميها آخرون - تجديد الخطاب الديني - ..عن هذا الموضوع : يوجد رؤساء التقطوا تلك العبارة من فم مفكر أو صحفي مستنير . فرددوها ببغاوياً .. ولكن هل لديهم من الوعي أو الذكاء أو الثقافة , ما يرقي لمستوي فهم ما رددوه ؟؟
كلا .. ولذلك فاحتسبت لهم - في البداية - ثم احتسبت عليهم . لكونهم لا تولوا فرض تطبيقها . ولا حموا من طبقوها

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد